الاكتئاب ليس نقصًا في السيروتونين

الاكتئاب ليس نقصًا في السيروتونين

29 يونيو , 2022

ترجم بواسطة:

أنس غطوس

دقق بواسطة:

زينب محمد

النقاط الرئيسية:

  • الرواية القائلة بأن الاكتئاب هو خلل في التوازن الكيميائي مستمرة منذ أكثر من 70 سنة، رغم عدم وجود أدلة كافية على أن انخفاض السيروتونين يسبّب الاكتئاب.
  • رواية تَسبُّب خلل التوازن الكيميائي في اختلالات المزاج مستمرة لعدة أسباب؛ الكثير منها قد تساعد، إلا أنها قد تكون مؤذية كذلك.
  • في حين أن الأدوية تكون مفيدة في بعض الحالات، فيجب إطلاع العامة على الأخطار المرتبطة بالأدوية وكذا على العلاجات الأخرى البديلة والفعالة التي لها نِسب انتكاس أقل.     

أكثر من 13% من البالغين استعملوا أدوية مضادة للاكتئاب – لعلاج الاكتئاب أو القلق – في الولايات المتحدة، بين سنتي 2015 و2018؛ ما يعني أكثر من 40 مليون شخص، حسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC).

يُفسّر الاكتئاب عادةً – في عيادة الطبيب، في الكتب المشهورة، وكذا على المواقع الطبية والعلاجية – على أنه نتيجة لاختلال كيميائي في الدماغ. إذا أخذت مضادًا للاكتئاب، مثل ما يعرف بمصطلح SSRI (مثبّطات امتصاص السيروتونين الانتقائية)، فإن الأعراض ستتحسّن، وبالتالي سيكون من المنطقي أن تَخلُص(ي) إلى أن دماغك كان في حاجة إلى كمية أكبر من السيروتونين ليشعر بحال أفضل، وها هو الآن قد استعاد التوازن الكيميائي المطلوب.

ورغم أن الاكتئاب يُفسّر بهذه الطريقة، إلا أن الأبحاث لا تدعم هذه النظرية، ولا هي تدعم أن “تصحيح” ذلك الاختلال المزعوم يحلّ مشكلة الاكتئاب.

يغمرني الفضول بشأن رواية الاختلال الكيميائي هذه وكيف أننا – كمجتمع – مازلنا نؤمن بها. هناك ثلاثة أسباب لمَ قد نظل متشبّثين بهذا التفسير:

لأنه يخفّف من الوصم بالعار واللّوم

بدايةً، هناك فوائد تترتّب عن الإيمان برواية الخلل الكيميائي بالدماغ. بالنسبة للبعض، فهي تخفّف الوصم المصاحب للاكتئاب، ربما عبر التخفيف الآني للشعور بالعار أو اللّوم بكون الاكتئاب ضَعفًا، أو شيئًا يمكن “تخطّيه” بسهولة.

تساعدنا رواية الاختلال الكيميائي على عدم لوم الضحية؛ إلا أنها تلقي باللّوم على العوامل الكيمياء العصبية بالدماغ، رغم أن الأخيرة تقوم بأفضل ما تستطيع في ظل تلك الظروف.     

وفي حين أن تخفيف الوصم المصاحب للاكتئاب أمر جيد، فإن رواية الاختلال الكيميائي تظلّ رؤية ضيّقة وغير مدعومة بالأبحاث، وهو الأمر الذي قد يَحيد بنا عن جادة الصّواب ويُبعدنا عن فهم صحيح للتفاصيل الدقيقة والمتشعّبة للاكتئاب. ذلك أنها تبسّط أمرًا بالغ التعقيد: تفسير بسيط يسهل تلقّيه، إلا أنه، حتى اللحظة، يبدو أنه يفتقر إلى الدقة.

لأنه ملائم للغاية

نحن نحبّ التفسيرات المرتّبة والبسيطة التي تنطوي على مُسبّب ونتيجة، خصوصًا حين لا نكون في حالة جيدة. رواية الاختلال الكيميائي توفر لنا ذلك: إنه ملائمة؛ كل ما عليك فعله هو إصلاح الخطب، وإعادة التوازن للاختلال. إنها تقترح أن الاكتئاب يندرج ضمن النموذج الطبي للمرض (وهو نموذج يلائم العديد من الأمراض الأخرى)؛ ويَخلُص هذا النموذج إلى أن الحل الميكانيكي القادم من الخارج هو ما سيعالج العطب بداخل الشخص، وإلا فإن العطب الداخلي سيظلّ على حاله.

