crossorigin="anonymous">
23 يوليو , 2022
يعتقد الكثيرون بضرورة تناول الفيتامينات والمعادن كمكملات غذائية للحفاظ على صحتهم، والوقاية من الأمراض، ولكن هل هذا التصور صحيح من الناحية الطبية؟
في توصياته الصادرة في شتاء هذا العام ٢٠٢٢، أوصى “المكتب العلمي المختص بالمكملات الغذائية” والتابع للمعهد الوطني الصحي بالولايات المتحدة الأمريكية (NIH – Office of dietary supplements)، بعدم الحاجة لتناول الفيتامينات والمعادن كمكملات غذائية، حيث إنه يمكن للفرد الذي يتناول غذاء متوازن أن يحصل عليها بكميات مناسبة.
طور خبراء التغذية في كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد “تي أتش تشان” (T.H.CHAN HARVARD)، نموذجًا شهيرًا يعرف ب”طبق الأكل الصحي” (Healthy Eating Plate)، والذي يوضح لنا كيف نُعد وجبات متوازنة صحية بحيث نتناولها بالمنزل أو حتى خارجه ووصفوه كالتالي:
كلما زادت أصناف الخضروات والفاكهة وتنوعت، عظُمت الفائدة. هذا وينبغي لنا أن نعلم أن البطاطس المقلية لا تندرج تحت بند الخضروات لتأثيرها السلبي على مستوى السكر بالدم.
مثل: القمح والشعير والشوفان.
مثل: الأسماك والدواجن والبقول والمكسرات، وينبغي لنا أن نقلل من تناول اللحوم الحمراء ونتجنب اللحوم المعالجة صناعيًا.
كما يوصي هؤلاء الخبراء باختيار زيوت نباتية صحية مثل: زيت الزيتون، والكانولا، وفول الصويا والذرة، بالإضافة إلي عباد الشمس، وتناول الماء، والابتعاد عن المشروبات السكرية والإقلال من منتجات الألبان والحليب لمرة إلى مرتين يوميًا.
في سياق التوصيات نفسها، أشار المكتب العلمي المختص بالمكملات الغذائية إلى أن تناول الفيتامينات والمعادن في صورة المكمل الغذائي، قد يفيد بعض الفئات وأيدت كلية الصحة العامة بهارفارد هذه التوصية أيضًا موضحة تلك الفئات:
بسبب صعوبة ابتلاع الطعام ومضغه أو الشعور بمرارة الفم بسبب تناول بعض الأدوية، فإنهم قد يتناولون كميات غير كافية من الطعام، بالإضافة إلى أنهم يعانون من امتصاص “فيتامين ب ١٢” من الطعام.
أثناء الحمل يحتاجن لتناول حمض الفوليك، والحديد، والكالسيوم، وفيتامين د، والكولين، وأوميجا ٣، وفيتامين ب المركب، واليود، وفيتامين ج (Vitamin C) طبقًا لتوصيات “الكلية الأمريكية لطب النساء والتوليد” (ACOG)، ويشكل حمض الفوليك أولوية قصوى لجميع الحوامل حيث إن تناوله يمنع تشوهات المخ والحبل الشوكي للجنين.
والتي تؤثر على عملية الهضم الطبيعي نتيجة لسوء الامتصاص، مثل أمراض: السيلياك، والقولون التقرحي، والمرضى التي أجريت لهم عمليات جراحية لقص أجزاء من الجهاز الهضمي مثل عمليات تكميم المعدة على سبيل المثال.
فمثلاً بعض مدرات البول قد تقلل من مستويات الكالسيوم، والبوتاسيوم، والمغنيسيوم كما تقلل مجموعة “مثبطات مضخة البروتون” (Proton pump inhibitors) التي تستخدم في علاج الارتجاع المريئي وقرح المعدة والاثنا عشر من امتصاص فيتامين ب ١٢، كما قد تقلل من امتصاص الكالسيوم والمغنيسيوم أيضًا.
