crossorigin="anonymous">
5 أغسطس , 2022
إن ما يطلق عليه نرجسية الأبوين المؤذية يشمل أبوين في حاجة إلى تلقّي مقدار مفرط من الإعجاب والاهتمام على حساب نموّ أطفالهم وتطورهم بطريقة صحّيّة. يرتبط ذلك باختلال الشخصية النرجسية، ولكن ليس دومًا. وفي الوقت ذاته، لا يُقدم كل الآباء ذوي الشخصيات النرجسية على إيذاء أطفالهم.
يكون من السهل أحيانًا تمييز الوالدين النرجسيّين: غالبًا ما يكون لديهم شعور عظمة حيال أهمّيتهم الذاتية وتكون سلوكياتهم أنانية ومدمّرة. ومع ذلك، فإن فئة من الوالدين النرجسيّين المستتِرين يظل من الصعب تمييزها. فظاهريًا، يَبدون في الغالب وَدودين وبديعين، إلا أنهم قد يُضمرون مشاعر غيرة وحقد تجاه أطفالهم.
إن سلوك الآباء الذين يعانون من النرجسية المتعاظمة غالبًا ما يكون مؤذيًا بطريقةٍ جليّةٍ، إذ إنهما يستعملان أبناءهما كمصدر لتغذية نرجسيّتهما. بعبارةٍ أخرى، يرى هذا الصنف من الآباء أطفالهما كامتداد لهم. يجبرانهم على تحقيق إنجازات في هذا العالم، يعيشان بالتّفويض (من خلال أطفالهما)، ويتلقّيان المديح والاعتراف الذي كان في الأصل موجّهًا لما حقّقه أطفالهما. وهذا أمر بالغ الخطورة لأنه يحرم الطفل من فرصة تكوين هويته الخاصة.
إذا كان لديك أب أو أم نرجسية، فإن إبداء مشاعر الألفة أو الحنان من طرفه (ا) يكون رهينًا بقيامك بما يرضيه (ا). في حالة تعثّرك، خسارتك لمسابقة، أو عدم تحقيقك لما كان متوقَّعًا منك، فإن الأب أو الأم النرجسيّان قد يُحجمان عن التعاطي معك بحنان، ويحرمانك من حبّهما ورضاهما عنك، الأمر الذي قد يخلق شعورًا بالتشوّش والوحدة. في ظل هذا الصنف من الأذى النرجسي، لا فإن الطفل لا يُعامل كشخص وإنما كجائزة (مصدر للفخر والإنجاز والإشباع النرجسي).
إن إحدى العلامات الدامغة على كون أحد الوالدين نرجسيًا هي غياب الحدود. قد يتخطّى الأب أو الأم حدود ما هو لائق أو مسموح مثل تفتيش أغراضك دون إذن، التجسس على هاتفك، أو اقتحام غرفتك دون استئذان أو طرق على الباب. كما أنهما قد يرغبان في الانخراط في حياتك بطريقة غامرة، فيتوقّعان أن تشاركهما كل تفاصيل حياتك، وقد يرغبان في معرفة مكان وجودك طوال الوقت.
في هذا الصنف من الأذى النرجسي، من الشائع للغاية أن يعتبر الوالدان أحد أبنائهما “الطفل الذهبي” المميّز، بينما يكون الطفل الآخر كبش فداء الأسرة. ففي حين يُغدقان على طفلهما أو طفلتهما الأثير(ة) بالاهتمام والحنان والهدايا، لا يتلقى الآخر سوى التجاهل والانتقاد. وهذا الأمر قد تترتّب عنه نتائج كارثية بالنسبة لِكِلا الطفلين على حدٍّ سواء. قد يساور الطفلَ المحظوظَ شعور بالذّنب بخصوص الإقصاء الذي يتعرض له أخوه أو أخته، لكن لا حيلة لديه أمام تغيير دينامية تعامل والديه التمييزيّ بينهما.
ثم إن الطفل الأثير بدوره ليس محصّنًا أمام حلقة “التّقدير والتّحقير” تلك التي أطلقها أحد والديه النرجسيّين أو كلاهما. فحينًا، يكون محبوبًا يتلقى المديح والإشادة؛ وحينًا آخر قد يُتخلّى عنه، يتم انتقاده وإهانته.
