العمل الذي اعتدنا عليه قد تغير: حان الوقت للتفكير فيما هو أكبر من الأجر

العمل الذي اعتدنا عليه قد تغير: حان الوقت للتفكير فيما هو أكبر من الأجر

7 مارس , 2022

ترجم بواسطة:

إسراء محمد

دقق بواسطة:

سراء المصري

يتحدث النص عن العمل من غير أجر ونمطية العمل المأجور في أوروبا قديماً.

عندما يسمع الناس بالعمل، فعادةً ما يعني ذلك العمل بأجر أو براتب. نادراً ما تتحدث الحكومات والمعلقون عن عمل الكفاح، تربية الطفل أو زراعة الكفاف.  بدلاً من ذلك، يُشير العمل عموماً بالمعنى الاقتصادي القانوني الضيق للعمالة غير المنزلية، وقانوني، ومدفوع الأجر.

تاريخ نموذج العمل التقليدي وتطوره

ومع ذلك، فإن نموذج العمل هذا هو الاستثناء العالمي. اختُرِع العمل المأجور من قِبل الولايات الأوروبية في القرني الثامن والتاسع عشر لتوليد قوة عملة صناعية. قدمت لاحقاً حماية اجتماعية مثل الرواتب المَرَضية، والعطلات، والمعاشات التقاعدية لمجموعة العمال البيض من الذكور الذين يتمتعون بصحة جيدة من خلال ما أصبح يُعرف باسم (علاقة العمل الأساسية). لكن هذه العلاقة كانت متاحة فقط لأقلية من الناس خارج أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية.

أدت التطورات الأخيرة في المنظمة الانتاجية إلى تراجع العمالة المأجورة في معظم أنحاء العالم. ترافقت الأشكال التاريخية للعمل غير المستقر، مثل الزراعة وتجارة السوق، مع موجات حديثة من العمل العرضي. وقد أدى ذلك إلى نسبة متزايدة من القوة العاملة غير آمنة، وفقيرة وبدون حماية اجتماعية.

في نفس الوقت، سهلت التقنيات الرقمية ظهور أشكال جديدة من العمالة غير المستقرة (الذاتية) وازدهار في اقتصاد المهن المتنقلة.

حقائق وإحصائيات

اليوم، تُقدّر منظمة العمل العالمية (The International Labor Organization) بأن أقل من ثلث السكان في سن العمل في العالم يعملون بهدف كسب الأجر المادي والرواتب. ومع ذلك، فإن الكثير من المفاهيم التي تستخدمها كلاً من الحكومات والباحثين لوصف العمل تكون تحت إطار”غير الرسمي” و “المحلي” و”غير مدفوع الأجر”، في حين أنه يستمر الاعتقاد بأن العمل بأجر هو القاعدة الأساسية.

وبالتالي، فإن الطرق التي يفكر بها البشر بخصوص العمل لا تتماشى مع حقائق العمل اليومية لمعظم الأشخاص في أنحاء العالم.

هيمنة العمل المأجور في السياسات الاجتماعية والرؤى السياسية للمستقبل قد أدى إلى عواقب وخيمة. على سبيل المثال، فإنها تنتج سياسات اجتماعية تنفي العمالة التي تعمل من غير أجر، كما تنفي البرامج التعليمية التي تعطي الأولوية للمهارات التي تضمن وظائف غير موجودة.

في الوقت ذاته، فإنها تُبطئ من تطوير برامج إعادة التوزيع الأكثر شمولاً كالتحويل النقدي غير المشروط الذي يستجيب بشكل أفضل لواقع الحياة بالعمل غير المأجور.

العمل خارج نطاق الأجر

في مجلد حديث التحرير، يُعرف العمل خارج نطاق الأجر على أنه العمل العادي في الاقتصادات المتنوعة، نتصدى للصعوبات الملحة لفهم (العمل) من المنظور العالمي العام لأولئك الذين لم يكن العمل المأجور هو القاعدة الأساسية بالنسبة لهم على الإطلاق.

كيف يعيش الناس في الاقتصادات شحيحة الأجور؟ ما المطالب التي يطالبون بها؟ وما هي أشكال التنظيم والتدخل المطلوبين لضمان تلبية احتياجاتهم المتنوعة؟ يستخدم العمل خارج نطاق الأجر دراسات حالة من جميع أنحاء العالم للإجابة على هذه الأسئلة. تتضمن دراستان في كلاً من جنوب أفريقيا وناميبيا حيث توجد نسبة كبيرة من عدم المساواة والبطالة المستوطنة، ولكنها توفر تجربة المنح الاجتماعية الواسعة والدخل الأساسي الشامل.

