تدني تقدير الذات لدى المراهقين: ما هي الأسباب الجذرية؟ كيف يمكن للبالغين تقديم المساعدة؟

تدني تقدير الذات لدى المراهقين: ما هي الأسباب الجذرية؟ كيف يمكن للبالغين تقديم المساعدة؟

21 يونيو , 2022

ترجم بواسطة:

فجر غانم

دقق بواسطة:

زينب محمد

النقاط الأساسية

  • تدني تقدير الذات من المشاكل التى تنتشر بين كثير من المراهقين، وقد تؤدي هذه الحالة إلى خلافات مع الأقران في اتخاذ القرارات، و بالتالي تزيد من أعراض القلق والاكتئاب.
  • تجارب الطفولة السلبية (الصدمة)، والانتقاد المستمر، والضغوط والتوقعات المجتمعية والهجمات الشخصية كلها أسباب رئيسية لتدني تقدير الذات.
  • يمكن للبالغين تعزيز تقدير الذات لدى أطفالهم من خلال إظهار الحب والثناء والدعم العاطفي لهم، بالإضافة إلى تفويضهم بمهام أثبتت كفاءتها.

لنستعرض سيناريوهين افتراضيين لإثنين من المراهقين

أولاً، ساشا (Sasha)

ساشا شخصية قلقة منذ نعومة أظافرها. طفلة حساسة وخجولة بطبيعتها، لكن لحسن الحظ، أنها تمتلك أقرباء وأصدقاء ومعلمين داعمين ساعدوها للخروج من منطقة الراحة أو (Comfort Zone).

إلا أن قبل بضع سنوات، تحولت حياتها العائلية رأسًا على عقب وأصبحت على شفا الانهيار. نشبت الخلافات بين والديها أثناء عدم وجود الأطفال أو في غرفة مغلقة، لكن كانت هذه مجرد البداية، قبل أن تتطور المشاجرات وتصبح على مرأى ومسمع منهم. وسط هذه الأجواء المشحونة بالتوتر وشخصية ساشا القلقة والحساسة، دفعها ذلك للوم نفسها وتحميلها المسؤولية عن الخلافات بين والديها.

الآن في سن 12 عامًّا، كانت ساشا قد عاشت طفولة مليئة بالخلافات الأسرية على مدى فترة زمنية طويلة وقد أثّر ذلك عليها لدرجة إفقادها تقديرها لذاتها. التحقت ساشا بالمدرسة الإعدادية، حيث التقت بالكثير من الأطفال الجدد إلا أنها واجهت صعوبة في تكوين صداقات بسبب قلقها الدائم تجاه تصرفات الآخرين ونظرتهم وتقديرهم لها، والأهم من كل ذلك، تركيزها في أن تكون صديقة جيدة حتى تدوم الصداقة.

ساشا دائمًا قلقة من أن تكون قد فعلت أو قالت شيئًا يكرهه أصدقائها. من ناحية أخرى، هي شخصية محبوبة للغاية ومرحة جدًّا وعطوفة. ومع ذلك، فهي تتجنب التعامل مع الأطفال الآخرين لاعتقادها بأنهم لا يريدون صداقتها.

الآن، لنرى قصة تايلر (Tyler):

تايلر، البالغ من العمر 15 سنة، طالبًا متفوقًا وشغوفًا بكرة القدم. كما أنه يعاني من اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة أو ما يعرف بمسمى (ADHD).  بالرغم من ذلك كان ولا زال أداء تايلر مميّزًا أكاديميًّا، نظرًا لأن الاضطراب لديه نجم عنه حالة من الاندفاع وليس تشتت الانتباه. أما من الناحية الاجتماعية ، فيجد تايلر صعوبة في ضبط نفسه كالإدلاء بتعليقات غير ملائمة والتصرف دون اعتبار للعواقب.

