حقيقة الزمان و المكان

حقيقة الزمان و المكان

2 يونيو , 2015

زمان ومكان

يمكنك الاستماع لهذه المقالة عبر:

https://soundcloud.com/n-scientific/sol4pmjugvy4

 

منذ أول لحظةٍ أدرك فيها الإنسان الحركة المنتظمة للشمس والنجوم، أدرك أيضًا أن هناك وقتٌ يمضي. البشر ما قبل التاريخ سجلوا المراحل التي يمر بها القمر، وكانت وسيلة التسجيل هذه أداةً يمكن بواسطتها ملاحظة مرور الوقت.

الرياح الموسمية والأمطار، الفيضانات، ازدهار الأشجار والنباتات، دورات التكاثر أو هجرة الحيوانات والطيور، وجميع الانقسامات الطبيعية، ربط كل هذه الأحداث مع مرور وتحركات النجوم، أدى إلى فهم الوقت بشكل أكبر.

الشمس “نجم الحياة” تتحرك عبر السماء، الظل الناجم عن حركتها وتغير اتجاهه وطوله يعبر عن مرور الوقت، على هذا الأساس تم اختراع المزولة الشمسية، وهي آلة بسيطة تقوم بإظهار ظل الشمس وحركته لقياس طول اليوم. وقد لوحظ بسرعة أن طول اليوم يتغير في أوقات مختلفة من السنة. ولم يتم اكتشاف أسباب هذا الاختلاف إلا بعد قبول علماء الفلك حقيقة أن الأرض تنتقل حول الشمس في مدار بيضاوي الشكل، وأن محور الأرض يميل بنحو 26 درجة. عبر الزمن حاول الإنسان أن يبحث ويدرك الوقت ويحسبه بدقه (خاصة أن المزولة لاتجدي أثناء الليل) وهناك عدة أمثلة من استخدام الشمع في الصين، إلى استخدام الزجاج المملوء بالرمل، مرورا بالمصريين القدامى وغيرهم الذين استخدمو الساعه الفلكية المائية، وأخيراً الساعة الميكانيكية إلى الساعة الذرية في عصرنا الحالي. عبر التاريخ حاول الإنسان ومازال يحاول أن يحسب الوقت ويُعبِّر عنه من خلال ساعات اليوم، الأسابيع، الشهور، والسنوات لكي يربط الأحداث بأوقات حدوثها ويعطي لكل منها بُعدًا زمنيًا مسجلًا في ذاكرة التاريخ.
image

نحن ندرك الوقت في ثلاث قوالب: الماضي، الحاضر، والمستقبل. هذه القوالب الثلاث تساعدنا على فهم ظاهرة الوقت. عندما تقرأ هذه الجملة فأنت في الحاضر لكن بمجرد أن تنتهي فإن استيعابك للجملة التي قرأتها إن كنت فهمتها أو لم تفهمها مبني على الماضي. أما المستقبل فهو حالة خاصة، لأنه لا يمكنك تذكر المستقبل لكن ربما بإمكانك التنبؤ به، مثلا سوف تقوم باتخاذ قرار أنك سوف تعيد قراءة الجملة مرةً أخرى كي تستوعبها وتفهمها أو لا، إن أعدت قراءة الجملة فقد قررت في حاضرك أن مستقبلك سيكون في إعادة قراءة الجملة، فأنت لا تستطيع إعادة الماضي لأن الوقت يمضي فقط إلى الأمام، هكذا يمضي ويتدفق الوقت بسلاسة. الماضي هو حالة ثابتة لكن الحاضر والمستقبل القريب مفتوح فقط الى الأمام. هذا الهيكل تم بناؤه في أول لحظةٍ بعد الانفجار العظيم حيث أصبح للوقت وجود وتأصل حتى في اللغة والفكر والسلوك.
image

