التمييز بين المناعة الذاتية وغير الذاتية المكتشفة بدراسة حديثة

التمييز بين المناعة الذاتية وغير الذاتية المكتشفة بدراسة حديثة

30 يونيو , 2022

ترجم بواسطة:

رانيا أحمد

دقق بواسطة:

زينب محمد

 قد لا يُلتبس عليك غالبًا بشخص آخر إن لم يكن لك توأم متطابق. وعلى غرار هذا، فإن إحساسنا بأنفسنا إذ نبدو مختلفين عمن حولنا من البشر هو إحساس متأصل بعمق منذ الطفولة المبكرة.

فإن الجهاز المناعي يواجه العديد من التحديات الكبيرة للتمييز بين أمراض المناعة الذاتية وغير الذاتية. فهل تخفق شبكة الحراسة المعقدة في التعرف على الأجسام الدخيلة كالبكتيريا والفيروسات؟ ربما تصبح النتيجة خطيرة أو نكتشف مرضًا لم نسمع به من قبل.

وفي ظل ظروف محددة؛ وعلى الرغم من كون الجهاز المناعي في أوج يقظته؛ فقد يتعامل مع أنسجتك باعتبارها جسم غريب، ويستهدفها من أجل تدميرها مما ينتج عنه أمراض المناعة الذاتية، وترتبط أيضًا الاستجابة المناعية الذاتية ببعض الأورام السرطانية.

فهناك دراسة جديدة بجامعة ولاية أريزونا للباحث جوشوا لابير وزملاؤه وفيها يستكتشفون عناصر بالجهاز المناعي تعرف بالأجسام المضادة الذاتية. وبينما كانوا منخرطين كجهات فعالة في خضم من الأمراض المناعية الذاتية الجسيمة ، أوضحت الدراسة وجود أجسام مضادة ذاتية بداخل أجساد الأصحاء.

وربما تتيح هذه الحقيقة تحديًا أكبر للاستخدام التشخيصي للأجسام المضادة الذاتية كحراس ضد أمراض المناعة الذاتية بالإضافة إلى أهمية تلك التحريات.

 فتحسن إدراك عملية التفشي ودور الأجسام المضادة الذاتية تجاه صحة الإنسان والمرض ربما يساهم في تخطيط أفضل لتشخيص وعلاج العديد من الأمراض.

ويقول لابير: “فقد بحثنا على مر السنين عن الأجسام المضادة الذاتية الخاصة فقط بكل مرض، ولكن كنا نندهش دومًا بسبب وجود تلك الأجسام المضادة الذاتية لدى عينة المراقبة للأصحاء أيضًا، ولذلك فقد قررنا أن نرى ما إذا شاع وجود “الأجسام المضادة الذاتية الصحية” لدى الأصحاء ولتمام التأكد من أن العديد منهم كان على دراية بوجودها وسيساعدونا في تجنب الالتباس بالدراسات المستقبلية”.

يعد د.لابير المدير التنفيذي لدى جامعة ولاية أريزونا بمعهد بيوديزاين Biodesig Institute وأيضًا مدير بيوديزاين بمركز فيرجينيا جيني بايبر لإجراء الفحص التشخيصي.

وتظهر نتائج البحث بالعدد الحالي بجريدة سيل ريبورتس Cell Reports.

الحرب الأهلية البيولوجية

تعد أمراض المناعية الذاتية ظاهرة منتشرة وتصيب نحو 23 مليون أمريكي؛ فقد اكتشف الباحثون أكثر من 80 مرضًا مناعيًا ذاتيًا ويتضمن كلاً من الأمراض الشائعة، كالسكري من النوع الأول، والذئبة الحمراء، والتصلب اللويحي المتعدد، والالتهاب المفصلي الروماتويدي، وأيضًا العديد من الأمراض الخفية التي غالبًا ما تثبت صعوبة التشخيص السليم. وتصيب نحو ما يقرب من 80% من الأمراض المناعية الذاتية السيدات، فما زال الباحثون يحاولون حل ذلك اللغز لمعرفة الأسباب.

