وفرة نقاط التشابك العصبي الصامتة في الدماغ البالغ

وفرة نقاط التشابك العصبي الصامتة في الدماغ البالغ

24 ديسمبر , 2022

دقق بواسطة:

زينب محمد

ربما تفسر هذه الروابط غير الناضجة كيف يكون الدماغ البالغ قادرًا على تكوين ذكريات واستيعاب معلومات جديدة.                      

اكتشف علماء الأعصاب لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن الدماغ البالغ يحتوي على الملايين من نقاط التشابك العصبي الصامتة وهي اتصالات غير ناضجة بين الأعصاب التي تظل غير نشطة حتى تُستخدم للمساعدة في تكوين ذكريات جديدة.

حتى الاَن يُعتقد أن نقاط التشابك العصبي الصامتة وُجدت فقط أثناء النمو المبكر لتساعد الدماغ على تعلم المعلومات الجديدة التي تُعرض عليه في المراحل الأولى من حياته، ولكن كشفت الدراسة الجديدة أن 30% من نقاط التشابك العصبي في القشرة الدماغية في الفئران البالغة تقريبًا صامتة.

أشار الباحثون أن وجود نقاط التشابك العصبي الصامتة ربما يساعد في تفسير كيفية قدرة الدماغ البالغ على تكوين ذكريات جديدة باستمرار وتعلم أشياء جديدة دون الحاجة إلى تعديل نقاط التشابك العصبي التقليدية الموجودة.

ويقول ديميترا فاردالاكي (Dimitra Vardalaki) خريج معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والباحث الرئيسي للدراسة الجديدة في هذا الصدد: “إن نقاط التشابك العصبي الصامتة تبحث عن روابط جديدة وعندما تُقدمُ معلومات جديدة ومهمة يتم تقوية الروابط بين الخلايا العصبية المناسبة وهذا يجعل الدماغ يُنشئ ذكريات جديدة دون التأثير على الذكريات المهمة المخزنة في نقاط التشابك العصبي الناضجة والتي يصعب تغييرها”.

الاكتشاف المذهل

منذ عقود اكتشف العلماء لأول مرة نقاط التشابك العصبي الصامتة وشُوهدت بشكل أساسي في أدمغة الفئران الصغيرة وحيوانات أخرى وأثناء النمو المبكر يُعتقد أن نقاط التشابك العصبي الصامتة تساعد الدماغ لاكتساب كميات هائلة من المعلومات التي يحتاجها الأطفال للتعرف على بيئتهم وكيفية التفاعل معها وهذه النقاط تختفي في الفئران بعمر 12 يومًا (ما يعادل الشهورالأولى من حياة الإنسان).

ومع ذلك اقترح بعض علماء الأعصاب أن نقاط التشابك العصبي الصامتة قد تستمر حتي مرحلة البلوغ وتساعد في تكوين ذكريات جديدة وشُوهد الدليل على ذلك في النماذج الحيوانية للإدمان والذي أُعتقد أنه يرجع إلى اضطراب في التعلم.

اقترح كلٌ من ستيفانو فوسي (Stefano Fusi) ولاري أبوت (Lary Abbott) من جامعة كولومبيا من خلال العمل النظري أن الخلايا العصبية يجب أن يكون لها اَليات تكيفية مختلفة لتوضح كيفية مقدرة الدماغ على تعلم الأشياء الجديدة بمهارة والاحتفاظ بها في الذاكرة طويلة المدى وفي هذا السيناريو يجب أن تُنشأ بعض نقاط التشابك العصبي أو تُعدل بسهولة لتكوين ذكريات جديدة بينما يجب أن يظل البعض منها أكثراستقرارًا للحفاظ على الذكريات طويلة المدى.

  لم يشرع فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في البحث خصيصًا عن نقاط التشابك العصبي الصامتة في الدراسة الجديدة وبدلاً من ذلك كانوا يتابعون اكتشافًا مثيرًا لدراسة سابقة في معمل هارنيت وفي هذه الدراسة أظهر الباحثون أنه داخل الخلية العصبية الواحدة تستطيع التشعبات والامتدادات شبه الهوائية التي  تبرز من الخلايا العصبية معالجة المدخلات المتشابكة بطرق مختلفة اعتمادًا على مكانها.

كجزء من تلك الدراسة حاول العلماء قياس مستقبلات الناقل العصبي في التشعبات الشجيرية المختلفة لمعرفة ما إذا كان ذلك سيساعدهم في تفسير الاختلافات في طريقة عملهم وللقيام بذلك استخدموا تقنية eMAP (التحليل المكبر للبروتين للحفاظ على سطح المستضد “الحاتمة”) التي طورها تشونغ (Chung) واستطاع الباحثون زيادة عينة الأنسجة فعليًا ثم وضع علامة معينة على البروتين بها للحصول على صور فائقة الدقة.

أثناء قيامهم بالتصوير توصلوا لاكتشاف مفاجئ كما يقول هارنت (Harnett): “أول شئ رأيناه والذي كان غريبًا وغير متوقع هو وجود أطراف خيطية في كل مكان”.

