لمَ المعلومات المضللة مشكلة أصغر مما تعتقد

لمَ المعلومات المضللة مشكلة أصغر مما تعتقد

6 مارس , 2022

ترجم بواسطة:

رشا الحربي

دقق بواسطة:

زينب محمد

اُعتقد على نطاق واسع أنّ هذا هو عصر المعلومات المضللة، والحقائق البديلة، ونظريات المؤامرة التي انتشرت بشكل مهول وأصبحت شائعة (من نظرية كيو أنون [QAnon]، إلى نظريات معارضي اللقاح والحجر الصحي).

وفي هذا القول، فإنّ الشبكات الإخبارية الحزبية ووسائل التواصل الاجتماعية تُضخم الإدعاءات التي تُنشر من قبل المجانين وغرباء الأطوار عن طريق شبكة الإنترنت لدرجة قد تُؤثر الأوهام والأفكار المغلوطة والغريبة حالياً على الحكومات، أو ربما حتى تُغيرها.

ولكن هل هذا هو الحال فعلاً، أم أننا نُضخم مشكلة المعلومات المضللة؟ ومن المفارقات أنّ العديد من معتقداتنا المشتركة حول هذه المشكلة أنها مجرد أساطير وأوهام.

تعتمد الأقليات الصغيرة على المعتقدات التآمرية

كم عدد الأشخاص الذين يؤمنون بالفعل بنظريات المؤامرة المغذاة بالمعلومات المضللة؟ حسناً ليس بكثرة كما اتضح لنا. نظريات المؤامرة الغريبة مثل)  QAnon  (تصدرت عناوين الصحف، خاصةً وأنّ المؤمنين بها كانوا من بين مثيري الشغب الذين اقتحموا مبنى الكابيتول الأمريكي قبل عام. ولكن لا تزال هذه المعتقدات نادرة.

بينما تُقدر الدراسات الاستقصائية أنّ عدد المؤمنين بـنظرية ( QAnon ) في الولايات المتحدة يصل إلى 15٪ ، فمن المحتمل أن يكون هذا بسبب “تحيز الإذعان” أو بمسمى آخر (انحياز للموافقة) وهو ميل الناس إلى الموافقة على أي شيء يُذكر في الاستبيان، حتى لعبارات مثل الحكومة، ووسائل الإعلام، والعوالم المالية في الولايات المتحدة تخضع لسيطرة مجموعة من المتحرشين بالأطفال الذين يعبدون الشيطان والذين يديرون عملية عالمية للإتجار بالأطفال جنسياً. كما أوضح عالما السياسة سيث هيل ومولي روبرتس (Seth Hill and Molly Roberts) فإنّ صياغة أسئلة الاستطلاع بشكل مختلف قد تُخفض عدد الذين يوافقون إلى النصف.

بالطبع، حتى لو كانت نسبة صغيرة منّا تُصدق المعلومات الخاطئة أو المضللة عمداً، فربما هناك عواقب حقيقية. ففي أمريكا، يرفض حوالي 15٪ من البالغين الحصول على لقاح كوفيد. وهذا بدوره يؤدي إلى ما يسمى بجائحة غير الملقحين.

إذاً، لماذا يقع الناس في فخ المعلومات الكاذبة، حتى ولو كانت ضد مصلحتهم المباشرة، مثل إبقاء أنفسهم وعائلاتهم على قيد الحياة؟

هل نحن حقاً ساذجون جداً؟

الإجابة الشائعة هي أن الناس يسهل خداعهم. حيث تبدو قدرة الشعبويين مثل دونالد ترامب (Donald Trump)على الوصول إلى السلطة على خلفية سلسلة من الإدعاءات الكاذبة أو المضللة دليلاً دامغاً على مثل هذه السذاجة الواسعة الانتشار. فقد قاد ترامب “أسطورة بيرثر” وهي أنّ باراك أوباما (Barack Obama) لم يولد في الولايات المتحدة، وتجاوز ترامب الحد أيضاً باعتماده على إحصاءات غير دقيقة حول معدلات الجريمة والبطالة طوال حملته.

لكن فكرة أنّ قلة منّا فقط يستطيعون مقاومة طوفان الأكاذيب هي أسطورة أخرى. فإذا كان الناس يتعرضون للخداع بسهولة، لكنّا جميعاً عبيداً طوعيين لنخبة متلاعبة! كما جادل عالم النفس الاجتماعي والمعرفي الفرنسي هوغو مرسييه (Hugo Mercier)، بأنّ الناس يتمتعون بآليات معرفية “حذر، وتيقظ، وإدراك” تمنع حدوث ذلك. فبينما نحن منفتحون على السماح بإدخال معلومات جديدة، فإنّ استجابتنا المعيارية هي التعامل مع هذه المعلومات بشك.

هل نحن فقط غير عقلانيين؟

كيف تتسرب المعلومات المضللة؟ أولاً، قدرتنا على التقييم النقدي للمعلومات أبعد ما تكون عن الكمال. بينما كان الاعتقاد السائد في يوم من الأيام أن البشر سيتصرفون دائماً بعقلانية في مصلحتنا الفضلى، فقد أظهر بحث أجراه الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل دانيال كانيمان (Daniel Kahneman) والعديد من الآخرين أننا جميعاً لدينا أخطاء معرفية منهجية مثل “التوافر الارشادي، أو عقلية بحسب الظروف أو مايسمى أيضاً “بالانحياز للمتوفر” و”انحياز الإغفال”.

