ماهى آلية الزمان؟

ماهى آلية الزمان؟

9 أغسطس , 2021

إننا منذ بداية الكون إلى يومنا هذا نعد الزمان أحد الأشياء المنتظمة والثابتة، فهذه هى فيزياء الزمان.

عندما نفكر في الزمان، فإننا نتوه بسهولة نظراً لتعقيده، فالزمان في كل مكان حولنا، دائم الوجود وبه نسجل الحياة على الأرض، وهو الثابت المحافظ على توقيت العالم والنظام الشمسي بل وحتى الكون.

نهضت حضارات وانهارت، ولدت نجوم وأفلت، ومع مرور الزمان بانتظام كانت طريقتنا الوحيدة لتتبع كل حدث في الكون وعلى الأرض بمقارنة هذه الأحداث باليوم الحاضر، لكن هل الزمان ثابت حقاً؟ هل مفهوم الزمان بسيط كبساطة انتقاله من ثانية لأخرى؟

ولد الكون قبل ١٣.٨ مليار سنة ومعه ولد الزمان واستمر حتى يومنا هذا، شاهداً على تكون المجرات وتوسع الفضاء، لكن عند الحديث عن مقارنة الزمان، فلو أدركنا قِصر الزمان الذي عشناه بالفعل لصُعِقنا.

قد يكون عمر الأرض ٤.٥ مليار سنة، لكن البشر المعاصرين سكنوها منذ قرابة ٣٠٠.٠٠٠ سنة أي مايعادل ٠.٠٠٢٪؜ من عمر الكون.

هل بدأت تشعر بضآلتك؟ سيزداد هذا الشعور سوءًا لو علمتَ أننا عشنا مقداراً ضئيلاً حقاً من الزمان على الأرض لدرجة أننا من الناحية الفلكية لا ذِكر لنا على الإطلاق.

في القرن السابع عشر، اعتبر الفيزيائي إسحاق نيوتن الزمان سهماً منطلقاً من قوس بثبات وفي خط مستقيم لا يحيد عنه أبداً، فبالنسبة له كانت ثانية واحدة على الأرض بنفس الطول الزمني لثانية واحدة على المريخ أو المشتري أو في الفضاء الواسع، لم يكن باعتقاده أنه من الممكن اكتشاف الحركة المطلقة، مما يعني أنه لا سرعة ثابتة في الكون، حتى الضوء، وبتطبيق هذه النظرية افترض التالي؛ إن كان من الممكن أن تتفاوت سرعة الضوء، فإن الزمان ثابت، لابد أن تكون المدة بين الثانية والثانية الأخرى متساوية، يسهل تصديق الأمر، فكل يوم نعيشه فيه ٢٤ ساعة، ليس هناك يوم فيه ٢٦ ساعة ويوم آخر فيه ٢٣ساعة.

ومع ذلك فقد أكد ألبرت أينشتاين عام ١٩٠٥ أن سرعة الضوء ثابتة تنتقل بمقدار ١٨٦٢٨٢ ميلاً في الثانية، أي مايعادل (٢٩٩.٧٩٢ كيلومتراً في الثانية).

لقد افترض أن الزمان كالنهر يتدفق وينحسر اعتماداً على تأثير الجاذبية الزمكانية، وسيتسارع حول الأجسام الكونية ذات الكتل والسرعات المتفاوتة، وبالتالي فإن ثانية واحدة على الأرض لن تكون بنفس الطول الزمني في أنحاء الكون.

وقد شكل الأمر معضلة، فإن كانت سرعة الضوء ثابتة بالفعل فلا بد من وجود بعض المتغيرات التي تغيرت عبر مسافات كبيرة في أنحاء الكون، فمع توسع الكون ومع تحرك الكواكب والمجرات على نطاق مجري ضخم، لابد من وجود متغير ليسمح بحدوث هذه التغيرات الصغيرة ألا وهو الزمان.

