الجلوكوز

الجلوكوز

22 مارس , 2016

جلوكوز.psd

 الجلوكوز : جزيءٌ ينبض بالحياة

كثيراً ما نسمع بالجلوكوز وأهميته لنا وأحياناً أخرى لربما سمع أحدنا بعلاقته السيئة مع السكري، أليس كذلك؟!

إننا كبشر، نحتاج جميعاً إلى الطاقة التي تمكننا من إتمام أعمالنا اليومية ابتداءً من المعقد منها وحتى البسيط والأمور الغير محسوسة في أجسادنا من تنظيم المسارات الأيضية، والسيالات العصبية وغيرها الكثير. وهنا، يأتي دور الجلوكوز لكونه المصدر الرئيسي لكل تلك الطاقة والعمليات الضرورية في حياتنا ولأجسادنا، وسنستعرض لكم في هذا المقال الجلوكوز كجزيء مستقل ودوره الأساسي وأهميته للجسد البشري بشكل خاص.

أولاً: ما هو الجلوكوز (Glucose):

الجلوكوز هو عبارة عن مركب حلقي عضوي يتكون من ستة ذرات من الكربون، وهو أحد أكثر أشكال السكريات الأحادية (البسيطة) انتشاراً وشيوعاً، وهو المصدر الأساسي والأولي للطاقة المخزونة في 421326975_7649302387136441387الجسم , يتصف الجلوكوز كبقية إخوته من السكريات البسيطة بحلاوة طعمه، وبقابليته للذوبان في الماء نتيجة لوجود عدد كبير من مجاميع الهيدروكسيل (-OH) ومجموعة الكربونيل القطبية, والجلوكوز يُعرف أيضاً بـ(سكر الدم) نظراً لتواجده في مجرى الدم، لذلك عندما يريد الأطباء فحص مستوى السكر لديك فإنهم سيقومون بأخذ عينة من دمك وتحليل مستوى سكر الجلوكوز المتواجد فيه. بالإضافة لذلك، فعندما تنتهي من تناول وجبتك ستجد بأنّ مستوى الجلوكوز لديك قد ارتفع أكثر مما كان عليه سابقاً ولكن بشكل طفيف؛ وبالتالي ستجد بعد برهة من الزمن أنك قد استعدت جزءاً من طاقتك أكثر. ويتراوح مستوى الجلوكوز لدى الإنسان السليم عند صيامه عن الأكل ما بين 70-99 مليجرام من الجلوكوز لكل ديسيلتر من الدم، بينما يكون ما بين 70-145 مليجرام/ديسيلتر بعد مرور ساعتين من تناول وجبة الطعام. ونستطيع الحصول على كميات عالية من الجلوكوز مباشرة عن طريق بعض الأطعمة الطبيعية مثل: العسل، والعنب والتين.

وعندما نتحدث عن سكر الدم فبلا شك سوف نتحدث أيضاً عن رفقائه من الهرمونات والتي تتحكم بمستواه في أجسامنا: الأنسولين، الجلوكاجون، الإيبنفرين (أو الأدرينالين)، وأخيراً الكورتيزول.

ثانياً: الجلوكوز والهرمونات المتحكمة به:

كما ذكرنا سابقاً، فإنّ من يقوم بالتحكم بمستويات الجلوكوز لدينا في الدم هي مجموعة من الهرمونات تتمثل في أربعة هرمونات: هرمون الإنسولين (Insulin)؛ وهو عبارة عن هرمون يُفرز من قبل البنكرياس عند ارتفاع مستوى الجلوكوز في الدم ويحافظ على مستوى معين له؛ وذلك عن طريق آلية معينة تتمثل في إرساله لإشارات لأنسجة الكبد والعضلات والأنسجة الدهنية على وجه الخصوص، تقوم هذه الإشارات بتنبيه الأنسجة الآنف ذكرها بأنّ مستوى الجلوكوز ارتفع في الدم فوق الضروري؛ وكنتيجة لذلك، تقوم خلايا هذه الإنسجة بأخذ الفائض من الجلوكوز من الدم وتحويله بعد ذلك لمخزون من الجلوكوز يدعى بالجلايكوجين (Glycogen) والذي يقوم الجسم بإستهلاكه أثناء حاجته للطاقة، وأيضاً إلى مركب ثلاثي الجليسريد (ترايجليسرايد- Triacyleglycerol) والذي يدخل في تصنيع المركبات والسلاسل الدهنية.

