معضلة السجين في حياتنا اليومية | كيف تسلط نظرية الألعاب الضوء على مشكلات الحياة العصرية ؟

معضلة السجين في حياتنا اليومية | كيف تسلط نظرية الألعاب الضوء على مشكلات الحياة العصرية ؟

13 فبراير , 2022

ترجم بواسطة:

ندى أشرف

دقق بواسطة:

ريم عبد الله

النقاط الرئيسية:

  • ترى نظرية الألعاب كل الأفعال كجزء من لعبة يحاول كل فرد فيها “الفوز”.
  • يستخدم منظرو الألعاب معضلة السجين لفهم السلوك الإنساني.
  • عند تكرار لعب معضلة السجين يميل الناس إلى اللطف بينما يختلف الأمر عند اللعب لمرة واحدة.
  • نستطيع فهم بعض المشكلات العصرية من خلال لعب معضلة السجين لمرة واحدة.

تخيل معي: أنت برفقة صديق، دعنا ندعوه باتريك، وطرأ لكما فكرة سرقة بنك في وضح النهار، ولسوء حظكما  فشلت الخطة وألقي القبض على كليكما ثم نقلكما الضابط إلى غرف منفصلة للاستجواب. أجل، أنت مكبل اليدين في غرفة ضيقة ويسطع مصباح فوق رأسك مباشرةً.

 وبعد استجواب مكثف أصابك بتوتر لم تعهد به من قبل، أصبح جلياً أمام عينيك أنك تواجه خيارين: إذا امتنعت عن الإفصاح فستلقى في السجن – ربما أكثر من 5 سنوات-  أو أنك تعترف وحينها تحظى بعقوبة مخففة. المعضلة هنا تكمن في لحظة إدراكك أن صديقك باتريك يعيش التجربة ذاتها.

ماذا تفعل إذاً؟

معضلة السجين ومعالجة نظرية الألعاب للسلوك

يشير هذا السيناريو إلى لعبة كلاسيكية يستخدمها منظرو الألعاب لفهم الرياضيات في السلوك البشري، ويدعى معضلة السجين.

السؤال الذي تحاول هذه اللعبة الإجابة عليه هو: هل سيرجح الفرد كفة الولاء أم يختار مصلحته الشخصية على حساب شريكه ( باتريك).

في مقدور هذه اللعبة – والتي نوقشت كثيراً بعد أن جاءت في كتاب ريتشارد داوكن “الجين الأناني” الذي آثار ضجة عن التطور والسلوك – إن توسع مدارك المرء عن حياة الإنسان الإجتماعية، إذ أننا بصدد اختيار الإيثار بالذات ومساعدة الآخرين أو وضع مصلحتنا في المقام الأول كل يوم تقريباً.

ولقد تطرقت إلى هذه المعضلة في مقال سابق بأنها النزاع الإنساني الرئيسي، بناءاً على أعمال عالم التطور دايفيد سلون ويلسون الذي يتحدث عن إن الإنسان يقع تحت ضغط اختيار المساعدة أو التصرف بأنانية بشكل متكرر.

وفي الواقع، نحن نواجه هذه المواقف طوال الوقت. وهذه بعض الأمثلة التي يمكن أن تقابلها في يومك العادي

  • أنت على عجلة من أمرك متجهاً إلى البقالة وأمامك شخص سقط منه كيساً به تفاح على الأرض.
  • خططت أن تمضي العيد مع أخاك وعائلته ثم يتصل بك أخاك في الثامنة صباحاً ليسألك أن تذهب وتساعده في جمع أوراق الشجر.

وهكذا.

إن الحياة مليئة بمثل هذه المواقف التي تتطلب الاختيار الذي سيعود فقط بالنفع إما عليك أو على الآخرين. وبهذه الطريقة تصبح الحياة سلسلة مستمرة من معضلة السجين.

معضلة متكررة أم منفردة

استخدم العلماء السلوك المبني على الرياضيات هذه المعضلة البسيطة للبحث في كل حقائق السلوك الإنساني. ماذا نتوقع أن يفعل الناس في هذه اللعبة؟ وماهي المتغيرات المؤثرة على هذه القرارات؟

أحد العوامل المهمة التي تحدث عنها داوكن هي، هل تتوقع أن تلعب مع  الشخص ذاته مرة واحدة أم أكثر؟

في حالة ما إذا كانت اللعبة تلعب لمرة واحدة، فليس من المستهجن أن نتوقع أن يميل الناس إلى التصرف بأنانية وتفضيل مصلحتهم، إذ أنك لن ترى هذا الشخص مجدداً لذا فمن السهل خيانته.