لقد أثبتت نظرية أينشتاين صحتها بل ودقتها، ففي أكتوبر عام ١٩٧١، أثبت صحتها عالمان فيزيائيان يدعيان جي سي هافيل وريتشارد كيتنغ J.C. Hafele and Richard Keating ، حينما وضعا أربع ساعات ذرية في طائرات طارت حول العالم للمشرق ثم للمغرب.

وفقاً للدراسة التي نشرها العالمان في مجلة Science  ووفقاً لما تنصه نظرية أينشتاين، فعند مقارنتها بالساعات الذرية الأرضية وبالتحديد -المرصد البحري الأمريكي في العاصمة واشنطن- فإن ساعات هافيل وكيتينغ Hafele and Keating المحمولة جواً ستكون أبطأ بسبب تأثير الجاذبية الأرضية على الطائرات بحوالي ٤٠ نانوثانية بعد رحلتها شرقاً وأسرع بحوالي ٢٧٥ نانوثانية بعد رحلتها غرباً.

ومما يثير الدهشة فقد سجلت الساعات فرقاً عند سفرها شرقاً وغرباً حول العالم، حوالي ٥٩ نانوثانية أبطأ و ٢٧٣ نانوثانية أسرع على التوالي مقارنة بالمرصد البحري الأمريكي مما يثبت صدق أينشتاين وتحديداً صدق نظريته حول تمدد الوقت وأن الوقت قد تذبذب فعلاً في أنحاء الكون.

مالذي يحدث أثناء تمدد الوقت؟

مالذي تعنيه نظرية النسبية الخاصة من ناحية الوقت؟ نقترح عليكم أولاً قراءة شرحنا للنسبية الخاصة لكي تفهموا تماماً تمدد الوقت.

لقد اتفق أينشتاين ونيوتن على شيء واحد أن الوقت يمضي للأمام، فحتى الآن ليس هناك شيء في الكون بإمكانه أن يتملص من الزمان ويمضي إلى الأمام والخلف كما يشاء، فكل شيء يمضي للأمام وفي الوقت المناسب إما بسرعة منتظمة أو غير منتظمة عند اقترابه من سرعة الضوء.

هل نستطيع الإجابة على سؤال لماذا الزمان يمضي إلى الأمام أي بخط مستقيم؟

لا نستطيع ذلك حقاً، رغم وجود العديد من النظريات التي تثبت ذلك.

إحدى هذه النظريات تعزو ذلك لقوانين الديناميكية الحرارية وبالتحديد القانون الثاني الذي ينص على أن كل شيء في هذا الكون يسعى للانتقال من أنتروبيا منخفضة إلى عالية، أو من انتظام لفوضى، بدءاً بالبساطة في الانفجار العظيم ومروراً إلى التنظيم العشوائي للمجرات وساكنيها في يومنا الحاضر، يعرف هذا باسم “سهم الوقت” ومن المحتمل أن هذا الاسم صاغه عالم الفلك البريطاني آرثر إدينجتون Arthur Eddington عام ١٩٢٨ ، كما قال الفيلسوف التحليلي هيو برايس Huw Price في ندوة بوانكاريه Séminaire Poincaré المنعقدة عام ٢٠٠٦

فقد اقترح إدينجتون Eddington كما كتب في “طبيعة العالم المادي” “The Nature of the Physical World” عام ١٩٢٨ أن الوقت عديم التناسق: “فلو تبعنا السهم ووجدنا المزيد والمزيد من العنصر العشوائي في حالة الأرض فهذا يعني أن السهم يشير إلى المستقبل، أما لو انخفض العنصر العشوائي فذاك يعني أن السهم يشير إلى الماضي.” فعلى سبيل المثال، إن لاحظت نجماً في حالة شبه منتظمة، لكنك لاحقاً رأيته يتفجر ليصبح نجماً مستعراً أعظم ويصبح سديماً مبعثراً، حينها ستعرف أن الزمان انتقل من الاستواء إلى الفوضى.