أما الهرمون الثاني المسؤول أيضاً عن التحكم بمستوى الجلوكوز في الدم هو الجلوكاجون (Glucagon)؛ والذي يقوم البنكرياس بإفرازه عند إنخفاض مستوى الجلوكوز في الدم ليقوم الجلوكاجون بعد ذلك بإرسال إشارات إلى الأنسجة السابق ذكرها: الكبد، العضلات، والأنسجة الدهنية، لتقوم هذه الأنسجة بالمقابل بإنتاج الجلوكوز عن طريق تكسير الجلايكوجين المخزن مسبقاً في الكبد والعضلات، بالإضافة إلى إنتاج الجلوكوز عن طريق آليتين أخريين وهما: دورة إستحداث (تصنيع) الجلوكوز (الجلوكونيوجينسز-Gluconeogenesis)، وعملية تكسير الدهون للحصول على الأحماض الدهنية ومن ثُمّ أكسدتها (Fatty acid Oxidation) لتقليل إستخدام الجلوكوز المتبقي.

الهرمون الثالث هو الإيبينفرين (الأدرينالين- Epinephrine/ Adrenaline)؛ والذي يُفرز عن طريق الغدة الكظرية الواقعة فوق الكلية، ويتم إفرازه في الدم لتجهيز العضلات، والرئتين، والقلب للإندفاع المفاجئ للنشاط. ويكون ذلك عبر زيادة مستويات سكر الجلوكوز في الدم، زيادة تدفق الدم للعضلات، زيادة نبض القلب، وانقباض الأوعية الدموية.

أما الهرمون الرابع والأخير هو الكورتيزول (Cortisol)؛ والذي تفرزه قشرة الغدة الكظرية عند حالات الضغط النفسي الشديدة من توتر وخوف وألم وما نحوها، وكذلك عند الضغوط الجسدية كاصابة اي نسيج جسدي إصابة بليغة, أو عند الإصابة بالحروق, أو إصابات الرأس وغيرها. يقوم هذا الهرمون بالتأثير نفسه التابع للجلوكاجون والإيبينفرين حيث يقوم بزيادة إنتاج الجلوكوز وزيادة معدله في الدم ليقوم الجسم بتحمل الضغوطات النفسية عن طريق ذات الآليات المستعملة.

ثالثاً: ماذا يحدث للجلوكوز عندما يدخل جسم الإنسان؟

حينما يتناول الإنسان الطعام، فإنّ هذا الطعام سيتمّ تكسيره إلى مكوناته الأساس من بروتينات وكربوهيدرات ودهون. وعندما نتحدث عن الكربوهيدرات؛ فستقوم مجموعة من الإنزيمات المتخصصة بتكسيرها إلى وحدتها الأساس: وهي الجلوكوز. وللجلوكوز -كجزيءٍ مستقل بذاته- عدة طرق للإستفادة منه بواسطة خلايا الجسم: ستقوم هذه الخلايا أولاً بتكسير الجلوكوز للإستفادة منه في إنتاج الطاقة والحرارة للجسم، وبعدها ستقوم بتخزين الفائض منه على هيئة جلايكوجين في الكبد والعضلات لحين الحاجة لإستخدامه. وهنا سوف نتطرق لكيفية إنتاج الطاقة من الجلوكوز.

