المرونة ليست شيئاً تقوم ببناءه فقط!

المرونة ليست شيئاً تقوم ببناءه فقط!

23 ديسمبر , 2021

ترجم بواسطة:

إسراء محمد

دقق بواسطة:

زينب محمد

قرأت مؤخراً مقال لهيذر يونغر عن بناء المرونة في العمل حيث قدم المقال ثلاث خطوات لتحقيق المرونة في العمل. كنت متفاجئاً بسرور عندما وجدت أن المقال لم يقدم إدعاءات حول المرونة التي تمت المبالغة بها بإفراط كما يأتي غالباً في المقالات الصحفية العلمية الشائعة التي تروج لفوائد التدريب على المرونة. على الرغم من ذلك، هناك جوانب من المقال أود انتقادها، وهذا ماأخطط للقيام به هنا. تنقسم انتقاداتي بشكل عام إلى ثلاثة نطاقات:

  • لم يقدم المقال تعريفاً واضحاً للمرونة.
  • يرمي المقال إلى تصور المرونة كعضلة، وذلك قد يكون غير عادلاً لتعريف ماهية المرونة.
  • قد تكون إعادة الصياغة أسلوب تكيفي، لكن لها حدود.

لم يقدم المقال تعريفاً واضحاً للمرونة:

نقطة الانتقاد الأولى هي أن الكاتبة لم تنص على تعريف المرونة بشكل واضح. على الرغم من وجود مقالات حيث يمكن القراء استنتاج مصطلحاتها بعقلانية، يُفترض أن كل شخص يبدأ بنفس التعريف الضمني لمصطلح أو لمفهوم عام، لكن عندما يتعلق الأمر بالمرونة.. لايكون لذلك الافتراض وجهاً من الصحة. هُنا التعريف الرسمي للمرونة مأخوذاً من قاموس علم النفس الخاص بجمعية علم النفس الأمريكية:

المرونة هي عملية و نتائج التكيف على الظروف المحيطة بنجاح مع تحديات أو تجارب الحياة الصعبة، خصوصًا تلك التحديات التي ترتبط بالمرونة العقلية و العاطفية والسلوكية. كذلك تشمل التكيف مع المتطلبات الداخلية و الخارجية. تساهم عدداً من العوامل بمدى تكيف الأشخاص مع الشدائد السائدة بينهم مثل:

  • الطريقة التي ينظر بها الأشخاص للعالم وتفاعلهم معه.
  • مدى توافر و جودة الموارد الاجتماعية.
  • استراتجيات محددة للتعامل.

يوضح البحث النفسي أن الموارد والمهارات المرتبطة بالتكيف الأكثر إيجابية و المقصود (مرونة أعظم) يُمكن صقلها و ممارستها.

لذلك، يمكننا تعريف المرونة بإنها عملية ونتائج. بصيغة أخرى، يمكننا تعريف المرونة على أنها الطريقة التي يكتسبها الأشخاص بهدف التكيف مع مختلف الأمور الصعبة وغير المتوقعة، أو مواجهة تحديات الحياة أو التعامل معها. كذلك يمكننا تعريف المرونة بأنها المصطلح الذي يشير إلى مدى سرعة تعافي الأشخاص من خوض التجارب الصعبة. لم يوضح المقال للقراء ما إذا كانت الكاتبة يونغر تشير إلى طرق تحسين قدرة الإنسان على مسك زمام الأمور حين يواجه المتطلبات الصعبة، أو أنها تشير إلى كيفية تخفيف ردود أفعال الشخص اتجاه المِحن. سأناقش أهمية كلا الجانبين في نهاية المقال.