تشير نظرية أخرى أن ممر الزمان سببه توسع الكون، فعندما يتمدد الكون فإنه يجذب الزمان معه، فالزمان والمكان مرتبطان، لكن هذا يعني أنه عندما يصل الكون للحد النظري للتوسع ثم يبدأ بالإنكماش فعندئذ سينعكس الزمان، مفارقة طفيفة للعلماء وعلماء الفلك.

هل سيعود الزمان للوراء حقاً؟ ويعيد معه كل شيء لعصر البساطة منتهياً “بأزمة كبيرة”؟ من المرجح أننا لن نكون موجودين حينها لنعرف، لكننا نستطيع إفتراض ماقد يحدث.

مذهل حقاً التقدم الذي أحرزناه في فهمنا للزمان خلال القرن الماضي، من الساعات الشمسية القديمة للساعات الذرية الحديثة، حتى أننا نستطيع تتبع مضي ثانية عن كثب أكثر من أي وقت مضى. يظل الزمان مفهوماً معقداً، لكن بفضل العلماء المتبصرون فإننا نقترب أكثر من كشف أسرار هذا الثابت العالمي غير الثابت.

أهمية النظرية النسبية الخاصة لأينشتاين:

تعتمد نظرية النسبية الخاصة لأينشتاين على حقيقة أساسية واحدة: سرعة الضوء هي نفسها بغض النظر عن نظرتك إليها، ولتطبيق ذلك تخيل أنك تقود سيارة بسرعة 20 ميلاً في الساعة (32 كم / ساعة)، ومررت بصديق واقف بثبات وعند اجتيازك له ترمي كرة خارج السيارة للأمام بسرعة 10 ميل في الساعة (16 كم / ساعة).

بالنسبة لصديقك، فإن سرعة الكرة تتحد مع سرعة السيارة، فيبدو أنها تسير بسرعة 30 ميلاً في الساعة (48 كم / ساعة)، ومع ذلك بالنسبة لك فإن الكرة تتحرك بسرعة 10 ميل في الساعة فقط لأنك أصلاً تسير بسرعة 20 ميلاً في الساعة.

تخيل الآن نفس المشهد، لكنك هذه المرة تجتاز صديقك الواقف بثبات وأنت تسير بنصف سرعة الضوء، من خلال بعض الوسائل الخيالية الغريبة، باستطاعة صديقك أن يراقبك وأنت تجتازه هذه المرة وتقوم بإلقاء شعاع من الضوء من الزجاج الأمامي للسيارة.

في حساباتنا السابقة جمعنا معاً سرعة الكرة وسرعة السيارة لنرى ماذا باستطاعة صديقك أن يراه، لذلك في هذه الحالة هل يرى صديقك شعاع الضوء يسير بمعدل ضعف ونصف سرعة الضوء؟

وفقاً لأينشتاين فإن الجواب لا. تظل سرعة الضوء ثابتة دائماً ولا يمكن لأي شيء أن يسافر أسرع منها، وفي هذه الحالة ستلاحظ أنت وصديقك سرعة الضوء التي تسير بنسبتها المتفق عليها عالميًا عند حوالي 186،282 ميلًا في الثانية، هذه هي نظرية النسبية الخاصة وهي مهمة جدًا عند الحديث عن الزمان.

الزمان: البعد الرابع للكون:

كان هناك اعتقاد رائج أن المكان والزمان منفصلان، وأن الكون كان مجرد مجموعة متنوعة من الأجسام الكونية مرتبة في ثلاثة أبعاد، ومع ذلك قدم أينشتاين مفهوم البعد الرابع – الزمان – والذي يعني أن المكان والزمان مرتبطان ارتباطًا وثيقًا. تقترح النظرية العامة للنسبية أن الزمكان يتوسع وينكمش اعتمادًا على زخم وكتلة المادة القريبة. لقد كانت النظرية سليمة، لكن تحتاج لإثبات.