بدت والدة تايلر قلقة بشأن سلوكه الذي قد يؤثر على علاقاته مع الآخرين، فسألته ما إذا كان سلوكه الاندفاعي قد تسبب في أي مشاكل مع أصدقائه. رفض تايلر في البداية الاعتراف بالمشكلة، ولكن كان نمطه السلوكي واضح وظاهر، فغالبًا ما كانت تعليقاته الجارحة تؤدي الى إيذاء المشاعر وحتى إلى الخلافات. هذه الحالة مستمرة على هذا المنوال من سنوات، مما أدت إلى خلافات بينه وبين بعض أصدقائه المقربين. كما أن تدريجيًّا أصبح أصدقائه أقل تسامحًا معه وانتقدوا سلوكه بشكل علني وصريح كما توقفوا عن دعوته لقضاء الوقت معهم.

أخيرًا اعترف تايلر لأمه بحزنه حيال الأذى الذي تسبب به لأصدقائه. خلّف هذا الصراع الشعور بالندم والخجل وفي كثير من الأحيان الشعور بالرفض من قبل بعض الأشخاص المفضلين لديه. كما لاحظت والدته أنه يطلب وقتًا أقل للعب في مباريات كرة القدم وأفاد المعلمون أن تايلر أصبح شخصًا أكثر هدوءً وأنه لم يعد يرغب في التسكع مع أصدقائه، بالرغم من أنه كان طالبًا رياضيًا شغوفًا متميّزًا بشخصيته الاجتماعية المنفتحة.

تعريف تقدير الذات (Self- Esteem)

تقدير الذات هو جوهر كل من قصة ساشا وتايلر، ولمساعدتهم من الضروري أن نفهم بوضوح كيف يؤثر تقدير الذات على عقليتنا وطريقة تفكيرنا. إذ يشمل تقدير الذات قناعات الشخص حول نفسه أي تقييمه لقدراته وقيمته وثقته بنفسه وأمانه النفسي.

يعاني الناس من تدني تقدير الذات بطرق مختلفة. فمثلًا، ليس كل شخص يعاني من هذه الحالة هو ناقدًا مفرطًا لذاته. لكن بغض النظر عن كيفية ظهوره، فإن تدني تقدير الذات أمر شائع جدًّا. حتى أن أكثر الناس  نجاحًا بما في ذلك المشاهير والرياضيين، غالبًا ما يعانون بدرجات مختلفة من عدم الثقة بالنفس في مختلف جوانب حياتهم.

أسباب تدني تقدير الذات

سنتابع مع ساشا وتايلر لاحقًا، لكن لنستعرض الآن بعض الأسباب التي تجعل الطفل أو المراهق يعاني من تدني تقدير الذات:

  • سوء المعاملة والانتقاد: جميعنا بحاجة للتعاطف والحنان والتشجيع.
  • تجارب الطفولة السلبية (ACEs): هي ظروف أو أحداث تحدث أثناء الطفولة والتي قد تكون صادمة، كالإهمال، ومشاهدة العنف، ووفاة أو سجن أحد أفراد الأسرة.
  • الضغوط والتوقعات المجتمعية: إن متابعتنا لمنصات الوسائط الاجتماعية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتدني تقدير الذات. إذ يحدث تصورًا غير واقعي لدينا بأن الآخرين ينعمون بأوضاع أفضل وأسعد، أيضًا رؤيتنا للعديد من الصور المعدّلة لدرجة تجعلها أبعد ما يكون عن الواقعيّة في وسائل الإعلام والإعلانات. لذلك من الصعب تجنب المقارنة بالآخرين والشعور بعدم الرضا. فتوقعات المجتمع غير المنطقية والمستحيلة تضر بتقدير الفرد لذاته.
  • الهجمات الشخصية: إنّ تعرض الأشخاص المهمشين لتعليقات جارحة تزعزع كبرياء الشاب بجزء من هويته مثل ثقافته، وعرقه، وميوله الجنسية وجنسه وطبقته الاجتماعية والاقتصادية. إذ يواجه المصابون بأمراض طبية مزمنة، أو إعاقات جسدية، أو اضطرابات تعلم أو حالات صحية عقلية تحديات مماثلة.

