فن الكتابة

فن الكتابة

30 مايو , 2022

ترجم بواسطة:

أنس غطوس

دقق بواسطة:

زينب محمد

النقاط الرئيسية:

  • غالبًا ما يكون مصدر بداية الروايات من أحلام أو حالات انفصال عن الذات.
  • لا يوجد شيء يُدعى بالانسداد الإبداعي، لكن العديد من الكتّاب يخشون أن تنضب ينابيع أفكارهم العظيمة.
  • يبدو أن تلقي الإشادة الأدبية بمرحلة مبكرة من مسيرة الكتابة يؤثر سلبًا على بعض الكتاب.   

إن كتابة رواية يتطلب ساعاتٍ طِوالاً من التأمل المسبق، بالإضافة إلى خيال خصب؛ الأمر ينطوي كذلك على عزم الكاتب على خلق الفن من جوهره، من مكنونات روحه. معظم الكتّاب لا يستطيعون التعبير بالكلمات عن الكيفية أو حتى السبب الذي يدفعهم إلى الكتابة، لكنهم يدركون أن كل تجربة جديدة تتطلب انغماسًا تامًا. إنهم يشبّهون البداية بحالة راكب أمواج يظل بالماء منتظرًا وصول الموجة المثالية. تنشأ بذرة الرواية غالبًا عن طريق حلم أو شرود ذهني مسائي. في الصباح الذي يتلو ذلك الإلهام – أو التجلّي – يغمرهم شعور بالجَذل والنّشوة وغالبًا ما يشرعون في الكتابة في نوبة سُعرٍ أو شغف محموم. خلال الأسابيع التالية، قد يسيل مداد أقلامهم بسلالة، ثم يتضاءل الإنتاج إلى نص يومي من رطانة متكلّفة، قبل أن ينشأ زخم جديد ويُنهون المسودة الأولى.

تتطلب المرحلة الموالية انتقالاً ذهنيًا ينطوي على إجراءات مضبوطة وحازمة – تكون قاسية أحيانًا – من التعديل والمراجعة. بعد التصوّر الأوليّ للرواية، والساعات الطويلة من الجلوس أمام المكتب، ثم التسليم النهائي للمخطوط للناشر، تغدو الراحة ضرورةً بيولوجية للكثير من الكتاب. لكن توجد بعض الاستثناءات، مثل أنثوني ترولوب (1815-1882) وجورج سيمنون (1903-1989) اللذان كانا يكتبان آلاف الكلمات بشكل يومي متواصل. ورغم جودة أعمالهما، إلا أن تحاملاً مترفّعًا تجاه الكتاب غزيري الإنتاج ما يزال للأسف أمرًا واقعًا، حيث إن بعضهم يُوسمون بفرط الكتابة (Hypergraphia).    

الكتاب الأول الناجح كعائق أمام أعمال مستقبلية

نادرًا ما يكون الكتاب الأول ناجحًا للغاية إلى حد أنه يتحول إلى عائقٍ بلا وعي الكاتب فيما يخص أعماله المستقبلية. تلقت رواية الرجل الخفي، الصادرة سنة 1952، الكثير من الإشادة كعمل أدبي كلاسيكي؛ لكن كاتبها، رالف والدو إيليسون، أمضى بعد ذلك بقية حياته في أخذ الملاحظات لروايته “السيمفونية” والطموحة، المكونة من ثلاثة مجلدات، طوال أربعين سنة، حتى إنه حين توفي سنة 1994 ظلت غير مكتملة وغير منشورة. أما هاربر لي، التي ماتت عن عمر يناهز 89 سنة، فقد نشرت روايتها “Go Set a Watchman” سنة قبل وفاتها، وهي مسودة أولى هزيلة لتحفتها المنشورة سنة 1962، ” How to Kill a Mockingbird” (المترجمَة إلى العربية بعناوين أحدها: لا تقتل عصفورًا ساخرًا). وبين الروايتين لم تنشر أي شيء البتة.

بعض الكتّاب، مثل فيرناندو بيسوا (1888-1935) كانوا يخجلون من النشر، تاركين خلفهم مخطوطات غير مكتملة عملوا عليها طوال عمرهم، منها كتاب “اللاطمأنينة”، في حقيبة خشبية مقبّبة. أما الشاعر الإنجليزي الرومانسي سامويل تيلور كولريدج (1772-1834) فقد كان يعتقد أن أعظم قصائده جاءت إليه بطريقة سحرية من مصدر خارجي خلال فترة شبابه المبكر. وخلال إدمانه على الأفيون، لاحقًا بثلاثينياته، كتب أن مجرد التفكير في مشروع كتابة طموح يبث الرعب في نفسه. وقد تخلى الشاعر الفرنسي الرمزي آرثر رامبو (1854-1891) عن نظم الشعر في سن التاسعة عشرة، في حين أن صديقه بول فاليري (1871-1945) – ذو مسيرة أدبية معذّبة بين التوقف والانطلاق المستمرّين – أخذ فترة 20 سنة بعيدًا عن نظم الشّعر.

