الأنسجة الدهنية البيضاء هي الأكثر عرضة للتغيرات الأيضية الناجمة عن السمنة

الأنسجة الدهنية البيضاء هي الأكثر عرضة للتغيرات الأيضية الناجمة عن السمنة

28 أغسطس , 2022

ترجم بواسطة:

إيمان فهمي

دقق بواسطة:

ريم عبد الله

عندما يتعرض الجسم لنظام غذائي عالِ السعرات الحرارية، فإن الاستجابة الفسيولوجية ليست متماثلة وتُظهر بعض الأعضاء أو الأنسجة حساسية للإجهاد الأيضي أكثر من غيرها. تحت هذه الظروف، فإن النسيج الدهني الأبيض لتجويف الأحشاء هو الأكثر عرضة للتغيرات الأيضية المرتبطة بالسمنة، وذلك وفقًا لدراسة حديثة نُشِرت في مجلة ريدوكس بيولوجي وأشرف عليها البروفيسور بابلو إم جارسيا روفز من كلية الطب والعلوم الصحية بجامعة برشلونة، ومعهد بيلفيتج للأبحاث الطبية الحيوية (IDIBELL) ومركز شبكة البحوث الطبية الحيوية للفسيولوجيا المرضية للسمنة والتغذية (CIBEROBN).

يظهر هذا الضعف في حجم التغيرات الأيضية في الحيوانات السمينة وضعف استجابة الأنسجة، عندما تفقد نفس الحيوانات الوزن عبر تغيير نمط الحياة واستعادة الصحة الأيضية. وأظهرت الدراسة (القائمة على نموذج تجريبي حيواني) أنه عندما يفوق الضغط الفسيولوجي قدرة الأنسجة الدهنية البيضاء على الاستجابة، فإنها تصل إلى نقطة اللاعودة حيث تفقد المرونة الأيضية.

تشمل الدراسة مشاركة أعضاء من كلية الصيدلة وعلوم الأغذية ومعهد الطب الحيوي بجامعة برشلونة (IBUB)، ومعهد البحوث الطبية الحيوية (IDIBAPS)، وجامعة روفيرا الأول فيرجيلي، وجامعة رامون لول، ومركز أبحاث الطب الحيوي لمرض السكري وأمراض التمثيل الغذائي المصاحبة له (CIBERDEM)، وجامعة سانتياغو دي كومبوستيلا، وجامعتي كولونيا ولايبتزغ بألمانيا، وجامعة إنسبروك الطبية بالنمسا إلى جانب مؤسسات أخرى.

السمنة: الاضطرابات الأيضية والوصمة الاجتماعية

تُحدِثُ السمنة، والتي ما تزال موصومة في مجتمعنا، تغييرات فسيولوجية وأيضية هامة. يمكن اعتبار كثير من التغييرات التي تحدث في الأشخاص المصابين بالسمنة أنها مجرد تكيفات فسيولوجية لضغوط الإفراط في تناول السعرات الحرارية. لكن إلى أي مدى يمكننا أن نجعل هذا التناول المفرط مزمنًا؟ ما هو الحد الأقصى لمواصلة الضغط على أجسامنا؟

يقول الباحثان بابلو إم جارسيا روفز وباو غاما بيريز: “ليس من السهل تحديد هذه الحدود، وهذا يُعدُ أحد التحديات الرئيسية لدراسات السمنة وعلم الأحياء عمومًا”، كما أضاف: “قد يكون تجاوز هذه الحدود التكيفية هو ما يُفضِي إلى حدوث كل تلك الأمراض المصاحبة للسمنة والتي تُعدُ مصدر قلق كبير للصحة العامة”.

تتمثل إحدى الوظائف الأساسية للأنسجة الدهنية في تخزين الدهون وتنظيم السعرات الحرارية الزائدة. أضاف غاما بيريز قائلًا: “إذا اختُزِنَت هذه الدهون في أعضاء أخرى، فإن عواقب ذلك تفضي إلى نتائج عكسية أكثر على الصحة. يزداد حجم الخلايا الموجودة داخل النسيج الدهني وتتضاعف وتتواصل فيما بينها للإبلاغ عن الضغوطات التي تتعرض لها. فعلى سبيل المثال، يُعد نقص التأكسج والالتهاب إشارات لا غنى عنها لخلاياهم للعمل بطريقة منسقة وتخزين فائض الدهون وإبلاغ الدماغ بأن احتياطات الطاقة مُغطَاة”.

الميتكوندريا عند نقطة اللاعودة

عندما تكون هذه الإشارات غير فعالة، ويصبح الإفراط في تناول السعرات الحرارية مزمنًا، تحدث الاضطرابات الأيضية وتتوقف الكثير من العناصر الخلوية عن العمل بشكل صحيح. كما أضاف المؤلفون أن الميتكوندريا (العضيات الخلوية المسئولة عن توليد الطاقة الأيضية) عنصر أساسي في فهم نقطة اللاعودة الفسيولوجية تلك.

وأضاف جارسيا روفز قائلًا: “وُجِدت بعض الارتباطات للعديد من التغيرات في التعبير الجيني وتخليق البروتين في الأنسجة الدهنية للحيوانات السمينة بوظيفة الميتكوندريا. وجدنا في دراستنا أن العديد من جوانب تكوين الغشاء الداخلي للميتكوندريا وبنيتها لم تكن على المستوى الأمثل وقد يكون لها تبعات وظيفية خطيرة”.

وتابع الباحثون: “ولا سيما وأن واحدة من أهم النتائج هي الخسارة الواضحة للغاية للمادة الوراثية الخاصة بالعضيّة، والمعروف باسم الحمض النووي للميتكوندريا”.

