تأسيس نظرية الثقوب السوداء في القرن الثامن عشر

تأسيس نظرية الثقوب السوداء في القرن الثامن عشر

4 أكتوبر , 2017

 

ملخص المقال:

يتناول هذا المقال المترجمة للغة العربية موضوع الثقوب السوداء الذي كان لسنوات عديدة محط جدل واهتمام، حيث يناقش منشأ فكرة الثقوب السوداء التي يعتقد أنها انطلقت من قرية ثورنهيل في مقاطعة يوركشير الإنجليزية على يد العالم جون ميتشل، مروراً بالكثير من النظريات التي طرحها العلم حول هذا الموضوع، انتهاء بآخر ما تم تحقيقه.

 

إن الثقوب السوداء لا تتكون من المادة على الرغم من كتلها العالية، وهذا ما يفسر عدم إمكانية مراقبتها بشكل مباشر حتى الآن، لكن يمكن مراقبتها عن طريق تأثير جاذبيتها علىالأجسام المحيطة بها فقط.فهيتغيّر في المكان والزمان وتملك جاذبية لا يمكن مقاومتها.

أنه لمن الصعب حقًا تصديق أنوراء فكرة هذه الأجسام الغريبة ما يزيد عن 230 سنة!

يمكن العثور على منشأ فكرة الثقوب السوداء في قرية ثورنهيل في مقاطعة يوركشير الإنجليزية، فهناك وفي القرن الثامن عشربنى جون ميتشل منزله بجانب كنيسة تعود للقرون الوسطى، وكان رئيسًا للجامعة هناك لمدة 26 سنة -يثبت ذلك نقوشًا على نصب التذكاري خاص به في الكنيسة-كما حظي باحترام هائل كباحث أيضًا. في الحقيقة لم يدرس ميتشل فقط علم اللاهوت واللغة العبرية واليونانية في جامعة كامبريدج، بل نالت العلوم الطبيعية أيضًا شيئًا من اهتمامه.كان اهتمامه الأساسي بالجيولوجيا، حيث ادّعى في مقالة نُشرت بعد زلزال لشبونة عام 1755 بأن موجات تحت الأرض قد وَلَّدت هذا الزلزال. سببت هذه النظرية ضجة في العالم الأكاديمي وأدت لقبول جون ميتشل كزميل للجمعية الملكية في لندن، ليس بسبب هذه النظرية فحسب، فقد ألقى خطابًا أمام هذه المجتمع الشهير في عام 1783 حول جاذبية النجوم، مستخدمًا تجربة فكرية ليوضح أن الضوء لا يمكنه الإفلات من سطح نجمٍ ضخم إذا كانت جاذبيته عالية بشكل كافي، مستنتجًا من ذلك: “في حالة وجود جسم كهذا في الطبيعة، فإن ضوؤهلا يمكن أن يصل إلينا أبدًا.”
وبعد أكثر من عقد من الزمان تبنى عالم آخر بعد ميتشل الموضوع نفسه. عالم الرياضيات والفيزياء والفلك الفرنسي بيير سيمون لابلاس في كتابه مقدمة في النظام الكوني (Exposition du Système du Monde) الذي نُشر عام 1796 وضح فكرة النجوم الضخمة التي لا يستطيع الضوء الإفلات منها، ويتكون هذا الضوء وفقًا لنظرية إسحاق نيوتن من جسيمات صغيرة جدًا. أطلق لابلاس على هذا الجسم (corps obscure) أي الجسم المظلم.

لم تحظَ طرق الفكر المادي التي مثلها ميتشل ولابلاس باستجابة كبيرة وسرعان ما تم نسيانها. فأصبح الأمر باقيًا لألبرت إينشتاين مع نظريته النسبية العامة، ليمهد الطريق لهذه الأجسام المظلمة للدخول في عالم العلوم -ولم تكن تلك حقًا نيته.

وعلى الرغم من وجود نقاط المتفردات التي يختفي فيها المادة والإشعاع من عالمنا ببساطة والتي يمكن اشتقاقها من معادلاته التي نشرها في عام 1915،إلا أنه نشر في عام 1939 مقالة في مجلةحوليات الرياضياتAnnals of Mathematics ليبرهن استحالة وجود تلك الثقوب السوداء.
لكن بالعودة إلى عام 1916، نجد أن العالم الفلكي كارل شفارتزشيلد قد جعل من نظرية النسبية العامة أساسًا له لحساب أفق وسلوك ثقبًا أسود غير دوار، لا يحمل أي شحنة كهربائية وأُطْلِقَ اسم شفارتزشيلد  (Schwarzschild) على نصف قطر هذا الجسم والذي يعتمد على الكتلة حيث لا يمكن لأي جسم داخله أن يفلت إلى الخارج. ويساوي نصف قطر شفارتزشيلد بالنسبة للأرض حوالي 1سنتيمتر.
خلال حياته القصيرة حظي شفارتزشيلد بمهنة ناجحة، وقد ولد في عام 1873 وكان الابن الأكبر من بين ستة أطفال لعائلة ألمانية يهودية تعيش في فرانكفورت. ظهرت موهبته في عمرٍ مبكر، فعندما قام بنشر ورقتين عن تحديد مدارات الكواكب والنجوم الثنائية في مجلة شهيرة كان عمره 16 عامًا فقط.وقد أخذته حياته المهنية في علم الفلك عبر ميونخ وفيينا وغوتنغن حتى استقر في بوتسدام ليصبح مديرًا للمرصد الفلكي هناك عام 1909.