ولدى العلوم الكثير لنتعلم الآليات الرئيسية المسؤولة عن تفاعلات المناعة الذاتية. وتنشأ غالبًا هذه الأمراض عقب العدوى. ويلعب المكونان الأساسيان بالجهاز المناعي التكيفي أدوارًا هامة بالمناعة الذاتية. وهما  خلايا الدم البيضاء أو الخلايا اللمفية، والمعروفة بالخلايا التائية والخلايا البائية. وتلعب الخلايا اللمفية دورًا حيويًا في المحافظة على الصحة، وتعد أيضًا ضرورية من أجل البقاء، فتسير تلك الخلايا الحارسة في دوريات بمجرى الدم دون توقف عندما تنبه إلى دخول المستضدات.

تحمي الخلايا التائية ضد العدوى بالمُمْرضات أمثال البكتيريا والفيروسات والفطريات، وتستطيع أيضًا مهاجمة وتدمير الخلايا السرطانية. وتفرز الخلايا البائية البروتينات المعروفة بالأجسام المضادة التي تعرقل التفاعلات أو تستهدف الخلايا المصابة حتى تأتي الخلايا الأخرى وتدمرهم. وتعمل الأجسام المضادة على تقييد المُمْرضات أو المواد الغريبة متضمنة السموم فتعطل تأثيراتها الضارة. وعلى سبيل المثال، عندما يقيد الجسم المضاد فيروسًا فإنه يمنع دخوله إلى الخلية الطبيعية وإصابتها بالعدوى. وتستطيع الخلايا البائية أيضًا توظيف خلايا مناعية متخصصة أخرى لتنتقل إلى أماكن الخلايا المصابة وتساعد في تدميرها.

وتعد ترسانات الجهاز المناعي الدفاعية شديدة الحساسية تجاه البروتينات الغريبة، والبيبتيدات، والمعقدات الإنزيمية، والحَمْضُ الرِّيْبِيُّ النَّوَوِي RNA والحَمْضُ الرِّيْبِيُّ النَّوَوِي مَنْزُوع الأكسِجين DNA. وتتحرك الخلايا البائية لتقوم بدورها بمجرد مصادفتها لهم وتنتج الأجسام المضادة التي تتوجه لمكافحة هذه الأجسام الغريبة.

المناعة المضطربة

وهنا يواجه الجهاز المناعي تحديًا هائلاً. وينبغي على الخلايا البائية والتائية أن تستهدف بدقة المخاطر التي تواجه الجسم دون المساس بخلاياه أو أنسجته. فلم تولد خلايا مناعية ملمّة بهذا؛ بل تعلمته على مدار الأسابيع وقد تلقت التدريبات داخل وحدات دراسية بيولوجية وفيها خضعت لجولتين من الفحص الدقيق.

ولقد تخرجت الخلايا البائية والتائية بنجاح من دوراتهم التدريبية  مستعرضة نوعين من التحمل المناعي وهما التحمل المناعي المركزي الذي يتطور بداخل نقي العظم، والتحمل المناعي الطرفي الذي ينضج بداخل العقد اللمفية.

وبعد تدريبهم؛ تبدي الخلايا تحملاً مناعيًا وهو نمط من معاهدة عدم الاعتداء على الأنسجة السليمة، وتُحفظ بداخل الجسم لحين استخدامها مستقبليًا. وتُعزَل أو تُدمَر الخلايا المناعية التي تخفق في تدريبها وتُشكل خطورة على المناعة الذاتية.