وكلا الخطأين من ضمن أسباب التردد في أخذ اللقاح. فإذا جذبت الآثار الجانبية للقاح النادرة انتباه وسائل الإعلام، سيقوم الكثير من الناس بالتركيز على هذا الخطر، على الرغم من انخفاضه. وهذا ما يُعرف بالانحياز للمتوفر.

وفي الوقت نفسه، بانحياز الإغفال يستبعد الناس المخاطر المرتبطة بعدم اتخاذ إجراء (عدم التطعيم)، مع المبالغة في تقدير مخاطر اتخاذ هذا الإجراء (أي الحصول على اللقاح).

وهناك صلة بين القابلية للتأثر بالمعلومات الخاطئة وانخفاض مستويات التفكير المعرفي. لكن لا تعتبر اللاعقلانية لب المشكلة. أي عندما يتعلق الأمر بشرح دعم نظريات المؤامرة، مثل كيو أنون QAnon، نحتاج إلى النظر إلى ما هو أبعد من مهارات الحساب لدى الناس.

نحن فريق واحد

كما أشار مرسييه، من المرجح أن نصدق كذبة إذا جاءت من مصدر نثق به بالفعل. لأننا كائنات اجتماعية بالفطرة. حيث تطورنا لاستخدام الثقافة – المعتقدات والممارسات المشتركة – كنوع من الغراء المجتمعي. وفي الممارسة العملية، هذا يعني أننا أحياناً لا نُبدي استنكارنا وعدم تصديقنا لمجرد التوافق.

انظر على سبيل المثال، التأثير المدروس جيداً للتحزب السياسي على القبول الأمريكي لأسطورة بيرثر بحلول عام 2016، بينما يعتقد 80٪ من الديمقراطيين أن باراك أوباما ولد في الولايات المتحدة، فإن 25٪ فقط من الجمهوريين على النقيض منهم. يقبل الناس المعلومات الخاطئة مثل نظريات مؤامرة المواطنة أي أسطورة بيرثر Birtherism وكيو أنون QAnon ليتوافقوا مع مجموعتهم.

كيف يمكننا مساعدة الأشخاص الذين وقعوا في فخ المعلومات المضللة؟

بالنسبة للبعض منا، جلب الوباء معه تحدياً غير مرحب به؛ ألا وهو محاولة تغيير عقل أحد الأحباء المتأثرين بالمعلومات الخاطئة حول اللقاح.

 ووفقاً لنظرية مؤثرة تُعرف باسم “تأثير النتائج العكسية” أو”ردود الفعل العكسية”، حيث لا يُقاوم الأشخاص المعلومات التي تتعارض مع معتقداتهم السابقة فحسب، بل إنّ مواجهتهم بهذه المعلومات تزيد فقط من التزامهم بمعتقداتهم السابقة.

إذا كانت هذه النظرية صحيحة، فلن يكون هناك جدال. ولكن لحسن الحظ، فإنها تعتبر أسطورة شائعة أخرى. وقال خبير الإقناع في جامعة ييل (Yale)، ألكسندر كوبوك (Alexander Coppock) الذي راسلته عبر البريد الإلكتروني: “من بين مئات الفرص لتوثيق نظرية ردود الفعل العكسية في تجاربي العملية عن الإقناع، لم أواجهه قط”.

أنت مالك مفتاح تحررك من المعلومات المضللة

إذاً لماذا تستمر هذه الأسطورة؟ يعتقد كوبوك أنّ السبب في ذلك هو أنّ الخلاف غير سار على المستوى الشخصي. حيث قال: “عندما نحاول إقناع الآخرين، فإنهم لا يحبون ذلك وتقل محبتنا بسبب محاولتنا تلك”. ماذا حدث بعد ذلك؟ بعد أن فشلنا على ما يبدو في جهودنا في الإقناع، نطمئن أنفسنا بأنّ الشخص الذي يؤمن بالمعتقد هو ببساطة خاطئ، إن لم يكن غبياً.

لكن لا ينبغي لجهودنا الفاشلة في الإقناع أن تمنعنا من المحاولة. ويُظهر لنا الدليل التجريبي بوضوح أنّ الجميع حتى الأشخاص الحزبيون المتشددون، باستطاعتهم تصحيح وجهات نظرهم ومفاهيمهم عند إعطائهم معلومات دقيقة. بينما يتعين على البعض منّا بذل المزيد من الجهد قبل أن يقتنعوا تماماً، فإنّ المعلومات الواضحة والدقيقة عادةً ما تضعنا في الاتجاه الصحيح.

المفتاح هو تجنب جعلها قضية حزبية صحيحة كانت أم خاطئة. فكلما تمكنت من جعل شخص آخر يشعر بالاندماج وأنه ضمن الفريق، تولدت مشاعر التعاطف والثقة وازدادت.

 وكلما شعر الشخص الآخر بالتفهم والإدراك لمشاعره، زادت فرصك لتحريرهم من براثن المعلومات المضللة.

المصدر: https://phys.org

ترجمة: رشا الحربي

تويتر: @eunlina7

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!