تحضير جسيمات الفضة النانوية بطريقة صديقة للبيئة وتطبيقها في معالجة المياه

تحضير جسيمات الفضة النانوية بطريقة صديقة للبيئة وتطبيقها في معالجة المياه

30 يونيو , 2022

تتميز الأصباغ الاصطناعية المتواجدة في المياه العادمة بذائبيتها العالية في المياه. علمًا بأن وجود كميات ضئيلة من تركيز هذه الأصباغ غير محبذ إطلاقًا،  حيث أنها تشكل خطرًا على صحة الإنسان والحياة البحرية، إضافةً إلى أنها تعزز ظاهرة التلوث البيئي بشكل كبير، مما دفع الباحثين إلى توجيه جهودهم وخبراتهم نحو تطوير طرقٍ لإزالة هذه الملوثات بتقنيات صديقة للبيئة وغير مكلفة اقتصاديًا، ومن هذه الأدوات الحديثة استخدام جسيمات الفضة النانوية ذات القدرة التحفيزية العالية في انحلال هذه الصبغات العضوية الملوثة للمياه.  

خصائص وتطبيقات جسيمات الفضة النانوية

تعتبر معادن الفضة والذهب والنحاس من أوائل المعادن التي استخدمت في العصور القديمة من قِبل الإنسان، حيث تعتبر هذه المعادن لها قابلية على مقاومة الأكسدة والتآكل. إن جسيمات الفلزات النانوية، خاصةً الذهب والفضة، قد جذبت أنظار واهتمامات العديد من الباحثين، وذلك بسبب خصائصها الفريدة. فعلى سبيل المثال، جسيمات الفضة النانوية لها قدرة عالية في استخدامها كمحفز، وكمضاد للبكتيريا والميكروبات، كما تتميز بأن لها موصلية عالية  مما يؤهلها للاستخدام في مجال الالكترونيات، لذا فإن تطبيقاتها واسعة  ولا تقتصر على مجال واحد فحسب، بل تشمل حقولاً مختلفة في الصناعة والطب والهندسة والبيئة، وعلى رأسها معالجة المياه من التلوث بالأصباغ الكيميائية العضوية المتواجدة بالقرب من المناطق الصناعية.

طرق تحضير جسيمات الفضة النانوية

اُقترحت عدة تقنيات كمحاولة للتعامل مع إزالة الأصباغ من المياه، مثل الامتزاز، والانحلال الحيوي، وعمليات الأكسدة المتقدمة. إن لهذه التقنيات مزايا تجعلها مرغوبة وعيوب تحد من استخدامها. لذلك كانت الحاجة مُلحّة لاستخدام نهجٍ جديد مناسب لانحلال هذه الصبغات العضوية الملوثة ببساطة وفي نفس الوقت يكون صديقًا للبيئة. من بين العديد من الطرق الكيميائية والبيولوجية والفيزيائية المستخدمة كانت طريقة التحفيز الضوئي غير المتجانس هي الأنسب، نظرًا لتكلفتها المنخفضة وفاعليتها العالية. 

إن استخدام المحفزات هي أحد مبادئ الكيمياء الخضراء الاثنتا عشر المعروفة، أو بعبارةٍ أخرى، استخدام المواد الكيميائية التحفيزية سيقلل من النفايات الناتجة عن التفاعلات وكذلك الانبعاثات الحرارية. علاوةً على ذلك، سوف يزيد من انتقائية التفاعل ويحد من تكوين المركبات الثانوية غير المرغوب فيها؛ لذلك فالمحفزات تلعب دورًا هامًا في التفاعلات الكيميائية، بدءًا من استخدامها في أغراض البحث العلمي في المختبرات، وانتهاءً بمساندتها في تصنيع المنتجات من خلال توفير الطاقة المستخدمة وغير ذلك. 

إن طريقة التحفيز الضوئي تقوم على أساس استخدام محفزات نانوية مختلفة، إما أحادية أو ثنائية أو ثلاثية المعدن.  فجسيمات الفضة النانوية مثلاً، يتم تحضيرها عن طريق اختزال أيونات الفضة بإضافة عامل اختزال مناسب من مواد طبيعية، سواء بذور أو أوراق أو فواكه أو قشور. وهذه تُعرف أيضًا بطريقة الاختزال الكيميائي الحيوي. 