ولكن يمكن في بعض الأحيان للمُمْرضات أو الخلايا السرطانية إنتاج المستضدات التي يمكنها تحمل هذا التشابه القريب من حيث التسلسل أو البنية وصولاً إلى السمات المتواجدة بالأنسجة السليمة بالجسم في حين قد تخطئ أنسجة العائل في التفريق بينها وبين مستضدات المرض وتستَهدفها بالأجسام المضادة. وتعرف هذه الظاهرة بالمستضدات الذاتية كما تعرف الأجسام المضادة التي تُنتج لاستهدافهم بالأجسام المضادة الذاتية.

ويحدث الاستهداف الخاطئ للمستضدات الذاتية نتيجة لتشابهها مع مستضدات المرض، فيما تعرف بالمحاكاة الجزيئية التي تتسبب في العديد من اضطرابات المناعة الذاتية بدءًا من الالتهاب المفصلي الروماتويدي وحتى التصلب اللويحي المتعدد.

التفتيش عن الأجسام المضادة

وتتحرى الدراسة الجديدة عن الأجسام المضادة الذاتية المشتركة، التي تتواجد لدى الأشخاص الأصحاء. لذلك لا تظهر تلك الأجسام المضادة الذاتية المشتركة لتسبب المرض ولكنها بالرغم من ذلك تظهر بنسبة كبيرة لدى 40% ممن خضعوا للاختبار. ويحتمل على الأقل حدوث خطأ في تعريف الأجسام المضادة الذاتية المشتركة كأجسام مضادة للأمراض.

حيث أجرى الباحثون تحليل تلوي meta-analysis  لتسع مجموعات من البيانات باستخدام الأداة المفضلة لاكتشاف الأجسام المضادة الذاتية المشتركة بمصفوفة البروتين الدقيقة. وهنا تُثبّت آلاف البروتينات المختلفة على شريحة زجاجية. وحينما تفرد عينة الدم على تلك المصفوفة. ترتبط الأجسام المضادة الذاتية ببروتينات المستضدات الخاصة بها.

وتتعرض مصفوفات البروتين الدقيقة لدورتين من الفحص. بالدورة الأولى يُفحص 182 عينة دم لأفراد أصحاء مقابل 7653 من البروتينات البشرية. وبالدورة الثانية، يفحص 90 عينة دم مقابل 1666 من البروتينات البشرية. ولقد عرفت التجارب مجموع 77 من الأجسام المضادة الذاتية المشتركة.

وأخذت عينات الدم من الأفراد الأصحاء لكلا الجنسين وتتراوح أعمارهم بين الرضع وذوات 84 عامًا. وتبين النتائج أن أعداد الأجسام المضادة الذاتية تتزايد منذ الولادة حتى سن المراهقة ثم تستقر. بالإضافة إلى أن عدد الأجسام المضادة الذاتية المرصودة بغض النظر عن الجنس كانت متساوية، ولقد كان الحاصل مدهشًا حيث أعطى فارقًا كبيرًا بين الرجال والسيدات أثناء انتشار الأمراض المناعية الذاتية.

وهناك أحجية أخرى هي أنه لماذا تخفق الأجسام المضادة الذاتية المشتركة في إنتاج أمراض مناعية ذاتية. وعلى الرغم من تجنب الأجسام المضادة عملية الفحص مؤديةً إلى التحمل المناعي، إلا أن بقائهم داخل الجسم يبقي حميدًا. ويعتقد أن علم أمراض المناعية الذاتية يتطلب وجود الأجسام المضادة الذاتية لترتبط وتكّون مركبات مع المستضدات الذاتية وربما تحظر حال وجود الأجسام المضادة الذاتية المشتركة.

ويَعِدُ البحث المستقبلي بإطلاق العنان للكثير من الأسرار التي تتعلق بطبيعة الأجسام المضادة الذاتية. وتختبر الدراسة الجارية أقل من نصف البروتينات البشرية. وأغلب الظن أن المزيد من الأجسام المضادة الذاتية المشتركة لا زالت غير مكتشفة.

المصدر: https://medicalxpress.com

ترجمة: د. رانيا أحمد محمد حافظ

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!