منبع الإمكانات الإبداعية

منبع الإمكانات الإبداعية

1 ديسمبر , 2020

ترجم بواسطة:

سماح الرفاعي

دقق بواسطة:

Norah Suhluli

يناقش العلماء أصول الإبداع وكيف نعمل عليه.

في هذا المقال سوف تتعرف على أهم ثلاثة محاور رئيسية للإبداع التي اجتمع العلماء من جميع أنحاء العالم لمناقشتها.

الأفكار/ الإبداع

بواسطة: د. زورانا ايڤيسڤك برنق

أجرى عدد من العلماء من جميع أنحاء العالم دراسات حول الإبداع تلا ذلك اجتماع في مؤتمر افتراضي نظمه معهد ماركوني للإبداع (بمدینة بولونیا في إیطالیا) والمجتمع الدولي من أجل دراسة الإبداع والابتكار لمناقشة طبيعة الإمكانات الإبداعية. وأثناء المؤتمر، قدم خبراء متخصصون في علم النفس وعلم الأعصاب والتعليم والسلوك التنظيمي بحوثهم عن الإمكانات الإبداعية من زوایا مختلفة بدءًا بدراسة كیفیة تولد الأفكار وصولا إلى العلاقة بین الإبداع ورفاه الفرد والاستراتيجيات العملية لتنمية الإبداع.

وقد تناول المؤتمر ثلاثة محاور رئيسة:

أولًا: أصول الإبداع متجذرة في قیمٌنا وخبراتنا:

إن القیم المكتسبة هي التي تمهد الطریق للإبداع لیكون ممكنا. ومثالا على ذلك، یشاركنا مخرج الأفلام ستیفن فیشر قصة طفل بعمر 4 سنوات یجلس في صندوق من الورق المقوى لیسافر إلى القمر. في هذه القصة سیتعلم الطفل قیما مختلفة من الإبداع في حالة مجيء شخص ما وركوبه معه أو إذا جاء شخص مهم في حیاته (كالوالدين مثلًا) وقال لا یمكن لصندوق من الورق المقوى أن یسافر بك إلى القمر. هكذا، تكون بعض التعليقات أحیاناً صريحة حول قیمة الإبداع كما في المثال السابق. وفي أحیان أخرى تكون مبطنة في طيات تساؤل عمن هو المبدع؟ (هل هم من على شاكلة أینشتاین فقط؟ أو أحد الجیران الذي یدیر صفا للرقص عن بعد خلال فترة الجائحة؟) وماهي الأنشطة التي یدعمها الآباء والمعلمين (فمثلًا: هل هناك مكافأة على الأفكار الإبداعیة مثل الإجابة بسرعة على كافة الأسئلة في ورقة عمل).

ویتناول البالغين مسألة الإبداع بطريقة مماثلة. فنحن نحمل في دواخلنا أوقاتا مليئة بأشخاص قابلناهم في مجریات الحیاة فمنهم من ركب معنا في صندوق الورق المقوى ذهابًا إلى القمر ومنهم من اختار الانخراط بما یدعى بالأنشطة التعليمية سیرًا على تعليمات محددة لإتمامها. ولا نزال نتلقى التقییم على أدائنا في بیئة العمل، وذلك عندما نطرح أفكاراً تنال الإعجاب وتأخذ حیز التنفيذ أو یتم تجاهلها، (وكثيرًا ما یكون ذلك بسبب التحیز لنوع الجنس أو التمییز العنصري) أو الانتقاد الجارح ومنع حریة التعبیر. وعندما توفر البیئة المحیطة السلامة النفسية فهذا یعطینا الإشارة كبالغين لكي نمارس دور الاستكشاف كما كنا صغار.