على الرغم أنه من غير المرجح أن تسبب الفيتامينات أضرارًا مؤثرة على صحتنا، وذلك لأن معظم المنتجات تحتوي على نسب مقبولة من الفيتامينات والمعادن طبقًا للاحتياج اليومي للفرد، إلا أنه قد تحدث أضرارًا غاية في الخطورة إذا بالغ الفرد في تناول كميات تتعدى الحد المسموح به يوميًا، خصوصًا وأن الطعام الذي نتناوله موجودًا به نسبة من الفيتامينات والمعادن أيضًا، ليس هذا وحسب فبعض الفيتامينات ثبت أن لها أثرًا ضارًا بالصحة في بعض الفئات أيضًا، لكن هل تفيد الفيتامينات والمعادن في الوقاية من حدوث أمراض القلب والأورام؟
في يوليو/ تموز ٢٠١٨ نشرت الجمعية في إصدارها السابع في المجلد ١١ دراسة إحصائية مجمعة (Meta Analysis) “لكيم وفريقه” (Kim et al) كانت نتيجتها أن تناول الفيتامينات والمعادن لا تقي من حدوث أمراض القلب.
في توصياتها الصادرة في عام ٢٠١٤ أشارت لجنة الخدمات الوقائية الأمريكية (لجنة مستقلة من الخبراء في مجال الرعاية الأولية والوقاية) إلى أنه لا يوجد استنتاج علمي قاطع بجدوى تناول الفيتامينات والمعادن في الوقاية من حدوث أمراض القلب والوقاية من الأورام أم لا؟ فقط هناك نتائج أكثر وضوحًا بشأن فيتامين هـ (E) بعدم فائدته للوقاية من أمراض القلب والأورام وارتباط حدوث سرطان الرئة للمدخنين والفئات الأخرى الأكثر عرضة لحدوثه ممن يتناولون “بيتا كاروتين” (مضاد أكسدة يتحول إلى فيتامين أ [A] داخل أجسامنا).
في يونيو/ حزيران ٢٠٢٢ نشرت اللجنة توصيات جديدة عن أثر تناول الفيتامينات والمعادن على الوقاية من حدوث أمراض القلب والأورام، حيث أضافت اللجنة ٥٢ دراسة طبية جديدة لمراجعتها، ووصل مجموع الدراسات التي روجعت إلى ٨٤ دراسة طبية أجريت على مليون شخص تقريبًا (٧٣٩٨٠٣) حيث إن ٧٨ منها “دراسات عشوائية منضبطة ” من أقوى أنواع الدراسات (RCTs) أجريت على أشخاصٍ يتجاوز عددهم ربع المليون (٣٢٤٨٣٧) و٦ أخريات تعرف “بالدراسات الحشدية” (Cohort) أجريت على أشخاص يقارب عددهم نصف المليون (٣٩٠٦٨٩)، وتطابقت التوصيات مع الاستنتاج الصادر في عام ٢٠١٤
في حوار أجرته “ميدسكيب كارديولوجي” (Medscape – Cardiology) مع دكتور “جون ونج” (John Wong) بروفيسور بكلية الطب جامعة “تافتس” Tufts – بولاية بوسطن الأمريكية – وعضو لجنة USPSTF قال فيه:
“راجعنا ٨٤ دراسة بعناية، ولكن لا يمكننا تأكيد ما إذا كان تناول الفيتامينات والمعادن يقي من حدوث أمراض القلب والأورام، نحتاج لمزيد من الدراسات القادمة حتى نؤكد ذلك أو ننفيه”.
وأكمل ونج: “بينما تتعارض النتائج العلمية بشأن الفيتامينات محل المراجعة، فإن النتائج أكثر وضوحًا فيما يخص فيتامين (E) بأنه غير فعال للوقاية من حدوث أمراض القلب والأورام، كذلك فإن بيتا كاروتين قد يزيد من احتمالية حدوث سرطان الرئة إذا تناوله الأشخاص الأكثر عرضة لخطر حدوثه مثل المدخنين”.
نشرت دورية “جاما” (JAMA) المرموقة في عددها ٢٣ الصادر بتاريخ يونيو ٢٠٢٢ تحليلاً مفصلاً للدراسات التي روجعت من قبل لجنة الخدمات الوقائية الأمريكية تناول فيه عدة أسئلة هامة
ركزت JAMA على ٩ دراسات عشوائية منضبطة، لأن نتائج تلك الدراسات نفسها ركزت على تأثير الفيتامينات والمعادن على الوقاية من حدوث أمراض القلب والأورام فقط، وشارك في تلك الدراسات ٥١٩٤٥ شخصًا.