  آثار تدني تقدير الذات

رأينا كيف أن تدني تقدير الذات أضعف قدرة ساشا على تكوين صداقات صحية وجعل تايلر أكثر انطوائية. ما الآثار النفسية والاجتماعية الأخرى التي قد تترتب عليه؟ قد يعاني الشخص ذو التقدير المتدني للذات من:

  • إظهار الافتقار إلى الثقة بالنفس وتجنب المخاطر الصحية كالمشاركة في الأداء المسرحي في المدرسة.
  • صعوبة كبيرة في اتخاذ قرارات في مواضيع تهمه، مثل اختيار مواد الفصل الدراسي، أو ما إذا كان يريد قبول منصب قيادي في نادٍ.
  • صعوبة الرفض تحت تأثير زملائه كتعاطي المخدرات أو القيادة تحت تأثير الكحول.
  • صعوبة في المواجهات والدفاع عن الذات عندما يحتاجون إلى الوقوف في وجه المتنمر أو الدفاع عن قيمهم.
  • يميلون إلى المعاناة من القلق أو الاكتئاب أو الوحدة أو الإدمان مع تقدم العمر.

كيفية مساعدة الشباب المراهقين على تعزيز تقدير الذات لديهم

واحد من أعظم الهدايا التي يمكن أن يعطيها الوالدان لأطفالهم هي مساعدته على تقدير ذاته ومعرفة حجم نفسه وقيمته وإشعاره بأنه طفل محبوب ويتم توطيد هذه الفكرة من خلال استخدام عبارات المديح معه.

من خلال مساعدة شاب مراهق بتقدير نفسه بشكل إيجابي، فأننا ندعم قوته الداخلية وثقته بنفسه ومساعدته أيضًا للتعلم من إخفاقاته. صحيح أنه كلما أسرعنا في تقديم المساعدة كان ذلك أفضل، لكن لم يفت الأوان بعد للبدء في تعزيز تقدير الذات لدى أي شاب مراهق. إذ يمكن للبالغين المعنيين القيام بما يلي:

  • أظهر الحب غير المشروط والتشجيع والثناء للأطفال. حتى عندما يفشلون أو يسيئون التصرف، يمكننا أن نكون متعاطفين وفي نفس الوقت نبدأ البحث عن حل للمشكلة.
  • ساعد الأطفال على أن يكون لهم تأثير إيجابي على حياة شخص آخر. يمكن تحقيق ذلك من خلال التطوع في المدرسة أو المجتمع ومساعدة الأشقاء الأصغر سنًّا وأيضًا الآباء في الأعمال المنزلية.
  • ساعد الشباب في صقل مهاراتهم وهواياتهم المفضلة. الثقة والكفاءة يسيران جنبًا إلى جنب، فعندما يفخر الأطفال بقدراتهم سيشعرون بالرضا عن أنفسهم.
  • ساعد الشباب على تطوير النظرة الذاتية الإيجابية والواقعية لديهم وذلك من خلال تحديد نقاط القوة والضعف لديهم. لكن لا تتسرع في إصدار آراء مسبقة وأحكام جاهزة. نحن ننمو أكثر عندما ننظر إلى الفشل على أنه فرصة للتعرف على أنفسنا، بغض النظر عن أعمارنا.
  • وفر للأطفال الفرص المناسبة حتى يقوموا بإظهار مدى مسؤوليتهم عن أفعالهم. هذا يشمل الاعتذار عندما يواجهون نزاعًا.
  • تعرّف على أنماط التفكير السلبية، التي غالبًا ما تكون مبالغ فيها ومشوّهة، مما تؤدي إلى انعدام تقدير الذات.
  • مساعدة الشباب على الفخر بهويتهم الفريدة واختلافاتهم، وتشمل هذه الأنماط الجنسانية، والجنس، والعرق، والإثنية، وأبراج الأسرة.
  • نمذجة السلوكيات الإيجابية. أظهر لطفلك كيف تمارس التعاطف مع الذات ولا تخفي نكساتك عنه.