ففي التحضير الحيوي للمواد النانوية تكون المكونات الموجودة في النبات (الفلافونويد، العفص، التربينويدات، بولي هيدروكسي الفينولات، الكربوهيدرات، الإنزيمات الميكروبية، حمض الأسكوربيك، وغيرها من المواد الكيميائية النباتية)  هي المسؤولة عن اختزال أيونات الفضة.  وقد استخدم الباحث ياكمان وزملاؤه الجذور والأوراق النباتية كعامل اختزال لتحضير جسيمات الفضة النانوية. وقد ثبت أن اختيار عامل اختزال مناسب بيئيًا، ووسط مذيب مع وجود عامل تغطية غير سام، يعد الخطوة الأولى لتطبيق أساسيات الكيمياء الخضراء في تحضير جسيمات الفضة النانوية بطريقة آمنة للبيئة، وغير مكلّفة اقتصاديًا. 

تطبيقها في معالجة المياه الملوثة

بعد تحضير جسيمات الفضة النانوية من مادة نترات الفضة ودمجها مع عامل الاختزال المناسب من قشور النبات أو ثمراتها أو أوراقها، كنبات الألوفيرا أو قشور الموز والبطيخ، أو ثمرة التمر أو مستخلص أوراق الشاي الأخضر، أو بذور الخوخ أو أي نبات يحتوي على المكونات التي تساعد على اختزال نترات الفضة إلى أيونات الفضة، والتي ذكرناها سابقًا. يتم استخدام جسيمات الفضة النانوية في معالجة المياه الملوثة بالصبغات الكيميائية، كصبغة البرومثيمول الأزرق أو صبغة الميثيل الأحمر، أو صبغة الميثيل البرتقالي، أو غيرها من الصبغات العضوية. 

ولاختبار مدى قدرة جسيمات الفضة النانوية، المُحضّرة من المستخلصات النباتية، على انحلال هذه الصبغات، يتم استخدام جهاز الطيف المرئي فوق البنفسجي لقياس ذلك. حيث تختلف الفترة الزمنية طولاً وقصرًا في انحلال الصبغة الكيميائية ومدى نقاوة الماء من الصبغة وذلك  نتيجة عدة  عوامل، منها: زيادة تركيز جسيمات الفضة النانوية المستخدمة، كمية المواد الفعالة في المستخلص النباتي المستخدم في تحضير محلول جسيمات الفضة النانوية، بالإضافة إلى عوامل أخرى كالأس الهيدروجيني، وتركيزمحلول بوروهيدرايد الصوديوم المساعد، ومدى استقرار جسيمات الفضة وبقاؤها في الحجم النانوي، وعدم تكتلها وتغيّر صفاتها طيلة فترة اختبارها مع الصبغة، كما يؤثر تركيز الصبغة ذاتها على الفترة الزمنية، حيث إن عامل التركيز مهم جدًا وعليه تخضع معظم اعتبارات قياس نقاوة المحلول.

وقد قامت  الباحثة جاينتا وزملاؤها في بحثٍ لها منشور بتحضير جسيمات الفضة النانوية من مستخلص نبات أغملينيا الشجرية ( Gemelina arborea)، واستخدامها في تحلل صبغة الميثلين الأزرق، وقد أثبتت نتيجة المختبر قدرة الجسيمات النانوية على انحلال الصبغة في غضون عشر دقائق فقط في ظل الظروف المحيطة.

وعلى الرغم من أن الباحث سيركانس وزملاؤه استخدموا نبات البيكراسما (Picrasma quassioides) في تحضير جسيمات الفضة، إلا أن مدة انحلال صبغة الميثلين الأزرق استغرقت ثلاثون دقيقة. وفي دراسة أخرى استخدم الباحثون جسيمات الفضة النانوية في تحلل ثلاث أنواع مختلفة من الصبغات وهي: صبغة الأزرق البراق، والترترازين، والأزوروبين، وخلُصت الدراسة إلى أن إضافة محفزات جسيمات الفضة المحضرة من نبات رباطية درهمية الأزهار، والمعروفة باسم (Viburnum opulus)، ساعدت في تحلل الصبغة بمقدار أربعة أضعاف. وكذلك فإن هناك بعض الأبحاث التي أثبتت أن استخدام أجزاء مختلفة من النبتة ذاتها يؤثر أيضًا على كفاءة المحفز النانوي، نظرًا لتغيّر شكل السطح النانوي والذي يعتبر عامل مهم في فاعلية المحفز.

