كيف تحمل ذكرياتنا مفتاح الوقت

كيف تحمل ذكرياتنا مفتاح الوقت

12 فبراير , 2022

ترجم بواسطة:

فاتن ضاوي المحنا

دقق بواسطة:

رحاب الدوسري

النقاط الرئيسية:

  • الوقت لا ينتقل من الماضي إلى المستقبل في لمحة، ولكنه يعتمد على قدرتنا على الاحتفاظ بالمعلومات حول الأحداث.
  • تعمل وظيفة الذاكرة على مزج الماضي والحاضر معاً.

كل قصة – بما في ذلك السرد الملحمي لحياتنا – تحتاج إلى إطار وحبكة، وكل قصة مثيرة تحتاج إلى بطل، والوقت يفي بكلا المطلبين. ومن المؤكد أنه يجب إلقاء اللوم على شيءٍ ما في المأساة التي تحول جمال وحيوية شبابنا إلى جلد مجعد ومفاصل تصدر صرير عند تقدمنا في السن. ولطالما اُعتبر مرتكب هذه الجريمة كياناً حقيقياً. إن فكرة الوقت كشيء مطلق يدق بعيداً خارجنا، لا تزال راسخة في ذهن العامة. ففي فيلم الخيال العلمي، تخبرنا لوسي، العالمة اللامعة (التي قامت بأداء دورها مورجان فريمان) في أحداث الفيلم أن الوقت وحده حقيقي. لكن كاتب السيناريو لا يمكنه أن يبني هذا التصريح على أي شيء موجود في نص فيزيائي حديث.

الوقت ليس شيئاً نجمعه على طول الشاطئ مثل الأصداف

أظهر أينشتاين في أوراقه عن النسبية أن الوقت نسبي بالنسبة لنا. تأخذ المركزية الحيوية هذه خطوة إلى الأمام من خلال اقتراح أننا لا ندرك الوقت فحسب، بل نخلقه حرفياً. نحن نفهم الأحلام على أنها بناء عقلي، ولكن عندما يتعلق الأمر بالحياة التي نعيشها، فإننا نقبل تصورنا للزمان والمكان على أنه حقيقي تماماً. ولكن كما هو موضح في الكتاب “التصميم العظيم لمركز الحياة  The Grand Biocentric Design”، فإن المكان والزمان ليسا كائنات. الوقت ببساطة هو البناء المنظم لما نلاحظه في الفضاء يحدث داخل العقل تماماً مثل مشاهد الفيلم.

وفقاً لكتاب مركز الحياة، الحياة هي حركة وتغيير، وكلاهما ممكن فقط من خلال تمثيل الوقت. في كل لحظة، نحن على حافة التناقض المعروف باسم “السهم” الذي وصفه منذ 2500 عام، زينو من إيليا. لا يمكن أن يكون أي شيء في مكانين في وقت واحد، ومن الواضح أن السهم الذي يطير في الهواء لا يحتل سوى مكان واحد في أي لحظة. فالحركة هي في الحقيقة مجرد سلسلة من الأحداث المنفصلة، وليست مستمرة. الوقت ليس سمة من سمات العالم الخارجي. إنه إسقاط لشيء ما بداخلنا يربط الأشياء التي نراها معاً.

في عام 2016 نشرت ورقة مع الفيزيائي النظري دميتري بودولسكي ظهرت كقصة غلاف في مجلة  Annalen der Physik – بالمصادفة، وهي نفس المجلة التي نشرت نظريات أينشتاين عن النسبية. ويشرح دميتري، كيف ينبثق سهم الزمن مباشرةً منا نحن، الوقت لا ينتقل من الماضي إلى المستقبل في لمحة، ولكنه بالأحرى خاصية ناشئة تعتمد على قدرتنا على الاحتفاظ بالمعلومات حول الأحداث ذات الصلة.

الذكريات تمزج الماضي والحاضر معاً

الوقت الذي نختبره لا معنى له دون الارتباط بنقطة أخرى. إنه بلا منازع مفهوم علائقي – حدث واحد بالنسبة إلى آخر، لذلك يتطلب الأمر وجود ذاكرة؛ لأنه بدونها لا يمكن للمرء أن يمتلك المفهوم العلائقي الذي يكمن في جوهر أي “سهم من الوقت”. لا يمكن أبداً أن تمر لحظة دون أن يمزج العقل بين الماضي والحاضر معاً. تسمع رنين الهاتف أو جرس الباب، لكن لا يمكن أن يحدث ذلك حتى يصبح الصوت في الواقع من الماضي حتى يقارنه العقل.

ولحيرة العلماء، فإن القوانين الأساسية للفيزياء ليس لها أي تفضيل لاتجاه في الزمن، وتعمل أيضاً مع الأحداث التي تسير إلى الأمام أو تتراجع في الزمن، أي أنه في واقعنا تبرد القهوة وتتعطل السيارات. ولكن إذا كانت قوانين الفيزياء متماثلة فيما يتعلق بالوقت، فلماذا إذن يمر الوقت في واقعنا من الماضي إلى المستقبل؟

واحدة من أكثر السمات المحيرة للفيزياء الحديثة هو ما يسمى “انهيار وظيفة الموجة”.  ولفهم ذلك، ضع في اعتبارك الضوء في غرفتك، حيث تخبرنا الفطرة السليمة أن الضوء إما مضاء أو مطفأ، ولكن ليس كلاهما في وقت واحد. تسمح ميكانيكا الكم بمثل هذه الحالات الغريبة التي لم يتم فيها تشغيل الأضواء أو إيقاف تشغيلها، بل حدوث الحالتين معاً تشغيل وإيقاف تشغيل.

