وأخيرًا، يمكننا معرفة لماذا تسبب دواء شائع لعلاج داء الصرع  بعيوب خلقية

وأخيرًا، يمكننا معرفة لماذا تسبب دواء شائع لعلاج داء الصرع بعيوب خلقية

28 يوليو , 2022

ترجم بواسطة:

شاهندة جبريل

دقق بواسطة:

زينب محمد

يمكن أن يسبب دواء حمض الفالبرويك – وهو دواء شائع الاستخدام في علاج داء الصرع واضطراب ثنائي القطب- عيوب خلقية واضطربات النمو عند الأطفال إذا أُخذ أثناء الحمل. ولكن سبب حدوث ذلك لطالما ظل لغزًا.

والآن، اكتشف العلماء في دراسة باستخدام نسيج بشري ونسيج مأخوذ من الفئران أن هذا الدواء يثبط بعض الخلايا الجنينية ويجعلها في حالة توقف بحيثُ لا تستطيع النمو أو الانقسام بشكل صحيح.

وبدفع الخلايا الرئيسية وهي الخلايا الجذعية للوصول إلى هذه الحالة والتي تدعى الشيخوخة الخلوية، يمكن أن يُحدث دواء حمض الفالبرويك خلل في نمو دماغ الجنين داخل الرحم مسببًا بذلك اضطرابات النمو وأمراض خلقية في المستقبل وذلك طبقًا للدراسة التي نشرت في مجلة بلوس بيولوجيا (PLOS Biology) يوم الثلاثاء 14 يونيو.

وتُقدر نسبة الأطفال الرضع الذين تعرضوا إلى الدواء داخل الرحم وحدث لهم اختلال معرفي أو اضطراب طيف التوحد بحوالي من 30 إلى 40%  تقديريًا، وذلك كما أشار  إليه مؤلفو الدراسة في تقريرهم ونَوهت أيضًا هذه الدراسات المعملية عن سبب حدوث ذلك.

كما يمكن أن يسبب دواء حمض الفالبرويك لفئة من الأطفال المُصابة عيوب خلقية تتجاوز الدماغ من ضمنها تشوهات في القلب والسنسنة المشقوقة (عيب خلقي متعلق بالعمود الفقري والحبل النخاعي)، وهي حالة تحدث عندما لا يتكون العمود الفقري بشكل صحيح وبالتالي يصبح الحبل الشوكي مكشوفًا. 

ولكن، اقترحت دراسة جديدة أن هذه العيوب الخلقية الجسدية تُحفز عن طريق آلية مختلفة غير الاختلالات المعرفية على الرغم من ارتباط حدوثها أيضًا بدواء حمض الفالبرويك، وذلك كما صرح بيل كيز قائد فريق في معهد علم الوراثة والبيولوجيا الخلوية والجزيئية الموجود في مدينة ستراسبورغ بفرنسا وباحث رئيسي في الدراسة لصالح موقع لايف ساينس Live Science.

الفئران والأدمغة المصغرة

 طبقًا لقاعدة البيانات الطبية على الإنترنت ستات بيرلز StatPearls، فإن دواء حمض الفالبرويك يؤثر على الجسم بطرق عدة عند تناوله كعلاج لداء الصرع أو اضطراب ثنائي القطب. فعلى سبيل المثال، يغُير الدواء مستويات ناقلات كيميائية محددة في الدماغ كما يُغير أيضًا في نوع الجينات التي يمكن تنشيطها داخل الخلية في أي وقت.

وطُرح دواء حمض الفالبرويك في الأسواق لأول مرة في الستينات كمضاد للتشنجات، ولكن بحلول الثمانينات أصبح واضحًا صلة الدواء في حدوث عيوب خلقية. وذلك طبقًا لما ذُكر على بي بي سي نيوز.

واقترح بحث أُجري لاحقًا على القوارض والقرود أنه يمكن للدواء إحداث خلل في المراحل الأولى لتكوين الجهاز العصبي وذلك عند تناوله خلال الأسابيع القليلة الأولى للحمل.

ويبدو أن هذا الخلل يحدث تقريبًا في وقت تكَون وغلق الأنبوب العصبي، وهو عبارة عن أنبوب مجوف من الأنسجة التى تُصبح لاحقًا المخ والحبل الشوكي. ويكون هذا الوقت عادةً ما بين الأسبوع الرابع والسادس من الحمل في حالة الأجنة البشرية وذلك طبقًا لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC).

ولفهم كيفية تتدخل دواء حمض الفالبرويك بالمراحل الأولى للنمو، عَرّض قائد الفريق كيز وزملائه أجنة فئران للدواء. ووُجد أن الأنبوب العصبي لهذه الأجنة التي تعرضت للدواء عجز عن الغلق في الغالب. ولاحقًا أثناء تطورهم، نمت أجنة الفئران بأدمغة ورؤوس صغيرة بصورة غير  اعتيادية.     

وتبين أن خلايا القوارض التي تعرضت لدواء حمض الفالبرويك تحمل إنزيمات تظهر فقط في الخلايا التي حدث لها شيخوخة خلوية. ولكن نفس هذه الإنزيمات لا تظهر في خلايا الفئران الصحية التي لم تتعرض للدواء. وظهرت هذه الواسمات الدالة على حدوث شيخوخة خلوية تحديدًا في خلايا عصبية ظهارية تعرضت للدواء. والخلايا العصبية الظهارية هي نوع من الخلايا الجذعية التي يُنتج منها لاحقًا خلايا الدماغ. 