من جهة أخرى، يتم تكييف الطفل الأثير على اتباع “سيناريو الرِّفعة والنجاح” الذي يضعه الأب أو الأم النرجسيّان، حيث يجد نفسه عالقًا في دور “الطفل المثالي” الذي يحقق إنجازات على الدوام، ولا يفشل على الإطلاق. إذا تمت تربيتك على أساس أنك الطفل الذهبي بأسرتك، فعلى الأرجح أن والديك لم يكونا قادرَين على تقبّل أي علامة على الفشل أو النقص فيك، وحين ترتكب خطأً – وهو الأمر الذي لا مفر منه طبعًا – قد يغضب الأب أو الأم النرجسيّان فيمرّان إلى التّعنيف اللفظي أو الجسدي. في النهاية، قد يراودك شعور بأنك مُطارَد على الدوام، بالخوف العميق من الفشل، وكذا بالفراغ الناتج عن عدم معرفتك لنفسك، من تكون. قد تشعر أيضًا أنه ليس بمقدورك أن تقوم بأي شيء بطريقة صحيحة وأن قيمتك مبنيّة أساسًا وحصرًا على ما تحقّقه من إنجازات.
هذا الصنف من الآباء النرجسيين يرتبط بأحد أنواع النرجسية: “النرجسيّ الهشّ”.
إن النرجسيّين من هذا النوع يتميزون بشعورٍ عميقٍ بعدم الاطمئنان ومشاعرَ متقلّبة. هذا الصنف من الأذى الأبوي النرجسي يصعب جدًا تحديده والتعرف عليه لأن المعتدي غالبًا ما يبدو ضعيفًا ويعبّر عن مشاعر العنف الكامنة بداخله بطرق خفيّة وغير فعّالة. إن العنف الذي يمارسه يهدف إلى إحداث أذية سيكولوجية، في حين أن الأب أو الأم النرجسيّان يهدفان إلى تجنّب النزاع والمواجهة.
غالبًا ما يشعر هذا الصنف من الآباء النرجسيين بالفراغ في حياتهم. وللتعويض عن هذا الشعور بالنقص والدونية، يلجآن إلى تحكم نرجسي في طفلهما، كما أنهما – في الآن ذاته – مرتبطان به ويعتمدان عليه عاطفيًا: يجد الطفل نفسه، وهو ما يزال في نعومة أظافره، يلعب دور مقدم رعاية، مستشار، أو حتى في دور الأب أو الأم. قد يشعر الطفل بأنه مسؤول عن الحالة العاطفية لأحد والديه، الأمر الذي قد يدفعه إلى كبت رغباته الخاصة من أجل إشباع رغبات أبيه أو أمه النرجسيّان.
حين يشعر أحد الوالدين بعدم الرضا وغياب الإشباع في علاقة زواجه ويستعمل أحد أطفاله بمثابة “زوج بديل” أو خليل، فإن ذلك يسمّى “زنا المحارم العاطفي” (emotional incest). في بعض الحالات، قد لا يعي الوالد النرجسي ما يقوم به، لكن الأذى الواقع على الطفل قد يكون مدمّرًا، كما أنه قد يصاحبه طوال عمره.
إذا كان أحد والديك متطلّبًا ونرجسيًا، يمكن أن تراقب مقدار تعطّشه (ا) لتلقي الاهتمام والمصادقة منك. فغالبًا ما يكون النرجسيّون هشّين، لذا يعتمدون على الآخرين من أجل ملء مخزونهم النرجسي الذي ينبني عليه شعورهم الجيد وهويّتهم. غالبًا ما يجعلون من أطفالهم معالجيهم، ويتوجهون إليهم طلبًا للدعم والنصيحة، وهو الأمر الذي قد يقود الطفل إلى إحباط وإرهاق شديدَين.
