crossorigin="anonymous">
7 يناير , 2022
مع تقدمنا في العمر، يصبح من الضروري لتشافي مشاعرنا أن نتعلم كيف نتكيف ونتعايش مع حزننا. و مع تكالب الخسائر سواءً بسبب فايروس كورونا الحديث أو مرض آخر، ربما طلاق، خسارة منزل أو وظيفة أو حتى رحيل أحد الأحبة، قد نتخذ الحزن مقاماً، أو لعله هو من يسكننا!
الحزن، كالتقدم في السن، رحلة فردية فريدة غير منتظمة ببداية ونهاية، ولا تخضع لمعايير فتُصحح أو تُخطأ. و قد يغالبنا الحزن فرادى أو مع عائلاتنا، وربما في مجموعات دعم نفسي. ولا يفرق الحزن، بين متدين وروحاني وبين من يسكن الريف والمدينة أو حتى بين غني وفقير.
لحسن الحظ، تمكنت إليزابيث كبلر روس، من رسم خارطة لنا من خلال عملها على الموت والاحتضار ومن ثم الحزن.
ولا تحدد تلك الخارطة مجموعة خطوات بل نمط يساعدنا على معرفة موقعنا في رحلة الحزن، حيث لها معالمٌ تضاهي في شهرتها معالم طريق كاليفورنيا المطل على المحيط الهادئ القادم من لوس انجلوس إلى سان فرانسيسكو.
أدركت ذات مساء أثناء انعزالي مع أحزاني، حزن على الطقس والديموقراطية وأمور شخصية وآلام جسدية، أني بحاجة لأن أضيف بعداً جديداً لعمل اليزابيث. لم أرد إعادة رسم الخارطة بل توسعتها وتعميقها بإضافة مدخل للوعي بالظل والوعي النقي والوعي بالموت. تبدو الخارطة وكأنما رسمت قبل العمل الداخلي للعمر وقبل أن نستطيع النظر إلى حياتنا نظرة شاملة.
تمحور كتابي الجديد بعنوان العمل الداخلي للعمر بشكل رئيسي حول الإنكار، وهو السبب وراء كل ما يعيقنا عن اكتشاف أرواحنا. للإنكار أيضاً فوائد كوسيلة دفاع نفسية حيث يمنحنا بعض الوقت لنتكيف مع خبر، أو مرض، أو فقد مفجع. تماماً مثلما نعاير تدريجياً جرعة دواء ما، سانحين لأجسادنا فرصة التأقلم، فإننا نتلقى الوعي على جرعات يدرجها الإنكار. نتجنب الحقيقة كاملة لفترة مشتتين انتباهنا عنها بما هو أقل ثقلاً على صدورنا من معلومات ومشاعر مما يساعدنا على التأقلم.
وفي مرحلة ما، سنتمكن من استيعاب مشاعرنا وصوتنا الداخلي، نسمع صوتاً من الظل قائلاً: “لا يمكن أن يكون ذلك حقيقياً، لابد أن الأطباء أخطئوا التشخيص”، “لا، لن يتركني الآن، من أنا من دونه؟” ثم تكتشف الإنكار.
يختبئ خلفه أيضاً إنكار الوعي بالموت، قد نفكر “لم يحن أواني بعد”، “لن يوقفني شيء”، “عاشت والدتي ١٠٠ عام”.
عندما يتضخم الغضب بداخلنا، يبحث الظل عمن يوقع عليه اللوم قائلاً: “إنه أسلوب حياتها السيء، إنه خطؤها”، “إنها ذلك الجرّاح، لابد أنه أخطأ”، “رئيسي متحيز للعمر”.
لو تفحصنا هذا الشعور الثانوي لوجدنا خلفه مشاعر أكثر ضعفاً كالخوف، والتخلي، والبؤس، والخيانة. وفي وسط هذه الحالة من الضعف وفقدان السيطرة، يعطينا الغضب شعوراً لحظياً بالقوة، توقظ المحارب بداخلنا وتشجعنا للدفاع عن أنفسنا أو الأخرين. يعمينا الغضب عن وعينا بالموت كذلك، ففي خضم تدفق الإدرينالين في شرايينا، قد نفقد الشعور بالضعف وحقيقة محدوديتنا وحتمية الموت.