الحاضر هو أكثر وقت يمكن اعتباره حقيقيًا، لكنه لحظةٌ عابرة تنحصر في نقطة متناهية الصغر على الخط الزمني. الحاضر نشعر به في تلك اللحظة الصغيرة التي يقوم بتسجيلها وتوثيقها الوعي العقلي.عندما يذهب شخص ما إلى حفلة لكنه بحال من الأحوال قرر أن يغفو داخل الحفلة وطالت هذه الغفوه إلى إنتهاء الحفلة، فإن هذا الشخص سيعتبر أحداث الحفلة غير موجودة في ماضيه لأنه لم يكن واعٍ بها. أي حدث يستغرق قليلًا أو كثيرًا من الوقت يحتاج الوعي والإدراك كي يدخل إلى ذاكرتنا. لعلنا نسأل هنا، هل يشعر ويدرك “الكون” بالوقت؟! الجواب نعم، لأن الطريقة التي نشأ بها الكون وتكونت بها المجرات وأيضًا اكتشاف العالم هابل أن الكون يتمدد مبتعدًا إلى مالانهاية، معناها الوحيد أن الكون نشأ في لحظة كان فيها متجمعًا في نقطه متناهية الصغر، والوقت لم يكن له أي معنى. إذا قمنا بإعادة الشريط الكوني وسهم الزمن إلى الوراء سنرى كيف تكونت المجموعة الشمسية، النجوم، المجرات، والحشد المجري إلى بداية الوقت. إدراك الإنسان للزمن والكون يعتبر كما قال عالم الفلك الشهير كارل ساجن هو فقط طريقة ليتعرف بها الكون على نفسه، لأن كل ذرة في جسم الإنسان كان مصدرها الأساسي تلك المصانع الضخمة والمفاعلات النووية العظيمة، النجوم.

تماما بعكس الحاضر، فالماضي وكذلك المستقبل قابلان للقياس. الأحداث الماضية كلها استغرقت وقتًا، ومسجلة في ذاكرتنا مثل المواد المسجلة على الشريط. أما بالنسبة للمستقبل فيمكننا التنبوء بالوقت الذي سوف تستغرقه بعض الأحداث. المستقبل هو الإسقاطات التي أنشأتها التجارب السابقة المخزنة في ذاكرتنا. حقيقة أن الشيء الوحيد الذي نشعر به في الخط الزمني هو الحاضر الذي لا يمكننا قياسه، في حين أن الماضي الذي لايمكن الوصول إليه والمستقبل البعيد يمكن قياسهما، تشير بقوة إلى أن الطريقة التي ننظر بها إلى الوقت هي عبارة عن وهم.

هل هناك ساعة كونية واحدة؟
الإجابة لا، الوقت ليس مطلقًا. لفهم ذلك يجب أن ننتقل إلى العصور الأولى ونرى كيف تطورت النظريات بشأن المكان والزمان. في البداية، اقترح أرسطو أن الحالة الطبيعية للجسم هي أن يكون في راحة ويبدأ بالتحرك فقط عندما يتأثر بقوى خارجية. ويترتب على ذلك أنه إذا تم إسقاط جسمين أحدهما ثقيل والآخر أقل وزنًا، فإن الجسم الأثقل سوف يسقط أسرع نحو الأرض. لكن في وقت لاحق أثبت غاليليو أن هذا الاعتقاد خاطئ، ولاحقًا اقترح نيوتن له ثلاثة قوانين على أساس تجارب غاليليو. اقترح أن الحالة الطبيعية للجسم ألا يكون في سكون بل في حركة وعندما يتأثر بقوى خارجية، فإنه يبدأ بالتسارع، ويترتب على قوانين نيوتن أنه لايوجد معيار فريد للسكون. دعونا نقول على سبيل المثال: قطار يتحرك بسرعة ١٠٠ كم في الساعة ويمر بجانب عامود كهربائي، يمكننا القول بكل اقتناع أن العامود كان ساكنًا والقطار هو الذي يتحرك أو القطار في حالة سكون والعامود الكهربائي هو الذي يتحرك بمعدل ١٠٠ كم في الساعة (بالنسبة لشخص داخل القطار)، لذلك لا نستطيع أن نقول أيهما في حالة سكون. لأنه لشخص ما داخل القطار، هو وكوب القهوة فوق الطاولة في حالة سكون وأعمدة الكهرباء هي التي تمر مسرعة بجانب نافذته، لكن لشخص ما خارج القطار فإن الشخص الذي داخل القطار هو الذي يتحرك، مما يعني أنه لا يمكننا تعيين أي حدث على أنه مطلق المكان، وهذا يعني المكان ليس مطلقًا.