تأثير كرة الثلج على الاضطرابات الأيضية

وُصِفَ بالفعل الدور الذي تقوم به الميتكوندريا في الاضطرابات الأيضية التي تُحدِثها السمنة في الأنسجة الدهنية في المؤلفات العلمية. ومع ذلك، تُظهِر الدراسة الحديثة للمرة الأولى قدرة البصمة الفسيولوجية المرضية الناتجة عن السمنة على الاستمرار -بل وتصبح أكثر وضوحًا بمرور الوقت- بعدما تعود الحيوانات للصحة الأيضية أو عند تعافي العمليات البيولوجية الأخرى التي تغيرت في الأنسجة.

ينتشر هذا الضرر الفسيولوجي، والذي يمكن تعريفه على أنه ظاهرة كرة الثلج الناتجة عن إجهاد الفائض المزمن من السعرات الحرارية على الأنسجة الدهنية. وقد يشمل هذا الخلل الفسيولوجي أيضًا -إلى حدٍ أقل- البيروكسيسومات (العضيات الخلوية المشاركة في عملية الأيض الركيزة) والقضاء على مركبات الأكسجين التفاعلية (الضرر التأكسدي).

وأضاف كلٌ من ألبا غونزاليس فرانكيسا (نوفو نورديسك) وباو غاما بيريز (جامعة برشلونة)؛ وهما المؤلفان الأولان لهذه الدراسة: “تظل هذه التغييرات موجودة في الحيوانات بمرور الوقت، حتى عندما يزول الإجهاد الأيضي الناتج عن التناول المفرط للسعرات الحرارية. علاوةً على ذلك، تتعدى هذه الاختلالات إلى باقي المكونات الخلوية الأخرى وتُؤثر على عمليات بيولوجية جديدة (نقل البروتينات إلى الميتوكوندريا، أو تجميعها، أو تحللها فيما بعد). كما تابعا: “وعمومًا،  تنطوي هذه الحالة على إجهاد خلوي أكثر عمومية”.

لا يزال سبب عدم القضاء على هذه الميتكوندريا غير الوظيفية لتجنب مثل هذه السلسلة من التأثيرات الضارة غير معروف.

وتابع باو غاما بيريز كلامه قائلاً: “يُمثل تحلل النفايات – من مستقلبات وبروتينات وحتى العضيات بأكملها- التي لم تعد تؤدي وظائفها لتجنب المشاكل الرئيسية تحديًا كبيرًا للأجهزة الخلوية. ويُعدُ فهم دور آلية إعادة التدوير الخلوية أمرًا أساسيًا لفهم الصحة وتحديد الأهداف العلاجية المحتملة لأمراض التمثيل الغذائي. وتُظهِر نتائجنا مؤشرات واضحة على وجود إخفاقات في هذا الجانب، وهو ما سيساعدنا على فهم هذه الخسارة في المرونة الأيضية”.

التقدم بالعمر والأيض والسمنة

يُمثل العمر عاملًا حاسمًا في فهم استجابة الجسم لنظام غذائي عالِ السعرات الحرارية. وأبلغت المؤلفات العلمية عن أن الفئران الأكبر سنًا هم أكثر عرضة لهذه المشاكل من الفئران الأصغر سنًا.

تُعزز الدراسة الحديثة؛ والتي أُجرِيَت على الحيوانات الصغيرة، الفرضية القائلة بأن الإفراط في تناول السعرات الحرارية يُعجِل من فقدان اللدونة الأيضية، كما يُفضِي إلى حالة معينة من الشيخوخة المبكرة للأنسجة الدهنية. ومن ثم، فإن العديد من الحالات الموصوفة في الحيوانات البدينة تعيد إنتاج الكثير من علامات الشيخوخة هذه.

علاوةً على ذلك، لا يزال مجهولًا ما إذا كانت البصمة الفسيولوجية الموصوفة في الحيز الدهني الحشوي قد انعكست أيضًا في حيز الدهون تحت الجلدية. في المجال السريري، ما زالت كيفية استجابة الدهون الحشوية في هذه المواقف غير معروفة، كما أنه من الصعب الحصول على عينات بيولوجية بوسائل طفيفة التوغل (خاصةً من الأفراد النحيفين والأصحاء لاختبار الفرضيات).

أشارت بعض الدراسات التي حللت استجابات الدهون الحشوية لدى المرضى إلى زيادة الضعف في هذه الأنسجة، واصفةً تعديلات مشابهة جدًا لتلك الموصوفة في مقال ريدوكس بيولوجي.

يقول الخبراء: “إن فك شيفرة ما إذا كانت هذه البصمة نفسها تبقى في الأشخاص الذين تمكنوا من مكافحة السمنة سيكون تقدمًا هامًا في فهم عواقبها، وقبل كل ذلك، في تصميم الاستراتيجيات العلاجية”.

ويختم فريق البحث كلامه قائلًا: “تُشير دراستنا إلى بعض البيانات الأولية من دراسة جراحة علاج البدانة من خطوتين، مع فقدان ملحوظ للوزن وتحسين الأيض بين التدخلين اللذين خضع لهما المرضى. وقد يشير حجم التغييرات في التعبير الجيني بعد هذه التحسينات إلى بعض التشابهات مع ما لاحظناه في الدراسات قبل السريرية. على أي حال، فإنه من الضروري تصميم دراسات قوية يمكنها بحث هذه المسألة بأكبر قدر ممكن من الدقة في المرضى المصابين بالسمنة من أجل تحسين صحتهم ونوعية حياتهم”.

المصدر: https://medicalxpress.com

ترجمة: إيمان فهمي عبد المجيد

تويتر: eman_fahmy7

مراجعة وتدقيق: ريم عبدالله


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!