ماهي الحرية النفسية؟

ماهي الحرية النفسية؟

3 يوليو , 2022

ترجم بواسطة:

عائشة السويركي

دقق بواسطة:

سارة محمد

الحرية والشجاعة هما المحركان الأساسيان لعملية التفرد.

يُعرّف عالم النفس الاجتماعي والفيلسوف النفساني الألماني إريك فروم Erich Fromm (1941) الحرية على أنها الهدف النهائي في عملية التفرد. ويعد مفهوم الحرية لفروم مقارب لمفهوم شابيرو Shapiro (1981) للاستقلالية وهو أن يصبح الشخص فردًا مستقلًا في العالم. الحرية تشمل القدرة على إظهار ما يجعلك فريدًا دون اللجوء إلى الانغماس في الذات أو نكران الذات. ويتضمن مفهوم موراي بوين Murray Bowen عن “تمايز الذات” هذه الفكرة والمُثل العليا للتمييز. إن افتقار الفرد للشعور بالاستقلال النفسي يولد لديه شعور بعدم الأمان وعدم الأهمية وتتزايد لديه الشكوك بمعنى الحياة.

تتطلب الاستقلالية حسب فلسفة التنوير الأخلاقية لكانط (1997) التصرف وفقًا للأخلاق فوق كل الرغبات أو الاستجابة لمطالب الآخرين وتتضمن اتخاذ القرار والتصرف وفقًا لها. يجادل الفيلسوف الروماني دون ستيوارت ميل John Stuart Mill (1956) فلاسفة التنوير معارضًا أن رغبات الفرد أساسًا للاستقلالية وبناء الشخصية: “إن الشخص الذي لديه دوافع ورغبات خاصة به تعبر عن طبيعته كفرد ويطورها ويُعدّلها بثقافته نطلق عليه ذا شخصية، أما الذي ليس لديه أي دوافع أو رغبات خاصة فليس له شخصية”.

بشكلِ عام، عندما يفتقر المرء إلى هذه الحرية، سواءً ليقرر ويتصرف بناءً على واجب أخلاقي، أو ليشعر بأصالة رغبته الفريدة، فهنا يظهر أن الأداء الذاتي إجباريًا أو كردة فعل بدلًا من أن يكون توجيهًا ذاتيًا.

قلق الحرية

وصف الفيلسوف سورين كيركيغارد Soren Kierkegaard من القرن التاسع عشر الحرية النفسية بالقلق المريع وبتعبير دقيق قائلًا إنها “دوار الحرية”. سلط الفيلسوف كيركيغارد الضوء في مجلة The Concept of Anxiety (1844) على أنه يمكن مقارنة القلق بالدُوار، يصابون بالدوار الذين ينظرون بتثاؤب نحو الهاوية. لكن ما السبب وراء ذلك؟ أنها نفس المسافة بين عينيه والهاوية؛ إذا افترضنا أنه لم ينظر إلى الأسفل”. فقد شبه التحديق من أعلى المنحدر، بالرعب الموجود في فكرة أنك قد تسقط منه وتهبط وتموت، بالإضافة إلى الخوف من أنك قد تلقي بنفسك. الخوف والرهبة المتواليان هما أسوأ وأرعب ما قد يحدث، لكن حرية الاختيار يمكن أن تُشل بشكلٍ أو بآخر. حرية الاختيار تولّد القلق، أي اختيار ممكن أن يفسد بسبب الخوف. إن فتح المجال لرغبات غير مقيدة أو مجرد الرضوخ للتوقعات المفروضة يبعدك بعيدًا عن الضغط الذي تتطلبه الأصالة ومن ثم تؤدي إلى اليأس.

فكّر كيركيغارد مليًا قائلًا: “الحرية أن تستسلم للدوار، وأن علم النفس باقٍ لا محالة في تلك اللحظة بالذات، كل شيء يتغير حتى الحرية عندما تنظر من أعلى سترى أنها مذنبة. وسترى أنه بين هذين اللحظتين تكمن القفزة حيث لم يشرحها أيّ مجال في العلوم ولن يشرحها، فمن يصبح مذنبًا بسبب القلق سيصبح غامضًا بقدر ما أذنب…”

لا يمتلك الجميع قدرة تحمل لمجابهة احتمالات الحرية، سنجد البعض يميل إلى تخريب الذات، وقد يكونون غير قادرين على التحكم بالقلق الجدلي للحرية. فعند حدوث ذلك يحاول الشخص “الهروب من الحرية” كما وصفها فروم. اقترح فروم ثلاث آليات نفسية يعتقد أنه يمكن للفرد استخدامها للهروب من سلبيات الحرية واستعادة الأمن الذي يفتقده: الاستبداد، والتدمير، والتوافق الروتيني. هذه الآليات الثلاثة تحقق الأمان بتكلفة كبيرة جدًا.

