القزم الأبيض

القزم الأبيض

27 أبريل , 2023

تبدو النجوم في سماءنا ثابتة في مكانها لا تتغير، لكن في حقيقة الأمر 97% من هذه النجوم مثل شمسنا تمر بعدة مراحل شبيهة بدورة حياة الإنسان حتى تصل إلى نهاية دورة حياتها وتتحول إلى ما يُعرف بالقزم الأبيض  White Dwarf. يُعد القزم الأبيض أحد الظواهر الفيزيائية الفلكية الحديثة، والذي يلعب دورًا بارزًا في كيفية فهمنا العلمي لطبيعة ومصير النجوم. هنا يتبادر إلى أذهاننا عدة تساؤلات كيف نشأ القزم الأبيض الذي نراه اليوم وما أهميته، وماذا سيحدث له في المستقبل البعيد. يُعرّف القزم الأبيض بأنه عبارة عن بقايا نجم، وهو مصير بعض النجوم بعد أن استنفذت كل وقودها النووي في نهاية مرحلة التطور النجمي للنجوم.

بالقرب من نهاية مرحلة الاحتراق النووي، يطرد مثل هذا النجم معظم طبقاته (مواده) الخارجية مكونًا سديمًا كوكبيًا (Planetary Nebula)، حتى يبقى اللب الساخن فقط، والذي يستقر فيما بعد ليصبح قزمًا أبيضًا شديد الحرارة تصل درجة حرارته إلى أكثر من 100,000 كلفن، وكتلتها  تعادل كتلة الشمس، لكن حجمها يضاهي حجم الأرض، يتكون من نواة تضم أكثر من 99% من كتلة النجم، ومحاطًا بغلاف رقيق من الهليوم والهيدروجين الذي نجا من الاحتراق النووي ومرحلة فقدان الكتلة (انظر الشكل 1). مع مرور الوقت، يبرد القزم الأبيض ويتلاشى عن طريق إطلاق إشعاع طاقته إلى الخارج، ويصبح في النهاية قزم أسود بارد (Black Dwarf) [1].


شكل (1): صورة التقطها تلسكوب هابل للنجمين الشعرى اليمانية أ والشعرى اليمانية ب (قزم أبيض).

بدأت قصة اكتشاف الأقزام البيضاء (WDs) عندما لاحظ عالم الفلك الألماني Friedrich Bessel في عام 1834 أن حركة ألمع نجم في السماء الشعرى اليمانية “Sirius” كانت غير منتظمة كأنه يتأرجح في السماء، مما يشير إلى أن النجم هو أحد مكونات النظام الثنائي. حاليًا، يُشار إلى هذا الزوج باسم الشعرى اليمانية أ وَ ب (Sirius A and B).

من خلال الملاحظات التي أُجريت من عام 1834 إلى 1844، توصل Bessel إلى أن النظام الثنائي للنجم Sirius ورفيقه الصغير غير المرئي يدوران حول بعضهما البعض خلال فترة تبلغ حوالي 50 سنة. في عام 1863، صوّر عالم البصريات Alvan Clark لأول مرة رفيقه الباهت Sirius B (القزم الأبيض)، باستخدام تلسكوب جديد مقاس 18 بوصة مصمم لمرصد يُعرف بــاسم (Dearbon Observatory)، والذي كان أكبر تلسكوب موجود في الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت.

مع التطور التكنولوجي الحديث أصبح بإمكان العلماء رؤية الكون الخارجي بتفصيل أكثر دقة والوصول إلى حقائق ملموسة، بدلاً من التخمينات الفلكية من خلال التلسكوبات الفضائية مثل تلسكوب هابل الفضائي. أشارت إحدى الدراسات البحثية إلى أن مسوحات التصوير للأشعة الفوق بنفسجية لتلسكوب هابل الفضائي كشفت عن وجود أقزام بيضاء ساخنة والتي لا يمكن رؤيتها من خلال التلسكوبات الأرضية، وذلك نظرًا لقربها من النجم المرافق عند الأطوال الموجية أو البصرية.

في حين يمكن دراستها بشكل تفصيلي أكثر عند الأطوال فوق البنفسجية من خلال (ultra-violet satellites) الذي يُظهر جزء كبير من التدفق الناشئ للقزم الأبيض في الأشعة فوق البنفسجية، خاصةً النجوم الأكثر سخونة [2].  بالإضافة إلى ذلك، اكتُشفت آثار العناصر الأثقل من الهيدروجين (H) أو الهيليوم (He)، فقط في نطاق هذه الموجة أو بأطوال موجية أقصر لا يمكن الوصول إليها إلا من الفضاء الخارجي.

كان هناك شغف علمي كبير للبحث في فهم طبيعة مثل هذه النجوم حيث أفادت إحدى الدراسات إلى أن الملاحظة المباشرة للنواة غير ممكنة لأنها محاطة بطبقة رقيقة وغير شفافة من الهيليوم والهيدروجين. الأقزام البيضاء يهيمن عليها غلاف الهيدروجين بنسبة 80% مقارنةً بالهيليوم [3,4]. لذلك، تم تقسيم الأقزام البيضاء إلى عائلتين: العائلة الأولى تحتوي على تركيبة سطحية غنية بالهيدروجين ويرمز لها بالرمز (DA)، بينما العائلة الأخرى تحتوي على تركيبة سطحية غنية بالهيليوم ويرمز لها بالرمز (DB) حيث إنها تُظهر تنوعًا أكبر في النوع الطيفي. على الرغم من أنها محاطة بغلاف من الهيليوم، فقد صُنفت إلى عدة أنواع طيفية تعكس بشكل أساسي درجات الحرارة الفعالة.

الأقزام البيضاء منتشرة بشكل شائع جدًا في هالة مجرتنا درب التبانة (Milky Way) حيث تتواجد في الأنظمة الثنائية وعناقيد المجموعات، لكن يصعب اكتشافها منفردة نظرًا لصغر حجمها. إلا أن الرفيق الصغير (Sirius B)  استحوذ على معظم الاهتمام العلمي والذي ساعد في إحداث ثورة ذات أهمية كبيرة في فهمنا لكيفية تطور النجوم وموتها في النهاية. بالإضافة إلى ذلك، قدّم هذا النجم الصغير لأول مرة بعض الاكتشافات الأكثر إثارة في فيزياء القرن العشرين، حيث وفر معلومات قيّمة عن التاريخ المبكر لمجرتنا كتحديد عمر القرص المجري والعناقيد المفتوحة والحشود الكروية.

المصادر:

[1] Dufour, P., Fontaine, G., Liebert, J., Schmidt, G. D., & Behara, N. (2008). Hot DQ white dwarfs: Something  different. The Astrophysical Journal683(2), 978.    

[2] Barstow, M. A., Bond, H. E., Burleigh, M. R., & Holberg, J. B. (2001). Resolving Sirius-like binaries with the Hubble Space Telescope. Monthly Notices of the Royal Astronomical Society322(4), 891-900

[3] Wolff, B., Koester, D., Montgomery, M. H., & Winget, D. E. (2002). Is the helium in the variable DB white dwarfs 3He?. Astronomy & Astrophysics388(1), 320-325.            

[4] Bond, H. E., Schaefer, G. H., Gilliland, R. L., Holberg, J. B., Mason, B. D., Lindenblad, I. W., &  Gudehus, D. (2017). The Sirius System and Its Astrophysical Puzzles: Hubble Space Telescope and Ground-based Astrometry∗. The Astrophysical Journal840(2), 70.         

إعداد وتحليل: د. نوره صائل الحارثي – رياضيات تطبيقية

جامعة الملك عبدالعزيز 

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!