تؤكد التجارب أن مثل هذه الحالات “المتشابكة” موجودة بالفعل. تشير تجربة قط شرودنجر الشهيرة إلى أنه حتى القطط والأشخاص يمكن أن يتواجدوا في حالة التشابك، أي يمكن أن يكونوا “أحياء” و”أموات” في نفس الوقت. إذا كان الأمر كذلك، فلماذا تبدو القطط الواقعية دائماً إما ميتة أو حية؟

الجواب: “انهيار دالة الموجة” أو “فك الترابط”. حيث يصبح الضوء إما مضاء أو مطفأ بشكل دائم، أو مثل قط شرودنجر حيّ أو ميت إذا قمنا بفحص حالته.

الوقت هو وظيفة الذاكرة

اعتقد جون ويلر، مساعد أينشتاين، أن الوقت ينشأ بسبب فك الترابط في وظيفة الموجة التي تصف الكون، والذي يخضع لقوانين الجاذبية الكمية، ومع ذلك ، لا يمكن للخصائص الجوهرية للجاذبية الكمية والمادة وحدها أن تفسر الفعالية الهائلة لظهور الزمن وعدم وجود التشابك الكمومي في عالمنا اليومي العادي. بدلاً من ذلك، من الضروري معرفة الطريقة التي نعالج بها المعلومات ونتذكرها. يرتبط ظهور سهم الوقت بالقدرة على الاحتفاظ بالمعلومات حول الأحداث التي حدثت بالفعل.

مرة أخرى، عرفنا لسنوات أن قوانين الفيزياء متماثلة مع الزمن، لا يلعب الوقت أي دور على الإطلاق، لا توجد حركة إلى الأمام للوقت، لذا، إذا كانت قوانين الفيزياء تعمل أيضاً مع الأحداث التي تسير إلى الأمام مثل الرجوع إلى الوراء في الوقت المناسب، فلماذا لا نشعر إلا بالتقدم في السن؟ تخبرنا جميع نظرياتنا العلمية أنه يجب أن نكون قادرين على تجربة المستقبل تماماً مثل الماضي، فإذا كان الوقت متماثلاً حقاً، فيجب أن نكون قادرين على “تذكر” المستقبل تماماً مثل الماضي، ومع ذلك، فإن سبب تقدمنا ​​في السن هو أننا لا نستطيع تذكر إلا الأحداث التي حدثت في الماضي. حيث ترتبط المسارات الميكانيكية الكمية من “المستقبل إلى الماضي” بمحو الذاكرة، لأن أي عملية تقلل الانتروبيا – أي انخفاض في الترتيب – تؤدي إلى تقليل التشابك بين ذاكرتنا والأحداث المرصودة.

بعبارة أخرى، إذا كنا سنختبر المستقبل، فلن نكون قادرين على تخزين الذكريات – لا يمكنك العودة في الوقت المناسب- دون محو هذه المعلومات من عقلك، على النقيض من ذلك، إذا واجهت المسار المعتاد “من الماضي إلى المستقبل”، فإنك ستراكم الذكريات ولا يتم محو أي شيء، لذلك فاقدي العقل لا يشعرون بالوقت، وهذا ليس فقط بسبب عدم إدراك ما يحدث، بل لأن سهم الزمن ببساطة لم يظهر بحيز الوجود في المقام الأول؛ لأنه كما ذكرنا سابقاً، الوقت هو مفهوم علائقي بحت – ومن خلال ذاكرة الأحداث فقط يمكن للعقل أن يجمع الماضي والحاضر معاً.

التمييز بين الماضي والمستقبل وهم

حياتك عبارة عن لحظات متتابعة، فأنت شاب في هذه اللحظة الآن، ثم سيصيبك الشيب والتجاعيد؛ وهذا ما تعبر عنه نظرية الزمكان لأينشتاين حيث يحتوي “الكون الكتلي” على كل نقطة ممكنة في المكان والزمان، مما يعني أن كل شيء فيه موجود في وقت واحد.

اعتبر الأمر كواحد من تلك الفونوغرافات القديمة (جهاز تشغيل أسطوانة الموسيقى قديماً)، حيث عندما تكون الإبرة في مكانٍ ما على الجهاز تستمتع إلى أغنية معينة التي تمثل الحاضر، أما الأغنية السابقة واللاحقة لها فهي تمثل الماضي والمستقبل. على نفس المنوال، كل ما تعيشه الآن مثل الأغاني مسجلة على أسطوانة واحدة، لا تستطيع سماعها كلها في نفس الوقت بل واحدة تلو الأخرى عندما يأتي وقتها.

لهذا قال أينشتاين ذات مرة،”الآن غادر بيسو [صديق قديم] من هذا العالم الغريب أمامي قليلاً، هذا لا يعني شيئًا، فالتمييز بين الماضي والحاضر والمستقبل ليس سوى وهمٍ مستعصٍ على الإصرار “.

المصدر: https://www.psychologytoday.com

ترجمة: د. فاتن ضاوي المحنّا

تويتر: @F_D_Almutiri

مراجعة وتدقيق: رحاب الدوسري

تويتر: lectoror


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!