وجد الدليل بفضل مسبار الجاذبية B التابع لناسا والذي وضح لنا أن المكان والزمان مرتبطين بالفعل، فقد وُجِّهت أربعة مدوارات باتجاه نجم بعيد، ولو أن الجاذبية لا تؤثر على المكان والزمان لبقيت المدوارات عالقة في الموقع نفسه، لكن لاحظ العلماء بوضوح تأثير تباطؤ الإطار المرجعي بسبب جاذبية الأرض مما يعني أن المدوارات تم جذبها قليلاً من موضعها، وهذا يثبت أن نسيج الفضاء نفسه يمكن تغييره وإن كان المكان والزمان مرتبطين، فبالتالي يمكن للزمان نفسه أن يتمدد وينكمش بفعل الجاذبية.

كم مدة الثانية؟

توجد طريقتان رئيستان لقياس الزمان: الزمان الديناميكي والزمان الذري، يعتمد الأول على حركة الأجرام السماوية بما في ذلك الأرض لتتبع الوقت سواء كان ذلك وقت دوران نجم دوار بعيد مثل النجم النابض، أو حركة نجم عبر سماء الليل أو دوران الأرض، ومع ذلك فإن نجماً دواراً لا يتحمل، والذي قد يكون من الصعب ملاحظته فهذه الأساليب ليست دائمًا دقيقة تمامًا.

اعتمد التعريف القديم للثانية على دوران الأرض، فالشمس تستغرق يوماً لتشرق في الشرق، وتغرب في الغرب وتشرق مجدداً، وقد قسم الوقت بشكل اعتباطي إلى ٢٤ ساعة، والساعة إلى ٦٠ دقيقة، والدقيقة إلى ٦٠ ثانية، وعلى أي حال فالأرض لا تدور بثبات، فدورتها تنقص بمقدار ٣٠ ثانية كل ١٠٠٠٠ عام بفعل عوامل منها احتكاك المد والجزر، ولقد ابتكر العلماء طرقاً لحساب السرعة المتغيرة لدوران الأرض منها الثواني الكبيسة، ولكن إن أردت طرقاً أكثر دقة لابد من إيجاد طرق أصغر من ذلك.

يعتمد الزمان الذري على انتقال طاقة داخل ذرة عنصر معين، عادة يكون السيزيوم، من خلال تحديد ثانية باستخدام عدد هذه التحولات، يمكن قياس الوقت بدقة بفقد جزء صغير من الثانية في مليون سنة. وفقًا لما ذكرته مجلة  Scientific American تُعَرَّف الثانية الآن على أنها 9192.631.770 انتقالات داخل ذرة السيزيوم.

الساعات الذرية أدق مسار للزمان:

من المحتمل أن تكون أكثر الساعات دقة في الكون عبارة عن نجم دوار مثل النجم النابض، لكن الساعات الذرية على الأرض توفر المسار الأكثر دقة للزمان، يستخدم نظام GPS بأكمله في المدار حول الأرض ساعات ذرية لتتبع المواقع بدقة وترحيل البيانات إلى الكوكب، بينما تنشئ المراكز العلمية بأكملها لحساب أكثر قياس دقيق للزمان- عادةً عن طريق قياس التحولات داخل ذرة السيزيوم.

بينما تعتمد معظم الساعات الذرية على المجالات المغناطيسية، تستخدم الساعات الحديثة أشعة الليزر لتتبع واكتشاف تحولات الطاقة داخل ذرات السيزيوم والحفاظ على قياس أكثر تحديدًا للوقت، ورغم أن ساعات السيزيوم تستخدم حاليًا للحفاظ على الوقت حول العالم، إلا أن ساعات السترونتيوم تعد بضعف الدقة، في حين أن التصميم التجريبي القائم على ذرات الزئبق المشحونة يمكن أن يقلل التناقضات إلى أقل من ثانية واحدة تضيع أو تكتسب في 400 مليون سنة.

المصدر: https://www.space.com

ترجمة: وفاء ملهوي القحطاني

مراجعة: لبنى عبدالله آل ربيع


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!