كيف تخدعنا النوستالجيا؟

كيف تخدعنا النوستالجيا؟

15 مايو , 2022

ترجم بواسطة:

ندى أشرف

 يصدمنا الحزن بواقع الفقدان، ثم يختبئ خلف ستار النوستالجيا

تتغلغل النوستالجيا في عمق المحيط حولنا بالتزامن مع التوجه العام للرغبة في العودة إلى الوضع الطبيعي. حيث يرغب الناس في استرجاع زمن كان سهلاً بريئًا دافئًا. يرغبون في استرجاع مشاعر السعادة والأمان مجددًا، حيث كان هناك من يرعاهم ويحبهم ويشاركهم مرحهم من أهلٍ وأصدقاء.

ولا يقتصر مفهوم البراءة على الاشتياق لزمن الطفولة فحسب، بل يشمل أيضًا الإنسان الراشد في لحظة ما قبل أن تزيد معلوماته بأمور يتمنى لو لم يعرفها،  كما هو الحال قبل انتشار الوباء، فالبراءة هي ما قبل وجوب ارتداء الكمامات والتفكير في منقيات الهواء، حينما كنا نعرف عن الأوبئة لكننا لم نختبرها ولم تقلب حياتنا رأسًا على عقب وتعلمنا الدروس القاسية. أو مثلاً الفترة التي لم نوثق بها علاقتنا مع الآخرين بحجة الانشغال، بينما نوطد علاقات خيالية متينة مع أصدقاء الشبكة العنكبوتية.  وتختلف النوستالجيا عن الحزن في كيفية شعور الفرد بها. فالنوستالجيا هي ما تعرضه لنا ذاكرتنا بالأفكار والكلمات والسلوك فيما يُمكّنها من استرداد الماضي، بينما الحزن هو الوعي بانتهاء الماضي والحزن على فقده. لقد تطرقت إلى موضوع الحزن وإصابة الدماغ، ولكن تصيبني الدهشة عند التفكير في كيفية تشجيع النوستالجيا الناس للقيام بأفعال تعرّض صحتهم وحياتهم للخطر.

لم ينتهي الوباء بعد!

مازلنا غير مقتنعين بعد بالتغيرات التي يجب اتخاذها للتعافي من هذا الوباء، والوقاية تحسبًا لأي خطر محدق. وبالرغم من ذلك، مضى الملايين من الناس قدمًا في هذه العالم كأن شيئًا لم يكن، وكأن الفيروس سوف يذعن لطلبنا ويزول. فلقد أعمتنا النوستالجيا عن الواقع بواسطة ما تصحبها من مشاعر. وبينما يصدمنا الحزن بدوام الخسارة، تجنبنا النوستالجيا الشعور بهذا الحزن.

ولقد وجدت أنه وبالرغم من مرور العقود من الزمن، فإن الرغبة في العودة بالزمن لوقت لم أدرك فيه شيئًا ما، دائمًا ملّحة. وتبرز هذه الحالة الشعورية في العلاقات بالأخص. حيث العائلة تكمن في رباط الدم ووعود الأصدقاء التي لا تحنث أبدًا. حيث مشاركة الاهتمامات والمبادئ والسلوكيات، والبقاء معًا مهما كانت العقبات.  وتتوقف حياة الناجين من الإصابة الدماغية لبرهة من الوقت حتى وإن استمروا بالعمل والاختلاط والتحدّث. وهذا يشبه تأثير الوباء على حياتنا، بيد أن حياة الكثيرين لم تتأثر لهذه الوقفة مثل الناجيين من الإصابة الدماغية.

مالذي يجب علينا تعلّمه من وباء كوفيد- 19 والإصابات الدماغية؟

تقول دالاس كورو في برنامج ذا أجندة تي في او: ” لقد كشف الوباء الستار عن الشخصيات الحقيقية للعديد من الناس، ولكن تبيّن عدم استدامة هدنة طويلة مثل تلك في حياتنا. فلقد اضطررت لأخذ قرارات مؤلمة كثيرة لقطع الصلات مع بعض الأشخاص، وفي الحقيقة، إنه لأمر محزن ومخيب للآمال. الاعتقاد بأنك تشارك أحدًا ما المبادئ ذاتها ثم تكتشف الواقع الأليم أنهم اتخذوا قرارات وقدموا مبررات لها تخلو من تعاطف أو اعتبار لما أثبته العلم”.