يدخل جزيء الجلوكوز في عملية التنفس الخلوي (Cellular Respiration) المنتجة للطاقة والتي تشتمل على ثلاث مراحل رئيسية:

1- مرحلة تكسير الجلوكوز (Glycolysis) والتي تحدث في السيتوبلازم للخلية وعندها:

  1. سيتم إنتاج قدر بسيط من جزيئات الأدينوسين ثلاثية الفوسفات (Adenosine Tri-Phosphate –ATP-) والتي تحمل قدراً كبيراً من الطاقة الناتجة عن أيض العديد من المركبات ومن بينها الجلوكوز.
  2. بالإضافة إلى جزيئين من المرافق الإنزيمي أدينين نيكوتين الأميد ثنائي النيوكليوتيد (Nicotinamide Adenosine Dinucleotide –NADH-) واللذان يعملان كنواقل للإلكترونات والتي تنتج الطاقة بدورها لاحقاً.
  3. وجزيئين من حمض البيروفيك (Pyruvic acid or Pyruvate) واللذيْن سيدخلان في مرحلة مؤقتة تتوسط هذه المرحلة والمرحلة التالية: سيتمّ إدخالهما إلى الميتوكوندريا حيث سيُنزع منهما جزيئين من ثاني أكسيد الكربون (Carbon Dioxide CO2) ليتحوّلا بعد ذلك إلى:
    • جزيئين من أسيتل مرافق الإنزيم-أ (Acetyl Coenzyme A or Acetyl CoA) والذي يعتبر الجزيء الأهمّ والأساس في بدء دورة كربس، ويمكن أيضاً الحصول على الأسيتل مرافق الإنزيم-أ عن طريق أكسدة الأحماض الدهنية في الميتوكوندريا.

2– المرحلة الثانية هي دورة كربس (Krebs’s Cycle) الشهيرة والتي تُنسب للعالم هانز كربس الذي إكتشف هذه الدورة. وتعرف أيضاً بإسمين آخرين وهما دورة الحموض ثلاثية الكربوكسيل (Tri-Carboxylic Acid Cycle or TCA Cycle) وأيضاً دورة حمض الستيريك –أو حمض الليمون- (Citric Acid Cycle). تعتبر هذه الدورة محور الأيض بشكلٍ عام؛ حيث تحتوي على مسارات خاصة بتحطيم الجلوكوز والأحماض الأمينية والأحماض الدهنية والكثير من المركبات الأخرى. ليس هذا فحسب، بل إنها تشمل أيضاً على مسارات بنّاءة حيث يتمّ بناء وتخزين العديد من المركبات كالسكريات والبروتينات والدهون. تحدث هذه الدورة في رحم الميتوكوندريا. تبدأ هذه الدورة حينما يتحول جزيء الأسيتل مرافق الإنزيم-أ إلى جزيء من حمض الستريك (Citrate) والذي سيتحول إلى مركبات أخرى من خلال عملياتٍ مختلفة حتى يُنتج لنا في النهاية جزيء من النيوكلوسايد ثلاثي الفوسفات الغني بالطاقة، وثلاثة جزيئات من أدينين نيكوتين الأميد ثنائي النيوكليوتيد (NADH) والتي تحمل قدراً كبيراً من الطاقة، وجزيء من فلافين-أدينين ثنائي النوكليوتيد (FADH2) والذي يعمل كمرافقٍ للإنزيم ويحمل قدراً من الطاقة بالإضافة لعمله كناقل للإلكترونات كنيكوتين الأميد ثنائي النوكليوتيد في المرحلة الأخيرة من هذه العملية؛ وهي سلسلة نقل الإلكترونات (Electron Transport Chain –ETC-) المنتجة للطاقة.

3– المرحلة الأخيرة هي سلسلة نقل الإلكترونات (Electron Transport Chain –ETC-) المنتجة للطاقة. تحدث هذه العملية في الغشاء الداخلي للميتوكوندريا حيث سيتمّ أكسدة نواقل الإلكترونات: NADH و FADH2 بحيث ستنتقل الإلكترونات من هذه النواقل عبر الغشاء الداخلي للميتوكوندريا؛ وبالتالي تؤثر في صنع وسط قاعدي في المسافة بين الغشائين الداخلي والخارجي الذي يصنع ما تسمى بـ قوة حركة البروتونات (Proton-Motive Force) التي تقوم بإمداد الإنزيمات الخاصة بتصنيع مركبات الطاقة (ATP) بالطاقة اللازمة لبدء التصنيع.