كلما حاولت فصل نفسك عن والدك أو والدتك النرجسي (ة)، مثل قيامك بتغيير مسكنك أو إيجاد شريك جديد، فإن والد(ت)ك النرجسي (ة) قد ينغمس في حالة اكتئاب وشعور بالحسرة والمرارة، يتخلّى عن الاهتمام بنفسه، وفي الحالات المتطرفة، قد يهدد بالانتحار. قد لا يكون الوالد النرجسي متلاعبًا عن قصد، أو يَحيك الخطط والمؤامرات ضدك، لكنه مع ذلك يظل بطبيعته راغبًا في التحكم فيك.
وبالنسبة للآباء الذين يعانون من القلق، فإن نواياهم المبطّنة هي التدخل في حياة ابن(ت)هما وتكريس تبعيّته (ا) لهما حتى لا يهجرهما. بالنسبة لهؤلاء الآباء، الذين لا يستطيعون الشعور بذواتهم خارج دور “الأب”، فإن احتمال فقدان طفلهما واضطرارهم لمواجهة شعورهم الداخلي بالخواء يظل شعورًا مرعبًا.
كما أن الأب أو الأم قد يجعلانك تشعر بالذنب من أجل الحصول على الموافقة التي تتوق إليها رغباتهم النرجسية. قد يستعملان أحد العبارات مثل “أوه، كم أنا سيء(ة)!” أو “أنا أم سيئة!” أو “أنا لا أستحق حبّك!” من أجل حملك على كيل المديح لهما وطمأنتهما بعكس ذلك.
إذا كان لديك أب أو أم نرجسية يتحكّمان في حياتك بطرق مستترة، قد يكون من الصعب جدًا رسم حدود صحيّة في التعامل معهما. حتى حين تبلغ رشدك وتغدو بالغًا، قد تشعر بأنك عاجز عن التمسك برأيك أو الرفض في وجههما. قد تشعر بأنك تخشى – حدّ الرعب – الدخول في نزاعات، تعتذر على الدوام وتشعر بالذنب، وغير قادر على التأكيد على رأيك بحزم، سواء في علاقاتك الشخصية أو في العمل. ربما أنه قد تمت تنشئتك على الشعور بالذنب لمجرد أنك وضعت صحتك وسعادتك قبل كل شيء.
يغمر الفرحُ معظم الآباء لدى رؤيتهم لأبنائهم وهم يكبرون ليصيروا بالغين ناجحين. إلا أنه للأسف الشديد يوجد بعض الآباء النرجسيّين الذين لا يستسيغون فكرة أن يتفوّق عليهم أحد، بما في ذلك أبناؤهم، فلذات أكبادهم، لأن هؤلاء الآباء في حاجة لأن يكونوا في مركز الاهتمام على الدوام. إنهم لا يطيقون فكرة أن يفوقهم أحد نجاحًا، لذا فهم يلجؤون لأي شيء في سبيل الحفاظ على السيطرة.
إذا أحسن الابن أو البنت عملًا، أو تفوّقا على نفسيهما والمتوقَّع منهما بطريقةٍ ما، وحتى ولو لم يُذنبا في أي شيء البتّة، فإن ذلك يؤدي لشعور الآباء النرجسيين بالإهانة والدونية. إن الأب أو الأم النرجسيان لا يستطيعان التعامل مع شعور أن يتم التفوق عليهما أو تهميشهما من طرف ابنهما أو ابنتهما. حينها يتصرفان بغضب، وتَعتَمِل بصدريهما مشاعر الحسد والإهانة. ويتمظهر ذلك من خلال الهجوم والانتقاد، العبوس الدائم، أو التعامل الصامت.
قد يكون الأب أو الأم النرجسيّان غيورَين من الاهتمام أو العناية اللذان يحظى بهما ابنهما أو ابنتهما، من شبابه (ا)، مظهره (ا)، أو جانب من حياته (ا) الذي قد يَرَيان أنه قد يشكّل تهديدًا للأنا النرجسية بداخلهما.
إذا كنت طفلًا لأب أو أبوين نرجسيّين، فإنك ستشعر على الدوام كما لو أنك تمشي بحذر فوق بيض هشّ، تخشى أن تكسره. لا تعرف متى قد يتغيّر مزاج أحد الأبوين النرجسيّين أو كليهما، فيعصف وينفجر في وجهك.