رغم اقتناع العلماء أن المكان ليس مطلقًا، إلا أنه لا يزال يُعتقد أن الوقت كان مستقلاً تمامًا عن الفضاء(المكان)، ويمكن للمرء قياس الفترة الفاصلة بين حدثيين في الفضاء بشكل لا لبس فيه. في عام 1676م، جاء رومر باكتشافه الكبير الذي يقول أن الضوء يسافر بسرعة متناهية وتم احتسابها على أأنها ٢٢٥٣٠٨.٢ كيلومتر في الثانية الواحدة، ولكن في وقت لاحق قام ماكسويل بقياسها بدقة أكبر على أنها تقريبا ٣٠٠٠٠٠ كم في الثانية الواحدة، أي أن الضوء يسافر بسرعة متناهية، والأهم بسرعة ثابتة. هنا يأتي الجزء الأكثر إثارة للإهتمام، إذا كانت سرعة الضوء ثابتة، فإن الضوء يجب أن يسافر بشكل نسبي إلى شيء ما في السكون، ما هو؟ بشكل مبسط، السيارة تسير بسرعة معينة بالنسبة للشارع، الأرض تسير بسرعة ٣٠ كم في الثانية بالنسبة للشمس، الشمس تسير بسرعة ٢٣٠ كم في الثانية بالنسبة للثقب الأسود في قلب مجرة درب التبانة. لكن السؤال الأهم هنا، فوتونات الضوء تسير بسرعة ثابته بالنسبة لماذا؟
جاء العلماء بحل ينقذهم من هذه المشكلة بمادة تدعى “الأثير”، حيث قالوا أن هذا الأثير يوجد في كل مكان وفي حالة سكون. لكن لاحقًا لاكتشاف ماهية الأثير واختبار سرعة الضوء قام العلماء بعدة تجارب. أنجح تلك التجارب كانت بمثابة الضربة القاضية للأثير، تم قياس الوقت اللازم لومضة من الضوء من مصدر ثابت لكي تصطدم بجسم متجه بسرعة معينة تجاه مصدر الضوء وأخرى مبتعدة بسرعة معينة عن مصدر الضوء، المثير للصدمة، أنهم وجدو أن سرعة الضوء ثابتة في كلتا الحالتين. أي أنه لو كان الأثير موجود فعليا لكانت سرعة الضوء مختلفة. لكن من السخرية، حتى الآن مازلنا نسمع تلك الجملة الغير صحيحة في أغلب البرامج، خاصةً في البرامج الإذاعية حين يقوم المذيع بقول “وننتقل عبر الأثير”!!!
هنا وفي تلك المرحلة الصعبة والمهمة جاء ألبرت آينشتاين بنظريته النسبية الخاصة، التي تقوم على أساس أن الوقت أيضًا ليس مطلقًا، وهنا تبين بشكل واضح أنه لا حاجة للأثير بعد الآن. وهذه النتيجة الرائعة التي أتت بها النسبية أحدثت ثورة في مفهوم المكان والزمان. في نظرية نيوتن، إذا تم إرسال ومضة من الضوء من مكان إلى آخر، فإن مراقبين مختلفين سيتفقون على الوقت الذي أخذته الرحلة ( لأن الزمن بالنسبة لنظرية نيوتن “مطلق”)، ولكن لن يتفقوا على المسافة التي قطعها الضوء ( لأن المكان ليس مطلق)، مما يعني أن المراقبين المختلفين سيقومون بقياس سرعات مختلفة للضوء.
لكن في النسبية الخاصة، من الناحية الأخرى، يجب على جميع المراقبين الذين في حركة ثابتة بالنسبة لأحدهما الآخر أن يتفقوا على سرعة الضوء. لكنهم لا يتفقون على المسافة التي قطعها الضوء (نظرا لأن المكان ليس مطلق)، وكذلك يجب ألا يتفقوا أيضًا على الوقت الذي استغرقه الضوء ليقطع تلك المسافة. وبعبارة أخرى، فإن النظرية النسبية وضعت حدًا لفكرة الزمن المطلق، وهو ما يعني أن قياس الوقت بين أي حدثين في “المكان” من قبل ساعتين متطابقتين لن تتوافق بالضرورة. يجب علينا أن نقبل ذلك الواقع الذي يبين لنا أن الوقت ليس مستقل تماما عن الفضاء، ولكن تم الجمع بينهما في النظرية النسبية الخاصة لتشكيل النسيج الكوني المسمى ب “الزمكان”.