المرونة ليست عضلة:

إنه ليس من غير المألوف بالنسبة إلى العديد من مصطلحات علم النفس كالمرونة أن يتم الحديث عنها على أنها عضلة. الفكرة من هذا التشبيه هو أننا نستطيع تطوير مرونتنا عن طريق تمرينها وتقويتها. وذلك ينطبق على العضلات الفعلية حيث يمكن تقويتها عن طريق الممارسة، وإن الرغبة بزيادة حجمها يتطلب تخطيط و جهد و عمل. كذلك يجب علينا البحث على نحو استباقي على الخبرات التي ستزيد الكتلة العضلية (المرونة) لكلتا الحالتين كما نستعين بالأثقال للمحافظة على عضلاتنا الجسدية، وتكرار رفع الأثقال لتمدد العضلة. لتوضيح تشبيه المرونة بالعضلة أكثر، كلما أردنا زيادة مرونتنا نحتاج أكثر إلى خبرات ومواجهات أصعب كما تحتاج العضلة إلى تكرار أكثر وأوزان أثقل لتنمو. فإذا عزمت على حمل أوزان أثقل ممّا أنت قادراً عليه في الوقت الحالي، سيؤدي ذلك إلى إصابة خطيرة. كذلك عزمت على رفع أوزان خفيفة لتكرار مبالغ فيه، فإنك ستتعرض أيضاً إلى إصابة خطيرة. مع مرور الوقت، إذا بنيت قدراتك عمداً، تدريجياً ستجد نفسك قادراً على رفع أوزان أكبر وبتكرار أكثر مما اعتدت عليه بالسابق دون التعرض لأي اصابة.

 فكرة أنه يجب علينا مواجهة التحديات بهدف تطوير مرونتنا لها حدود. بالطبع، التجارب التي تكون بمثابة تحدي، أو التي نجد فيها صعوبة، تلك هي التجارب التي تعطي لنا الفرصة لتطوير وصقل الأساليب الاستدلالية التي بإمكانها مساعدتنا اجتياز مواقف مشابهة في المستقبل. عندما يأتي موقف مشابه بالمستقبل، حينها سوف يكون لدينا إطار مرجعي موسع، و حينذاك لن تكون التجربة بمثابة تحدي على شكلٍ تام لإنه سيكون لدينا الخبرة بإدارة الأمر في السابق. مع الوقت، ستساعدنا فرصة أساليبنا الاستدلالية الموجودة في أن نصبح أكثر مرونة. لكن من المحتمل أن تكون العواقب وخيمة إذا وجدنا أنفسنا في مواقف تتجاوز قدراتنا بشدة، أو تتخطى معرفتنا بالتجارب التي خضناها. باختصار، كلما زادت المتطلبات المفرطة (سواءًا بشكل فعلي أو مؤقت)، كلما كان الخطر أعظم.

كل ما كُتِبَ إلى الآن يتماشى مع ما قالته يونغر. بخلاف ذلك، بعض الفرص المنظمة للتطوير مثل تولي مهام تتعدى مستوى خبرتنا، أو توسيع دورنا بالعمل حيث المجالات التي قد تكون جديدة علينا، فإن عدداً قليلاً من الأشخاص “على الأقل كما آمل” سيبحثون بنشاط عن المزيد من الخبرات الصعبة بشكل صارم حتى يجنوا فائدة أن يصبحون أكثر مرونة. حتى لو كانت لدينا قابلية التعافي من الأزمات أو الأحداث التي تترك وقع الصدمة في أنفسنا، فإن قلة قليلة من الناس قد يضعون أنفسهم عمداً في مثل هذه المواقف بهدف الاستفادة من المرونة التي قد يحصلون عليها من خلال خوض تلك التجارب.

ممّا يعني أن الموظفين لن تتاح لهم فرصة تطوير أو صقل أساليبهم الإرشادية أو توسيع الإطار المرجعي لديهم مالم يخوضوا تلك الأزمات.  إن التغلب على العاصفة أو التعلم منها لا يختلفان، و لكن غالبًا مايكون تعلم تجنب الأزمات أفضل من تعلم كيفية التكيف معها في حال حدوثها.

هنالك الكثير من التوتر عندما يتعلق الأمر بمفهوم المرونة. فإنه دون الخوض بهذه التجارب الصعبة، لن يكون لدينا الفرصة لتطوير مرونتنا. لكن من ناحية أخرى و بشكلٍ عام فإنه من الأفضل تجنب الخوض في التجارب الصعبة إلى حدٍ بعيد إن استطعت. بعكس بناء العضلة أو القدرة على التحمل، فإننا غالباً لسنا قادرين على التخطيط لتلك التجارب المطلوبة التي قد تبني مرونتنا أو حتّى لتتحكم بحجم تلك المكانة التي قد تشغلها في أطباعنا. بناءاً على ذلك، فإن التشبيه الاستعاري للمرونة على إنها عضلة شيء محدود للغاية. من وجهة نظر التطوير، قد يكون من الأفضل التفكير في طرق لخلق صعوبة مضبوطة حيث يضطر الموظفون إلى شق طريقهم خلال بعض التحديات دون أن يتدخل المديرون أو غيرهم على الفور.