بعد سنوات قليلة وفي وسط الحرب العالمية الأولى -حينما كان ملازمًا ثانيًا في سلاح المدفعية على الجبهة الشرقية في روسيا- استخلص الحلول نفسها لمعادلات أينشتاين للمجال. توفي شفارتزشيلد في الحادي عشر من شهر مايو لعام 1916 بعد معاناته من مرض المناعة الذاتي للجلد.

بالرغم من ذلك لم يجد موضوع الثقوب طريقه في المجال العلمي. فقد تقلص الاهتمام بنظرية إينشتاين أكثر فأكثر بعد المبالغة الأولية بتلك النظرية، واستمرت هذه المرحلة من منتصف 1920 وحتى منتصف 1950 تقريبًا. تَبِعَ هذه المرحلة بعد ذلك ما أطلق عليها الفيزيائي كليفوردويل بمرحلة نهضة النظرية النسبية العامة.

أصبح من المهم الآن شرح الأجسام التي نالت مُسبقًا اهتمام الباحثون فقط كالأقزام البيضاء أو النجوم النيوترونية التي توجد فيها المادة بحالات متطرفة جدًا، والتي يمكن شرح خصائصها غير المتوقعة بمساعدة المفاهيم الجديدة والمستخلصة من هذه النظرية. بالتالي أصبحت الثقوب السوداء محط انتباه وأصبح العلماء العاملين عليها نجومًا -كالفيزيائي البريطاني ستيفين هوكينغ.

وفي بداية عام 1970 أعلن القمر الصناعي أوهورو عن عصر جديد لعلم الرصد الفلكي. تمكن هذا القمر من دراسة الكون في نطاق أشعة سينية ذات طول موجي قصير للغاية، واكتشف أيضًا مئات من المصادر للأشعة السينية، غالبها نجوم نيوترونيه. لكن من بين تلك المصادر هناك نجمًا معينًا في كوكبة الدجاجة (Cygnus)، أُطلقَ عليه نجم الدجاجة إكس-1 (Cygnus X-1) حيث اكتشف الباحثون أنه نجم عملاق يتكون من قرابة 30 كتلة شمسية تضيء بلونٍ أزرقٍ متوهج، ويدور حوله نجمًا غير مرئي يتكون من 15 كتلة شمسية تقريبًا -على ما يبدو أنه ثقب أسود.

وهذا يفسر الأشعة السينية المسجلة، بأن كتلة الثقب الأسود تجذب إليها مادة النجم الرئيسي. وهذا يُجمع فيما يسمى القرص المُزوِّد (Accretion disk) حول الشبح الضخم، حيث يدور حوله بسرعة عالية بشكل لا يصدق، وتصل درجة حرارته إلى 7 مليون درجة بفعل الاحتكاكويُصدر أشعة سينية قبل أن يختفي في فجوة الزمكان.

إن نجم الدجاجة-1 (Cygnus X-) ليس الثقب الأسود الوحيد الذي اكتشفه الفلكيون بشكل غير مباشر؛ فقد اكتشفوا حتى الآن مجموعة كاملة منها مابين 4 إلى 16 كتلة شمسية، لكن من بينها نجم واحد ضخم أكثر بكثير ويقع في قلب مجرة درب التبانة -يبعد حوالي 26,000 سنة ضوئية وتم اكتشافه في نهاية عام 1990.

في عام 2002 نجح مجموعة من ضمنهم رينهارد جيزل من معهد ماكس بلانك لفيزياء خارج الأرض في صنع اكتشاف عظيم، فقد لاحظ العلماء عبر منظار كبير جدًا في المرصد الأوروبي الجنوبي (ESO) باقتراب نجم من مركز المجرة في غضون 17 ساعة ضوئية فقط (أي أكثر بقليل من 18 مليار كيلومتر).

خلال الأشهر والسنوات التي أعقبت ذلك، أصبح العلماء قادرين على ملاحظة الحركة المدارية لهذا النجم، والذي أطلق عليه إس2حيث يدور حول مركز المجرةالرامي أ (Sagittarius A*) مرة واحدة كل 15.2 سنة بسرعة تصل إلى 5000كيلومتر في ثانية.

استخلص الفلكيون من حركة النجم إس2 والنجوم الأخرى بأن حوالي 4.5 مليون كتلة شمسية تتركز في منطقة حجمها حجم نظام كوكبنا. هناك تفسير واحدٌ معقول لمثل هذه الكثافة وهو وجود ثقب أسود فائق الضخامة.

إن مجرتنا درب التبانة ليست مستثناة! حيث يعتقد العلماء بأن هذه الوحوش الضخمة تستتر في أوساط معظم المجرات-بعضها أكبر بكثير حتى من الرامي أ.كما يقع ثقب أسود يتكون من حوالي 6.6 مليار كتلة شمسية داخل مجرة عملاقة تعرف ب إم 87 (M87) مثل الرامي أ(Sagittarius A*) يعتبر هذا النظام النجمي الذي يبعد 53 مليون سنة ضوئية جزء من برنامج المراقبة لمنظار أفق الحدث (Event Horizon Telescope).

في سبتمبر 2015 وصل تاريخ الثقوب السوداء لذروته الحالية مع اكتشاف موجات الجاذبية، ففي ذلك الوقت سُجلت موجات تشكلت بفعل اندماج ثقبين بكتل شمسية 36 و 29، وأعلن هذا عن عصر جديد لعلم الفلك والذي يهدف لجلب النور للكون المظلم وليسلط الضوء أيضًا على هذه الثقوب السوداء الغامضة.

 

 

 

ترجمة: مرام الفوزان

Twitter @MaramAlfowzan

مراجعة: إيناس أحمد سدّوح

Twitter: @Enas_saddoh

 

 

المصدر:

phys.org

 

 


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!