نظرية القرد المرتبك: لمَ يمكن أن يكون حفظ الاتجاهات شاقًا على الأشخاص الأذكياء ؟

نظرية القرد المرتبك: لمَ يمكن أن يكون حفظ الاتجاهات شاقًا على الأشخاص الأذكياء ؟

21 أغسطس , 2019

 

الملخص: توصلت الدراسات العلمية إلى أن بعض الناس أفضل بكثير من غيرهم في معرفة الاتجاهات. وتختلف  هذه المعرفة من شخص لآخر حسب العوامل البيئية والتجربة الشخصية، بالإضافة إلى أنه تم العثور على مجموعة متنوعة من  الخلايا العصبية المتخصصة في تحديد الاتجاهات في أدمغة البشر.

lost people artwork

يختلف الإحساس البشري للاتجاهات بشكل غير عادي، نعلم الآن لمَ بعض الناس جيدون للغاية في الضياع وفقدان الاتجاه.

◄ بقلم إيما يونج  Emma young

    إنه الخريف في مدينة ” نيويورك” New York حيث تنطلق ” فراشة الملك ” Monarch butterfly في رحلة قدرها 4000 كم إلى شجرة التنوب fir tree   على سفح جبل في وسط المكسيك حيث ستقضي فيه فصل الشتاء. إنه الخريف في مدينة نيويورك New York  وأنت تخرج من أحد المقاهي تنطلق مبتعدًا عن فندقك بضع بنايات، ثم تتخذ اتجاهًا خاطئًا وتضيع تمامًا. ربما ليس عدلًا أن تقارن المهارات  البشرية في تحديد المواقع بتلك التي تمتلكها الفراشات الملكية الأسطورية، لكن بالنظر إلي تلك الكائنات فإن إحساسنا البشري بالاتجاه لا يُذكر بجانب قدراتهم.  على الرغم من قدراتنا المذهلة، إلا  أنه يمكن أن  نتحول إلي  متبلدين أو أغبياء عندما يتعلق الأمر بإيجاد طريقنا، و البعض منا جيدون حقًا في فقدان الطريق.

 ” لمَ نحن سيئون للغاية في تحديد اتجاهنا ” كان هذا لغزاً لعدة قرون ، لكن الآن و أخيرًا لدينا بعض الإجابات. بدايةً ، آلية تحديد المواقع( GPs) في المخ بسيطة، و أيضًا توصّلنا إلى لمَ بعض الناس يستطيعون تحديد اتجاههم أفضل من الآخرين، أوضحت الاكتشافات الأخيرة أن الرجال أفضل في تحديد اتجاههم من النساء، و أيضاً أوضحت كيف يمكننا أن نُحسّن طريقة تحديد اتجاهاتنا، فعلى الرغم من أننا كبشر خارج المقارنة مع فراشات الملك، إلا أنه توجد طرق تمكننا من مساعدة أنفسنا للعودة إلى الفندق. من المهم أن تعلم  أن إحساسك بالاتجاه ليس إحساس فعلي أو مادي بالطبع ، ما نتحدث عنه هنا هو قدرتك على الوصول إلى وجهتك بأسرع وقت ممكن دون أن تضيع و تفقد وجهتك. ولكي تفعل هذا أنت تحتاج إلي معرفة أين موقعك بالنسبة للمعالم و أيضًا تحتاج إلى تحديث موقعك إذا انعطفت إلى زاوية أو سلكت طرقًا مختصرة على سبيل المثال.

  توصلت الدراسات العلمية إلى أن بعض الناس أفضل بكثير من غيرهم في هذه الأمور، حيث أن هناك بعض الأبحاث الهامة  التي تم إجرائها  في هذا الصدد في جامعة كاليفورنيا بسانتا باربرا (California, Santa Barbara, UCSB).  و من ضمن هذه الأبحاث دراسة كلاسيكية تم نشرها في عام 2005 حيث قام كلاً من ” تورو اشكاوا “(Toru Ishikawa) و “دان  مونتيللو” (Dan Montello) من جامعة كاليفورنيا (UCSB) بقيادة أفراد من طلاب الجامعة عبر بعض الطرقات في إحدى الأحياء السكنية التي لا يعرفوها و هذا الحي كان به الكثير من التلال والطرق المتعرجة، ثم قاما ببحث فهم الطلاب للمنطقة ، علي سبيل المثال: عند الوقوف في مكان ما في الحي، يجب على الطلاب الإشارة في اتجاه مكان آخر لا يستطيعون من خلاله  رؤية الحي أو رسم  خريطة له.