الجاذبية بكونك مدير نفسك

تستمر حكومة إفريقيا الجنوبية بتنمية العمل المأجور في سياساتها الاقتصادية والتعليمية بناءً على الافتراض بأن العمل الذاتي وغير الرسمي هو الملاذ الأخير للعاطلين عن العمل. ومع ذلك، فإن العديد من الشباب على استعداد لتحمل مخاطر العمل الذاتي وغير الرسمي على أن يعملوا بوظيفة منخفضة الأجر أو الخوض بطريق مسدود في الاقتصاد الرسمي. سلطت الباحثة هانا داوسون من خلال بحثها مع الشباب في زاندسبروت، -وهي مستوطنة غير رسمية في شمال جوهانسبرغ- على “الجاذبية بكونك مدير نفسك” في هوامش المجتمع الأوروبي. يجادل الفصل الذي أجرته في العمل لما هو أكبر من الأجر (Beyond the Wage) بأن أكثر ما يقدّره العديد من رواد الأعمال غير الرسميين في العمل بأنفسهم، هو القدرة على تشكيل الحياة وسبل العيش وفقًا لشروطهم الخاصة. فَعلى سبيل المثال هلوني الذي يصلح السيارات من فناء منزله، لم يبدأ عمله الميكانيكي غير الرسمي بسبب الضرورة الاقتصادية، بل فعل ذلك ليهرب من عمله حيث شعر بالإهانة والاستغلال. إحساسه بالاستقلال والقدرة على التحكم بوقته هو أكثر ما جعله يُقدّر العمل لصالح نفسه.

كان عمله الذاتي غير مستقر، لكنه وفر له مالم يستطع توفيره العمل الرسمي. كانت هذه القدرة على نسج أشكال متنوعة من العمل والتنشئة الاجتماعية. إن الاندماج الاجتماعي لريادة الأعمال غير الرسمية (التي توفر أشكالًا بديلة للهوية والترابط) تجعلها أفضل من عزل العديد من الوظائف منخفضة الأجور.

الحلم بالعمل مقابل أجر

قد تؤدي ريادة الأعمال غير الرسمية إلى مكافآت للبعض. ومع ذلك، فإن اعتبار العمل المأجور بأنه المثل الأعلى لا يزال يُلقي بظلاله، كما تشكّل ما يطلبه الناس ويتوقعونه حتى في الأماكن التي كانت شحيحة لفترة طويلة. وذلك واضح بالفصل الذي كتبته ليز فوكسمان عن المناطق الريفية في ناميبيا (حيث يُعتبر العمل الرسمي المستقر أمراً نادراً جداً) وذلك ما يريده الناس أكثر من التحويلات النقدية المباشرة أو المنح الاجتماعية. مثل هذه الوظائف “الجيدة” ستكون أفضل طريقة لقضاء الوقت، والتخلص من الملل وكسب المال. حتى في أوتجيفيرو (القرية التي كانت موقعاً لتجربة الدخل الأساسي ٢٠٠٨-٢٠٠٩ في ناميبيا) فإن العاطلين عن العمل على المدى الطويل يدعمون الدخل الأساسي بقوة، لكنهم ما زالوا يرون أن العمل المأجور هو المصدر الأكثر شرعية لكسب المال، كما يُعد الأساس للرفاهية الاجتماعية، والنفسية والجسدية. فَعلى سبيل المثال، أصرت امرأة كبيرة تعيل عشرة من أبنائها وأحفادها بأن أفضل شيء قد تقوم به الحكومة هو بناء مصنع بجانب القرية. حيث ستمنحها فرصة العمل في مصنع والخروج وممارسة الأنشطة لتكون عنصر فعال في المجتمع، طالما أنه لا يوجد عمل للقيام به في القرية.

تُشير هذه النتائج إلى أن حتّى الأشخاص الذين فشلوا بسبب النظام الحالي للعمل المأجور، يجدون الصعوبة في تخيل أي شكل من أشكال النشاطات الأخرى، فيما يتضمن أعمال الرعاية والتي تُعتبر بنفس مستوى أهمية الأعمال المأجورة. كما أنه من الصعب عليهم تخيل طُرق للقيام بشيءٍ جماعي دون أن يكون مرتبطاً بالعمل المأجور.

إن هذا الشغف للفوائد غير الملموسة للوظيفة “المناسبة” يعكس ارتباطاً عميقاً برؤية للوظيفة المتكاملة والمستقرة والتي تمنح الموظف الراتب الجيد، بالرغم من انعدام واقعية هذه الرؤية للكثير من الناس، كما أن الوظائف المتوفرة في المصانع تمنح الموظفين أجراً منخفضاً، كما أنها خطيرة وغير مستقرة. والآن قد حان الوقت للاعتراف بالرعاية والأنشطة الاجتماعية الحيوية الأخرى باعتبارها ذات قيمة متساوية للعمل المأجور، وليس فقط خلق طرق جديدة لضمان سبل العيش.

الخاتمة

من غير المرجح أن يعود التوظيف النموذجي لمنتصف القرن العشرين. لكن في جميع الأحوال، كان نموذج العمل هذا متاحاً فقط لمجموعة مختارة من الرجال البيض أقوياء البنية في أوروبا وأمريكا الشمالية. حان الوقت لتخيل مستقبل جديد للعمل من منظور الأغلبية العالمية الذين لم يكن العمل المأجور بالنسبة لهم كقاعدة أساسية. تشمل هذه العقود المستقبلية اقتصادات إعادة التوزيع التي تزود الناس بالوقت والأمن لخلق أشكال بديلة للهوية والمعنى والمجتمع خارج إطار العمل المأجور.

المصدر: https://phys.org

ترجمة: إسراء محمد

تويتر: @tho0ghtfull

مراجعة: سراء المصري


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!