رابعاً: أهمية الجلوكوز للدماغ:

إنّ الدماغ يعتمد بشكل شبه تام على الجلوكوز في القيام بوظائفه الطبيعية؛ وعندما يتضاءل معدل الجلوكوز عن الطبيعي في جسمك فستشعر بفقدان التركيز نوعاً ما وذلك لقلة إمداد الدماغ بالجلوكوز وإعتماده على مصدر آخر وهي جزيئات أجسام الكيتون المصنّعة غالباً من الأحماض الدهنية والتي تستطيع، كالجلوكوز، عبور الحاجز الدموي الدماغي ومن ثمّ تصنيع أسيتل مرافق الإنزيم-أ ومن ثمّ البدء بدورة كربس وهكذا، وهذا يفسّر ما نمر به أثناء فترة الصيام من صعوبة القيام بأعمال تتطلب تركيزاً شديداً كالدراسة على سبيل المثال. أمّا عند النقص الحاد كما في حالات المجاعة فمن الممكن أن يدخل الإنسان في حالة من الغيبوبة عندما تنضب عنه كلا المصدرين: الجلوكوز وأجسام الكيتون. حينها، لا يصبح لدى الدماغ أيّ مصدرٍ للحصول على الطاقة التي تمكنه من القيام بوظائفه الهامّة، مما سيؤدي مباشرة للغيبوبة، ومن ثمّ –إن لم يتمّ إنقاذ المريض- إلى الموت.

خامساً: الأمراض الناتجة عن اختلال مستويات الجلوكوز:

  • ارتفاع نسبة الجلوكوز في الدم بشكلٍ غير طبيعي هي حالة تُعرف علمياً بإسم (هايبرجلايسيميا- Hyperglycemia) وتُعتبر علامةً مميزة للعديد من الحالات: مثل داء السكري بنوعيه الأول والثاني، كذلك تُعتبر مؤشراً على مقدمات داء السكري ويمكن أن تؤدي أيضاً لحدوث حالة زيادة أجسام الكيتون في الدم (Ketoacidosis) والتي تؤدي زيادتها إلى زيادة حموضة الدم. هناك العديد من العوامل المسببة لهذه الحالة؛ منها داء السكري وهو السبب الشائع لحدوثها غالباً، أيضاً إلتهاب البنكرياس، ومتلازمة كوشينغ (فرط نشاط قشرة الغدة الكظرية)، وسرطان البنكرياس، والأورام المفرزة للهرمونات بشكلٍ غير طبيعي، وبعض الأدوية. ويمكن معرفة إن كان الشخص يعاني من ارتفاع نسبة الجلوكوز في دمه عن طريق بعض الأعراض المتضمنة: العطش الشديد، والتبول المتكرر.
  • انخفاض معدل الجلوكوز في الدم عن الطبيعي يُعرف بإسم (هايبوجلايسيميا- Hypoglycemia)، وهي حالة صحية تحدث أحياناً لمرضى داء السكري من كلا النوعين. تحدث هذه الحالة كنتيجةٍ جانبية لبعض أدوية داء السكري حيث تقوم بتخفيض معدل السكر في الدم أحياناً تحت المعدل المفترض، وهناك أيضاً بعض العوامل الأخرى النادرة؛ كالأورام المنتجة للإنسولين، وبعض الأدوية الأخرى. ويمكن معرفة ما إذا كان الشخص يعاني من إنخفاض في جلوكوز الدم عن طريق الأعراض التالية: التعرق الشديد، الإرتعاش، التوتر، الجوع الشديد، الضعف، الخفقان.

 

المراجع:

١كتاب ليننجر: أساسيات الكيمياء الحيوية

(Lehninger: Principles of Biochemistry)

٢كتاب ليبنكوت للكيمياء الحيوية

(Lippincott: Biochemistry)

٣كتاب Biochemistry for dummies

٤موقع Webmed

٥موقع المكتبة الوطنية للطب (National Library of Medicine)

٦موقع PopMed

شارك المقال

اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!