ما هو الجراد ولماذا يطير في جماعات؟

ما هو الجراد ولماذا يطير في جماعات؟

7 نوفمبر , 2020

ترجم بواسطة:

روان الرفاعي

دقق بواسطة:

ثريا البرقان

حشود الجراد شكلت تحدياتٍ معقدة على الصعيد الزراعي والاجتماعي والدولي

يتحدث المقال عن الجراد بشكل عام وعلاقته بالمحاصيل الزراعية وكيف يتغير من كونه انطوائي الى اجتماعي يعيش ويتنقل في اسراب واثاره على البشر والأمن الغذائي.

يعد الجراد أكبر فصيلة حشرات من فصيلة الجنادب تواجدًا على الأرض حيث يعيش في كل قارة تقريبًا ويُعرف بنزعته إلى الطيران في جماعات كبيرة هدامة. ولكن قد يعيش الجراد لفترة تمتد لعقود ساكنًا ووحيدًا، وهذه من صفات فصائل الجنادب الأخرى، ولكن يتغير سلوكها عندما تحتشد.

قال عالم الحشرات هوجون سونج من جامعة تكساس إيه آند أم بأن الجراد يملك القدرة على استشعار تصاعد تجمع الجراد الآخر وقال مجاوبًا: ((يصبح الجراد اجتماعيًا أكثر وأكثر انجذابًا لأقرانه، ومعًا يأكلون أكثر ويتطورون تطورًا سريعًا)).

وقال سونج بأنه يجب أن تكون الظروف مناسبة لكي يتمكن الجراد من تكوين الجماعات، فهطول الأمطار المفاجئ مثلًا قد يعزز من تجمع الجراد ويُحدِث فيضانًا يساعد على تجميع الجراد وجذبه أكثر للانضمام للحشود. فالمجموعة الصغيرة ستغدو مجموعة صاخبة مكونة من آلاف أو ملايين أو بلايين الحشود من الجراد، وبسبب هذا التغير الضخم قد يغير الجراد لونه.

 بعض أنواع الجراد تُصبح مهاجرة، تطير لمسافات بعيدة وتقطع الحدود للحصول على الطعام. أكثر أنواع الجراد تدميرًا وأكثرها شهرةً وأيضًا تجرى عليه دراسات باستمرار هو جراد الصحراء.

ايستر نومبي عالمة حشرات في جامعة الينوي في اربانا شامبين تدرس عن الحشرات الزراعية الضارة وانعدام الأمن الغذائي، قالت عن جراد الصحراء: ((مختلفًا عن غيره من الحشرات الضارة (المحلية)، يمكن لجراد الصحراء أن يحتشد ويطير في جماعات مخلفًا منطقة بأكملها خاوية من المحاصيل الزراعية))، فقط بمجرد أن يحط الجراد فوق المنطقة ويمر عليها ويبدأ بالإلتهام. وقالت بأن الأعداد الهائلة من حشود جراد الصحراء قد تكون مدمرة بكل معنى الكلمة بالنسبة للمزارعين الذين يعتمدون على المحاصيل فقط لتحصيل قوت يومهم.

أطوار الجراد: الانتقال من الانطواء إلى الاحتشاد:

هناك ما يقارب ٢٠ نوعًا من الجراد، كلها تمر بنقلة نوعية إذا كانت على مقربةٍ من جراد من نفس نوعها. يتغير الجراد من جرادٍ منطو كما يسميه العلماء، أو ينتقل من مرحلة الانطواء التي يمر بها عندما يكون وحيدًا إلى مرحلة الاحتشاد عندما يجتمع مع أقرانه.

وقال سونج بأن الإشارة التي تنادي للاحتشاد تختلف من نوع لآخر. ووضح سونج بمثال على ذلك بأنه ورغم أن كلا النوعين الذين سنذكرهم تبين أنهما يتجاوبان مع منظر ورائحة الجراد الآخر بعد دراستهم في المختبر، إلا أن جراد الصحراء يدخل مرحلة الاحتشاد بلمسة في أرجله الخلفية، بينما يدخل جيش الجراد الأسترالي مرحلة الاحتشاد عن طريق مستشعراته الحساسة. هذه المحفزات تعزز مستويات مادة السيرتونين وهي المادة الكيميائية نفسها التي تتحكم بمزاج الإنسان.