الأطراف الخيطية هي امتدادات غشائية رفيعة تمتد من التشعبات ولاحظها علماء الأعصاب من قبل ولم يعرفوا بالضبط وظيفتها وهذا جزئيًا، لأنها صغيرة جدًا لدرجة يصعب رؤيتها بتقنيات التصوير التقليدية.

بعد إجراء هذه الملاحظة شرع فريق البحث لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في محاولة للبحث عن هذه الأطراف الخيطية في الدماغ البالغ باستخدام تقنية التحليل المكبر للبروتين للحفاظ على الحاتمة وذُهلوا من وجود هذه الأطراف الخيطية في الفئران في القشرة البصرية وأجزاء أخرى من المخ بمستوى أعلى بعشر مرات مما شُوهد سابقًا ووجدوا أيضًا أنها تحتوي على مستقبلات ناقل عصبي تسمى مستقبلات (NMDA) ولا تحتوي على مستقبلات (AMPA).

تحتوي نقطة التشابك العصبي النموذجية النشطة على المستقبلين كليهما والتي ترتبط بالناقل العصبي الجلوتامات وتتطلب مستقبلات (NMDA) عادةً التعاون مع (AMPA) لتمرير الإشارات لأن مستقبلات (NMDA) تُحظر بأيونات الماغنيسيوم في أوقات الراحة الطبيعية للخلايا العصبية وهذا عندما تكون مستقبلات (AMPA) غير موجودة ونقاط التشابك العصبي التي بها مستقبلات (NMDA) فقط لا تستطيع تمرير التيار الكهربي وتسمى “صامتة”.

تنشيط نقاط التشابك العصبي الصامتة

للتحقق ما إذا كانت هذه الأطراف الخيطية ربما تكون نقاط تشابك عصبي صامتة، استخدم الباحثون نسخة تقنية معملية معدلة تعرف بالالتقاط الرقعي والتي سمحت لهم بمراقبة النشاط الكهربي المتولد عند كل طرف من الأطراف الخيطية حيث حاولوا تنشيطها عن طريق محاكاة إطلاق الناقل العصبي جلوتامات من خلية عصبية مجاورة.

باستخدام هذه التقنية وجد الباحثون أن الجلوتامات لا يولد أي إشارة كهربية في الأطراف الخيطية التي تلقت المدخلات حتى يُلغى الحظرعلى مستقبلات (NMDA) وهذا يدعم نظرية أن هذه الأطراف الخيطية تمثل نقاط التشابك العصبي الصامتة في الدماغ.

أظهرالباحثون أنهم يستطيعون تنشيط هذه النقاط العصبية الصامتة عن طريق دمج الجلوتامات المنطلقة مع الإشارة الكهربية القادمة من جسم الخلية العصبية ويؤدي هذا الدمج المشترك إلى تراكم مستقبلات (AMPA) في نقاط التشابك العصبي الصامتة مما يسمح لها بتكوين اتصال قوي مع محور الخلية العصبية الذي ينتج الجلوتامات.

وجد الباحثون أن تحويل نقاط التشابك العصبي الصامتة إلى نقاط تشابك عصبي نشطة أسهل من تغيير النقاط العصبية البالغة.

أوضح هارنت: “إذا بدأت بنقاط تشابك عصبية تعمل بالفعل، فإن بروتوكول التكيف لن يكون فعالاً”.

وأضاف: “إن نقاط التشابك العصبي للدماغ البالغة لها حد أدنى أعلى بكثير وذلك لأنه يفترض أنك تريد هذه الذكريات اللطيفة أن تبقى ولا تريد أن تُستبدل باستمرار ومن ناحية أخرى يمكن التقاط الأطراف الخيطية لعمل ذكريات جديدة”.

“المرونة والقوة”

 أوضح الباحثون إن النتائج تقدم دعمًا للنظرية التي اقترحها أبوت وفوسي بأن الدماغ البالغ يحتوي نقاط تشابك عصبي عالية التكيف يمكن توظيفها لعمل ذكريات جديدة.

وأشار هارنت أن هذا الدراسة على حد علمه هي أول دليل حقيقي على أن هذه هي طريقة عمل دماغ الثدييات.

 وأضاف: “تسمح الأطراف الخيطية لنظام الذاكرة أن يكون مرنًا وقويًا وتحتاج للمرونة لاكتساب المعلومات الجديدة ولكنك تحتاج الاستقرار أيضًا للاحتفاظ بالمعلومات المهمة”.

ويبحث الباحثون الاَن عن دليل وجود نقاط التشابك العصبي الصامتة هذه في أنسجة الدماغ البشري، كما يأملون دراسة ما إذا كان عددها ووظيفتها يتأثر بعوامل مثل الشيخوخة أو الأمراض التنكسية العصبية.

يقول هارنت إنه من الممكن تمامًا بتغيير المرونة التي يتمتع بها نظام الذاكرة يصبح من الصعب تغيير سلوكياتك وعاداتك أو دمج معلومات جديدة.

 وتابع بقوله:  “يمكنك تخيل العثورعلى بعض الوسائط  الجزيئية في الأطراف الخيطية والتي تحاول استخدام بعض هذه الأشياء لمحاولة استعادة الذاكرة المرنة مع تقدم العمر”.

المصدر: https://www.sciencedaily.com

ترجمة: د. إيمان محمد الصادق عبد العزيز

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!