تتولد الشجاعة الإبداعية عندما یرى الفرد أن العالم یقدر الإبداع وبالتالي یصبح التعلم مصدرا للإمكانات الإبداعية. فكل ما نصنعه له علاقة بخبراتنا وعلاقتنا التي صقلت إثر الأفكار التي سبق وأن واجهناها. وهذا ما حدث مع ابني عندما رسم تلالا بألوان مختلفة زاهیة مستوحیا ذلك من رحلة قضاها في حدیقة عامة، وكذلك الحال مع باحث في مجال السرطان الذي يستخدم المهارة الفنیة لیرسم الخلایا السرطانیة لتضح رؤیتها من زاویة

مختلفة. ولذلك یعد الأمر مهما لأجل الإبداع لیشمل كل ما یقدمه هذا العالم. ولكن حذر بیلار كورتادا -من جامعة برشلونة- بأن مخرجات الإبداع لا یمكن تحديدها مسبقًا لأنها قد تتغیر أثناء العمل علیها وعلى وسائلها وعند طرحها في الوسط الاجتماعي بحثا عن فرص لتطبيقها ومصادر معلومات جديدة والتي من شأنها أن تغیر سیر عمل شخص ما.

ثانیًا: الإبداع والرفاه عنصران یعزز أحدهما الآخر:

یعد الإبداع عنصرا بالغ الأهمیة لرفاهنا. وفي هذا الشأن أوضح جوفاني كورادزا -من جامعة بولونیا -أن الإبداع في مجتمع ما بعد المعلومات سیصبح

عاملًا حاسمًا للبقاء على قید الحیاة والعیش بكرامة. فطبیعة التغییرات التكنولوجیة والتطورات التي یشهدها العالم ستجعل الإبداع ضرورة. ویشكل

كلا من النمو الاقتصادي ورفاه السكان سمة ممیزة قبل الثورة الصناعیة، ولكن قد تتحطم هذه الصورة بسبب التطور الحاصل في مجال الذكاء

الاصطناعي الذي أفسح المجال لزیادة الإنتاج بلا حاجة كبیرة إلى موظفین. كما روجت الثورة المعلوماتیة لفكرة البراعة بشكل واسع، وسیصبح

تحقیق التمیز والرفاه المادي ممكنا فقط من خلال الإبداع وهو القدرة على تولید ما لم تسبر أغواره ویعرف بعد.

وللإبداع فوائد نفسیة إلى جانب كونه عنصرا هاما للرفاه المادي والاجتماعي. وقد درس الأستاذ جیمس كوفمان -من جامعة كونیتیكت- إمكانیة الإبداع

على المساهمة في صنع قیم الماضي والحاضر والمستقبل. ولإعطاء قیمة للماضي لابد من إیجاد طرق للتكیف بنجاح مع التجارب الصعبة

كالصدمات النفسیة والندم والأحداث التي تجلب الحنین للماضي. وبهذا الخصوص، استطاع الباحثون التعرف على مسارات متعددة للإبداع للإسهام

في إعطاء قیمة للأحداث، وذلك لأن الإبداع یساعد في التحسن بعد الصدمات وفي كتابة التجارب التي خاضها الفرد مما یؤدي إلى شعور بالانسجام

والراحة. ویوفر الإبداع مسارًا لإعطاء قیمة للحاضر عن طریق مساعدة الناس للتحكم في حالتهم المزاجیة وعلاقاتهم (مثل تصمیم لعبة مبتكرة لتتبع

الأدلة لحفلات عید المیلاد في فترة الوباء قد یساعد على تحسین الحالة المزاجیة والعلاقة بین الأصدقاء)، كما یساعد الإبداع في حل المشاكل وفي

تقدیم مساهمة نوعیة في مجال العمل. وأخیرا، یقدم الإبداع مسارا لإعطاء قیمة للمستقبل من خلال ترك بصمة لا تمحى إثر العمل الذي سیبقى من

بعد صاحبه وكأنه عاش أبدًا.

ولا یقتصر دور الإبداع على جوانب مختلفة لتحقیق الرفاه، بل یمتد إلى فتح آفاق التفكیر الإبداعي. وفي هذا السیاق أجرت داریا زابیلینا -من جامعة

آركنسا- دراسات توضح نمط تعزیز الإبداع من خلال نشاط ذهني واعي. وأشارت في دراساتها أن الأطفال والبالغین رسموا لوحات في غایة التعقید

والإبداع بعد ممارسة تمرین ذهني لمدة 10 دقائق (وهم یأكلون التوت البري المجفف ببطء ویفكرون ملیا بطریقة التمرین) وذلك مقابل أشخاص تحت

شروط مضبوطة، لم یخوضوا هذا التمرین. وقد ارتبط الوعي التام بالصحة العاطفیة ومن الممكن لهذا أن یساعد الإبداع في تحسین قدرة الفرد على الملاحظة وتوسيع مدارك وعيه.