حين تنجز أمرًا ما، ستجد أن والديك يحاولان أن ينجزا الشيء ذاته، محاولَين التفوق عليك. على سبيل المثال، قد يقتنيان مثل ما تقتني من حاجات، يقلّدانك في اللّباس، ويفعلان مثل ما تفعل. قد لا يعترفان بذلك، لكنهما بذلك يتنافسان معك على الدوام.
ومع مرور الوقت، ستتعلم كيف تكتم كل الأخبار السعيدة عن والديك النرجسيّين. ستدرك أن كل ما يحصل في حياتك من خير سيُقابل بالثّأر أو القَصاص أو منافسة غير صحيّة من قِبلهما. كما قد ينتهي بك المطاف بشعور بالذنب لكونك محبوبًا وناجحًا، الأمر الذي قد يدفعك إلى عرقلة نفسك ونجاحاتك بنفسك قبل أي شخص آخر.
إذا نشأ الطفل مع والدين نرجسيّين، فقد يشعر بأن حياته قد سُرقت منه، لأن النرجسي يسعى دومًا ليكون تحت الأضواء، في مركز الاهتمام، ما يعني أن الطفل سيقبع مهمَلًا في الخلفية على الدوام. بعض النرجسيّين يرون أبناءهم كامتداد لهم؛ إذا لم يرقَ الطفل للتطلّعات، فقد يُعاقب بقسوة ووحشية. بينما يتحكم آخرون في أبنائهم بطريقة مستترة ويتوقّعون أن يحظوا هم بالرعاية والاهتمام، حتى ولو كان ذلك على حساب صحة الطفل ونموّه السليم.
إذا كنت طفلًا لأب أو أم نرجسيّين، قد يكون مفيدًا أن تتعلّم إقامة حدود صحّيّة، فهم مشاعرك، ومنع هذه التجربة المؤلمة والصادمة (trauma) من المرور إلى الجيل الموالي. حتى ولو كان الأمر منافيًا لما تم تلقينك وتؤمن به، فإنك لست مسؤولًا عن سعادة والديك. في نهاية المطاف، أنت لا تستطيع انتشالهما من حالة الأذى التي يعيشانها، ولا أنت تستطيع تغيير سلوكياتهما المَعيبة والمعطوبة تلك. ثم إنك لن تستطيع عيش بقيّة عمرك في محاولة جعلهما سعيدَين ومنحهما التأكيد الذي يحتاجانه.
وربما تكون (ين) كذلك في حاجة إلى رثاء طفولة ضائعة كنت تستحق(ين)ها لكنك لم تحظ(ي) بها قط.
إن كل ما عشته من آلام وشتائم كانت حقيقيّة، لكن التجربة الصادمة (trauma) الناجمة عن الأذى النرجسيّ لا تكون مسمومة ومؤذية إلا إذا ظلّت مستتِرة. حالما تعتزم فحص آلام الماضي وتقبّل تجربة طفولتك على حقيقتها، فلن يكون لماضيك أي تأثير مسموم عليك.
من المهم والضروري أن تمنح نفسك فرصة الشعور بتلك المشاعر به عوض كبتها. ورغم أنك قد لا تتوقّف مطلقًا عن الشعور بالأسى على طفولتك الضائعة، إلا أن شدّة المشاعر والغضب ستخفّ بمرور الوقت شيئًا فشيئًا. كونك الآن بالغًا، يجب أن تدرك أن التخلّي عن الماضي لا يعني جعل كل شيء مثاليًا، بل الشعور بخفّة أكبر، بالانسجام مع الحقائق، وتحقيق شعور أكبر وأعمق بالسّكينة.
لا أحد يستطيع التحكم فيمن سيكون في والداه، ولم تكن غلطتك أنك وُلدت في تلك العائلة بعينها. لكنك الآن تملك الفرصة لتغيير واقعك. الأمر عائدٌ إليك.
المصدر: https://www.psychologytoday.com
ترجمة: أنس غطوس
مراجعة وتدقيق: زينب محمد
اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية
اترك تعليقاً