لطالما فتنت الموجات المارقة، المعروفة أيضًا باسم الموجات العابرة، العلماء بسبب طبيعتها الغامضة وغير المفهومة تمامًا. تشكل هذه الأمواج تحديًا كبيرًا للبحار والمناطق الساحلية ، لكن أكبر تهديد لها يكمن في تأثيرها على السفن والمراكب البحرية، والتي يمكن دفنها أو تحطيمها.

على عكس الأمواج العادية، تظهر الأمواج المارقة بشكل مفاجئ وغير متوقع، وتتميز بارتفاعها الشاهق وقوتها الهائلة ، وغالبًا ما تتجاوز متوسط ارتفاع الأمواج المنتظمة في المنطقة بعدة أمتار وتتسبب في فيضانات مفاجئة وعنيفة للأراضي الساحلية [1].

تنشأ الموجات المارقة، التي تتميز بحجمها الهائل وقوتها المدمرة من عدة عوامل منها، الاضطرابات في سطح المحيط الناجمة عن النشاط الزلزالي تحت قاع البحر، والانفجارات البركانية التي تقذف الحمم البركانية والغازات في الماء، وتفكك الجليد الصلب أو العائم في المناطق القطبية، فضلاً عن ظواهر الطقس المتطرفة مثل العواصف الشديدة والرياح القوية.

 يؤدي تقارب هذه العناصر إلى ظهور هذه الموجات المتقلبة والخطيرة التي يمكن أن تعرض السفن في البحر والمناطق الساحلية والهياكل البحرية للخطر.

في عام 2004، تسبب زلزال قوي قبالة سواحل سومطرة في حدوث موجات مد عاتية ضربت سواحل دول جنوب شرق آسيا، بما في ذلك إندونيسيا. أدت الموجات المارقة الناتجة عن هذا الزلزال إلى موجات هائلة اجتاحت السواحل، مما أدى إلى انقلاب العديد من السفن والقوارب ، وخسائر كبيرة في الأرواح، وتدمير البنية التحتية الساحلية. وقع حادث آخر في عام 2011 عندما ضربت موجة مارقة ضخمة، تُعرف أيضًا باسم “تسونامي” ، مدينة توهوكو في اليابان، مما تسبب في أضرار جسيمة للموانئ والسفن والبنية التحتية البحرية في المنطقة المتضررة.

لفهم هذه الظاهرة أكثر، يستخدم العلماء أجهزة المراقبة والاستشعار عن بعد ، مثل الرادار والأقمار الصناعية، جنبًا إلى جنب مع النماذج الرياضية. تساعد هذه الأدوات في تتبع وتسجيل حركة الموجات المارقة وقياس عوامل مثل ارتفاع الموجة واتجاهها والتنبؤ بتأثيرها على المناطق الساحلية والأنشطة البحرية.

من خلال تحليل البيانات المجمعة وتطوير النماذج الرياضية، يمكن للعلماء فهم أسباب هذه الموجات وحركتها وسلوكها ، مما يؤدي إلى تطوير استراتيجيات وقائية للتخفيف من آثارها على المناطق الساحلية والبنية التحتية البحرية [2].

باختصار، تحتوي المحيطات والبحار على العديد من الظواهر الغامضة والطبيعية التي لا تزال تأسر العلماء. على الرغم من التقدم في فهم الظواهر مثل الأمواج المارقة والتيارات البحرية، لا يزال هناك العديد من الألغاز غير المستكشفة التي تتطلب استكشافًا ودراسة مستمرين.

تقدم التطورات في العلوم والتكنولوجيا، مثل الغواصات العميقة وأجهزة الراديو عالية الدقة، إمكانية توسيع فهمنا لأعماق المحيطات ومراقبة الظواهر مثل اهتزازات المحيطات والتيارات العميقة التي لا تزال غير مفهومة تمامًا. يمكن أن يساهم هذا الاستكشاف والاكتشاف المستمر في الحفاظ على هذه البيئات الفريدة والحفاظ على التوازن بين الأنشطة البشرية والنظام البيئي البحري.

المصادر:

[1] Kharif, C., Pelinovsky, E., & Slunyaev, A. (2008). Rogue waves in the ocean. Springer Science & Business Media.

[2] Cui, C., & Pan, W. B. (2023). Experimental study on the wavelengths of two-dimensional and three-dimensional freak waves. China Ocean Engineering, 37(1), 154-164.

بقلم: د. نوره صائل الحارثي – رياضيات تطبيقية
جامعة الملك عبد العزيز

مراجعة وتدقيق: زينب محمد