ثالثًا: الإبداع في حاجة للتنمیة الواعیة:

لخصت باربارا كیر -من جامعة كانساس-مجهود عدة عقود من العمل مع مراهقین یتسمون بالإبداع ونقلته في صورة نصائح رئیسیة لدعم تطویر الإبداع. ففي ضوء السنوات الأخیرة ازدادت ضغوطات التعلیم، تزامنا مع تزاید أهمیة إكمال التعلیم العالي إلى جانب المنافسة المتزایدة على القبول في الجامعات وأفكار المجتمع الشائعة التي تزید من وطأة الضغط على المستوى التعلیمي العام.

وعندما یعلم طلاب الثانوية أنهم في حاجة إلى تحقیق

الدرجات المتمیزة وأن یكونوا على إطلاع واسع، كیف لهم أن یثابروا في سبیل إبداعهم؟

والنصيحة التي ساقتها باربارا كیر وزملاؤها في هذا الشأن هي أن نعلّم كیفیة الانتقاء الواعي، أو بمعنى آخر أن نطور الإبداع. ولتوضیح ذلك، ینبغي توجیه طلاب الثانویة بألا یبذلوا قصارى جهدهم في كل مادة دراسیة. بل علیهم أن ینتقوا ما یستثمروا جهدهم فیه بشكل دائم وألا یضیعوا كامل

جهدهم في مواد لا تتناسب مع اهتماماتهم. وكذلك علیهم أن یكتفوا بدراسة ما هو ضروري فقط في بعض المواد الدراسیة لیوفروا جهودهم ووقتهم

لنواح أخرى لأهمیتها للتقدم على المستوى الشخصي ولتنمیة الاهتمامات. أما النجاح على المستوى الأكادیمي فهو مهم بلا شك (ولكن قد تتغیر

الاهتمامات)، ومع ذلك لا ینبغي توجیه الاهتمام الكامل إلى جمیع المواد الدراسیة بشكل متساو.

إضافة إلى ذلك، تتطلب تنمیة الإمكانات الإبداعیة توفیر الوقت والدعم لتدفق الخبرات. وتتضمن هذه الخبرات تحدیات كبیرة والتي تواجهها في المقابل

مهارات عالیة. وفي حالة الانسجام التام مع تدفق خبرات الحیاة، یتفاعل الطلاب بشكل كامل مع الأنشطة، لذا في كثیر من الأحیان لا یكادون یشعرون

بالوقت لدى تنقلهم من نشاط إلى لآخر. ونادرا ما یدعم النظام التعلیمي مثل هذه الخبرات بل ویستحسن سرعة الابتعاد عن هذه الأنشطة لأن هذا هو

أساس الهیكل التعلیمي المعمول به، بل ویبدأ هذا من فترة مبكرة من مرحلة الروضة حیث تحدد أنشطة اللعب واختیارات الأطفال الصغار في فترة قصیرة من الوقت.

إن الإمكانات الإبداعیة ذات طبیعة معقدة. وتأتي الأفكار الإبداعیة من القیم التي یكتسبها الفرد في مراحل تطوره وعلى مدار حیاته والخبرات التي تتخللها، وكذلك تأتي من الخبرات الشعوریة التي تفتح أبوابا من الفرص الجدیدة لكي یلاحظ الفرد ما غاب عنه في فترة ما ولیتبنى منظورًا جدیدًا لحل المشاكل القدیمة. وأخیرًا، ینبغي على الآباء والمعلمین والمشرفین والمرشدین أن یكونوا على وعي تام لإتاحة المجال للتفكير والمشاركة الفاعلة في العمل لدعم الإبداع. ولابد من وجود وقت لازم لتتدفق الخبرات في حیاتنا حتى نتمكن نحن وأطفالنا من الوصول إلى أقصى قدراتنا الكامنة.

   المصدر: https://www.psychologytoday.com

ترجمة: سماح عید

مراجعة: نوره أحمد صهلولي


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!