ابق عقلك في سلام، لا حرب

ابق عقلك في سلام، لا حرب

1 أغسطس , 2022

ترجم بواسطة:

نورة سعود

دقق بواسطة:

زينب محمد

أعني بالحرب هنا “الحالة العقلية” لا حروب الدبابات والقنابل بين الدول. فإن الحرب التي أشير إليها هي موقف من الصراع والعداوة تجاه شخص أو شيء أو حالة. 

فيمكن للآباء أن يقيموا الحرب مع مراهقٍ يسيء التصرف، أو يمكن للجيران أن يقيموا الحرب ويتشاجروا مع بعضهم البعض على السياج، أو حتى الآباء المطلقون الذين لا ينفكون عن المشاجرة والقتال خلال العطلات. بل إن الحرب والصراعات والشتائم تُوجد أيضًا بين الأشخاص العالقين في حركة المرور، أو حتى بينك وبين الكرسي الذي صدمت إصبع قدمك به عن طريق الخطأ! 

في صيف السادسة عشر من عمري عملتُ كمستشارٍ في أحد المخيمات بجانب المحيط الهادئ، وكان هنالك الكثير من نشاطات الغطس الارتجالية بدون معدات للغوص في غابات أعشاب البحر داخل المحيط. وفي إحدى المرات سبحت بحماقة في كومة من عشب البحر معتقدًا أن هناك مياهًا صافية على الجانب الآخر من الأعشاب، ولكن لم يكن هناك سوى المزيد والمزيد من الأعشاب البحرية بأوراقها البرتقالية الكثيفة والطويلة التي تصل من أدنى قاع البحر. 

كنت محاصرًا من كل جهة والهواء ينفد مني شيئًا فشيئًا وبدأت أشعرُ بالذعر. ‏حاولت أن أقاوم وأضرب أعشاب البحر كي أفلت منها ولكن لم يزد ذلك الوضع إلا سوءًا والتفتّ علي أكثر. وبعد مرور الكثير من الوقت اتضحت لي الرؤية أخيرًا ووجدت قناع الغطس الخاص بي ملتفًا حول عنقي وفصلت نفسي ببطء عن عشب البحر بدلًا من محاربته وشققتُ طريقي للأعلى أكثر فأكثر إلى أن تمكنت من رؤية السطح الفضي اللامع للمحيط فوقي ورفعت رأسي أخيرًا لألتقط الهواء. 

عقل في حرب

ما أحاول قوله هو أننا بالفعل نحتاج إلى أن نكون قادرين على الدفاع عن أنفسنا، والتعامل مع الأشياء الصعبة -بما في ذلك الغرق- وتغيير الخطأ والمحافظة على ما هو صحيح، ولكن ‏عندما نفعل ذلك ونحن نشعر بالغضب مثل السبّاح الغارق في أعشاب البحر، فهذا ليس بالأمر الجيد بتاتًا سواءً لنا أم للآخرين. فالعقل في وضعية الحرب والغضب مليء أيضًا بالضيق والخوف. أما الجسد فيرتعش ويزداد إجهادًا أكثر فأكثر، ونبدأ بالتحيز لمعتقداتنا وآرائنا الخاصة وحتى ردود أفعالنا؛ مما يدفع بالآخرين للدخول في حروبٍ لا نهاية لها معنا. 

أن تقع في وضعية المحارب والغاضب أمر مفهوم وطبيعي للغاية. فتعد القدرة والميل لخوض حرب أو عراكٍ ما جزءًا من الطبيعة البشرية (مثلها مثل التعاطف وضبط النفس والإيثار والحب وغيرها). ولكن متى يحدث ذلك؟ يتشكل هذا الجزء من الشخص بشكلٍ أكبر من خلال الطفولة وتجارب الحياة وثقافة المجتمع المحيط به، بل حتى من خلال الصعوبات الاقتصادية أيضًا. ثم بعد ذلك، تتدخل العوامل النفسية مثل التماهي واستكشاف “كينونتك الأساسية” ورأيك ووجهة نظرك ضد الآخرين والمجتمع بشكلٍ عام. 

ولكن، مهما تعددت الأسباب فإن العقل الغاضب والمحارب هو مسؤولية الشخص الذي يمتلكه وليس الآخرين. 

التمرين

لكي تتخلص من وضعية العقل الغاضب والمحارب فيجب عليك أن تبدأ بملاحظة المسببات التي تجعل منك غاضبًا وأن تعي بعواقب هذا الغضب والحرب وأن تعي أيضًا بمبرراتك الداخلية لهذا الغضب. فيجب أن تسأل نفسك: كيف أثرت طفولتك وخبراتك الحياتية على أسلوبك في الصراع اليوم؟ هل تعارض وتغضب وتحارب لأنك لا تعرف طريقةً أخرى للتعبير عما يجول في خاطرك؟ عندما تفهم هذه الأسباب بشكل أعمق؛ سيكون لها قوةُ قليلة عليك. 

احرص على معرفة الأسباب التي تستفزك ولاحظ مشاعر التوتر والانفعال في جسدك والصراعات المتكررة مع الآخرين. كُن واعيًا لهذه الحالة ومدى تأثيرها على الآخرين وحتى المتفرجين الأبرياء الذين لا علاقة لهم بهذه الصراعات مثل الأطفال. وبعد النظر إلى كل هذه العواقب، اسأل نفسك: هل أريد أن أكون في هذه الحالة مسببًا تلك العواقب الوخيمة لي وللآخرين؟ ثم قم باختيار موقفك حسب جوابك. لحظة الاختيار الصادقة الخالية من أي غضب هي المفتاح، فبدونها يكتسب زخم النزاع حياة خاصة به. 

اختر موقفًا معينًا وتخيل أنك قوي الحُجة ولا حاجة لك بدخول نزاعٍ ما ورمي جمرٍ ساخن يحرق نفسك والآخرين. كيف يمكنك أن تكون حازمًا وواضحًا دون أن تقع في برّ العداء والصراع؟ تخيل شخصًا يجسد قوةً حازمة وثقة عالية بالنفس ولا يتفاعل مع استفزاز الآخرين له، كيف يمكن لشخصٍ مثل هذا أن يتصرف إذا ما كان في موقفك؟ ثم تصرف مثله. 

اعتن بمصالحك وعلاقاتك الحقيقية وما تريد بأفضل ما يمكنك، وإذا كان ذلك مناسبًا حاول أن تتصالح مع شخص قد تجادلت معه من قبل. ولكن إذا تجاهل الشخص الآخر جهودك في الإصلاح مهما حاولت واعتذرت مرارًا وتكرارًا، فمن الممكن أنك قد تحتاج لتقليص هذه العلاقة والكف عن المحاولة لأن الطرف الآخر ببساطة ليس مهتمًا بإصلاح هذه العلاقة مثلك. 

خلاصة القول، لاحظ نفسك من الداخل بمشاعرك وانفعالاتك عندما تكون في حالة حربٍ ونزاع بدلًا من الانغماس في إتهام وتهديد من هم حولك. انظر إلى المعاناة التي يعانيها الآخرون ونفسك وانظر ما إذا كان بإمكانك التعاطف مع جميع الأطراف حتى لو كان ذلك صعبًا. العالم الخارجي قد لا يتغير، ولكنك تستطيع تغيير عالمك الداخلي. إذا أنهيت الحرب برأسك؛ فستشعر بتحسن وتتصرف بشكل أفضل وتحافظ على علاقاتك الثمينة، مما قد يساعد العالم من حولك على التغيير للأفضل أيضًا. 

المصدر: https://www.psychologytoday.com

ترجمة: نورة سعود

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!