image.

لماذا لا نشعر أو نحيط بالنظرية النسبية الخاصة في حياتنا اليومية؟
قبل أن نشرح بشكل مبسط ماهي النظرية النسبية الخاصة، يجب علينا أولاً أن نؤكد لقرائنا الأعزاء أن عدم شعورنا وإدراكنا لأهمية هذه النظرية في حياتنا اليومية ليس إلا بسبب محدودية إدراكنا للمقاييس التي تظهر فيها آثار هذه النظرية في حساب الوقت والمكان. المقاييس التي ندركها ونستشعرها يوميا محدودة جدا، لأن تجاربنا محدودة جدًا مقارنةً بحدود المقاييس اللانهائية بالنسبة للأحجام، الأوزان، الأطوال وأخيرًا بالنسبة للسرعة.
تعتمد نظرية آينشتاين “النسبية الخاصة” على الطبيعة الخاصة للضوء، وهي أن سرعة الضوء ثابتة ولا تتغير سواءً كان مصدر الضوء ثابتًا أو متحركًا. لذلك، بسبب أن الضوء يسير بسرعة ثابتة دائماً، إذا احتاج الضوء أن يسافر لمسافة أبعد فإنه يحتاج وقتًا أطول لكي يصل إلى ذلك المكان.
إذا كان هناك شخصين في عربة القطار وتفصل بينهما مسافة، أحدهما في أول العربة والآخر في آخرها، وكلاهما مواجه للآخر، وفي منتصف تلك المسافة التي تفصل بينهما مصدر للضوء غير مضيء. إذا كان هناك شخص ما خارج القطار “مراقب” وكان القطار يسير تقريبا بسرعة مقدارها ٨٠٪ من سرعة الضوء في اتجاه يمين الصفحة ( اخترنا هذه السرعة لأن تأثيرها في هذا المثال سوف يكون أكثر وأوضح من أقصى سرعة يعيشها الإنسان في حياته اليومية). إذا تمت إضاءة مصدر الضوء فإن المراقب يرى الضوء يصل للشخص المواجه لاتجاه حركة القطار قبل أن يصل للشخص الآخر المواجه لعكس اتجاه حركة القطار. السبب هو أن سرعة الضوء ثابتة لكن المسافة التي تفصل الشخص الذي يواجه اتجاه حركة القطار ومصدر الضوء تقلصت بسبب توجه الشخص إلى المكان الذي صدر منه الضوء. بينما الشخص الآخر، فإن المسافة بينه وبين المكان الذي أضيء منه الضوء تزداد لأنه مبتعد بسرعة القطار عن مصدر الضوء الأساسي (كل هذه الملاحظات كما شاهدها مراقب خارج القطار). كلهم (المراقب والأشخاص داخل القطار) سيتفقون على سرعة الضوء، لكن المراقب سوف يختلف على المدة التي وصل فيها الضوء إليهما( راكبا القطار) بسبب اختلاف المسافة التي قطعها الضوء إلى كل شخص. لكن بالنسبة للأشخاص داخل القطار فإن الضوء وصلهما في نفس اللحظة.