 ◄ ” الرجال يستطيعون تحديد وجهتهم أفضل من النساء”:

  كان هناك اختلافات ملحوظة في أداء 24 شخص تم اختبارهم في هذا الصدد، البعض منهم تحسّن تدريجيًا خلال 10 جلسات أسبوعية، لكن الأغلبية حصل على جلسة واحدة أو ببساطة لم يحضروا الجلسات أبدًا. لقد كشفت الكثير من التجارب أنه لدينا على ما يبدو نظرة معقولة حول قدرتنا في إجراء هذه الجلسات أو التمارين في المنزل، كما أوضح مقياس سانتا باربرا(Santa Barbara Sense-of-Direction scale)الذي تم تطويره في مختبر التفكير المكاني  في جامعة كاليفورنيا(UCSB) بواسطة “ماري هيغارتي”  (Mary Hegarty) و زملاؤها، حيث يقوم هذا المقياس على سؤال الناس عن مدى اتفاقهم أو عدم اتفاقهم  مع عبارات مثل: ” أنا جيد جدًا في وصف الاتجاهات” ، ” لديّ ذاكرة ضعيفة في تذكر أين وضعت الأشياء” و ” من السهل جداً أن أضيع في مدينة جديدة”. ترتبط نتائج الأشخاص على هذا المقياس بأدائهم الفعلي في اختبارات تحديد المواقع، و مع ذلك لا يتطابق أدائهم في هذه المهام مع نتائجهم في اختبارات الذكاء بل إنه  في بعض الأحيان لا ترتبط حتى مع أنواع أخرى من القدرات المكانية ، مثل مهام التناوب العقلي،  كما تقول (هيغارتي) Hegarty.

إذا كان إحساسنا بالاتجاه غير مرتبط بالذكاء العام ، فما الذي يفسر الفجوة بين الأفراد؟ أحد الطرق للوصول إلى تفسير ذلك هو النظر في المنهجين الرئيسيين اللذين نستخدمهما للتنقل، ويستلزم التنقل القائم على مسار محدد تذكر المعالم في رحلة معينة مثل: استدر يسار الكنيسة ثم يمين  الحديقة، وهكذا، هذه الطريقة تعمل بشكل جيد في مدن مألوفة أو في رحلات منتظمة، لكنها غير مرنة؛ لأنه  ماذا ستفعل إذا أرغمك الطريق على السير في طريق آخر؟ والمنهج الآخر هو رسم الخرائط الذهنية، والتي تقوم على إنشاء خريطة ذهنية للبيئة الخاصة بك سواء كان هذا الإنشاء بوعي أو بدون وعي، أو استخدام تطبيق الخرائط. يعتبر هذا المنهج رائدًا في بعض الأحيان؛ لأنه أكثر مرونة و يسمح باتخاذ طرق مختصرة عند الضرورة، و مع ذلك فإنه يتطلب أن تكون أكثر إدراكًا.

◄”يمكن لمحددي المواقع  الفائقين مثل الطيور المهاجرة أن يشعروا بالحقل المغناطيسي للأرض”  :

معظمنا يستخدم كلا المنهجين السابقين، لكن الحيلة هي تحقيق التوازن الصحيح. ربما يختار محددو المواقع الجيدون  أفضل إستراتيجية للتطبيق  تلقائيًا ، كما تقول هيغارتي(Hegarty). وهنا يمكننا أن نقول شيء ما عن إمكانية الرجال في تحديد وجهتهم أفضل من النساء، كانت هناك العديد من الدراسات التي اعتمدت على مجموعة متنوعة من اختبارات تحديد المواقع؛ للتحقيق في ذلك، في بعض الأحيان كان يتعادل أداء الرجال مع النساء  ومع ذلك،  كان هناك اختبارات يتفوق فيها الرجال على النساء مما يجعلنا نستنتج أن الرجال  يفضلون استخدام رسم الخرائط الذهنية، مقارنة بتفضيل النساء لتحديد وجهتهم  القائمة على تحديد المسارات (يسارًا و يمينًا).

