كيف تُعلق اللوحة ؟

كيف تُعلق اللوحة ؟

11 ديسمبر , 2021

ترجم بواسطة:

عهود هادي

دقق بواسطة:

زينب محمد

لتعليق لوحة ما، تحتاج أن ترسُم نقاطًا صغيرة على الجدار مُسبقًا لتعرف أين ستُثبت المسامير بعد قياس مسافات تلك اللوحة. وأهم أمر بعد تعليق اللوحة وضمان ثباتها هو أن تعود للخلف، لتتأكد أنها بالمكان الصحيح، فتُسر إذا ما كانت كما رَسمتَ وخططتَ وستُعدلها فورًا إذا ما كان شكُلها لم يسْر كما ينبغي. وربما إذا كانت اللوحة كبيرة وثقيلة ستحملها مؤقتًا للمكان الذي ستُثبتها فيه، وتُرسل أحدًا ليُعاين منظرها، وما إذا كان رائعًا ومناسبًا ليتم اعتماد المكان الذي ستستقر فيه اللوحة.

لكن لماذا نفعل أنا وأنت و الجميع ذلك أثناء تعليق اللوحة؟ ماذا لو اكتفينا بالنظر إليها من نفس المسافة فورًا بعد أن نُعلقها؟ رٌبما قد نراها جميلة فنغتر بجمالها ونتخذها معيارًا نقيس عليه بقية اللوحات فتُثبت على شاكلتها، أو قد تكون عكس ذلك، ربما قد لا تُعجبنا فنتحسر ونُعرّي الجدار منها ومن أي لوحة للأبد .

كُنت قد قرأت قصة الأب الذي اصطحب ابنتيه إلى متحف الفنون الجميلة في هيوستن، وأثناء تجوله وقع نظره من بعيد على لوحته المفضلة، لوحة ” بعد ظهر يوم أحد على جزيرة لاغراند جات “، وهي لوحة كبيرة مقارنةً بلوحات المعرض الأخرى، فخطر له أن يستغل الفرصة ويعلم ابنتيه درسًا بالحياة، حيث طلب مُسبقاً من طفلتيه أن يُغلقن أعينهن وأخذ يقترب بهن من اللوحة، وقد باتوا قريبين جدًا منها، وطلب منهن أن ينظرن للوحة ويخبرونه بما يرون؟ فأجاباتا: أنهن لا يرين إلا نقاطًا دائرية، نقاطًا ملونة لا معنى لها، فأخبرهم مجددًا أن يغلقْن أعيُنهن وأرجعهن للوراء إلى الحد الذي تتضح فيه معالم اللوحة، وقد إعتلت الدهشة ملامحهن بعد أن طلب منهم النظر مرة أخرى لنفس اللوحة، ولم يصدقن من الوهلة الأولى أنها نفس اللوحة. كان الأب يحاول أن يُرسل رسالة مفادُها ” الصورة الأكبر هي الأهم وهي الدافع، التفاصيل تأتي ثانيًا ” وحتى تُحقق هذا ، تحتاج أن تخطو خطوة وخطوتان وحتى خطوات إلى الوراء لتتضح لك الصورة.(1)

“بعد ظهر يوم أحد على جزيرة لاغراند جات  “هي لوحة رُسمت في عام 1884 بواسطة الفنان جورج سورا وهي أحد لوحاته الأكثر شهرة. وهي مثال رائد للأسلوب التنقيطي المُنجز على قماش رسم كبير. ضمّن سورًا في لوحته عدداً من الباريسيين في حديقة على ضفاف نهر السين.(2)

بشكل أو بآخر، أمسكت هذه القصة بيدي بشدة لتوصلني إلى هُنا، إلى السبب الذي يدعو الجميع إلى الرجوع للخلف للتأكد ما إذا كانت اللوحة مُعلقة جيدًا أم لا، وبشكل ما أشعر أن هذه اللوحة في هذه القصة هي مجاز للإنجازات الصغيرة والكبيرة في حياتنا، وخطوات الوراء هي .. انخراطنا في أمور روتنية هادئة، كحياكة أسوارة ، أو تلميع طاولة الطعام الخشبية في المطبخ أثناء الإستماع لموسيقى ” When you need rest of your mind “.

وأشعر حقيقة بالسعادة، لأنني كُنت أشعر أنني أقف بوسط نهر يجري تياره بقوةٍ عكسي، سأتوقف الآن عن مقاومة الرغبة في الرجوع للخلف، لا يوجد بعد الآن إصرار متواصل على تحقيق إنجازات متتالية، يُوجد الآن حياة طبيعية، يوجد مقاومة معاكسة للمقاومة الأولى، الآن هناك رغبة أكبر في الرجوع للخلف بعد كُل إنجاز، للعثور على معنى وقيمة أكبر وتحقيق توجه عميق ومدروس للخطوة القادمة.

يبدو أن اللوحات تُعلمنا الكثير من الأمور حول طريقة عيشنا للحياة الطبيعية.

مراجع المقالة:

  1. https://technative.io
  2. https://ar.wikipedia.org

كتابة: عهود بحاري

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!