اكتشاف حالات الدماغ الخفية باستخدام نماذج رياضية

اكتشاف حالات الدماغ الخفية باستخدام نماذج رياضية

27 أبريل , 2023

ترجم بواسطة:

عبير العبيد

دقق بواسطة:

زينب محمد

استخدام نموذج رياضي لدراسة الكيفية التي يتنبأ ويتعلم بها الدماغ، اكتشف الباحثون إشارات تُعنى بالدقة موجودة في الفص الأمامي في الدماغ وأن القلق يؤثر على مستوى النشاط في هذه المنطقة من الدماغ.

تُشخص اضطرابات الصحة النفسية بناءً على الأعراض فقط، فلا يمكن التنبؤ بنتائج الفرد بدقة. يتطلع علماء من المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا (ETH) لتغيير ذلك باستخدام نماذج رياضية.

لماذا لدينا مشاعر؟  فكر أ. د. ستيفان مليًا قبل أن يجيب قائلاً: “يبدو منطقيًا أن الهدف من وجود المشاعر هو أن نصبح واعين بالعمليات اللاواعية داخل الجسم”.

البروفيسور كلاس إينو ستيفان، هو باحث في المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا في زيوريخ. ومهتم بالتحديد بالتفاعل بين الدماغ وبقية الجسد. استشهد ستيفان بأمثلة للكيفية التي يُفرز بها الأنسولين بمجرد رؤية الطعام حتى قبل رؤيته، وكيف يرتفع مستوى السكر في الدم حتى قبل أن نأخذ قضمة من الطعام.

يقول ستيفان: “لا نملك أي تحكم واعي بهذه الردود الفيزيولوجية” يقوم دماغنا باستمرار بتفسير وتحديث المعلومات الموجودة من حولنا”. يضيف ستيفان: “يبني الدماغ نماذجعن العالم ويستخدمها ليقوم بالتنبؤ، وهذه التنبؤات تصبح فيما بعد أساسًا لإجراءات تصحيحية استباقية مثل إفراز الإنسولين قبل الأكل. فالهدف الأساسي للدماغ هنا هو الحفاظ على الاستتباب”.

يُعرف الاستتباب بأنه التوازن الداخلي الذي يحاول الجسد تحقيقه بعوامل تنظيمية، مثل مستويات السكر في الدم، ودرجة حرارة الجسم الطبيعية، وضغط الدم، والتوازن الحمضي القاعدي. حينما يختل هذا التوازن، يقوم الدماغ بتصحيحه دون أن نلاحظ ذلك. لكن حين تواجه أجسامنا خطرًا شديدًا في التوازن الداخلي، تجعلنا نشعر بذلك على المستوى الواعي.

يقول ستيفان: “من المنطقي أن المشاعر هي حالة من الوعي ترتبط بأفعال محددة بدقة للمحافظة على وظائف جسدية معينة. فمشاعر القلق والخوف مثلاً تجعلنا واعين بالحاجة الماسة للاستجابة للخطر”.

إدارة التوقعات

ليست كل المخاوف شديدة، لكن بعض الناس يعيشون في قلق زائد دائمًا. ويحتمل أن سبب ذلك هو التنبؤات الدقيقة بإفراط.

 يقول ستيفان: “إن كان دماغي قام ببناء نموذج يفترض بأن دقات قلبي يجب أن تكون منظمة بدقة، فهذا التنبؤ مناقض للواقع، بل على العكس يؤدي هذا النموذج إلى القلق”. في حالات مشابهة، نحن نُفسر شذوذ طبيعي وصغير على أنه خطر، ونشعر وكأن جسدنا المعافى في خطرٍ دائم.  تحصل الإجراءات التصحيحية في الجسم للتعامل مع الخلل الظاهر في التوازن الداخلي.

مع ذلك، فإن محاولات تنظيم نبضات القلب قد تجعله ينبض أسرع بصورة غير منتظمة. ويقوم الجهاز العصبي الودي حينها بمضاعفة هذه الدوامة السلبية، وهذا الجهاز هو جزء من الجهاز العصبي اللاإرادي الذي يُعد الجسم للتفاعل مع حالات الإجهاد.

ابتكر ستيفان وزميلته أوليفيا هاريسون تجربة عبقرية لاختبار النظرية التي ترى أن القلق الزائد يرافقه تنبؤًا دقيقًا مفرطًا بالحالة الجسدية في منطقة معينة من الدماغ وهي الفص الأمامي.

فحص الباحثون باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) نشاط الدماغ في أشخاص لديهم مستويات قلق مختلفة. استلقى المشاركون في الاختبار التجريبي داخل جهاز التصوير بالرنين المغنطيسي وهم مرتدون أنبوبة تنفس من نوع يمكن أن يستخدم لزيادة مفاجئة في مقاومة التنفس.

في المرحلة الأولى من التجربة، عَلِم المشاركون أن عرض بعض الصور يعني مؤشر على أنهم سيتنفسون بصورة طبيعية أو أن التنفس سيصبح أصعب، وفي المرحلة الثانية كان الارتباط (مصطلح إحصائي يُستخدم للتعبير على مدى قوة العلاقة الموجودة بين متغيرين عشوائيين أو أكثر) بين الصور ومقاومة التنفس معكوسًا.

استطاع الباحثون باستخدام النموذج الرياضي اكتشاف الفرق بين التوقعات المعروفة المتطابقة في نشاط الدماغ القياسي والتغير في هذه التوقعات. وهذا ما أثبت نظريتهم التي ترى أن إشارات الدقة التنبؤية تتركز في الفص الأمامي للدماغ. أظهرت عمليات الفحص أيضًا مستويات مختلفة من النشاط في هذه المنطقة من الدماغ على حسب مستوى قلق الفرد

الآليات الأساسية

يقول ستيفان: “إن التطبيقات السريرية هي هدفنا الأساسي”. وأضاف شارحًا أن اضطرابات الصحة النفسية حاليًا تُشخص فقط على أساس الأعراض. لا يمتلك الأطباء النفسيون ببساطة أية أدوات تقييم أو فحوص كمية لتحديد الأسباب أو الآليات، ولهذا كان حماسه لتطبيق النموذج الرياضي لملاحظة نشاط الدماغ ليستنتج الحالة الخفية، لا يمكن قياسها مباشرة بالخلايا العصبية المختلفة. هذا النموذج عمومًا مفيد لتحديد آليات بيولوجية ممكنة لاضطرابات مثل تغير قوة بعض الاتصالات المشبكية.

قال ستيفان: “نستطيع أيضًا تطبيق النماذج على مشكلات سريرية محددة واستخدامها في التنبؤ بالنتائج الفردية”. واستشهد بأمثلة فحص الرنين المغناطيسي الوظيفي حيث يُعرض على المرضى المكتئبين صور وجوه بتعبيرات لمشاعر مختلفة. باستخدام النموذج الرياضي الذي يرى التواصل بين مناطق الدماغ المختلفة فيما بينها أثناء عرض صور الوجوه مع انفعالاتها ومشاعرها، استطاع الباحثون التنبؤ بدقة 80% إن كان المرضى بالاكتئاب سيتعافون خلال سنتين أو سيظلون مصابين باكتئابٍ مزمن.

هذه الطريقة المطورة في مختبر أ. د. ستيفان ليست جاهزة بعد للتطبيق السريري، لكن حماسه لها لازال في أوجّه. يقول: “تساعدنا النماذج الرياضية للوصول إلى الحالة الخفية في الدماغ”.

المصدر: https://neurosciencenews.com

ترجمة: عبير العبيد

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!