الفرق في التوقيت يظهر للمراقب الذي على رصيف محطة القطار من خلال المعادلة التالية:

image

دعونا نضع بعض الأرقام على المثال السابق، إذا كانت سرعة القطار ٨٠٪ من سرعة الضوء (٠.٨*٣٠٠٠٠٠ كم لكل ثانية) وكانت المسافة بين الشخصين تقريبا ١٠٠٠ متر، فإن فرق التوقيت الذي يستغرقه الضوء ليصل إليهما هو ٧.٥ مايكرو ثانية. حتى لو أن هذا الفرق بسيط جدا وغير ملاحظ لكن إذا أصبحت سرعة القطار ٩٩٪ من سرعة الضوء فإن فرق التوقيت سوف يصبح ١٦٥ مايكرو ثانية. تظهر هذه الفروقات في التوقيت الذي يصل بها الضوء إلى كلا الشخصين بشكل أكبر كلما اقتربنا أكثر وأكثر من سرعة الضوء وكلما زادت المسافة بين الشخصين.
معنى ذلك أنه بسبب طبيعة الضوء وسرعته الثابتة، فإن الأحداث التي تحدث في نفس الوقت بالنسبة لمجموعة أشخاص(مثلا الأشخاص داخل القطار) لن تحدث في نفس الوقت بالنسبة لمجموعة أشخاص آخرين – مثلا المراقب على رصيف المحطة – يتحركون بالنسبة للمجموعة الاولى.
أيضا هناك ظاهرتان لايمكننا التنبه بها من خلال السرعات البطيئة التي نعيشها في أيامنا العادية. الظاهرتان مرتبطتان ترابطًا عميقًا جدًا وهي ظاهرة تباطؤ الوقت وتقلص الأحجام عند السرعات القريبة من سرعة الضوء. وهنا يظهر بشكل واضح أن النسيج الكوني يتكون من أربعة أبعاد، ثلاثة منها مكانية والآخر زماني.

كيف يتباطأ الوقت؟
“الوقت في الساعة المتحركة يسير بشكل أبطأ من الوقت في الساعة الثابتة”
إذا كان هناك شخص يحمل ساعة على متن القطار الذي يسير بسرعة ثابتة فإن الشخص الذي بداخل القطار يجزم أن ساعته تسير بشكل منتظم، لكن بالنسبة لشخص ثابت ( يقف على رصيف محطة القطار) وينظر إلى ساعة الشخص الذي بداخل القطار فإن هذا الشخص يكاد يجزم أن ساعته تسير بشكل منتظم وساعة الشخص الذي بداخل القطار تسير بشكل أبطأ.
إذا فرضنا على سبيل المثال أن هناك شخصًا داخل قطار متحرك بسرعة ثابتة يحمل ساعة ضوئية. وآخر على رصيف المحطة ويحمل نفس الساعة الضوئية. أولا دعونا نشرح كيف تعمل الساعة الضوئية؟ الساعة الضوئية تعمل في قلب صندوق مفرغ من الداخل وليس مغلق من الأمام لكي يسهل علينا النظر إلى الداخل. هناك فوتون واحد يتحرك في اتجاه الأعلى وثم الأسفل وهكذا، كلما يكمل الفوتون دورة كاملة تحسب الساعة ثانية واحدة. إذا مر القطار أمام الشخص الواقف على الرصيف الذي يحمل نفس الساعة فإنه سيرى الساعة التي معه تحسب الثانية كلما أكمل الفوتون دورة كاملة من الأعلى إلى الأسفل وإلى الأعلى مرة أخرى ولا تتغير أبدا. لكن عندما ينظر إلى الساعة الضوئية للشخص المتحرك مع القطار فسوف يرى أن الفوتون هناك يأخذ مسافة أطول لكي يكمل دورة كاملة وبذلك فإن الساعة ستحسب الوقت بشكل أبطأ. كيف يرى الفوتون يأخذ وقتًا ومسافة أطول؟ بالنسبة للشخص الواقف على الرصيف فإنه لا يرى ساعة الشخص المتحرك مع القطار تعمل باتجاه الأعلى والأسفل فقط، بل هناك اتجاه قطري أيضا كما هو موضح في الصورة، لذلك يقطع الفوتون مسافة أكبر مما يجعل دقات الساعة أبطأ.