 وفي بحث جديد قامت به هيغارتي (Hegarty) وآخرون، حيث قاموا بوضع 140 طالبًا من جامعة كاليفورنيا (UCSB) في متاهة الواقع الافتراضي مع جدران خرسانية عالية، حيث احتوت المتاهة على 12 عنصر بما في ذلك كرسي وبطة، وُضِعت في تقاطعات مختلفة بعد أن تم تعليمهم الطريق من خلال المتاهة، بدأ المتطوعون في عنصر واحد وطُلب منهم الانتقال إلى آخر، في بعض الأحيان كان المسار الذي تم تعلمه هو أقصر مسار وفي أوقات أخرى كان من الأسرع اتخاذ مسار جديد. ووجد الباحثون أن النساء أكثر احتمالًا لمتابعة الطرق التي تم تعليمها  بينما أظهر الرجال تفضيلًا أكبر لمحاولة وضع اختصارات، والتي تدعو إلى رسم الخرائط الذهنية. في المتوسط ، كان الذكور أسرع في الوصول إلى أهدافهم.

وقد أوضحت  الدراسات السابقة أيضًا أن النساء أقل احتمالًا من الرجال لاستكشاف الطرق المختصرة، فما السبب يا تُرى؟ “سارة كريم ريغير”(Sarah Creem-Regehr) في جامعة يوتا (the University of Utah) لديها فكرة، حيث تُظهِر أبحاثها أنه عند التنقل في بيئة افتراضية غير مألوفة، يكون لدى النساء نهج أكثر حذرًا ويميلون إلى العودة أكثر إلى الأماكن التي زاروها بالفعل أكثر من الرجال، وتقترح أنه في العصور القديمة كانت المرأة التي تفقد طريقها معرّضة للخطر أكثر مما يمكن أن يتعرض له  الرجل إذا فقد طريقه، و ربما يكون  ربحها المحتمل من استخدام الاختصارات أقل من الرجل، نظرًا لأن الخطر  الذي يهدد حياتها في هذه الحالة أكبر نسبيًا إذا واجهت تهديدًا غير متوقع. فربما يكون هذا الطريق ليس الأسرع ، ولكنه “الأكثر أمنًا” ،كما قالت “سارة كريم ريغير”  (Sarah Creem-Regehr).

◄”محددي المواقع الجيدون يميلون إلى أن يكون لديهم حاسة شم ممتازة ووضعية أفضل”:

 هذا يبدو معقولًا. ومع ذلك ، حتى وقت قريب  ركز الباحثون المهتمون بنظام تحديد الاتجاهات على الأشخاص من الثقافات الغربية على هذا النحو، قد لا تنطبق النتائج على النساء بشكل عام ، أو على أسلافنا، قد نحصل على رؤية مختلفة للاختلافات الجنسية في تحديد المواقع من خلال النظر إلى الناس في المجتمعات التقليدية  هذا هو ما  تحاول الأنثروبولوجيست  إليزابيث كاشدان (Elizabeth Cashdan) وآخرون في جامعة يوتا (University of Utah) اكتشافه .

 تبحث كاشدان (Elizabeth Cashdan)وزملاؤها عن مجتمعات صغيرة، لاسيما تسيماني بوليفيا (Tsimane of Bolivia ) و تويي ناميبيا(Twe of Namibia)،وقد وجد الباحثون أن الفتيان والفتيات من تويي  وتسيمين يتمتعون بنفس القدر من الدقة في الإشارة إلى المواقع البعيدة، وفي تخيل وجودهم في مكان واحد والإشارة إلى اتجاه آخر (اختباران كلاسيكيان للقدرة على التنقل). إلا أن الفتيات في كلا المجموعتين قلقات بشكل متزايد حول المخاطر الجسدية، بما في ذلك مخاطر الضياع أو فقدان الطريق.

◄” في مقعد القيادة”:

  يبدو أن هذا يدعم أفكار  “سارة كريم ريغير”Sarah Creem-Regehr، ولكن هناك بعض التغييرات. على الرغم من أن الاختلاف المرتبط بالجنس في تحديد الاتجاهات يظهر في بالغين مدينة تويي Twe of Namibia، إلا أنه لا ينطبق على تسيماني(Tsimane of Bolivia). تعتقد “كاشدان”Elizabeth Cashdan أنها تعرف السبب، الصيد في  تسمان و تعليف الحيوانات في غابة كثيفة  خطير؛ لذلك تميل النساء إلى عدم التجول بعيدًا. شعب التويي  Twe of Namibia يعيش في السافانا المفتوحة، على عكس تسيماني Tsimane، ويملك رجال تويي  Twe of Namibiaنطاقات أكبر بكثير من النساء على وجه الخصوص ،حيث إنهن  يسافرن مسافات طويلة لزيارة الغير، ونتيجة لذلك يواجهن تحديات أكبر في تحديد المواقع، مما يجعلهن يكتسبن المزيد من الخبرة، و هذا قد يفسر الاختلافات في البالغين من الرجال والنساء، كما قالت كاشدان Elizabeth Cashdan.

