العزلة الاجتماعية أسوأ من الوحدة

العزلة الاجتماعية أسوأ من الوحدة

22 يوليو , 2022

ترجم بواسطة:

فاطمة يحيى

دقق بواسطة:

زينب محمد

أصبح الحديث عن (الوحدة) قضية ساخنة مؤخرًا، يلفت انتباه العديد من وسائل الإعلام والأبحاث العلمية  (بما في ذلك هذا المنشور). وتشير الأبحاث إلى أن الشعور بالوحدة يشكل عامل خطر فيما يتعلق بالحالة الصحية للإنسان سواء الشباب أوكبار السن. علاوةً على ذلك، تؤكد الأبحاث العلمية زيادة معدل حالات الأفراد المصابون بالشعور بالوحدة مؤخرًا، للحد الذي جعل الحديث عن “وباء الشعور بالوحدة” أمرًا شائعًا. وكان للتباعد الاجتماعي الذي أُفرض على البشر أثناء جائحة كورونا أثر كبير في تفاقم هذه المشكلة.

ركز الباحثون، في الآونة الأخيرة، على ظاهرة العزلة الاجتماعية والتي لم تُدرس جيدًا حتى هذه اللحظة. فالعزلة الاجتماعية متصلة اتصالاً قويًا بالشعور بالوحدة وليست منفصلة عنه.

يُعرف الشعور بالوحدة أنه التناقض بين ما يفضله المرء والمستوى الفعلي لتواصه الاجتماعي. إنه إدراك ذاتي يصف شخصية الإنسان.

أما العزلة الاجتماعية فتُعرف بأنها حالة غير ذاتية يمتلك فيها الشخص أدنى درجات التواصل الاجتماعي مع الآخرين. تُقاس حالة العزلة الاجتماعية للإنسان غالبًا باستخدام مقاييس كمية مثل حالته الاجتماعية، والعيش بمفرده، ومدى التزامه الديني، وحالته أثناء التواجد مع جماعة، ومدى تواصله مع الأطفال والعائلة والأصدقاء.

ويفضل فصل تأثيرات العزلة الاجتماعية عن تأثيرات الشعور بالوحدة ليس فقط لتحسين مدى استيعابنا لكل منهما، ولكن لأنه يُستخدم أيضًا للإجابة عن السؤال الأوسع نطاقًا عن التأثيرات الناتجة عن التجربة الذاتية المختلفة عن تلك الناتجة عن الشروط الموضوعية.

يحب أبي، وهو مزارع متقاعد يبلغ من العمر 85 عاماً، أن يقول ” عمرك هو عدد سنوات حياتك منذ ولادتك وليس عدد السنوات التي تشعر أنك تعيشها”، فهو يؤكد بتلك الكلمات الرأي الأخير ألا وهو “الحقائق أولاً”. ومع ذلك، يميل علماء النفس غالبًا إلى الاتجاه المعاكس وهو اعتبار العوامل الذاتية أكثر أهمية من الظروف الموضوعية.

وكما ذكر كلٌ من جوليان هولت- لونستاد، باحثة علم النفس في جامعة بريجهام يونج الأمريكية، والأستاذ أندرو ستيبترو، من كلية لندن الجامعية، في مراجعة أدبية حديثة صدرت هذا العام: “إنه غالباً ما تكون الجوانب الأكثر موضوعية وهيكلية للعلاقات، مثل: العزلة الاجتماعية، وحجم شبكة التواصل، وكون الفرد في وسط جماعة، والعيش بمفرده، مؤشرات مبدئية لعوامل أكثر أهمية للعلاقات الاجتماعية، بما في ذلك أهمية دور هذه العلاقات ونوعيتها”.

وبصفة عامة، إن هذا الرأي ليس له أساس من الصحة. وتشير الأدلة التجريبية إلى أولوية التصورات الذاتية في مختلف مجالات الحياة. وأظهرت أبحاث الصدمات، على سبيل المثال، أن احتمالية تأثير أي حدث عليك في المستقبل تأثيرًا سلبيًا يعتمد اعتمادًا كبيرًا على تفسيراتك وذكرياتك الذاتية أكثر من الحدث ذات نفسه.

ومع ذلك تتجه النتائج المرتبطة بالشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية إلى الاتجاه المعاكس لها. فعلى سبيل المثال، قام الأستاذ أندرو ستيبترو وزملائه في عام 2013 بتحديد مستوى العزلة الاجتماعية، وفقًا للتواصل مع أفراد العائلة والأصدقاء والمشاركة في منظمات المجتمع المدني وكذلك الشعور بالوحدة من خلال مقياس استبيان ثابت أجراه على 6500 فردًا تجاوز عمرهم 52 عامًا أو أكثر من الدراسة الطولية الإنجليزية للأعمار، مع تتبع كل أسباب حدوث الوفاة لعدة أعوام.