image

في نفس الوقت، الشخص الذي داخل عربة القطار يستطيع أن يجزم بأنه ثابت والشخص الذي في الخارج هو الذي يتحرك بسرعة ثابتة. يترتب على ذلك إذا نظر الشخص الذي داخل القطار إلى ساعة الشخص الذي في الخارج فإنه يجزم أن ساعته تسير بشكل منتظم ولكن ساعة الشخص الذي في الخارج تسير ببطئ.
هذه ليست تهيآت وخيال بل حقيقة مطلقة بأن الوقت ليس مطلقًا بل يعتمد على مايمسى بالإطار المرجعي.

image

لكن اذا تباطأ الوقت هل وكيف يؤثر ذلك على حساب المكان؟ وهل يتقلص حجم الأشياء عند السرعات العالية؟ الإجابة، نعم. القوانين الطبيعية لا تتناقض، لذلك بما أن الطبيعة تفرض علينا ثبات سرعة الضوء، وأن الوقت متغير ويعتمد على الإطار المرجعي، أيضا الطول يجب أن يتغير ويعتمد على الإطار المرجعي للمحافظة على نتيجة نسبة المكان\الزمان ثابتة (هذه معادلة السرعة) التي يجب أن تساوي سرعة الضوء في كل الأحوال ومهما اختلف الإطار المرجعي.
تقلص الأجسام المسمى أيضًا ب “تقلص لورينتز” يقول أن طول الأجسام المتحركة يتقلص ولكن يتقلص فقط في اتجاه الحركة. وعلى ذلك فإن الأشخاص الذين في حركة بالنسبة لأحدهما الآخر ( مثلا الأشخاص الذين في القطار والآخرين الذين على رصيف المحطة) لا يمكنهم أن يتفقوا على فرق التوقيت ولا على حساب طول المسافة. ولا يمكننا أبدا أن نقول أن إجابة أحدهما خطأ والآخر صحيحة، بل كلا الإجابتان صحيحة ومثبتة رياضياً وفيزيائياً.

معادلة تقلص الأحجام في اتجاه الحركة:

image

“أمثلة على تباطؤ الوقت وتقلص المكان”

لكي نبسط ونساعد على فهم كيفية تباطؤ الزمن في الساعة المتحركة دعونا نضعها في إطار مسألة رياضية بسيطة تعتمد على المعادلات المذكورة في الأعلى.
-(١)-إذا كانت هناك ساعة متحركة داخل القطار وأخرى معك على رصيف محطة القطار. وكان القطار يسير بسرعة ثابتة تقريبا ٨٠٪ من سرعة الضوء. إذا نظرت إلى ساعة القطار ووجدتها تشير إلى ١:٣٠ مساء. فكم وقت الساعة التي في يدك؟
-الإجابة باستخدام المعادلة رقم ٢ و ٣ سوف يكون الوقت الذي في ساعتك يشير إلى الساعة ٢:١٧ مساء. هنا يتبين لنا أن الساعة المتحركة تسير بشكل بطيء إذا اقتربت سرعة الساعة المتحركة من سرعة الضوء.