الكلمة الأخيرة

الخبر السار هو أن هناك العديد من الطرق لمساعدة الشباب في تحسين شعورهم نحو ذاتهم. لنرى كيف سارت الأمور مع ساشا وتايلر.

بالنسبة لساشا تطلب الأمر ثلاث خطوات وبعض الوقت:

  • لاحظ والد ساشا الذي كان يعرفها جيّدًا سلوكها الإنعزالي، فبدأ بطرح الأسئلة بطريقة إيجابية لتبوح عمّا يزعجها. فتحت له قلبها وأخبرته بأنها شعرت بالذنب حيال المشاكل التي سببتها في العائلة. لكن قيل لها مرارًا وتكرارًا أن هذه المشاكل لم تكن ذنبها.
  • طلب والد ساشا من طبيب الأطفال في الرعاية الأولية مساعدتهم في تحديد موعد لإجراء الفحص السريري. ووفقًا للتقييم، شُخصت بأنها تعاني من اضطراب القلق العام وأنها شخصية ذات طبع خجول ومتحفّظ.
  • بدأت ساشا العلاج الفردي والأسري بناءً على توصية المقيّم. كما بدأ والداها أيضًا بالعلاج الزوجي. يشمل علاج ساشا عادةً الأدوية، لكن قرر والداها عدم اللجوء إلى الأدوية فورًا والاكتفاء بالعلاج النفسي.

تحسن شعور ساشا نحو ذاتها بشكل كبير في غضون بضعة أشهر فقط. كما أصبحت أقل قلقًا عند اختلاطها بأصدقائها وأقل شعورًا بالذنب بشأن وضعها العائلي.

أمّا بالنسبة لتايلر، أدركت والدته أنها يجب أن تتصرف بشأن حالة ابنها، لذلك أجروا عدة مقابلات مع طبيب الأدوية النفسية الخاص به وتوصلوا إلى الخطة التالية:

  • تم تغيير دواء تايلر المنشط وزيادة جرعته، كما وُصف دواء ثانٍ من قبل طبيبه وذلك لمساعدته في السيطرة على سلوكه الاندفاعي من دون التأثير على انتباهه وتركيزه.
  • بدأ تايلر العلاج السلوكي المعرفي (CBT) للعمل على تغيير أفكاره، وممارسة التفكير قبل التصرف فأصبح أقل انفعالًا وأكثر وعيًا بالآثار المترتبة على أفعاله.
  • عقدت والدة تايلر اجتماعات عائلية، شملت شقيقه، لمساعدته على تعلم الاستراتيجيات والمهارات السلوكية لأن اندفاعه كان ملحوظًا أيضًا في المنزل.
  • طلبت والدة تايلر إجراء تقييم CORE لتقييم أماكن إقامته في المدرسة ، ونتيجة ذلك اضطر إلى تغيير مقعده في المدرسة ومقابلة مستشار التوجيه في مدرسته وتلقي تعليقات بنّاءة من موظفي المدرسة حول سلوكه المتهور.

تحسن سلوك تايلر في التعامل مع الناس وفي علاقاته الشخصية بشكل ملحوظ بعد 6 أشهر من اتباع هذه الخطة، وكذلك تقديره لذاته وكبريائه وثقته بنفسه.

ساشا وتايلر شخصيتان خياليتان، لكن القضايا التي يواجهونها حقيقية بقدر ما هي شائعة. عندما يعاني أي شاب من تدني تقدير الذات، تتاح للبالغين في حياتهم الفرصة لمساعدتهم على تطوير ثقتهم بأنفسهم والمرونة وبالتالي على النجاح في الحياة.

يمكننا إيجاد الأمل في تذكر أن حلول تدني تقدير الذات أكثر تنوعًا من الأسباب، وأن بالمعرفة والحوار والحب نمهد الطريق لعالم أفضل.

المصدر: https://www.psychologytoday.com

ترجمة: فجر غانم

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!