8 نوفمبر , 2022
عندما يعاني المعالجون من القلق والاكتئاب والإرهاق.
فهل تساءلت يومًا، ما إذا كان معالجك لديه معالج نفسي هو الآخر أم لا؟
المعالجون ليسوا أبطالاً خارقين لعادات البشر، لذا فهم عرضة كغيرهم للإصابة بالإرهاق والتشوش أو المرض، كما يتعرضون لما يتعرض له الكثيرين من تحديات في الصحة أو المال، أو إصابة أحد أفراد الأسرة بمرض عقلي، أو إدمان، أو صعوبات في النمو.
وأثناء أزمة كورونا الماضية، في أشد حاجتهم للوقت والمجهود لمكافحة الوباء، وجدوا أنفسهم منغمسين في مشاكل وأزمات عديدة خاصة بمرضى جدد بسبب الجائحة وتوابعها.
وحينها تعرض المعالجون لمشاعر مختلطة، كالغضب أو اليأس أو الحزن وبما أن أغلب تلك المشاعر عادةً ما تكون معدية مما قد يؤثر على المُعالج نفسه، فيجعل ذلك المعالجون أنفسهم عُرضة لامتصاص مشاعر مرضاهم، فضلًا عن إثارة مشاعر أخرى مكبوتة، قد يجددها المريض في نفس المُعالج، مما يؤثر على عملهم بفعالية.
وبعد معرفتنا لتلك التحديات، قد تتساءل، “ما الدافع الذي قد يدفع شخصًا لكي يصبح معالجًا؟
يُعد السبب الأشهر الذي يسوق البعض لامتهان هذه المهنة، هو تجاربهم الإيجابية في علاج أنفسهم، فمن استطاع التغلب على مشاكله النفسية، وحسم صراعه مع القلق أو الاكتئاب، يشعر بالثقة والتطور في حياته الشخصية.
قبل خمسة وثلاثين عامًا، شَعُرت بالاكتئاب، ولكني لم أستطع فهم مشاعري، كما لم يكن لدي أي مهارات تساعدني على فهمها، لذا استعنت بمعالج نفسي للمرة الأولى في حياتي، بعد إلحاح شديد من الأصدقاء، وكان طيب القلب، ووافق على رؤيتي مقابل أجر زهيد للغاية.
خلال المرات الأولى، لم أفهم فكرة العلاج النفسي، لكنني عرفت من خلال الجلسات، جلسة بعد جلسة، كنت أشعر بالتحسن وأثر العلاج على حياتي.
وبمرور السنين أقنعتني تلك التجربة بضرورة ممارسة مهنة المُعالج النفسي.
يقضي المعالجون الكثير من الوقت في فهم أنفسهم، فجلسات العلاج تحدي كبير يعصف بمشاعرك، عندما يفهم المعالج تاريخه السابق ومشاعره تجاهه، يكون لديه صمام أمان يمنعه من الانسياق وراء تلك العواطف، مما يجنبه التشتت أثناء الجلسة، والتركيز على مشاعر المريض نفسه.
لمزيد من التوضيح، تحدث ثلاث آليات عاطفية خلال جلسات العلاج:
وهي نوع من أنواع المشاعر التي يظهرها المريض تجاه المُعالج، والتي تنبع من تكوين شخصية المريض، ومشاعره عبر السنين، على سبيل المثال، يواجه الشخص المُبتز أو المُهمل عاطفيًا مشكلة في الوثوق بالمعالج.
كذلك المريض الذي عانى من طفولة صادمة، سيُبقي المعالج على مسافة ويبدو باردًا، منفصلًا، غير واثق.
وتُعد عملية نقل المشاعر هذه نوع من أنواع الإسقاط، فالمريض ينقل مشاعره من العلاقات السابقة إلى العلاقات الحالية.
وهو يعبر عن مشاعر المعالج تجاه المريض بناءً على عملية النقل التي أشرنا لها سابقًا.
فالمُعالج الجديد، غير المُدرب، قد يتفهم تلك المشاعر بشكل معاكس ويأخذها على محمل شخصي، لذا يحاول إقناع المريض بالثقة به، مما يؤدي إلى نتائج عكسية، ويزيد من عناد المريض وعدم ثقته في المُعالج، لكن على النقيض، يتفهم المُعالج المُدرب جيدًا تلك المشاعر، بل ويحترمها ويستكشفها.
مثل رد الفعل، يشير الانعكاس الشخصي إلى مشاعر المعالج تجاه المريض، والتي تنشأ من التاريخ الشخصي للمعالج.
فمثلًا إذا عانى المُعالج من سوء المعاملة في الطفولة، وقابل مريضًا مُسيئًا للأطفال، فسوف يشعر برغبة في عدم المواجهة.
إذا كان المعالج غير مدرك لهذا الانعكاس الشخصي، فقد يتصرف وفقًا للأنماط القديمة، وبناءً عليه، قد يتوقف عن العمل أو يتجنب هذا المريض خوفًا من الانتقام.
يُجرب المُعالج تلك المشاعر الثلاث مجتمعة ” النقل ورد الفعل والانعكاس الشخصي”، أثناء الجلسات النفسية الفردية، فمن أين تأتي تلك المشاعر؟
في الجلسات الجماعية، يزداد الأمر تعقيدًا، فبالإضافة إلى المشاعر الثلاثة السابقة، تبدأ تلك المشاعر في الانتقال بين أعضاء المجموعة تجاه بعضهم البعض، وهو ما يطلق عليه “التحويل المتبادل”.
وبعد انتهاء جلسات العلاج الجماعي، ينتقل أعضاء المجموعة إلى تجاربهم الشخصية ويتعاملون مع المحيطين بهم في المجتمع، على سبيل المثال، تنتقل المشاعر الخاصة بقضايا العِرق بسرعة لكل المحيطين. لذا لا يشعر الشخص الملون بالأمان في مجموعة يهيمن عليها القوقاز.
تبدو معقدة؟ في الواقع هذا غيض من فيض، فالمجموعة المكونة من ١٢ عضوًا فقط، يحدث بها أكثر من مئة تحويل ورد فعل في وقتٍ واحد.
الآن، يمكنك فهم مدى صعوبة تعامل المعالجين مع مشاعر المرضى، فهو تحدي كبير، وتُعد قدرة المعالج على تحليل هذه المشاعر، ومعالجتها وفهمها أمرًا ضروريًا لتجنب الإرهاق وتقديم العلاج الناجح.
هذه حقيقة صادمة، ولكنها الحقيقة فالمعالج غير مطالب بالمشاركة في علاجه، ولهذا السبب تطلب بعض معاهد التحليل النفسي من طلابها التسجيل في برامج أخرى للعلاج الشخصي، بيد أن بعض برامج الدراسات العليا لا تتطلب ذلك، ومن الممكن أن تصبح معالجًا مرخصًا دون فحص دوري لحالتك النفسية، وهذا ما يؤثر على حالة المُعالج النفسي وعلى مرضاه.
ولهذا يحرص أفضل المعالجين النفسيين على متابعة علاجهم، ليس لكونه مطلوب، بل لأنه ضروري لإتقان العمل، فهم يعرفون أن علاجهم يثري حياتهم ويعزز علاقتهم مع المرضى، ولا شك أن فهمك لنفسك هو المدخل لفهم الآخرين.
المصدر: https://www.psychologytoday.com
ترجمة: د. زينب نبيل الهواري
مراجعة وتدقيق: زينب محمد
اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية
اترك تعليقاً