هذا يشير إلى أن قدراتنا في تحديد الاتجاهات لا علاقة لها بما إذا كنا ذكورًا أو إناثًا في حد ذاتها، بل أكثر علاقة بالعوامل البيئية والتجربة الشخصية، ففي الغرب يميل الرجال إلى القيادة أكثر من النساء، مما يمنحهم خبرة أكبر في تحديد الاتجاهات  كما تقول كيت  جيفري Kate Jeffery التي تدرس الخرائط المعرفية في جامعة  كوليدج لندن (University College London)بالإضافة إلى ذلك يتم إجراء معظم اختبارات تحديد المواقع  في بيئات الواقع الافتراضي، مما يمنح ميزة للأشخاص الذين يمارسون ألعاب الفيديو بانتظام والذي يشكل  الرجال النسبة الأكبر منهم.

 يبدو أن البيئة التي نعيش فيها تلعب دورًا أيضًا، كما هو الحال بالنسبة لتوي Twe of Namibia و تسيماني.  Tsimane of Bolivia، ففي بحث لم يتم نشره بعد، وجدت Erica Barhorst-Cates” إيريكا باروست كاتس” الطالبة لدى” سارة كريم ريغير” Creem-Regehr- ، أن الأشخاص الذين يعيشون في “مدينة بادوا في إيطاليا”the city of Padua ذات الشبكة الكثيفة من الشوارع الصغيرة غير المنتظمة كانوا أفضل في اختبارات الإشارة إلى المعالم من أولئك الذين من “مدينة سولت ليك سيتي”Salt Lake City والتي بنيت على نظام شبكة صارمة.

 ومن العوامل الأخرى التي تعزز الفروق الفردية البارزة  من دراسة واسعة النطاق أجراها  “هوجو سبيرز” Hugo Spiersمن جامعة كوليدج لندن  University College London، والذي يستعرض قدرات الناس في التنقل  باستخدام لعبة على الهاتف المحمول تسمى” سي هيرو  كويست ” Sea Hero Quest ،وفي تحليل لأكثر من 500000 شخص من 57 دولة  كان أفضل المؤدين يعيشون في دول ذات مساواة أكبر بين الجنسين وثروة اقتصادية أكبر ترتبط بمستويات أعلى من التعليم، مما يحلّ المشكلة المجردة، وأدى ذلك إلى وجود أربع دول شمالية في المراكز العشرة الأولى إلى دفع  “سبيرز”Spiersإلى التكهن بأنه ربما كان هناك اختيار لامتلاك قدرات جيدة لتحديد الاتجاهات  في ماضي هذه الدول: كالفايكنغ وغيرهم، وربما من المفيد أيضًا أن يكون لديك ثقافة المشاركة في الألعاب الرياضية التي تتطلب التنقل، مثل التجول.

◄”يمكن أن يؤدي تطبيق”ستانف”Satnavوتطبيقات الخرائط علي الهاتف المحمول  إلى إضعاف إمكانياتنا الطبيعية في تحديد الاتجاهات” :

 السبب الآخر للاختلافات الفردية يمكن أن يكون من الناحية النظرية أن يكمن في الطريقة التي تعالج بها أدمغتنا المعلومات الحسية التي نستخدمها في الملاحة أي “نظام تحديد المواقع في العقل”، على سبيل المثال :كشفت دراسة حديثة أن محددي المواقع الجيدين يميلون إلى أن يكون لديهم حاسة شم  ممتازة و يشير آخر إلى أن التباين الموضعي قد يفسر سبب بدء بعض الأشخاص الذين يحاولون السير في اتجاه مستقيم إلى السير  في النهاية في دائرة مضيئة أو مظلمة، يبدو أن المفتاح هنا هو اختلافات طفيفة في عمل النظام الدهليزي في الأذن الداخلية، وهو أمر حاسم للتوجيه.