نسخة “جيكل وهايد”* من الجراد أصبحت مثالًا لظاهرة “تكيفية النمط الظاهري”، والذي يحدث عندما لا يتغير جين الحيوان، ولكن تتغير فسيولوجيته وسلوكه بسبب عوامل خارجية. قال سونج : ((بعض الصفات صفات ثابتة، وبعض الصفات تتغير بسبب البيئة، وهذا شائع بين جميع المخلوقات الحية ومن ضمنهم نحن البشر)).

ووفقًا لسونج، إحدى النظريات توضح سبب تغيير الجراد لأطواره، وهو بأن التغير الذي يحصل قد حصل بسبب تغير البيئة.

كما تغير الشمال الأفريقي من غابة إستوائية إلى صحراء قبل مايقارب ٨ مليون سنة، يمكن للجراد المحتشد المهاجر أن يقفز من واحة خضيرة إلى أخرى، أو يعود إلى طور الانطواء إذا كان الغذاء وفيرًا والحيز فسيحًا في مكان ما.

فهم التركيب الحيوي الأساسي للجراد قد يوجهنا للتعامل مع الجراد كحشراتٍ زراعيةٍ ضارة، ولكنه أيضًا يلعب دورًا في الجدل التقليدي الدائم بين دور الطبيعة والتنشئة – أو المواد الجينية والبيئة – في بناء الأفراد.

جيش الجراد:

يتواجد الجراد في جميع القارات باستثناء انتاركتيكا. جراد جبال روكي في أمريكا الشمالية قد انقرض قبل قرن، ولكن بعض أنواع الجراد بقي في المكسيك.  تبعًا للنوع  يمكن لحشد الجراد الطائر أن يسافر لمئات الأميال بحثًا عن الطعام.

ومثال على ذلك، وفقًا لناشونال جيوغرافيك سافر حشد من الجراد عام ١٩٨٨ من شرق أفريقيا إلى البحر الكاريبي في رحلة مسافتها أكثر من ٣١٠٠ ميل (٥٠٠٠ كيلومتر) في عشرة أيام فقط.  قال مدير مبادرة الجراد العالمية في جامعة ولاية أريزونا أريان كيس بأنه وبما أن للجراد القدرة على قطع هذه المسافات فهو “بطل قاري” إلى جانب كونه حشرة زراعية ضارة. التعامل ومراقبة الجراد الدقيقة يتطلب تعاونًا دوليًا.

قال سونج بأن الجراد يتغذى على الأعشاب، ولكن هناك بعض التقارير التي تشير إلى أن الجراد قد يتغذى على مثيله (جراد من نفس فصيلته) إذا واجه شحًا في غذائه. يمكن للجراد أن يأكل كميةً من الأعشاب تساوي كتلة وزنه أي تقريبًا ٠,٠٧ أونصة فقط (٢ جرام). ولكن أكبر حشد من الجراد، والذي يعرف بجيش الجراد، بعدده الذي قد يصل إلى البلايين بإمكانه مجتمعًا أن يستهلك كمية هائلة من النباتات أي يمحي تعب شهور من الزراعة عند مروره، مخلفًا وراءه تأثيرات سلبية طويلة المدى على صحة منطقة بأكملها وتحصيلها المالي.

مثال على ذلك ووفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، فإن جيشًا من جراد الصحراء قد احتشد بداية في غرب أفريقيا عام ٢٠٠٣ واستمر حتى عام ٢٠٠٥ وقد أثر على ٢٢ دولة حيث أقرت الدول بأنه قد قضى على أكثر من ٨٠٪؜ من محاصيلها الزراعية. تناقص عدد جيش الجراد أخيرًا مطلع عام ٢٠٠٥، وكان مقدار الجهود المبذولة لإصلاح الخراب قد وصلت إلى نصف بليون دولار.

قالت سيس، بأن بعض فصائل الجراد كجراد الصحراء يعيش غالبًا في البرية. مراقبة التفشي الصغير لمجموعات الجراد قد يساعدنا على التحكم بالمشكلة وذلك بقمع الجراد قبل أن يحتشد ويكون جيشًا منه يكفي لإحداث كارثة في دولة واحدة أو عدة دول.

