الدموع كلمات

الدموع كلمات

31 مايو , 2023

ترجم بواسطة:

لبنى الفرحان

دقق بواسطة:

زينب محمد

تحدث لغة المشاعر لغةً ثانية

النقاط الرئيسة

  • لا حاجة إلى أمر الأطفال “استخدموا كلماتكم”.
  • لغة المشاعر من بكاء ونوبة غضب هي وسيلة تواصلهم المباشرة معنا.
  • واجب البالغين استقبال الرسالة، لا الإجبار على تغيير طريقة الإرسال.

تهافتت إلى مسامعي قصة جميلة عن أم لتوأم بنات في السادسة من العمر. فذات مرة بكت إحدى التوأمين بكاءً شديدًا، فسألتها أمها “ما عساي فعله؟ هل لكي أن تخبريني ذلك بالكلمات؟” لكنها ظلت تبكي. فقالت أختها: “الدموع كلمات يا أمي، لكن لا تفهمين ذلك”.

يا لها من لفتة عميقة، فنحن نجبر أطفالنا على استخدام كلماتهم عوضًا عن مشاعرهم وتصرفاتهم مباشرةً للبوح عما يجول في خواطرهم رغم استحالة الأمر. فمشاعرهم قد تكون أبلغ من الكلمات—كلمات لغتنا اللفظية.

لغة المشاعر

إنه لإنجاز عظيم في التطور أن يعبر الطفل بقوله “أنا غاضب” بدلاً من التعبير عن ذلك بالضرب، إنجاز لم يصله البالغون بعد. ورغم ذلك، فالإجبار على استخدام اللغة اللفظية يسبب التوتر لدى الطرفين. فينزعج الوالدين من مشاعر الطفل لأنها غير ناضجة وغير منظمة، فيما ينزعج الأطفال—من وجهة نظرهم—لأن تواصلهم واضح وصريح، لكن لا أحد يفهمهم.

وأفضل طريقة للتعامل مع هذا التوتر وتيسير التواصل هو تعلمنا لغة المشاعر عند الأطفال عوضًا عن إجبارهم على استخدام لغتنا اللفظية.

قد طبق غالبية الآباء هذا الأسلوب في المهد قبل التعرض إلى اللغة اللفظية. فتعلموا تحدث لغة الرضيع والتمييز بين البكاء من جوع وبين البكاء من رطوبة وحتى البكاء من وِحدة. فهل تذكر الراحة—لكليكما—عندما برعتم في تحدث تلك اللغة؟ فالحل بتعلمك لغتهم لا العكس.

دائمًا ما نصرّ على الأطفال باستخدام اللغة اللفظية بمجرد تعلمها، ولكن ذلك غير واقعي ولن تقوم مقام المشاعر. فالدموع  ونوبات الغضب والارتعاش والضحك—كل التعابير الجسدية للمشاعر—وجدت لغاية ألا وهي: التواصل الواضح والسريع والمباشر لأمر مهم. فنظام التواصل الجسدي هذا يبدأ قبل اللغة ويعمل عند غيابها أو عدم كفايتها للمهمة. فعندما يركض طفلك نحو الشارع لن تقول، “عذرًا، فأنا أشعر بالخوف والفزع الآن” بل ستصرخ.

عندما يقدر الأطفال على الكلام ورغم ذلك يفضلون التعبير بمشاعر صريحة لا بالكلمات، علينا الثقة بإنه الأسلوب الأمثل لهم لحظتها. ندمت على المرات التي سألت فيها ابنتي بقلق عندما تبكي، “ما الأمر؟ ما الأمر؟”. تمنيت لو أن هناك من يذكرني بأن الدموع كلمات وأنها بالفعل تخبرني ما الأمر. كان قد ساعدني في تذكر أن سماعها “بالكلمات” هي حاجتي أنا لحل المشكلة وتوقف دموعها. كانت حاجتي أنا أن تكف عن بكائها لئلا أشعر بقلة الحيلة، لكني لو ركزت على حاجتها لا حاجتي لقلت لها، “أسمعك، أنا بجانب، فلتنهمر هذه الدموع”.

ماذا لو عُبِّر عن المشاعر بسلوكٍ خاطئ؟

لو عبر عن المشاعر بسلوك عدواني ومؤذي، عوضًا عن الدموع ونوبات الغضب فهو تواصل عاطفي أيضًا لكنه غير مقبول، صحيح؟

صحيح، ولكن لا يجدي إجبار الطفل على استخدام اللغة اللفظية بدلاً من الأفعال حتى في هذه الحالات الشديدة. فمن الصعب الهدوء واستيعاب الكلمات أثناء نوبة غضب شديدة. علينا التدخل وإيقاف السلوك إن كان خطرًا أو مؤذيًا، لا لأنه يزعجنا فقط مثل نوبة بكاء شديدة على الأرض. ولكن نستطيع إيقافه بأسلوب متفهم للمشاعر المخفية التي يحاول الطفل إيصالها. فرؤية مشاعرهم وتفهمها سبب هدوئهم وعدم حاجتهم إلى سلك تصرف مؤذي ثانيةً.

إن ضرَب الطفل أو صرخ بعبارات “أكرهك، أتمنى لو مت” على أحد إخوته، قد نرد عليه بقول “يا إلهي! يا لها من لهجة قوية للتعبير عن غضبك”. فإن استطعنا توصيلها بصوت حاد—لا غاضب، ولكن بحدة تظهر فهمنا لهم—لن يحتاجوا بعدها إلى تصعيد الأمر حتى تُسمع أصواتهم. وعند شعور الأطفال بفهمنا لهم، تهدأ مشاعرهم ثم يتحول كل ذلك إلى درس قيّم في ضبطهم مشاعرهم، أما عند شعورهم بالعكس، تهيج مشاعرهم ويصعب عليهم التحكم بها فتزيد عدوانيتها.  

قد تتساءل: ماذا عن العواقب؟ أليس على الأطفال معرفة العواقب ليتفادوا التعبير بعدوانية؟ لا، فهم يتعلمون لغة جديدة. نحن لا نعاقب الطفل عند بدءه التحدث على قوله واوا بدلاً من ماء، بل نشعرهم بفهمنا لهم—حتى لا يموتوا عطشًا، فنقطع شوطًا طويلاً قبل استعجالهم على قول “ماء”.

وتعلم اللغة اللفظية يأخذ وقتًا، على خلاف التحول من كلام طفل إلى كلام مفهوم وواضح. ولا شك أننا لا ننسلخ كليًا عن لغة المشاعر، بل نرى اللغة اللفظية غلافًا للنظام الجسدي المباشر بحيث نستخدم كلتا اللغتين في حياتنا. لذا، يهدف الطفل بتجسيده مشاعره في سلوكه إلى فهمنا لغته ثم عرض البدائل عليه بدلاً من شرح العواقب.

يسعى الأطفال إلى التواصل معنا بوضوح فتنمو مع الوقت لغتنا اللفظية عندهم، لكننا نستطيع قطع المسافة ومقابلتهم في منتصف الطريق وتعلم لغتهم العاطفية أيضًا.

المصدر: https://www.psychologytoday.com

ترجمة: لبنى الفرحان

لينكد إن: lubna-alfarhan

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!