crossorigin="anonymous">
21 سبتمبر , 2021
كان فرويد أول من تمكن من توضيح هذه الفكرة.
كُتب هذا المقال تشريفاً للدكتور سيغموند فرويد بمناسبة الذكرى الخامسة والستون بعد المائة لولادته.
على مدار فترة ممارستي للعلاج النفسي، كثيراً ما يشتكي لي المرضى من أنهم يعانون من الإسقاط النفسي المستمر من قِبل من حولهم سواء أكان زوجاً، صديقاً مقرباً أو فرداً من أفراد العائلة، وغالباً ما يعبرون عنها بقولهم:” كان يُسقط مشاعره عليَّ”، أو “طلبتُ منها أن تتوقف عن إسقاط مشاعرها عليَّ”.
هل تعلم أن فرويد هو من وضع فكرة الإسقاط النفسي؟ تدرب فرويد ليصبح عالم أعصاب، ومن هذا العلم استعار مصطلح الإسقاط، حيث يُشار به إلى قدرة الأعصاب على نقل المؤثرات من مستوى إلى آخر في الجهاز العصبي.
يمارس الناس الإسقاط النفسي طوال الوقت ولا يمكن أن يوصف بالجيد أو السيئ بالمطلق، بل يعتمد ذلك على الصفات المُسقَطة وإذا ما كان مُسقطها منكراً لكونها إحدى صفاته أم لا.
قد يكون الإسقاط النفسي أساس لصفات رائعة كالتعاطف، والكرم، والرومانسية، ولصفات سلبية على حد سواء كالغضب، والجشع، والازدراء.
قد يكون الإسقاط النفسي سبباً في وقوع الناس في الحب وقد يجعلهم يكرهون أيضاً ويلعنون، لكن يشار به في العرف العام إلى الصفات السيئة التي ينكرها الشخص في ذاته وتبدر في نظره من الطرف الآخر.
من السهل أن تلاحظ الإسقاط النفسي حين تراه من الآخرين، بينما إمكانية أن تلاحظه في ذاتك أصعب بمراحل، لماذا؟ لأن الاسقاط النفسي يحدث خارج نطاق الوعي.
غالباً ما نلحظ في الآخرين صفاتنا التي نكره، تلك الصفات السلبية وغير المحبذة، ويحدث كل ذلك بصورة غير واعية.
ونذكر هنا مثال فرويد الكلاسيكي: رجلٌ غير مخلص لزوجته ومع ذلك يتهمها هي بالخيانة. هذا الرجل، والذي سأدعوه هِر إم، يحمل في ذهنه معايير أخلاقية عالية فيرى نفسه رجلاً وزوجاً صالحاً بل ومواطناً مثالياً. بالرغم من الجلد الذاتي القاسي الذي يمارسه بحق نفسه جراء خياناته، إلا أنه لم ينته عن تلك الأفعال. يتنصل هِر إم بدون وعيٍ وينكر حقيقة كونه هو الخائن وهي صفة غير مقبولة بالنسبة له ثم يسقطها على زوجته لتبدو هي بمنظر الشخص السيء.
لا توجد في عقل هِر إم أية رابطة بين خياناته وشكوكه حول زوجته. يسمى هذا أحياناً بالتجزئة في حجرات، حيث يُبقي هِر إم على خيانته في حجرة منفصلة ومغلقة في عقله مما يسمح له بأن يشعر وكأنه إنسان صالح بينما ينخرط في سلوكيات لا يتقبلها.
هنا مثال آخر من خبراتي: لطالما كانت سارة فتاة صالحة، وفي معاييرها فإن معنى الصلاح هو عدم التعبير عن الغضب والعدوانية مطلقاً. تعمد سارة كتم غضبها سريعاً وتحاول قصارى جهدها التعامل بلطف حالما تشعر بالغضب تجاه أحدهم. في حال طلب منها زوجها جيم أن تزيح بريدها جانباً فإنها غالباً ما تُصر بأنه غاضب منها، مما يجعله في حيرة من أمره إذ أنه لم يكن يشعر بالغضب أصلاً. توافق سارة على وضع بريدها جانباً، ثم تنسى فعل ذلك، فيغضب جيم ويحصل فعلاً ما كانت تخشاه.
يعد جنون الارتياب أشد صور الإسقاط النفسي، حيث الخوف من الاضطهاد، الكراهية غير المبررة تجاه شخص أو فئة ما، الغيرة مع غياب أي دليل على الخيانة والإيمان بأن فارس أحلامك بعيد المنال لأي سبب كان يتمنى الوصول إليك كلها نتائج إسقاط المشاعر على شخص آخر. ينطوي جنون الارتياب على إنكار الميول الشخصية والإيمان المطلق بأن تلك الميول إنما مصدرها شخص آخر.
من السهل أن تلاحظ الإسقاط النفسي حين تراه من الآخرين، بينما إمكانية أن تلاحظه في ذاتك أصعب بمراحل.
لن تحتاج لأن تسقط مشاعرك وأفكارك على الآخرين لو كان بإمكانك تقبلها بدلاً من محاولة التخلص منها، بل ستصبح إنساناً أكثر مرونة وتقبلاً للآخرين.
المصدر: https://www.psychologytoday.com
ترجمة: بلقيس الصالح
تويتر: Balqees_a_
مراجعة وتدقيق: زينب محمد
اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية
اترك تعليقاً