مخلفات محطات تحلية المياه

مخلفات محطات تحلية المياه

6 نوفمبر , 2019

مع استمرار وتزايد شح الماء العذب الطبيعي على سطح الأرض، تستمر محطات تحلية المياه في النمو لتعوّض عن هذا الشح. لسوء الحظ، فإن العديد من محطات تحلية المياه المنتشرة حول العالم والّتي يبلغ عددها حوالي 16000 محطة تُنتج الكثير من المخلفات والمواد الكيميائية السامّة.

وفقاً لدراسة حديثة أجراها معهد الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة، فإن ما تنتجه هذه المحطات من محاليل ملحية مركزة (Brine) يبلغ خمسة مليار قدم مكعب يومياً وهو أكثر بـ %50 مما كان مُتوقعاً. بالمقابل، تُنتج هذه المحطات ثلاثة مليار قدم مكعب من الماء العذب.

وجود المحاليل الملحية المركزة والملوثات الكيميائية بهذه الكميات يعدُ خطِراً جدأ على الحياة البحرية والأنظمة البيئية الّتي تعيش فيها. إصابة الأسماك بالمواد الكيميائية السامة وتعرُّض المخلوقات في قاع البحر لقلة الأكسجين والمياه شديدة الملوحة، ماهي إلّا صور لبعض الأخطار الّتي تنشأ بفعل عملية تحلية المياه والّتي تُؤثر سلباً على السلسلة الغذائية (Food Chain).

وفي محاولة لإيجاد حل لهذه المشكلة، أشار علماء الأمم المتحدة إلى بعض الفرص الاقتصادية والّتي يمكن تطبيقها للاستفادة من المحاليل شديدة الملوحة الناتجة بفعل عملية التحلية بدلاً من إعادتها إلى البحر أو المحيط. كما دعت الأمم المتحدة المجتمع العلمي لتطوير التقنية اللازمة لاستخراج المعادن والأملاح من مخلفات محطات التحلية قبل إعادتها إلى البحر.

قال كاتب الدراسة منذور قادر(Manzoor Qadir): “يوفّر استخدام المياه المالحة فرص تجارية واجتماعية وبيئية؛ فعملية رفض المحلول الملحي (Brine Rejection) كانت تُستخدم في الزراعة المائية لزراعة المكمّل الغذائي اسبيرولينا (Spirulina) والذي يُستخدم مع حالات سوء التغذية. واستُخدمت نفس العملية كذلك لري أنواع مختلفة من الأعلاف. لا شك أن هناك حاجة لترجمة البحث إلى شيء ملموس وتحويل المشكلة البيئية إلى فرصة اقتصادية”.

تزامناً مع تقرير الأمم المتحدة، مهندسون من معهد ماساتشوستس (MIT) قاموا بنشر دراسة توضّح كيف يمكن تحويل المحلول شديد الملوحة الناتج من محطة تحلية المياه إلى مواد كيميائية يمكن الاستفادة منها في عملية تحلية المياه نفسها.

“باستخدام التقنية الموجودة حالياً، يمكن تصريف المحلول الملحي بشكل آمن بيئياً، ولكن الأفضل من ذلك هو استخراج المصادر المفيدة من المحلول وبالتالي تقليل كمية المحلول الملحي المُعادة إلى البحر”، هذا ما قاله كاتب الدراسة البروفيسور جون لينهارد (John Lienhard).

الفكرة الأساسية من هذه الدراسة هي تحويل المخلفات إلى ثروة. استطاع الفريق من معهد ماساتشوستس من إنتاج مركّب هايدروكسيد الصوديوم – الصودا الحارقة – وهو مركب قاعدي متعدد الاستخدامات يوجد في العديد من المختبرات ويُستخدم لمعالجة المياه المالحة قبل تحليتها. بما أن مركب هايدروكسيد الصوديوم قاعدي، فإنه يغيّر درجة الحموضة الموجودة في المياه المالحة قبل وصولها إلى آلآت التحلية، وبالتالي حماية أغشية الترشيح (Filtration Membranes) من الأوساخ والتشابك مع بعضها البعض، والّتي تُعدّ مشكلة متكررة الحدوث في عملية التناضح العكسي (Reverse Osmosis). يقول أمت كومار(Amit Kumar) أحد الكتّاب المشاركين في الدراسة عن هايدروكسيد الصوديوم: “محطات تحلية المياه تستخدمه بشكل كبير فهم ينفقون المال لشرائه، فإذا ما تمكنوا من صنعه في ذات المحطة فستكون تلك ميزة كبيرة لهم.

حمض الهيدروكلوريك هو أيضاً أحد الأشياء الّتي يمكن استخراجها من مخلفات محطات تحلية المياه. ويُستخدم لتنظيف المياه المالحة المُعالجة قبل تحليتها (أي أنه يُستخدم بعد هايدروكسيد الصوديوم). ويُستخدم الحمض كذلك كمصدر للهيدروجين والذي بدوره يمكن استخدامه لإنتاج مواد كيميائية أخرى. لا يزال الفريق يعمل جاهداً لاستخلاص المعادن والمواد الكيميائية الأخرى من المحلول الملحي.

حمض الهيدروكلوريك ومركّب هايدروكسيد الصوديوم كلاهما ينتج عن طريق عملية التحليل الكهربائي (Electrosynthesis) – وهي عملية تحلل جزيء الماء مما ينتج عنه أيونات الهيدروجين موجبة الشحنة وأيونات الهيدروكسيل سالبة الشحنة والّتي تتفاعل مع المحلول الملحي لتُنتج حمض الهيدروكلوريك ومركّب هايدروكسيد الصوديوم.

استخراج المواد الكيميائية من المحلول الملحي ليست عملية جديدة، ولكن الدراسة تفصّل طريقة استخراج أكثر فاعلية من الطرق المُستخدمة سابقاً. ولهذا اقترح معهد ماساتشوستس الاستثمار في مجال إنتاج المواد الكيميائية واستخراجها من المحلول الملحي بدلاً من الاستثمار في أنظمة الضخ الغير مستدامة؛ والمقصود بذلك هو الاستثمار في هذه التقنية الحديثة الّتي ستساعد على حل مشكلة بيئية بدلاً من الاستثمار في أنظمة الضخ الّتي تُستخدم لإعادة المحلول الملحي إلى البحر أو المحيط.

يقول كومار: “يجب أن يُعامل هذا المحلول شديد الملوحة بعناية فائقة، فهو مهدّد للبيئة ويحتاج لكمية كبيرة من الطاقة لإعادته إلى البحر أو المحيط “. أشار مهندسوا معهد ماساتشوستس إلى أن العقبة الّتي تواجههم حالياً هي التكلفة المترتبة على الكهرباء والمعدات لاستخلاص المواد الكيمائية والمعادن من المحلول الملحي، وبالتالي فهم يبحثون عن طرق اقتصادية أكثر على المستوى المصنعي.

نشرت شركة تكنافيو (Technavio) البريطانية في عام 2018م تقريراً تتوقع فيه أن مجال تحلية المياه سيرتفع بمعدل %9 سنوياً إلى عام 2022م على الأقل. ورداً على هذا، فقد ذكرت الدراسة من معهد ماساتشوستس أنهم سيجدون حلولاً اقتصادية وبيئية أفضل.

المُترجم: عبدالرحمن الزهراني

مراجعة : صوفيا داودي رغيوي

تويتر: @sofiaDRri

المصدر: https://www.asme.org


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!