بينما، إذا كان متوقع أن تلعب ضد نفس الشخص مرة أخرى في المستقبل، فعندها ربما تتريث و تفكر بالأمر. وبالرجوع إلى المثال أعلاه، فإن كان من المتوقع أن تواجه باتريك يوماً تلو الآخر، فستفكر ملياً قبل أن تشي به لتحظى بعقوبة مخففة. إذ أن باتريك لن ينسى لك هذه الخيانة سريعاً ولربما يردها لك في مرة أخرى، مما يؤدى إلى عواقب وخيمة لك في النهاية المطاف.

تختلف كيفية اللعب وفقاً لإحتمالية تكرار حدوثها، حيث يفضل الفرد التصرف بلطف عند توقعه مقابلة الخصم في المستقبل وفي المقابل فإنه يؤثر ذاته ما إذا كانت اللعبة لمرة واحدة. مما يعني أن الحالة الأولى ستعزز مشاعر الرفق واللين والثانية ستعزز مشاعر الأنانية. 

معضلة السجين، سيكولوجية الأغراب، ونظرية عدم التطابق

تتمثل معضلة السجين المتكررة في أغلب تعاملاتنا الاجتماعية اليومية؛ مع الأهل والأصدقاء وزملاء العمل وحتى الأغراب الذين نتوقع التعامل معهم مستقبلاً. لذا في هذه الحالة، كما ناقشنا، فأننا نميل إلى أن نكون لطفاء مع الآخرين.

بوسعنا أيضاً التفكير في هذه المعضلة من منظور علم التطور ونظرية عدم التطابق. أي أن ظروف الحياة المعاصرة تختلف أشد الاختلاف بالمقارنة بالعصور القديمة.

ومن الشيق ملاحظة أن أسلافنا كانوا يعيشون لزمن طويل جداً في قبائل صغيرة محاطون دائماً بالأقارب والمعارف.ومن ثم فإن اللعبة المتكررة هي الشائع حدوثها. وتذكر، إنها تجعل الفرد يتحلى بالصفات الحميدة والتعاون.

ولكن، الأمور تغيرت  أليس كذلك؟ الآن، نحن نتعامل مع شتى أصناف البشر والأغراب. في الواقع، في أي يوم الآن هناك احتمالية التعامل مع شخص يستخدم اسم مزيف ويسكن في الجهة المقابلة من العالم. كما يمكن أن يحدث عندما نتصل بخدمة العملاء لشركة كبيرة. فكر بالآتي: عندما تكون على الانتظار في مهاتفة مع خدمة العملاء وتتحدث مع موظف لن تقابله أبداً أو تراه في حياتك وبعد انتظار لمدة ساعة ونصف. هل تحسن التصرف دائماً؟ سوف احزر أن الإجابة هي لا.

الآن خذ خطوة إلى الوراء، وفكر كيف اعتدنا التعامل مع الأغراب في عصرنا الحالي. ويزخر يومنا الطبيعي بالعديد من مثل: هذه المواجهات والمواقف التي يمكن وصفها لمعضلة السجين لمرة واحدة. وتذكر، تنص القاعدة البسيطة مشتقة من التحليل النظري للسلوك أن لعب هذه اللعبة لمرة واحدة تجعل الفرد يؤثر مصلحته الشخصية ويتصرف بأنانية. فكر بالأمر.

الخلاصة

إن جزء من التعاملات الاجتماعية، يمكن التفكير به من منظور معضلة السجين والتي تراهن أنانيتنا ضد رغبتنا للتعاون مع الآخرين ومساعدتهم. وتنص القاعدة البسيطة لمعضلة السجين بأنه عند تكرار اللعب مع شخص آخر نتوقع مزيداً من التعامل معه، نميل للتصرف بلطف أكثر بالمقارنة باللعب لمرة واحدة.

وفي تعاملاتنا مع الأغراب، والتي أصبحت الأكثر شيوعاً الآن في تجاربنا الحياتية، فأننا نفكر بالأمر كلعبة السجين لمرة واحدة. ونجد أنفسنا دائماً في مواقف تولد مشاعر الأنانية.

إذا أردت أن تفهم لماذا هناك كل هذا الشر بالعالم الآن، ربما تكمن المشكلة في أن معظم التعاملات الاجتماعية بين أغراب لا نتوقع التعامل معهم مجدداً. ربما هذه اللمحة البسيطة تساعدنا في خلق بيئة أكثر تعزيزاً للتعاون والمساعدة والحب.

المصدر: https://www.psychologytoday.com

ترجمة: ندى أشرف

مراجعة وتدقيق: ريم عبدالله


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!