ففي دراسة نُشرت قبل أعوام قام بعض الباحثين بفصل الساق عن الأوراق وعن الجذور من شجرة اللولب الهندية لتحضير جسيمات الفضة النانوية في ثلاث عينات مختلفة، عينة من الساق وأخرى من الجذور وثالثة من الأوراق، وقاموا بإجراء اختبار كفاءة المحفز النانوي الناتج على عدة صبغات، منها صبغة الميثيل البنفسجي، والسفرانين، وصبغة يوزين الميثلين الأزرق، وصبغة الميثيل البرتقالي. ولاحظوا أن انحلال صبغة يوزين الميثلين الأزرق كانت أسرع وأكثر فاعلية في العينة التي تم تحضيرها من ساق النبتة مقارنةً مع العينة التي تم تحضيرها من الجذور والأوراق.  

الخلاصة والتوصيات  

إن بعض الأبحاث  أظهرت نشاطًا تحفيزيًا جيدًا لجسيمات الفضة النانوية في انحلال الصبغات عند الظروف الاعتيادية، أما البعض الآخر، فقد استغرق مدة أطول حتى يصل إلى أقصى درجة من الانحلال المطلوب، وذلك وفقًا لطرق تحضير الجسيمات النانوية من المستخلصات النباتية ومدى مقاومة تركيب الصبغة  الكيميائي  للانحلال وغيرها من العوامل؛ لذلك يمكننا القول أن الأبحاث قد باتت قريبة من الوصول لهدف منع تلوث المياه بهذه الأصباغ العضوية، لكن في المقابل لا تزال الحاجة مُلحّة إلى إجراء مزيدٍ من البحث والتطوير على هذا النهج الآمن للبيئة حتى نضمن العثور على محفز نانوي مناسب لكل نوع من أنواع هذه الصبغات، لنتمكن من حل مشكلة تلوث المياه في المناطق الصناعية بشكل جذري.

بقلم: د. عائشة جلال

مراجعة وتدقيق: نورا الخاطر

المراجع المستخدمة:

[1]  Khataee, A. R., & Kasiri, M. B. (2010). Photocatalytic degradation of organic dyes in the presence of nanostructured titanium dioxide: influence of the chemical structure of dyes. Journal of Molecular Catalysis A: Chemical328(1-2), 8-26.

[2] Pouretedal, H. R., Norozi, A., Keshavarz, M. H., & Semnani, A. (2009). Nanoparticles of zinc sulfide doped with manganese, nickel and copper as nanophotocatalyst in the degradation of organic dyes. Journal of Hazardous Materials162(2-3), 674-681.

[3] Hemalatha, K., Madhumitha, G., Kajbafvala, A., Anupama, N., Sompalle, R., & Mohana Roopan, S. (2013). Function of nanocatalyst in chemistry of organic compounds revolution: an overview. Journal of Nanomaterials2013.

[4] Khan, Z., Singh, T., Hussain, J. I., & Hashmi, A. A. (2013). Au (III)–CTAB reduction by ascorbic acid: Preparation and characterization of gold nanoparticles. Colloids and Surfaces B: Biointerfaces104, 11-17.

[5] Pal, S., Tak, Y. K., & Song, J. M. (2007). Does the antibacterial activity of silver nanoparticles depend on the shape of the nanoparticle? A study of the gram-negative bacterium Escherichia coli. Applied and environmental microbiology73(6), 1712-1720.[6] Gardea-Torresdey, J. L., Gomez, E., Peralta-Videa, J. R., Parsons, J. G., Troiani, H., & Jose-Yacaman, M. (2003). Alfalfa sprouts: a natural source for the synthesis of silver nanoparticles. Langmuir19(4), 1357-1361


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!