وجدوا أن ارتفاع معدل حالات الوفاة أكثر بين الأفراد الذين يعانون من العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة. ومع ذلك، بعد التعديل الإحصائي للعوامل السكانية والهيكل الصحي الأساسي، ظلت العزلة الاجتماعية، وليس الشعور بالوحدة،  لها تأثير كبير في حدوث الوفاة. واستنتجا أن لكلٍ من العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة تأثير في ارتفاع معدل الوفيات، ومع ذلك، فإن تأثير الشعور بالوحدة لم ينفصل عن السمات الجغرافية أو المشاكل الصحية ولم يساهم في المخاطر المترتبة على العزلة الاجتماعية.

وعلى الرغم من التأثير السلبي للعزلة والوحدة على حياة الإنسان وشعوره بالسعادة، إلا أن الجهود المبذولة للحد من العزلة تبدو وكأنها مرتبطة ارتباطًا كبيرًا بحدوث الوفاة.

وتابع بين يو وزملاؤه الباحثين في بيركيلي في عام 2020 حالة 1267 مريض تايواني يبلغون من العمر 65 عامًا أو أكثر مصابون بأمراض القلب والأوعية الدموية لأكثر من عشر سنوات، وذلك لتحليل العلاقة بين العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة على مستوى الهيكل الأساسي للصحة ونسبة حدوث الوفاة عند إجراء متابعة المرضى مع تعديل المتغيرات السكانية والسلوكية المتعلقة بالصحة، بالإضافة إلى الحالات الصحية. وكان للعزلة الاجتماعية دورًا في ارتفاع معدل خطر حدوث الوفاة بجانب باقي عوامل الخطر الثابتة، على العكس من الشعور بالوحدة والتي أثبتت الدراسات عدم مساهمتها في زيادة خطر حدوث الوفاة”.

واستخدمت دراسة حديثة أجراها الباحث “تشون شين” وزملاؤه بيانات التصوير العصبي لأكثر من 400,000  مشارك في مجموعة البيانات الطولية الكبيرة للبنك الحيوي بالمملكة المتحدة هذا العام، لمعرفة ما إذا كان للعزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة دور في الإصابة بالخرف المتوقع أم لا. وأثبتت الدراسات أن احتمالية إصابة الأفراد الذين يعانون من العزلة الاجتماعية بالخرف ازدادت بنسبة 26% وذلك بعد تعديل عوامل الخطر المتنوعة، بما في ذلك العوامل الاجتماعية والاقتصادية، والأمراض المزمنة، وأسلوب حياة الفرد، والإصابة بالاكتئاب، والنمط الجيني لعامل APOE، وهو عامل خطر جيني للإصابة بالخرف ومرض الزهايمر، وكذلك أمراض القلب والأوعية الدموية.

واستنتج كلٌ من هولت لونساد وستيبتو أن تواجد أشخاص مقربين منك تربطك بهم علاقات واهتمامات مشتركة، وعلى تواصل مستمر معهم، له تأثير إيجابي على حياتك. ومع ذلك، في بعض الأحيان يكون للتدخل الطبي دور أكثر فعالية من العوامل الاجتماعية في حياة الفرد. وبالتالي، يمكن تجاهل التأثير النسبي للعزلة الاجتماعية على صحة الفرد وشعوره بالسعادة .

ولم تحدد الأبحاث حتى الآن التأثير السلبي للعزلة الاجتماعية على حياة الفرد بشكل دقيق. وتشير النتائج المقترحة إلى بعض العوامل المسببة لذلك، وخاصةً الضغط النفسي وتأثيره على وظائف الجهاز المناعي، وحدوث بعض الالتهابات بالجسم، وكذلك تأثيره على عضلة القلب والأوعية الدموية، ودوره في حدوث اضطرابات النوم. وهذا بجانب حدوث بعض التأثيرات الأخرى غير المباشرة وذلك لأن العزلة الاجتماعية لا تؤثر فقط على جسم الإنسان، ولكنها تؤثر أيضًا على قراراته السلوكية وحالته النفسية. وذكر كلٌ من علماء النفس جيادا بيترابيسا وسوزان سيمبسون أن عدم وجود علاقات للإنسان يؤثر بالسلب على حياته، فيكون أكثر عُرضة للاستمرار في عاداته الصحية السيئة مثل سوء التغذية، أو الشعور بالكسل، أو الإصابة بحالات نفسية مثل الاكتئاب.

ولايزال الأمر يتطلب إجراء مزيد من الأبحاث لتوضيح العلاقة بين العزلة الاجتماعية وصحة الإنسان إيضاحًا كاملاً. ومع ذلك، من الناحية العملية، فإن الصورة الناتجة عن البحث هي أن التركيز على العمل الخارجي الذي يهدف إلى تغيير الحالة الاجتماعية لك، من خلال الاستثمار في مهاراتك الاجتماعية وعلاقاتك مع الأفراد، قد يعود عليك بعمر طويل مُفعم بالصحة والحيوية أكثر من مجرد التركيز على الجانب الداخلي لتغيير تصوراتك الذاتية.

وهذا يلخص ما قاله أبي: “إن الأمر ليس مدى شعورك بالوحدة، بل بمدى انعزالك عن البشر”.

المصدر: https://www.psychologytoday.com

ترجمة: فاطمة يحيى رجب

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!