crossorigin="anonymous">
24 أبريل , 2023
تختلف مدة حياة المدن اختلافًا كبيرًا، فبعض المدن تبقى لقرن أو قرنين، بينما تصمد بعض المدن الأخرى لألف سنة أو أكثر. الأسباب وراء هذه الاختلافات غالبًا لم توثق، لذا يعتمد علماء الأثار على بقايا الأشياء التي صنعها الناس، وبنية المدن للكشف عن أنماط قد تسلط الضوء على سبب حفاظ بعض المدن على قوتها لوقت طويل من الزمن.
بحثت دراسةٌ نُشرت مؤخرًا على موقع فرونتايرز Frontiers، في قسم البيئة والتطور، عن معالم ٢٤ مدينة قديمة في المكسيك، وكشفت الدراسة بأن أكثر المدن صمودًا كانت تتميز بوجود الحوكمة التعاونية، والبنية التحتية، ولها استثمار، والعوائل التي سكنتها كانت متعاونة مع بعضها.
قال جراي فينيمان المؤلف الرئيسي للدراسة، وصاحب ماك آرثر كورتار لعلم الآثار في المتحف الميداني في شيكاغو: “بحثت أنا وزملائي لسنوات عن إجابة لسؤالي لماذا وكيف تحافظ بعض المدن على مكانتها بينما تنهار المدن الأخرى”.
في دراسات سابقة، لم يترك فينيمان وزملاؤه شيئًا إلا وبحثوا عنه في المدن التي دخلت في الدراسة، وهي مدن أنشئت في أمريكا الوسطى واستمرت لآلاف السنين. ووجدوا أنماط حياة مجتمعية متنوعة وكانت تتمتع بحوكمة جيدة، مما أدى إلى استمرار ازدهار مجتمعها لوقتٍ طويل مقارنةً بمجتمعاتٍ أخرى طغى عليها الحكم الاستبدادي ووُجِد فيها تفاوت طبقي. في هذه الدراسة الجديدة، يُسلط الضوء على مدن تقع في نفس المكان والزمان، وكلها تقع في غرب أمريكا الوسطى وجدت بين عامي ٣٠٠ و١٠٠٠ قبل الميلاد.
بالنسبة لغير عالمي آثار، فإن البحث عن حطام مدينة قديمة ومحاولة معرفة كيف كانت حوكمتها من هذا الحطام يعد مهمةً مستحيلة، ولكن آثار المدن والمباني ومخططاتها والأسواق والمعالم التذكارية كلها تحوي أدلة.
يقول فينيمان: “تمعّنا في العمارة العامة، وألقينا نظرةً على طبيعة الاقتصاد، وكل ما حافظ على بقاء المدن، وبحثنا عن كل معالم الحكم في تلك المدن هل كان حكمًا مستبدًا أم لا”. المدن التي تزينت بفنون معمارية تبجل حكامها، تدل على أنها كانت تعيش تحت حكم استبدادي أو ديكتاتوري، حيث صورت حكام المدينة معًا، وغالبًا ما تغطى وجوههم للإشارة إلى مشاركة المصالح.
وجد فينيمان مع مؤلفيه المشاركين، دايفد كاربالو من جامعة بوسطن، وليندا نيكولاس من المتحف الميداني، وستيفين كوالوسكي من جامعة جورجيا، بأن من بين ٢٤ مدينة قديمة قاموا بدراستها، أكثر المدن التي صمدت قوتها لوقت طويل هي المدن التي اتخذت أشكالًا من الحوكمة التعاونية، على عكس المدن التي طغى عليها الحكم الاستبدادي لبضعة آلاف سنة، لكن أيضًا لو قارنا بين المدن التي تميزت بحوكمة بعض المدن سنجد أنها صمدت أكثر من الأخرى.
ولمعرفة سبب الاختلاف بين هذه المدن رغم نظام حوكمتها المتشابهة، اختبر الباحثون جوانب أخرى من تركيبتهم تتضمن البنية التحتية والترابط الأسري. أوضح فينيمان: “بحثنا عن علامات لوجود نهج الاعتماد على المسار، والذي يعني بأن كل الأفعال والاستثمارات التي يقوم بها الإنسان لم تبنى أو تتخذ إلا نتيجة لما تعرض له من المخاطر والتحديات المختلفة”.
اكتشف مؤلفو الدراسة بأن الجهود السابقة لبناء مساحات سكنية مترابطة، وبناء مجمعات تجارية مركزية ضخمة كانا أكثر عاملين ساهما في استدامة المدن القديمة وزيادة أهميتها.
ولدراسة استدامة المدن القديمة، ركزت الأبحاث على العلاقة بين أحداث الطقس المعينة والأحداث البيئية وكيفية تصرف الإنسان معها، قد يبدو هذا النهج معقولًا ولكن من الصعب معرفة ما إذا كان وقت حدوث هذه الأحداث دقيقًا. هذه الدراسات غالبًا ما تركز على العلاقة بين الأزمات البيئية والدمار الذي يحدث، دون الأخذ بعين الاعتبار كيف تمكنت المدن الأخرى من تجاوز التحديات بنجاح والصمود كمدن سكنية مركزية كبرى.
استخدم مؤلفو الدراسة حيلة أخرى، وذلك بالتحقيق في تاريخ ٢٤ مركز ومعرفة ماهي العوامل التي حافظت على استدامتهم، مع الأخذ بعين الاعتبار جميع المخاطر التي واجهها السكان، ومن ضمنها الجفاف، والزلازل، والأعاصير/ الأمطار الغزيرة الدورية، والتحديات والنزاعات بين المجموعات والمراكز. قالت ليندا نيكولاس، وهي أمين مساعد في المتحف الميداني ومؤلفة مشاركة في الدراسة: “النتائج التي تشير إلى أن الحوكمة تلعب دورًا مهمًا في الاستدامة تظهر بأن التصرف مع الأزمات والكوارث كان إلى حدٍ ما يتعلق بالسياسة”.
أكثر المدن صمودًا هي المدن التي لديها استثمار في البنية التحتية وحوكمة تعاونية، وهذا درس ينطبق على المدن اليوم. أوضح فينيمان قائلاً: “لا يمكننا تقييم كيفية التصرف مع الكوارث كالزلال أو التهديدات كالتغيير المناخي، دون النظر في الحوكمة، فالماضي مصدر خصب لمعرفة كيفية التعامل مع القضايا المعاصرة”.
المصدر: https://scitechdaily.com
ترجمة: روان الرفاعي
مراجعة وتدقيق: زينب محمد
اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية
اترك تعليقاً