وللتحقق من استطاعة دواء حمض الفالبرويك من تحفيز حدوث شيخوخة خلوية للخلايا البشرية، أجرى الفريق تجربة مماثلة باستخدام مجموعات ثلاثية الأبعاد من الخلايا العصبية البشرية والتي تُعرف باسم عضيات الدماغ.

وتطابق هذه العضيات أدمغة بشرية مصغرة مشابهة في تركيبها ووظائفها للعضو بحجمه الكامل. عَرّض الباحثون العضيات لدواء حمض الفالبرويك ووجدوا أن الدواء أدخل عضيات الخلايا العصبية الظهارية في شيخوخة خلوية كما حدث تمامًا مع أجنة الفئران.

وكما قال كيز: “كان هذا إثبات جيد لنا حقًا، فتمكنا من إعداد واختبار العضيات، ومن ثَم إطلاعنا على حدوث الشيخوخة الخلوية في نفس نوع الخلية بالضبط”. وبسبب أن التعرض لدواء حمض الفالبرويك يدفع عضيات الخلايا العصبية الظهارية للدخول في حالة توقف، فتصبح العضيات التي تعرضت للدواء أصغر بكثير من التي لم تتعرض له.

كيف بالتحديد يدفع دواء حمض الفالبرويك الخلايا للدخول في الشيخوخة الخلوية؟  اكتشف الفريق بأنه يُنشط جين معين غالبًا ما يظل في حالة غير نشطة خلال النمو الجنيني.

ويُكوِد هذا الجين جزيئًا يُسمى (p19Arf)، والذي يصبح نشطًا في مرحلة البلوغ ويساعد في إزالة الخلايا السرطانية وخلايا الشيخوخة من الجسم. لكن بالرغم من فائدته في البالغين، إلا أن وجود هذا الجزيء في الأجنة يدفع الخلايا الرئيسية للدخول في شيخوخة خلوية ويُحدث خلل في تتطور الجهاز العصبي.

عندما عُدلت الفئران جينيًا بواسطة الفريق بحيث يكونوا غير قادرين على إنتاج جزيء (p19Arf)، أصبحت القوارض حصينة لبعض تأثيرات دواء حمض الفالبرويك وتمكنت أدمغة الفئران من النمو بحجمها الطبيعي.

وطبقًا لما قاله قائد الفريق كيز، إنه وبالرغم من ذلك ظهرت تشوهات في الحبل الشوكي للفئران. ويدل هذا على أن دواء حمض الفالبرويك سبب هذه التشوهات عن طريق آلية مختلفة.

كما قال ريتشارد إتش فينيل، وهو بروفيسور يعمل في مركز تعزيز الصحة البيئية وأيضًا في عدة أقسام أخرى في كلية بايلور للطب والذي لم يكن مشاركًا في البحث: ” أعتقد أن قوة الدراسة تكمُن في استخدام كلاً من العضيات البشرية وأجهزة الفئران كنموذج للدراسة”.

وصرح أيضًا لموقع لايف ساينس (Live Science) من خلال بريد إلكتروني: “أكدت التجارب على عضيات، أي الجينات، تأثرت عند التعرض لدواء حمض الفالبرويك وأوضح استخدام الفئران كنموذج للدراسة كيف انتشرت آثار الدواء في حالات الحمل المستمرة”.

وأضاف كيز أيضًا: “ولكن هناك العديد من الاعتراضات الموجهة إلى نموذجنا”.

فمثلاً، عَرّض الفريق فئرانهم والعضيات لعدة جرعات عالية من دواء حمض الفالبرويك خلال فترة زمنية قصيرة بينما في الواقع يأخذ المرضى جرعة منخفضة ثابتة من الدواء على مدار فترة زمنية أطول.

وطبقًا لما قاله قائد الفريق كيز، اتباع نظام الجرعات العالية لفترة زمنية قصيرة في التجارب يمكن أن يكون سببًا لتحفيز تأثيراً مُفرطًا في خلايا الفئران والعضيات والذي ليس بالضرورة مطابقته في الأجنة البشرية.

فبمعنى آخر: بالرغم أن الفئران والعضيات المستخدمة في الدراسة أظهرت حدوث شيخوخة خلوية في جزء كبير من خلاياهم العصبية الظهارية، فالتأثير على الأجنة البشرية من المُحتمل أن يكون جزئي.

وأكمل قائلاً: “إذن يمكن في النهاية أن يولد الطفل ببعض التشوهات في بعض المجموعات من الخلايا، ونظريًا هذا بالتالي سيؤدي إلى حدوث عيوب خلقية وسلوكية”.

وأضاف أيضًا: “يأمل الفريق بإعادة تجاربهم المعملية في المستقبل ولكن من خلال استخدام دواء حمض الفالبرويك بنظام أكثر دقة ليُحاكي التعرض للجرعات الحقيقية للدواء، وأقصد بذلك استخدام جرعة منخفضة على مدار فترة زمنية طويلة”.

فينبغي لهذه التجارب بجانب التحاليل الجينية المتعمقة أن تكشف تفاصيل أكثر حول كيفية تأثير التعرض لدواء حمض الفالبرويك على نمو الأجنة البشرية.

المصدر: https://www.sciencealert.com

ترجمة: شاهندة جبريل

لينكد إن:  shahenda-gebrel

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!