في هذه المرحلة، نروي حكاياتنا في محاولة للبحث عن معنى لها، نتساوم مع أطباء أو أحباء أو ذوي نفوذ لتغيير نتيجة الوضع. تسمع الظل قائلاً: “فقط لو يحدث كذا، سأفعل كذا”، تعرف وأنت تسمع هذا النداء الخافت الراجي أنك في مرحلة المساومة. وخلف تلك المساومة يقبع لوم شديد للذات لدى البعض. حين نحمل شعوراً لا واعٍ بالذنب، ونلوم أنفسنا في السر فنحن نساوم لنكفر عن ذنبنا، وهنا يستهدفنا الظل. ومن الضروري الالتفات لهذه العملية اللاواعية، واتخاذ قرار أكثر وعياً بشأن ما إذا كنا حقاً مذنبين في هذا الموقف أم أنه ليس سوى نمط قديم من لوم الذات في الظل.
الآن يتنحى المقاتل ويستريح المساوم ونغرق في بؤس فارغ وبلا معنى. يتحدث الظل: “بلا هذه الوظيفة، أنا لا شيء”، “بدونها، أنا لا شيء”، “ضاع مستقبلي الآن، فقدت الأمل”.
الاكتئاب هو رد الفعل المناسب للفقد أو الأزمات لدى البعض. نغرق تحت وطأة الواقع الجديد، مثقلين بالمشاعر وفقدان المعنى، لكن من المهم أن نتمكن من التقدم ولا نبقى في هذه المرحلة.
هذا ما أسميه أن تكون حاضراً مع ما هو كائن. ليست ردة فعل ضعيفة ومستسلمة، بل التوقف عن محاولة تغيير الوضع أو إصلاحه، ولكن صفة مساعدة على التأقلم مع الواقع الجديد وثقة عميقة في وجود سبب غير مرئي أو مسار ثوري خلف الألم.
اكتشفت أثناء تأملي لهذه المراحل أنها أيضاً تصف خطوات طقس عبور محتمل: دائماً ما يتضمن الفقد التخلي، و المعاناة التي نتكبدها في التخلي عن رابطة وثيقة مع شخص أو شيء أو معتقد نحبه. قد تجبرنا الظروف على التخلي فجأة فنحزن على ما فعلنا. قد نلجأ للإنكار مبدئياً ثم الغضب فالمساومة. وقد نختار التخلي عن وظيفة ما أو مغادرة منزل العائلة ولكن في كل الأحوال يتطلب الفقد التخلي عن واقع سابق وما يحمله من معانٍ وقيم.
الاكتئاب هو فترة حدية نبحر فيها بعيداً عن واقعنا، فترة بين الماضي والمستقبل نفقد فيها هويتنا ومعنى حياتنا، فترة مرعبة ومربكة. و نجد أنفسنا في النهاية مقبلين على واقع آخر: مرضى، أو أرامل، أو متقاعدين، أو مسؤولين عن أحدهم.
ولا تفي كلمة “تقبل” طقس العبور حقه، بينما نجد في كلمة “تجديد” التحول وتقبل الشخص الجديد الذي أصبحنا عليه واكتشاف أرواحنا.
وحتى نحقق تلك الفائدة من الحزن يجب أن نمر بالوعي النقي. فكل خسارة تحررنا من سيطرة الأنا وتحملنا على التضحية. ومع ممارستنا للوعي النقي، نتمكن بسهولة من استيعاب ارتباكنا وحزننا ومن ثم سهولة العودة لمسارنا وتذكر من نكون.
أنا لا أقول هنا أن الوعي بالظل والموت والوعي النقي، شفاء وعلاج للحزن، وإنما وسيلة لأخذنا في رحلة أعمق في الحزن حتى يصبح كالتقدم في العمر، طقس عبور نحو تطور الروح.
المصدر: https://www.psychologytoday.com
ترجمة: بلقيس الصالح
تويتر: @balqees_a_
مراجعة: د. فاتن ضاوي المحنّا
تويتر: @F_D_Almutiri
اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية
اترك تعليقاً