رصد إشارات مجهولة المصدر في بيانات الراديو بالذكاء الاصطناعي

رصد إشارات مجهولة المصدر في بيانات الراديو بالذكاء الاصطناعي

25 يونيو , 2023

ترجم بواسطة:

هناء أحمد

بدأت العديد من أشكال الحياة القديمة التي يقدر عمرها بحوالي 450 مليون سنة بالانبثاق فجأة من باطن القيعان الموحلة بمحيطات كوكب الأرض، تلك الفترة تعرف باسم الانفجار الكامبري، وتحوي الكثير من الكائنات البحرية التي عاشت في سالف الدهر، ويذكر أن جميع أشكال الحياة المعقدة المتواجدة حاليًا على سطح الأرض قد تطورت في الأصل من تلك المخلوقات التي سكنت المياه، فكل ما تطلبه الأمر هو ارتفاع طفيف في نسبة الأكسجين داخل المحيطات تجاوز عتبة معينة ونتج عنه تطور أشكال الحياة.

حسب الذكاء الاصطناعي؛ فمن المرجّح أننا في منتصف حقبة الانفجار الكامبري، وقد استعرضت لنا في الآونة الأخيرة العديد من برامج الذكاء الاصطناعي فائقة الدقة مثل (ميد جيرني Midjourney، ودال إي تو  DALL-E 2، وشات جي بي تي ChatGPT) كمّ التقدم الذي أحرزناه في مجال التعلّم الآلي، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي يستخدم بالفعل حاليًا في شتى مناحي العلوم لمساعدة الباحثين أثناء تأديتهم لمهام التصنيف الروتينية، كما يستخدمه فريقنا من علماء الفلك الرّاديوي في توسيع عمليات البحث عن حضارة ذكيّة خارج كوكب الأرض، وقد توصّلنا إلى نتائج تعتبر مبشّرة حتى الآن.

اكتشاف إشارات فضائية بواسطة الذكاء الاصطناعي

بينما يبحث العلماء عن أدلّة تفيد بوجود حضارة ذكيّة خارج كوكب الأرض، قمنا بتطوير نظام ذكاء اصطناعي يفوق قدرة الخوارزميات الكلاسيكية في كشف الإشارات؛ حيث دُرب على البحث من خلال البيانات الموجودة بالتليسكوبات الراديويّة بهدف ايجاد الإشارات التي يصعب توليدها من عمليات الفيزياء الفلكية الطبيعية.

عندما قُمنا بتزويد نظامنا الاصطناعي ببيانات مدروسة مسبقًا، اكتُشف ثماني إشارات معنية لم تستطع الخوارزميات الكلاسيكية التقاطها، إلّا أن تلك الإشارات قد تكون أقرب إلى حالات نادرة من التداخل الراديويّ وليست من حضارات ذكيّة خارج الأرض، وعلى الرغم من ذلك فقد نشرت اكتشافاتنا في دوريّة (نيتشر استرونومي) حيث سُلط الضوء على تأكيد استمرار عمليات الذكاء الاصطناعي في البحث عن حضارات ذكيّة خارج كوكب الأرض.

ليست في غاية الذكاء

إن الخوارزميات ليست مدرّبة على الفهم أو التفكير، بل يكمن تفوّقها في القدرة على التمييز بين الأنماط المختلفة والتأكيد الدقيق حول ما هو مفيد لمختلف المهام كمهام التصنيف مثلا، فهي ليست مدرّبة على حل المشكلات، بل لتأدية المهام المطلوبة منها.

لذا، على الرغم من أن فكرة رصد الذكاء الاصطناعي لحضارة ذكيّة خارج الأرض تبدو أشبه بحبكة من رواية خيال علمي، إلّا أن كلا شرطاها مغلوطان، فبرامج الذكاء الاصطناعي ليست ذكيّة بالمعنى الحرفي، والأبحاث الجارية لا تحبذ وجود دليل قاطع حول وجود حياة ذكيّة خارج كوكب الأرض.

بدلًا من ذلك، يبحث علماء الفلك الراديويّ عن “آثار تكنولوجيّة” لاسلكيّة، حيث ستوضّح تلك الإشارات الافتراضيّة وجود تكنولوجيا ومجتمع لديه القدرة على تسخير تلك التكنولوجيا بهدف التواصل معنا. لذا بناءً على أبحاثنا، قمنا بتطوير خوارزمية تستخدم مناهج الذكاء الاصطناعي في التمييز بين الإشارات إذا ما كانت مجرّد تداخلات راديويّة أم بصمات تكنولوجيّة مرشّحة لتكون واقعيّة، كما تؤدي خوارزمياتنا الآن أداء أفضل من المتوقع.

