ثقتنا في القرارات. من أين تأتي؟

ثقتنا في القرارات. من أين تأتي؟

27 فبراير , 2022

ترجم بواسطة:

ميار متولي

دقق بواسطة:

زينب محمد

يبدو لنا شراء سيارة مستعملة بثمن مناسب أمر جيد، ولكن اختيار دونات لذيذة في المتجر يتركنا مليئين بالشك. على أية حال لقد عزمنا على اتباع نظام غذائي صحي هذا العام. فمثلاً، أليس من الأفضل شراء تفاحة؟ جميعنا مرّ بهذا الشعور في وقت ما: فبعض القرارات تبدو بالحدس صائبة وبعضها الآخر يجعلنا نشعر بالشك وتصل إلى حد جعلنا نراجع قرارنا الأول، فمن أين يأتي هذا الشعور؟

للمرة الأولى يتحقق فريق من الباحثين في المعهد الفدرالي للتكنولوجيا بزورخ وجامعة زورخ بقيادة الأستاذ الجامعي رافائيل بولانيا من السؤال بطريقة منهجية. فاستخدموا بيانات تجريبية في تطوير نموذج لحاسوب قادر على التنبؤ بالطريقة التي سيستخدمها الفرد في الاختيار من بين الاختيارات المختلفة ولماذا يمكن أن يصبح -بعد ذلك- الفرد أكثر ثقة أو شكاً في القرار المُتخذ.

 قال بولانيا، الذي يترأس معمل اختبار اتخاذ القرار بعلم الأعصاب: ” باستخدام نموذجنا، اتضح لنا بنجاح أنه على الأغلب تبدو القرارات صحيحة إذا بذلنا جهد مضاعف في الانتباه إلى تقييم الاختيارات المختلفة والأكثر من ذلك إدراكنا لهذا”.

وبالتالي تعتمد القدرة على التساؤل ومراجعة القرارات السيئة على مدى قدرتنا في الحكم على أنفسنا سواء عن طريق تقييم الاختيارات، أو السماح بتشتتنا أثناء عملية اتخاذ القرار. فهذا الوعي الذاتي- والذي عادةً ما يشير إليه الخبراء بالاستبطان- يعد شرطاً أساسياً للتحكم بالنفس.

بحث التطورات الذاتية للاختيار في المعمل

إن ثقتنا في قراراتنا تستند على تقييمات ذاتية للقيمة والتي نقوم بها تلقائياً وبلا ريبة كجزء من حياتنا اليومية، فمن أجل إتاحة تحليل منهجي لعملية اتخاذ القرار، درس بولانيا وفريقه كيفية تقييم واختيار الأشخاص الخاضعين للاختبار للأطعمة اليومية. 

في البداية سُئل 35 مشارك لتقييم 64 منتج من اثنين من سلاسل المتاجر السويسرية، فقُدم لهم صورة على الشاشة لكل منتج وسُئلوا في نهاية التجربة عن مدى رغبتهم في تناول المنتج. وفي الجزء الثاني من التجربة، عُرض على المشاركين مجموعة من الصور والتي تُظهر منتجين في نفس الوقت، وفي كل حالة يُطلب من المشارك اختيار منتج واحد من الاختيارين- دونات أو تفاحة، بيتزا أو كمثرى- ثم تقييم ثقتهم في القرار.

ولجعل التجربة واقعية بقدر الإمكان كان على المشاركين تناول المنتجات بعد التجربة. وقد استخدم الباحثون ماسحاً ضوئياً للعين أثناء مرحلتي التقييم واتخاذ القرار لمعرفة ما إذا أمضى المشاركون وقتاً أطول في النظر لمنتج من المنتجين، وكم مرة انتقل نظرهم من اليسار إلى اليمين ومدى سرعة اتخاذهم للقرار.

جهد انتباهي أعلى يؤدي إلى ثقة أعلى

باستخدام هذه البيانات ومجموعة بيانات من فريق بحثي آخر، طوّر بولانيا مع طالب الدكتوراه جيروين بروس نموذج لحاسوب قادر على التنبؤ بالظروف التي يصبح فيها الأشخاص أكثر ثقة أو غير واثقين في قراراتهم، يقول بولانيا: ” اكتشفنا أن الأشخاص على وجه الخصوص احتمال أن يكون لديهم شعور سيئ بخصوص قرار ما إذا كان استبطنوا أنهم لم يولوا اهتماماً كافياً في المقارنة مع الخيارات المختلفة”.

يستخدم النموذج أنماط حركة عيون المشاركين للوقوف على مقدار الجهد المبذول في تقييم ومقارنة المنتجات المختلفة، فيُعتبر الشخص الذي يستغرق وقته ويجعل الخياريين دائماً أمام عينيه بأنه يبذل جهد انتباهي أعلى، بينما يعتبر أولئك الذين يميلون إلى التركيز على خيار واحد وإهمال الخيار الآخر أقل انتباهاً.

أفضل طريقة لتوضيح تلك النتائج بالنظر لمثال من الحياة اليومية: إذا أضفنا دونات إلى سلة التسوق الخاصة بنا دون ريب حتى بعد التعبير عن نية تناول المزيد من الطعام الصحي، وبعد ذلك أدركنا أننا لم نفكر حتى في بدائل صحية، بذلك تصبح ثقتنا في القرار أقل ونراجعه. من ناحية أخرى، إذا كنا ندرك أننا قد وضعنا في الاعتبار بعناية مجموعة من المنتجات الصحية، ولكننا قررنا رفضها لأننا ببساطة أردنا الدونات أكثر من تفاحة أو كمثرى، في هذه الحالة نصبح أكثر ثقة في قرارنا.

استخدام الاستبطان في مراجعة القرارات السيئة

وفقاً لمؤلفي الدراسة، فإن القدرة على التشكيك في القرارات السيئة والثقة في القرارات الجيدة تعتمد إلى حد كبير على مدى وعي الفرد بأحكامه الذاتية ومقارناته المتعلقة بعد اتخاذ القرار. هذا أمر يشير إليه علماء الأعصاب بالاستبطان.

يقول بولانيا: “بمجرد أن نتخذ قراراً، يمكننا أن نشعر بالريبة فيما يتعلق بقيمته ونقوم بمراجعته فقط إذا كنا ندرك حقيقة أننا فشلنا في إيلاء انتباه كافي لمقارنة الخيارات”. هذه القدرة على الاستبطان تعد أيضاً جزءاً مهماً من قدرتنا على ضبط النفس. يذكر بولانيا أنه بدونها، من المرجح أن نتصرف وفقًا لتفضيلاتنا للأطعمة غير الصحية- على سبيل المثال- دون التشكيك فيها. الخبر السار أن بإمكاننا التدرب على هذه القدرة من خلال التمارين الذهنية والتأمل.

التطبيقات على النظارات الذكية والسيارات ذاتية القيادة

يقول بولانيا إن هذا النموذج يمكن دمجه في النهاية في النظارات الذكية التي تتعقب حركات العين، لتحديد مدى انتباهنا وإعلامنا وقتما يتحتم أن نشكك في قرار ما”.

يعتقد بولانيا أيضاً أن النموذج يمكن أن يكون مفيداً للسيارات ذاتية القيادة حيث تتخذ الخوارزميات المستخدمة في المركبات الذاتية القرارات باستمرار بناءاً على تدفق مستمر من البيانات من أجهزة استشعار السيارة، يقول بولانيا: “يمكن أن يساعد نموذجنا السيارة في تقييم قراراتها ومراجعتها عند الضرورة”.

المصدر: https://medicalxpress.com

ترجمة: ميار متولي

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!