من بين ٩ دراسات يوجد ٣ دراسات كبيرة ذات جودة بحثية كبيرة، بينما ٦ الباقيات كان عدد المشاركين فيها صغير ولا تركز نتائجها على الوقاية من أمراض القلب والأورام فقط. وأشارت نتائج تلك الدراسات إلى وجود فائدة صغيرة جدًا للوقاية من حدوث الأورام إذا ما تناول الأفراد الفيتامينات كمكملات غذائية.
لكن عدة أمور حالت دون تطبيق نتائج تلك الدراسات عمومًا، وكذلك الحال بالنسبة للدراسة الكبرى من بين ٩ دراسات والمسماه “كوزمو” (COSMO) بسبب:
لا يوجد استنتاج علمي واضح بشأن ضرر تناول الفيتامينات والمعادن التي أجريت عليها تلك الدراسات باستثناء بيتا كاروتين وارتباطه بحدوث سرطان الرئة كما أوضحت الدراسات سابقًا، لكن الجرعات التي تتجاوز الحد اليومي من الفيتامينات والمعادن يمكن أن تتسبب في حدوث أعراض جانبية خطيرة.
فالأمر بالنسبة لفيتامين أ إذا تناوله الفرد بجرعات متوسطة تتخطى الحد اليومي يقلل من كثافة العظام، وبجرعات كبيرة قد يتلف الكبد ويسبب تشوهات للأجنة، بينما فيتامين د قد يؤدي تناوله بجرعات كبيرة إلى ارتفاع مستوى الكالسيوم بالدم، وتكون حصوات الكلى.
هذا هو السؤال الثالث التي طرحته JAMA في تقريرها التحليلي عن الدراسات التي راجعتها اللجنة الوقائية الأمريكية، وكانت النتائج مطابقة لسابقتها في الفيتامينات والمعادن المتنوعة وفيما يلي حصر لبعض الدراسات التفصيلية لأفراد الفيتامينات والمعادن:
نوع الدراسات الطبية: ٣٢ دراسة عشوائية منضبطة + ٢ من الدراسات الحشدية.
نوع الدراسات الطبية: ٧ دراسات عشوائية منضبطة صغيرة العدد ذات جودة بحثية منخفضة.
نوع الدراسات الطبية: ٥ دراسات عشوائية منضبطة أجريت على الحوامل + دراسة واحدة عشوائية منضبطة شملت فيتامين ب١٢ مع حمض الفوليك.
نوع الدراسات الطبية: ٢ من الدراسات العشوائية المنضبطة.
نوع الدراسات الطبية: ٧ دراسات عشوائية منضبطة + ٢ من الدراسات الحشدية.
نشرت JAMA أيضًا في قسمها الخاص بغير المختصين، بأن توصيات اللجنة الوقائية الأمريكية تنطبق على البالغين، ولا تنطبق على الحوامل، ومرضى الأمراض المزمنة، والأطفال فقد تحتاج تلك الفئات إلى تناول الفيتامينات والمعادن ويقرر ذلك الأطباء.
كما أوضحت أن ملخص نتائج الدراسات الطبية على الفيتامينات والمعادن المتنوعة أو المفردة هو أنها لا تقي من أمراض القلب والأورام، وكذلك الأمراض عمومًا، بالإضافة إلى أن ضرر تناول البيتا كاروتين يتجاوز فائدته.
الآن وقد علمت فلا تنثر أموالك في الهواء. فحين تدفع أموالاً كثيرة لتشتري فيتامينات ومعادن لا تحتاجها، بل قد تتأثر سلبيًا بآثارها الضارة فقط لأنك تعتقد بأنها مفيدة، بدلاً من اهتمامك بجودة ما تأكل وما تشرب. فبعض أنواع الفيتامينات والمعادن يفوق ثمنها وجبات صحية لأكثر من فرد.
بقلم: د. محمد رمضان
لينكد إن: mohamadramadaan
مراجعة وتدقيق: زينب محمد
المصادر:
اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية
اترك تعليقاً