السادية (الشخصية المتسلطة)

يسيطر الساديون على الآخرين كوسيلة لتعويض النقص الداخلي في أنفسهم وفي حياتهم. وتنشأ إساءة معاملة الساديين أيضًا من إدمان ممارسة اضطراب النفسية في السلطة العلائقية. وقد وصف فورم ذلك بمسمى “الشخصية الاستبدادية” التي تتجسد في”أن يقوم فرد باستبداد مَن تحته ويخضعون لمن هم أقوى وأعلى منهم”.

المازوخية (شخصية التدمير الذاتي)

كما وضح شابيرو أن المازوخية تتجسد في “الاستعداد لتقبل المعاناة لتوضيح فكرة ما، أو دعم مبدأ أو الحفاظ على احترام الذات. يحدث الدافع المازوخي عندما يتمكن من السيطرة من خلال أشكال ضارة من التهدئة الذاتية. وتعد اضطرابات الأكل وعادة قطع الأشياء، وتعاطي المخدرات أسلوب تكيّف مازوخي، وغالبًا ما يدل على الهيمنة العاطفية الوطيدة أو التجاهل داخل الأسرة. ومن الجدير بالذكر أن السادية والمازوخية نوعان من الشخصيات القاسية فكلاهما ينطويان على إصرار قسري للرغبات مدفوع بالأنانية والعار.

التوافق الآلي

من بين أصعب التحديات التي نواجها في تجسيد الاستقلالية: التنويم، وقناعات مسبقة لإرضاء الذات، والمثابرة على ممارسة العادات الشخصية. كانت قد نشأت هذه التحديات في نفسية غامضة أو كما أطلق عليها كارل يونغ Carl Jung الظل، الظل الذي يحتوي على ذكريات وميول كنا قد تخلصنا منها لكنها تحافظ على قوتها من خلال تسامينا لها. تثير شظايا الذات المظللة الحراسة المتيقظة وغالبًا ما تتحول هذه الحماية إلى بروز. فنحن نعش في خطر دائم يتمثل في بروز لمخاوف وصور ورموز مشبعة بالعاطفة والتجارب على الأشخاص والعالم من حولنا. حيثما نتصرف وفقًا لرغباتهم سنجد أنفسنا تلقائيًا نقوم باستجابات شبيهة لهم. لذلك تحدى الحكيم، الناجي من معسكر الاعتقال اليهودي في الحرب العالمية الثانية، أخصائي العلاج اللوغاريتمي فيكتور فرانكل Viktor Frankl قائلًا: “هنالك مسافة بين التحفيز والاستجابة، في هذه المسافة لدينا القدرة على اختيار استجابتنا؛ في استجابتنا تكمن حريتنا ونمونا”.

الشجاعة

الحياة قلق، نعم إنها حرية لكنها مسؤولية. إنها سلسلة من الاختيارات تحت قيود أحدها يعارض الآخر. السؤال هنا ليس كيف نتحرر من توتر الأقدام على حلبة الرقص لا، فذلك المفهوم الخاطئ عن الشجاعة. فالشجاعة هي التحرر من الخوف بدلًا من مجاراته. في الختام دعا كيركيغارد Kierkegaard إلى حدوث قفزة بالاعتراف بأن الحركة إلى الأمام في الحياة هي أساسًا وظيفة الإرادة والثقة. وقد وصف القفزة على الرغم من القلق المتزايد والتوتر الذي لم ينقضِ بأنها مخاطرة تؤدي إلى مسار غير متوقع بمجرد أخذها وشفاءً يصل إلى أبعد من أنفسنا وتؤدي إلى قدر أكبر من الكمال فضلًا الحرية.

المصدر: https://www.psychologytoday.com

ترجمة: عائشة السويركي

مراجعة وتدقيق: سارة محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!