يكون أكثر إزعاجًا محاولة إصلاح أحد مشاكل الحياة مثل خصام عائلي، وضع صعب أو خالٍ من المعنى بمكان العمل، الزواج، التنقل الجغرافي، أو إحدى صدمات الماضي. هذه الأمور الأكثر تعقيدًا تصيب بالحيرة وتستهلك وقتًا كبيرًا لحلّها (كما أنها يمكن أن تلقي بلوم أكبر على الشخص؛ انظر رقم 1). تاريخيًا، لم يكن لطلبِ مساعدة المختصيّن تقدير عالٍ مثل التقدير الذي تتمتّع به الوصفات الطبية، كما أن الأول لا يمكن لمعظم الناس تحمّل نفقته ولا الوصولُ إليه سهلٌ أساسًا.

أكثر تعيّدًا من ذلك هي الأنظمة التي تؤدي إلى الانتحار والإدمان بالمجتمعات؛ أكبر المساهمين في تفاقم القنوط والموت الناجم عن اليأس في الولايات المتحدة الأمريكية (NAS). في هذا الصدد، عاين الباحثان بيتر ستيرلينغ ومايكل بلات الأسباب الكامنة خلف هذه النسب المتزايدة للانتحار الناجم عن اليأس في الولايات المتحدة مقارنةً مع المجموعة الشاهدة المكونة من 16 دولة أخرى، التي لها نسب متناقصة. وقد ضمّت الاختلافات التي وجدها العديد من أشكال الدعم الاجتماعي “الحِمائي” الذي يحتاجه الإنسان على امتداد حياته، وهو الأمر الموجود في تلك الدول والغائب في الولايات المتحدة، ويشمل هذا الدعم:

  • سهولة تغيير العمل،
  • رعاية للأطفال بأسعار معقولة أو في المتناول،
  • أجور تغطي نفقة المعيشة،
  • توفر الرعاية الصحية،
  • وكذا وقت فراغ لممارسة أنشطة إبداعية.

من أجل الغوص في صلب موضوع الاختلالات المزاجية، ومع أن ذلك لن يكون مريحًا، قد يتوجّب علينا مواجهة مشاكل الانفصال أو الاغتراب الاجتماعي التي تتخلّل مجتمعًا ينبني على ركائز من بينها: حرية اختيار السّبُل اليسيرة، واستهلاك العقاقير، ومراكمة الثروة، وإيديولوجية الاستقلال، وكذا السمعة على مواقع التواصل الاجتماعي.

الإعلانات

إن الإعلانات المكثّفة والسوق العالميّة التي تتخطّى قيمتها الإجمالية 26 مليار دولار لمضادّات الاكتئاب هي من يروّج رواية الاختلال الكيميائي منذ عقود. ليس الأمر أن النتائج تثبت أن الأدوية غير فعّالة بقدر ما أنه لم يَثبت أن فعاليتها أكبر من تأثير بلاسيبو (العلاج الوهمي) بقيمة ذات أهمية. يجب أن يكون العامة على دراية تامة بفعالية تأثير “العلاج الوهمي” مقارنةً مع الأدوية ذات العناصر النّشِطة؛ وقد وُجد بشكل ثابت، عبر مئات الدراسات التي شملت مئات آلاف المرضى، أن تأثير مضادات الاكتئاب يمكن مقارنته بتأثير العلاج الوهمي.

يجب أن تُروّج هذه المعلومة بكثافة وإتاحتها للعامة بمقدار ترويج إشهارات الأدوية، بالإضافة إلى ترويج علاجات أخرى مفيدة لتحسين المزاج دون أخذ مجازفة استعمال مضادات الاكتئاب. وقد وُجد أن لحصص العلاج النفسي وممارسة الرياضة نفس الفعالية، كما أنهما يتميّزان بنسب انتكاس أكثر انخفاضًا.  

وفي حين أن العديد من الأشخاص يُقدِمون – بكل شجاعة – على تلقّي علاج للاكتئاب عبر طرق متعددة، يبقى من المهم أن يكون المرء واعيًا بالرواية الجمعية حول ماهية الاكتئاب، ما يساعد في تخفيفه، ولماذا.

من أجل الاقتراب أكثر من رعاية “هدفها العلاج”، ربما يجب أن نصبّ اهتمامنا نحو نقاط قوتنا وصراعاتنا الداخلية، وكيف ترتبط باتّكالنا المتبادل داخل شبكة عالمية.

وأخيرًا، يمكن مقاربة المعطيات المتعلقة بالاكتئاب بشيء من التواضع والرهبة، فاسحين المجال لتقديم رواية أكثر دقة. 

المصدر: https://www.psychologytoday.com

ترجمة: أنس غطوس

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!