من الجيد أن تعرف  لماذا قد يكون إحساسك بالاتجاه غير موجود، ولكن هل هناك أي شيء يمكنك القيام به لتحسينه؟ تقول هيغارتي (Hegarty): “لا أحد ينظر حقاً إلى كيفية تدريب الناس على أن يكونوا محددي مواقع  جيدون”،ومع ذلك  فإن معرفتنا المتنامية بما ينطوي عليه الأمر توفر بعض الأدلة، وتدافع هي وجيفريKate Jeffery ببساطة عن توجيه  المزيد من الاهتمام للبيئة، لاحظ بوعي المعالم والمنعطفات التي تقوم بها  على سبيل المثال والنظر بانتظام وراءك، وهي تقنية تستخدمها بعض الحيوانات. بالإضافة إلى ذلك ، تقوم جيفريKate Jefferyبالتحقق من اتجاه الظلال لتوجيه نفسها عندما تأتي من محطة الأنبوب، حيث تقول: “أنا أيضًا أنظر إلى البوصلة على هاتفي -أنا لا أعاند التكنولوجيا الحديثة”.

 لكن ربما نكون أفضل حالاً عندما لا نعتمد على التكنولوجيا، كما يقول “مونتيلو”Dan Montello: “أنا واثق إلى حدٍّ ما من أن الاستخدام المنتظم لبرامج الخرائط يعيق قدرة الشخص على إيجاد طريقه بمفرده ويضعف بالتأكيد تشكيل الخريطة المعرفية لدى الإنسان”. ويعتقد أن تطبيقات” ستانف” Satnav و تطبيقات الخرائط على  الهاتف المحمول تضعف  قدراتنا الطبيعية في تحديد المواقع، وتذهب إلى حد وصف هذا بـ”الطفولة التكنولوجية”، وعلى صعيدٍ آخر فإنه من المرجح أن يستكشف الأشخاص الذين لديهم حدس تحديد الاتجاهات البيئة بأنفسهم بدلاً من الاعتماد على طرق معروفة مما يساعد على بناء خرائطهم المعرفية ويحسن بالتالي حدسهم في تحديد الاتجاهات. و يستطرد “مونتيلو” Dan Montello:”إذا كنت تريد أن يكون أطفالك قادرين على اكتشاف طرقهم بأنفسهم بدون استخدام تكنولوجيا تحديد المواقع و الملاحة فيجب أن تدعهم يتدربون على ذلك”.

◄نظرية القرد المرتبك:

  لماذا يفقترالبشر تحديد وجهاتهم  بشكل صحيح مقارنة بالحيوانات ؟ والإجابة هي أننا لا نقوم عادة بالهجرات الطويلة كما تفعل الحيوانات؛ لأن بقاءنا على قيد الحياة لا يتوقف على فعل ذلك كما في الحيوانات، ولذلك لم نطور قدراتنا في تحديد وجهاتنا، الملاحين الخارقين مثل: فراشات الملك، السلاحف الجلدية الظهر، نحل العسل، سمك السلمون الأطلسي، والطيور المهاجرة يمكنهم أن يشعروا بالمجال المغناطيسي للأرض؛ لمساعدتهم على تغطية مسافات شاسعة وبدقة، لكن هل حدسنا بالاتجاهات أسوأ من الحيوانات التي تشبهنا أكثر كالثدييات؟  من الصعب معرفة ذلك  على وجه اليقين؛ لأنه من الصعب العثور على الاختبارات التي تسمح بالمقارنات المباشرة.

 تقول “كيت جيفري “Kate Jeffery من جامعة “كوليدج لندن”University College London: “ربما تكون لدى الحيوانات حواس غير متاحة لنا مثل: حاسة الشم الممتازة التي تعطيها معلومات بوصلة واسعة النطاق  وهذا ما نفتقر إليه، من ناحية أخرى  نحن بارعون في التفكير بشكل منطقي وفي بناء  الخرائط الذهنية المعقدة و لدينا أيضًا لغة تعطينا مجالًا آخر بالكامل”.

 ومع ذلك فإن التنقل في مدينة ما ليس سهلًا، حيث المباني العالية التي غالبًا ماتحجب الإشارات الاتجاهية، ونحن نجعل الأمر أكثر صعوبة – كما تقول” جيفري””:Kate Jefferyحيث تتطلب العلامات الموجودة داخل مترو أنفاق لندن على سبيل المثال  أن تقرر ما إذا كنت تريد الذهاب إلى الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب حيث  يفترض أنك تعرف بالفعل تخطيط لندن، والأسوأ من ذلك لن يساعدك هذا على بناء خريطة ذهنية جيدة في مخك.

