كيف لتقبل الحُزن أن يشفينا؟

كيف لتقبل الحُزن أن يشفينا؟

22 أغسطس , 2022

ترجم بواسطة:

رشا الحربي

دقق بواسطة:

زينب محمد

من منظور شخصي: عندما نغير مفهومنا تجاه الحُزن سيساعدنا ذلك في تجاوزه.

النقاط الرئيسية

  • الحُزن هو تعبير نابع من محبة لمن ماتوا ولأنفسنا.
  •  قد يساعدنا الإقرار بالحُزن على تجاوزه.
  •    وقد يكون موت أحد الأحباء مؤشرًا لإعادة تعريف علاقتنا به.

“الحُزن في حد ذاته دواء”

ويليام كوبر (William Cowper)

 “الحُزن يُنمي قوى العقل”

مارسيل بروست (Marcel Proust)

حفلة تأبين الميت الأيرلندية هي ظاهرة ثقافية أشار إليها الأدب والقصائد على مر العصور. إنها تعبير عن مأساة الأيرلنديين وأحد ذكرياتي الأولى، فقد حضرت جنازات الكثير من الأقارب في سن مبكرة، حيث يُعتبر الموت أمرًا اعتياديًا وعُرفًا وجزءًا من إرثنا الثقافي.

فنودع من فارقنا الحياة ونُظهر بهذه الأوقات صبرًا وشجاعة لا مثيل لها، ونفيض بمشاعر حنين واشتياق فتُسرد القصص وتُغنى الأغاني ونواسي بعضنا البعض، ولو كان وقتًا ممتعًا فقد تندلع الشجارات في بعض الأحيان هناك. لذا أن تشهد طفلة صغيرة كل هذا لهو شيء مثير للغاية لأني تعلمت حينها أن أُظهر امتناني بهذه الظروف.

لذلك، في عام 2021 في أعقاب وفاة والدي وفترة الظلام التي غرقتُ بداخلها فقدت أخي أيضًا. ظننتُ حينها أنني متهيئة لتوديعه لأنه شُخص بسرطان الرئة بعد أربعة أيام من دفن والدي، الهدوء والصمت المدقع الذي خيم عليّ وقتها يصم الآذان مما ألجمني.

ما هو الحُزن؟ غالبًا ما يرتبط مفهومه بالفقد والأسى وتحمل عبء الخسارة والألم ونادرًا ما يُناقش بعمق عامةً ومن قبل الفلاسفة خاصةً. إنه الوجه الآخر المخيف للحياة ومواجهة هذه الحقيقة وتقبلها أمرًا يُثقل الكاهل، لكن لابد من ذلك لنتعافى.

ما أذهلني أيضًا بأنه ذو معنى أعمق بكثير مما نعرفه، فهو يجردك من كل شيء ويهيئك لتكتشف نفسك الحقيقية ومن رحلوا أيضًا. فالحُزن يهيبك ويهيئك للعمل ويدعوك للمغامرة وفهم كل شيء وإعادة تشكيل عالمك وإيجاد عادات وطرق جديدة للعيش، ويُوقظ بداخلك حسك الإنساني ويملأ الفراغ الذي أعقبه الفقد وتصبح الأمور واضحة لك مع الوقت.

فهو يستوقفنا ويصبح عقبة في مساراتنا حيث نفقد المألوف ونفقد إحساسنا بأنفسنا أيضًا. لكن في هذه المرحلة نعود لنقطة الصفر ونُعيد تشكيل عالمنا وأنفسنا، وعلى الرغم من أنه أمر مأساوي ولكنه ذو قوة عظيمة، إنّ صقل نفسك وعالمك من جديد يمثل تحديًا هائلاً وكل تحدٍ تخوضه سيعود عليك بمكافأت عظيمة.

لكن هل نخسر؟ واقعيًا نعم لأن الشخص لم يعد موجودًا جسديًا بيننا. لكن الفكرة هنا هي مجرد تغيير لنظرتنا تجاه هذا المفهوم وكيفية التعايش معه. قالت صديقتي عندما توفيت جدتها أنها تملك مقعد لها على الطاولة، ظننت أنه تعبير مجازي فقط لكنني علمت بعدها أنها تحتفظ فعليًا بمقعد لها. فيا لها من مفاجأة جميلة ويا له من تكريم لها ولعلاقتهما التي استمرت حتى بعد وفاتها.

وهذا ما يجب علينا القيام به عند الحُزن والدخول بحالة حداد بأن نكرم العلاقة ونُخلد ذكراهم ونحافظ عليها، فهل لنا سبيل غير ذلك؟ فعلاقتنا وذكرياتهم ومشاعر الحب تجاههم لم تغب عن أذهاننا، بل حُفرت بداخلنا وبموت أحد الأحباء تصبح حية في أذهاننا، فكيف للموت أن يكشف جوهر الشخص وصفاته وجوانبه المتعددة؟ صحيح أنها معروفة لنا عندما كانوا على قيد الحياة ولكن لا أحد يهتم بذكرها، ولكن بالموت يتغير كل شيء لأننا سنركز عليهم بالكامل من خلال مشاهدة صورهم والاحتفال بما يحبونه ويهتمون له والمناقشة اللامتناهية لصفاتهم وعاداتهم المضحكة وطرق عدة لنحافظ بها على ذكرياتهم في هذا العالم ونزيد عمق صلتنا معهم.

كقصيدة كتبتها على شاهد قبر أخي أرسخت حقيقة أنه كان يحب الموسيقى وبالتحديد فرقة كنغ كريمزون (King Crimson) وموسيقى الجاز والبلوز:

آمنت بحُبك للموسيقى منذ البداية

ليحيا عزفها بقلبك بعينين ساكنة

وعلى خيال غيتار بيديك بنينا أحلامنا العابرة

إنّ ما يُحرك شعورنا بتلك الظروف هو الحب لأنه آخر هدية نستطيع أن نعبر فيها عن مشاعرنا لمن فارقوا الحياة، لكن ما نكتسبه من هذه التجارب من عمق وغنى سيبقى أثره معنا للأبد وسيجعلنا نواصل الاستمرار ونُقدر ما نملك.

المصدر: https://www.psychologytoday.com

ترجمة: رشا الحربي

تويتر: @eunlina7

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!