وكما الحال مع الإصابة الدماغية، فلقد أزال الوباء الستار عن نواحي في شخصيات الأصدقاء والأقارب. تمنينا لو لم نكتشفها.

ولقد رأيت هذا بعيني في اجتماع عن موضوع الإصابة الدماغية منذ ما يقارب العقدين، حين اشتكى العديد أنهم اكتشفوا سلوكيات من أصدقائهم ودوا لو لم يكتشفوها أو كانو قد نسوها ثم تأذوا مجددًا عند التعرض لها. وتمنوا لو لم ينسوا حتى يتجنبوا التعرض لهذا الأذى مجددًا.

علينا أن نتذكر حتى نحمي أنفسنا. ولكن تنسينا النوستالجيا ببراءتها ثم تتجلى في مواثيق الحب التي كانت تربط الناس في زمن ما قبل الإصابة، مما يجعلنا نفكر أن المصاب شخص شرير أو كسول أو ضار ثم الابتعاد عنه. وهكذا نبرر عدم التعلم عن الإصابة ولوم المصاب. ولإن المجتمع لا يعرف الكثير عن الإصابة الدماغية، فإنه يتقبل هذه المبررات ويواصل التعامل مع هؤلاء الذين تخلوا عن المصاب، عوضًا عن الوقوف في صفه ودعمه. ويتكرر الأمر عينه الآن في ظل الوباء.

وإنه لمن العجيب كيف لكارثة صحية أن تزيح الغشاء عن السلوك الأخلاقي والخصال الإنسانية من تعاطف وطيبة.

وللأسف، تخدعنا النوستالجيا أنه بإمكاننا العودة للوضع الطبيعي. ولكن من المستحيل التغافل عن أن الفيروس يتطور ويعوق ويقتل. ليس بمقدورنا أن نتناسى أن الكمامات واللقاح وتنقية الهواء هي وسائل وقاية من شر الوباء، بعد أن علمنا بالفعل. لا نستطيع تجاهل أن قوتنا تكمن في التعاون والتكاتف معًا. هكذا نجا وتطور الإنسان. وأهم ما في الأمر، لا يمكننا تناسي حقيقة أصدقائنا وعائلتنا.

تأثير النوستالجيا وفيروس كورونا على البشر

يقول روبرت فيشر في برنامج ذا أجندة تي في او: “إن اكتشاف مدى اختلاف وجهات نظر الناس وآرائهم حول هذه النقطة، مما أدى إلى ضرورة قطع الصلات مع البعض، لأمر مؤلم ومفاجئ في كثير من الأحيان. فالبعض لا يستطيع استيعاب أهمية أخذ اللقاح”.

وفي موقف مماثل، عندما يفصح المصاب دماغيًا للأهل والأصدقاء عن سعيه للبدء بالخوض في رحلة علاج تحفيز العصب. قد لا يتفهم البعض هذا القرار حيث تهئ لهم النوستالجيا أن هناك خيار آخر مطروح وهو ” التأقلم والمضي قُدمًا في الحياة كأن شيئا لم يكن”، لكن في الحقيقة هذه خدعة، فعلى عكس الفيروس الذي ربما لم يصيبك بعد أو لم تكن أعراضه تهدد حياتك، فإن إصابة الدماغ تغيّر الإنسان من داخله حيث لا يمكن إنكار آثارها على حياته. 

ليس بمقدور الإنسان العودة بالزمن لوضع “طبيعي”، إذ يعلم في قرارة نفسه أن هذا الوضع ما هو إلا واجهة زائفة، ولقد غيّر الوباء و(الإصابة الدماغية) من عالمنا بحيث صار الحل الوحيد أمامنا هو خلق واقع جديد؛ واقع يبحث عن علاج لهذه الأمراض المميتة وسبل الوقاية منها.

  • ملاحظة: النوستالجيا تعني الحنين إلى الماضي.

المصدر: https://www.psychologytoday.com

ترجمة : ندى أشرف

مراجعة وتدقيق: د. فاتن ضاوي المحنّا

تويتر: @F_D_Almutiri


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!