  تظن “إليزابيث كاشدان”Elizabeth Cashdanمن جامعة يوتا (University of Utah) أننا أكثر صرامة على أنفسنا، حيث قامت بدراسات حول القدرات الملاحية للصيادين في العصر الحديث وتقترح أنه إذا كان لدى البشر شعور بالاتجاهات أسوأ من الأنواع الأخرى من الكائنات الحية ، فإن ذلك  قد يكون بسبب تعاملنا مع هذا النطاق الواسع  من البيئات، وتقول بشكل عام أننا نتأقلم جيدًا مع البيئات المحيطة بنا،  ولم نكن  بحاجة لتطوير  قدراتنا على السفر من شمال إلى جنوب  أمريكا ، لكننا فعلنا ذلك من أجل  معرفة كيفية الحصول على الطعام محليًا، والوصول إلى متجر الأدوية ، ونحن عادةً نستطيع”

◄نظام تحديد المواقع في دماغك:

  سواء كنت بطلًا في تحديد الاتجاهات أو تكافح لتجد طريقك للخروج، فقد  تم تجهيز دماغك بقطعة من الأدوات المتطورة التي تساعدك على التنقل في عالمك، أول اكتشاف لهذا كان في  عام 1971 عندما اكتشف” جون أوكيف”John O’Keefeمن جامعة “كوليدج لندن ” University College Londonخلايا مكانية  في إحدى حصون الفئران، كل من هذه الخلايا أطلقت في موقع محدد أثناء تحرك الحيوان حول العلبة، ولاحظ “أوكيف”John O’Keefeأنه يمكن للفأر أن يرسم بيئته على نحو فعال  من خلال تذكر أنماط نشاط الخلايا الموضعية، و في عام 2014  تقاسم “أوكيف”John O’Keefeجائزة نوبل لهذا الاكتشاف مع “ماي-بريت موسير” May-Britt Moserو”إدفارد موسر “Edvard Moserمن جامعة العلوم والتكنولوجيا النرويجية ؛لاكتشافهما في عام 2005 خلايا شبكية تقع بالقرب من حصن الفئران وانطلقوا في مجموعات، وقاموا بتعيين خريطة على كل قطعة أرض سداسية منفصلة بحيث يتحرك الحيوان عبرها. يعتقد الفأر أثناء سيره  في  الخريطة الأرضية أنه يسيرعلى فضاء ثنائي الأبعاد، يحصل على معلومات دقيقة حول المسافة بينه و بين الأشياء الموجودة في الخريطة أو القطعة الأرضية التي يمشي عليها.

 ◄الخلايا العصبية الملاحية:

 تم العثور على خلايا مكانية وخلايا شبكية في أدمغة البشر، كما أن هناك مجموعة متنوعة من  الخلايا العصبية المتخصصة في تحديد الاتجاهات، تشفر خلايا الاتجاه في الرأس اتجاه رأسك مما يوفر نقطة مرجعية لخلايا الشبكة والمكان. تنطلق خلايا الحدود عندما نقترب من الحدود مثل: الجدار. وتصبح خلايا العرض المكاني نشطة عندما تنظر إلى مكان ما  حتى إذا لم تذهب إلى هذا المكان  فعليًا.

 يعتمد البشر بشكل كبير على الرؤية، ومع ذلك  يتطلب التنقل أو تحديد الاتجاهات مدخلات من حواس المتعددة كالأصوات والروائح واللمس فكلها معنية على التنقل، وكذلك إشارات من عضلات الساقين عندما نتحرك، نحن أيضًا نستخدم المعلومات من النظام الدهليزي الموجود  في الأذن الداخلية، و هذا لا يسجل فقط حركات رأسنا واتجاهاتنا، ولكنه أيضًا يخبرنا عن السرعة التي نتحرك بها وفي أي اتجاه.

نظرًا لتعقيد نظام تحديد المواقع الذهني في أدمغتنا، فليس من المستغرب أن تسوء الأمور عندما تذهب الأنوار ونفقد المدخلات البصرية، فعلى سبيل المثال:عندما  تبدأ الخلايا الموضعية في الانجراف، نشعر بعدم الارتياح وبالطبع  البعض منا لديه شعور بالاتجاهات أقل من الآخرين أو ربما جزئيًا ؛لأن نظام الخرائط الذهنية لا يعمل جيدًا.

اسم المترجم: زينب محمد

حساب تويتر: @zinaabhesien

اسم المراجع:جواهر السبيعي

حساب تويتر: ijawaher94

مصدر المقال:

new scientist science news and science articles from new scientist

 


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!