آلية عمل الخوارزميات المتطورة

تبدو الأبحاث الجارية على “البصمات التكنولوجية” مشابهة للبحث عن إبرة في كومة قش كونيّة، كما تنتج التليسكوبات الراديويّة كميات مهولة من البيانات التي تحتوي بدورها على كميات ضخمة من التشويشات الناجمة عن عدّة مصادر كالهواتف وشبكات الواي فاي والملاحة. على الجانب الآخر، تحتاج خوارزميات البحث القدرة على غربلة وتحليل البصمات التكنولوجيّة الحقيقية من وسط “الإشارات الكاذبة” على نحوٍ سريع.

هذا ما يوفره مصنف الذكاء الاصطناعي الخاص بنا والذي طُور على يد السيّد”بيتر ما” الطالب بجامعة تورونتو والكاتب الرئيسي في ورقتنا البحثيّة، وقام السيّد “بيتر” بإدراج إشارات محاكاة إلى البيانات الأصلية بهدف تصميم مجموعة من البيانات المدرّبة، واستخدم تلك المجموعة لتدريب خوارزمية الترميز التلقائي، وأثناء معالجة وحدة الترميز التلقائي للبيانات، يتعلّم الذكاء الاصطناعي تحديد المزايا البارزة في البيانات.

وفي الخطوة التالية، تتم تغذية تلك المزايا بخوارزمية مصنف الغابة العشوائية، والتي تصنع بدورها أشجار قرار تحدد إذا ما كانت تلك الإشارات جديرة بالملاحظة أم أنها مجرّد تشويشات لاسلكية، بمعى أدقّ، تقوم بصفة أساسية على فصل البصمات التكنولوجية (الإبر) من وسط كومة القش.

بعد تدريب خوارزميتنا، زوّدناها بأكثر من 150 تيرابايت من البيانات (حوالي 480 ساعة من الرصد) من مرصد غرين بانك بفيرجينيا الغربية، وتم تحديد أكثر من 20,515 إشارة معنية قمنا بفحصها يدويًا، ومن بينها استُخرجت ثماني إشارات تمتلك خصائص البصمات التكنولوجية ولا تنسب بتاتًا إلى التشويشات اللاسلكية.

ثماني إشارات لم يُعاد رصدها

قمنا بالرجوع إلى المرصد للتحقق من الإشارات مرة ثانية، وقمنا بإعادة رصد الإشارات الثمانية، ولكننا للأسف لم نتمكن من إعادة اكتشاف أي منها في ملاحظات المتابعة. لقد شهدنا هذا الأمر من قبل في عام 2020 عندما قمنا بتحليل إشارة مشابهة وتبيّن أنها إحدى التداخلات الراديويّة، لذا فالتفسير الأقرب للحقيقة أن تلك الإشارات المرشّحة حديثاً قد تكون إحدى أشكال التداخلات اللاسلكية الغير مألوفة.

من المؤسف أن مسألة التداخل الراديوي لا يمكن تغييرها، لكنّنا سنكون أكثر جاهزيّة في اعتبارها أحد أشكال التقنية حديثة الظهور.

تقليص عملية البحث

على الجانب الآخر، قام فريقنا بنشر معالج إشارة قوي على مرصد (مييركات) بجنوب أفريقيا، والذي يتمتع بتقنيّة قياس التداخل القائمة على الدمج بين أطباقه البالغ عددها 64 كي يقوم بمهمة تليسكوب واحد، وستساهم تلك التقنيّة في تحديد المكان الذي تصدر منه الإشارات، الأمر الذي سيقلل من عدد الإشارات الزائفة الناجمة عن التداخل الراديويّ.

وبجانب ذلك، إذا تمكّن علماء الفلك من كشف البصمات التكنولوجية ولم تفسّر كإحدى التشويشات اللاسلكية، فهذا سيرجّح وبقوة وجود كائنات أخرى في المجرّة غير البشر تستخدم التكنولوجيا، وسيكون من أهم الاكتشافات التي يمكن تخيّلها.

وإذا لم يُكشف شيء جرّاء ذلك في نفس الوقت، فلا يعني ذلك بالضرورة أننا الوحيدين القادرين على استخدام أنواع التكنولوجيا الذكيّة في الكون، فقد يعني ذلك أيضًا عدم إتمام مهمة البحث الكاملة عن النوع الصحيح من الإشارات، أو أننا نستخدم مراصد غير حساسة بما فيه الكفاية لرصد الإشارات الضعيفة المنبعثة من الكواكب الخارجية البعيدة.

ربما علينا تخطّي الحد الأقصى من الحساسية قبل الكشف عن المزيد من اكتشافات الانفجار الكامبري، عوضًا عن ذلك، إذا كنا بالفعل بمفردنا في هذا الكون الفسيح، فعلينا أن نركّز أنظارنا على تأمل جمال وهشاشة الحياة على كوكب الأرض.

المصدر:  https://www.sciencealert.com

ترجمة: هناء أحمد علي

لينكد إن: hanaa-ahmed

مراجعة وتدقيق: د. فاتن ضاوي المحنّا

تويتر: @F_D_Almutiri


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!