الإقرار بأن الانتظار جزء من الكتابة

إن عدم القدرة على إنتاج أعمال أدبية جديدة رغم التوفر الدائم على مهارات الكتابة أمر يعرفه معظم الكتاب. وفي حين أن غالبيتهم يعترفون بنزوة عميقة في التأجيل والتسويف والقيام بأي شيء يبقيهم بعيدين عن الجلوس أمام المكتب، إلا أنهم يفهمون أن الانتظار جزء من عملية الكتابة. قد يماطلون أو يضلون طريقهم، لكنهم يعلمون أن ثمرة معاناتهم ستكون لها آثار كبيرة تغيّر حيوات قرّائهم؛ كما أنهم، عكس عملية جراحية الدماغ، ليسوا مضطرين للقيام بذلك بشكل صائب أو دقيق من المرة الأولى، وفي هذه الفكرة مصدر اطمئنان كبير.

أحد الأسباب الشائعة لنفاذ حطب الكتابة هو نقص أساسي في المعلومات المتعلقة بالموضوع الذي يحاولون الكتابة عنه. إذا لم يفِ بالغرض تركُ المخطوط على المكتب وأخذ وقت مستقطع للقيام بمزيد من الأبحاث، فربما يكون اختيار ذلك الموضوع خاطئًا من الأساس. معظم الكتاب يقولون إن المواضيع هي من تختارهم، لا العكس؛ ولكن موضوع العديد من الكتب الحديثة خاضعة لتأثير اعتقاد الناشرين بأن موضوعات معينة ستحقق رواجًا ونسبة مبيعات كبيرة.

من جهة أخرى، يجد الكثير من الكتاب أن الخروج للمشي المطوّل أو قراءة كتاب ما قد يؤدي إلى تحريك مياههم الراكدة. كما أن فترة بطالة وتراخٍ، أو تغيير الأجواء قد يساعد أيضًا، وهم واعون أيضًا أن الاكتئاب أو الإدمان المؤذي للكحوليات، أو الأفيونيّات، أو الكوكايين يخنق الإبداع خنقًا.   

يضع الكثير من الكتاب الواعدين الطموحين الكثير من الضغط على أنفسهم عبر رفع سقف تطلّعاتهم عاليًا في سعيهم نحو الكمال اللحظي. وفي حين أن دروس الكتابة الإبداعية قد تعلّم بعض التقنيات وشيئًا من الجانب النظري، لكن إذا لم يكن ذلك لصيقًا باعتقاد راسخ، ودافع قوي، وشغف متّقد لدى الكاتب، فإنها تظل دون جدوى. وقد أشار المؤلف البريطاني-الأمريكي كريستوفر هيتشنز (1949-2011) متهكّما أن “كل شخص لديه كتاب بداخله؛ لكن في معظم الأحيان، هناك حيث يجب أن يظل”. 

أسطورة “الانسداد الإبداعي”

يعتقد معظم الروائيين أنهم يستطيعون الكتابة بنفس الجودة سواء كانوا يشعرون بالإلهام أم لا، ويعتبرون “الإنسداد الإبداعي” محض أسطورة رومانسية. وقد أخلى جي دي سالينغر (1919-2010) بيته وانتقل للعيش في الغابة بعد نشر روايته الشهيرة The Catcher in the Rye (الحارس في حقل الشوفان) سنة 1951، الأمر الذي أدى إلى اهتمام شعبي واسع وغير مرغوب فيه؛ يقول في حوار نادر: “إن عملية النشر خرق مُريع لخصوصيّتي”. ويزعم أنه واصل الكتابة، لكنه لم ينشر شيئًا طوال 40 سنة.

يعيش الكتّاب مع هاجس أنه يومًا ما ستجفّ ينابيع أفكارهم العظيمة، وأنهم سيُضحون غير قادرين على نسج خيوطهم الروائية عاليًا في النسيج الفلكي، إلا أنني أتفق مع ما قاله إيلمور ليونارد (1925-2013): “أفضل ما يمكن للكتّاب القيام به هو عدم منح الانسداد الإبداعي القوة عبر تسميته أو تحديده. لأنك حينما تسمّيه أو تحدّده، يصير لك الآن ما تشير إليه بإصبعك وإلقاء اللوم عليه”. قد تكون نصيحة مفيدة أن تتوقف عن الكتابة وقلمك ما يزال حابلاً بالأفكار، وفي اليوم الموالي ستجد الإلهام في انتظارك، يتحرّق شوقًا للانطلاق.      

المصدر: https://www.psychologytoday.com

ترجمة: أنس غطوس

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!