-(٢)-إذا كان عمرك ١٦ سنة وعمر أخوك ١١سنة، وقررتما سويا أن تحتفلا بعيد ميلادكما ال ٢١ معا؟ ماهي الطريقة؟ بما أنك أنت الأخ الأكبر فسوف تغامر عن أخوك وتقبل أن تذهب في رحلة كونية لن تكبر فيها إلا خمس سنوات ( لأنك تريد أن تبطيء من مرور عمرك) بينما عندما تعود تجد أخاك قد كبر ١٠ سنوات وكلاكما ٢١ سنة؟ ماهي السرعة التي يجب أن تسافر بها؟
– باستخدام المعادلتين ٢ و ٣ سوف تحتاج أن تسافر بسرعة مقدارها ٨٧٪ من سرعة الضوء.

تقلص الأحجام:
-(١)- رائد فضاء أراد أن يقوم برحلة إلى أقرب نجم إلى الأرض حيث يبعد هذا النجم تقريبا ٤.٢٥ سنة ضوئية، وسرعة المركبة الفضائية ٨٠٪ من سرعة الضوء؟ كم ستستغرق الرحلة التي قطعها رائد الفضاء بالنسبة للمراقبين في الأرض وبالنسبة لرائد الفضاء؟ وأيضاً كم المسافة التي سوف يقطعها رائد الفضاء بالنسبة للمراقبين في الأرض وبالنسبة لرائد الفضاء؟
ملاحظة: السنة الضوئية هي وحدة قياس للمسافات الكونية.

-أولا الوقت الذي سوف يستغرقه في الرحلة بالنسبة للمراقبين على سطح الأرض هو عبارة عن حاصل تقسيم المسافة (٤.٢٥ سنة ضوئية) على سرعة المركبة (٨٠٪ من سرعة الضوء، الوحدة: سنة-ضوئية لكل سنة). النتيجة ستكون ٥.٣١ سنوات بالنسبة للمراقبين في مركز التحكم والاتصال في الأرض.
-ثانيا بالنسبة لرائد الفضاء فهنا اختلاف جذري، فالمراقبين في الأرض سيرون أن المدة التي استغرقها رائد الفضاء هي أقل بكثير لأنه كما ذكرنا سابقا أن الساعة المتحركة تسير بشكل أبطأ. وإذا حسبنا الوقت من المعادلة (٢) و (٣) سيكون ٣.١٩ سنوات.
-أما المسافة بالنسبة للمراقبين الثابتين على الأرض واضحة جدا ٤.٢٥ سنة ضوئية. لكن المسافة التي سوف يقطعها رائد الفضاء يمكن إيجادها باستخدام المعادلة (٣) و (٤) حيث سوف تكون المسافة التي قطعها رائد الفضاء ٢.٥٥ سنة ضوئية فقط. لأن من وجهة نظر رائد الفضاء هو الثابت وأن المسافة بين الأرض والنجم هي التي تسرع بعيدا بجانب نافذته، هذا الادعاء من قبل رائد الفضاء صحيح ونافذ. لذلك، نحن نعلم الآن بأن الأحجام وفي مثالنا هذا طول المسافة إذا كانت مسرعة وأنت ثابت فإن النتيجة واضحة جدا؛ سوف يحدث تقلص في الطول (تقلص لورينتز).
للتأكد أيضا يمكنك القيام بحساب سرعة المركبة بالنسبة للمراقب ولرائد الفضاء.
للمراقبين: (٤.٢٥)\(٥.٣١)=٨٠٪ من سرعة الضوء.
لرائد الفضاء: (٢.٥٥)\(٣.١٩)=٨٠٪ من سرعة الضوء.

 

المراجع:

image

 

 

 


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!