يمكن لإعادة الصياغة أن تكون فعّالة، ولكن….

بالتأكيد، أوافق يونغر بأن إعادة الصياغة ممكن أن تكون أسلوباً مفيداً جداً لإدارة المواقف الصعبة على نحوٍ أفضل. على سبيل المثال لو تعلمنا على رؤية المصاعب كتحديات فسوف يؤدي بنا ذلك إلى الاعتماد على استجابات أكثر تكيفاً موجهة نحو النمو و التغلب على المصاعب. لكن إذا اعتدنا على النظر للصعوبات و كأنها موقفاً يستحيل اجتيازه، فمن المرجح أن نعتمد بدرجة أقل على الاستراتيجيات التي تركز على المشكلة والموجهة نحو معالجة الصعوبة وأكثر على الاستراتيجيات الأقل تكيفًا التي تركز على المشاعر مثل الانسحاب أو الاجترار.

ذكرت يونغر أن إعادة الصياغة ليست بالشيء السهل دائماً، ولكن ذلك بخس كبير. هناك سبب لتدريس إعادة الصياغة كعنصر من مكونات العلاج السلوكي المعرفي (CBT) – ليس من السهل تنفيذه بمفردك. بالإضافة إلى ذلك ، على الرغم من أن إعادة الصياغة يمكن أن تكون فعالة، إلا أن فعاليتها تختلف باختلاف المشكلة أو التحدي الذي نحاول إعادة صياغته. يمكن أن يكون مفيدًا جدًا لتحديات العمل اليومية، ولكنه قد يكون أقل فائدة للمشاكل الأكثر خطورة – على الأقل باعتباره الشكل الوحيد للتكيف.

الأفكار النهائية حول بناء المرونة:

أنا أوافق بالتأكيد على أن العمال الأكثر مرونة سيحصلون على وقت أسهل (ملاحظة: أسهل وليس سهلاً) للتكيف مع التحديات والصعوبات المختلفة في مكان العمل. ومع ذلك ، لا توجد طريقة سهلة لتنمية المرونة. على الرغم من أنه يمكننا محاولة منح الناس الأساليب اللازمة لإدارة التحديات المختلفة التي تلقيها الحياة في طريقهم بشكل أفضل، إلا أنه من الأفضل تطوير المرونة من خلال التجربة. قد يكون خلق فرص لبناء المرونة الخاضعة للرقابة في مكان العمل نهجًا أكثر فائدة لتنمية الفوائد طويلة المدى للمرونة أكثر من أي استراتيجية أخرى باستثناء تسجيل جميع الموظفين للحصول على العلاج المعرفي السلوكي المخصص. ومع ذلك، من المهم أن ندرك أن الجزء الأكبر من المرونة سوف يرتكز على تجارب الموظفين وقد لا يترجم إلى تجارب مختلفة. ربما كان هذا هو الجانب الأكثر تحديًا في حين انتشار فايروس كورونا وعمليات الإغلاق التي حدثت بسبب الوباء: لم يكن لدى العديد من الأشخاص تجارب كافية قابلة للمقارنة يمكن الاعتماد عليها، مما أدى إلى الكثير من التكيف مع التجربة، كما أدى أيضاً إلى الخطأ. في النهاية، وجد الكثير من الناس طريقهم إلى أساليب أكثر تكيفًا وصحية لإدارة التحديات. لكن كثيرين آخرين وجدوا طريقهم إلى استراتيجيات أكثر سوءًا، مثل تعاطي الكحول أو المخدرات، أو الاجترار، أو الانسحاب الكامل، والتي قد يكون من الصعب للغاية كسرها وتؤدي إلى نتائج كارثية طويلة المدى.

المصدر: https://www.psychologytoday.com

ترجمة: إسراء محمد

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!