 بعض الجراد كالجراد السينغالي بإمكانه أن يعيش في المناطق الزراعية حتى وإن كان في طور الانطواء. قالت سيس بأن الحرص والانتباه قد يثبط الجراد عن الاحتشاد، وذلك بانتقاء المحاصيل بعناية ومعرفة كيفية زراعتها، والتحكم بالمواد الغذائية في التربة.

مع عدة أجيال من جيوش الجراد المحتشدة قد يستمر الجيش لسنين عندما يكون في أوج طاقته، ولكن أسوء أنواع الجيوش نادرة، وبعض الفصائل قد تستمر لعقود محدثة أضرار هائلة، ولكن يقول الخبراء بأن هذا الاستمرار قد يعطينا التحدي للاستعداد للكارثة وذلك لأن الاحتشاد إذ لم تستمر مشكلته لسنوات فليس احتشادًا مقلقًا فعلًا.

كيف يؤثر الجراد على البشر

رغم أن الاحتشاد لا يحدث إلا نادرًا، إلا أن الإنسان يرى الجراد كحشرة ضارة مثيرة للخوف تؤدي إلى حدوث كوارث طبيعية. بالرغم من أن الجراد لا يأكل الإنسان، إلا أن الأنسان يأكله، فالجراد يمكن أكله والعديد من المطابخ حول العالم لديها أطباق تحتوي على الجراد، كالجراد المحشو بالفول السوداني في كمبوديا. لأن فلاحي اليوم يستخدمون المبيدات الحشرية لحماية محاصيلهم الزراعية فتناول الجراد قد يكون ضارًا نظرًا لاحتمالية احتواءه على بقايا تلك المبيدات.

دائمًا ما يخلط الناس بين الجراد والزيزان الدورية، وهي نوع آخر من الحشرات تظهر كجماعات كل فترة. رغم أنها تسمى جرادًا إلا أنها ليست من فصيلة الجراد أو حتى الجنادب. وفقًا للاتحاد الوطني للحياة البرية، يتزامن خروج الزيزان الدورية من الأرض كل ١٣ أو ١٧ سنة وفقًا لنوع الزيزان.

في هذا العصر الذي يعصف فيه التغير المناخي بالإنسان، حذر العلماء من تصاعد خطر احتشاد الجراد. لم يتضح بعد تأثير التغير المناخي على الجراد، ولكن الجراد يعد حشرة مقاومة، لذا حذر بعض العلماء من تصاعد حدة احتشاد جيوش الجراد إذا وجدت دائمًا الظروف المهيئة للاحتشاد.

 على سبيل المثال ووفقًا لناشونال جيوغرافيك، فإن زيادة الأعاصير- والتي تدفع الجراد للاحتشاد- في أفريقيا الشرقية والجزيرة العربية قد يرفع أعداد الجراد. أخبر  نومبي لايف ساينس: ((مع التغير المناخي سيصبح الجراد قوةً معتبرة)).

قال نومبي بأن من سيجلب لنا أسوء النتائج هم الأشخاص الذين لا يكترثون كثيرًا للتغير المناخي، كالفلاحين غير المطلعين والأشخاص الذين يعيشون في المناطق الريفية. وبما أن الجراد قد يعيث في المحاصيل فسادًا، فالقلق من انعدام الأمن الغذائي حقٌ لنا.

قالت سيس بأنه وبالرغم من أن الانسان عاصر الجراد لآلاف السنين إلا أن هناك العديد من الأسئلة التي لا نعرف إجابتها عن كيفية تأثير أفعال الإنسان على احتشاد جيش الجراد. وتساءلت: ((كيف يتفاعل النظام الاجتماعي مع النظام الطبيعي؟)).  تهدف أبحاث المبادرة العالمية للجراد متعددة التخصصات لإيجاد حلول لمواجهة التحدي العالمي لاحتشاد الجراد، ورفع

كفاءة الاستقرار الغذائي حول العالم.

ملاحظة:*جيكل وهايد هي إحدى الروايات القصيرة، في الإنجليزية العامية جملة جيكل وهايد تعني أشخاص بشخصية مزدوجة.

المصدر: https://www.livescience.com

ترجمة: روان الرفاعي

 مراجعة: ثريا البرقان


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!