وسواس التدقيق : عندما يصل الوسواس القهري للدين والمعتقدات

18 يوليو , 2016

وسواس-التدقيق--.

 

الكثير من الناس يظنون أن اضطراب الوسواس القهري مقتصر على غسيل اليدين بشكل مفرط أو التحقق من قفل الباب مرارًا وتكررًا، وهذا خاطئ في الواقع، فهناك العديد من الأنواع الفرعية للوسواس القهري، وفي هذه السلسة المستمرة من مركز لوس أنجلوس للوسواس القهري سنتحدث عن وسواس التدقيق حيث الأشخاص المصابين به يركزون على مسائل الدين و الروح والأخلاق، وهذا جزء من أربعة أجزاء .

واحد من أهم المراجع المُوثقة للوسواس القهري كتبها الأسقف جون مور من مدينة نورويش في عام 1691 م ، في خطبته التي قرر فيها أن الرجال والنساء الذين غمرتهم الأفكار المزعجة والغير مرغوبة ، وعذبهم الشعور بالذنب والعار، فيما وصفه بـ “الكآبة الدينية ” ، وقد لاحظ الكهنة أن بعض رواد الكنيسة يحضرون للاعتراف عدة مرات في اليوم وبشكل متكرر يعترفون بنفس الخطيئة ونفس التقصير الذي يخشون من الحكم الإلهي وأن يؤدي بهم إلى اللعنة الأبدية، فالتكفير والغفران لا يمثلان لهم إلا لحظات عابرة من السلام ومن ثم تعود مخاوفهم للصعود من جديد .
هذا في وقت سابق أما الآن فنحن نعلم الآن أن هذه الحمية الدينية الزائدة قهرية وهي إحدى مظاهر الوسواس القهري والمعروف باسم وسواس التدقيق أو ” Scrupulosity” . الناس من مختلف الأديان في العالم يؤرقهم الشعور بالذنب والقلق الذي يعذبهم ويشككهم بإيمانهم .
وسواس التدقيق هو شكل من أشكال الوسواس القهري حيث يعاني المصابين به من قلق رئيسي من الوقوع في الذنب أو الفشل الأخلاقي أو المعنوي . المصابون بوسواس التدقيق ليسوا فقط يخافون من كون جهدهم للعيش حسب قيمهم الروحية ليست كافية، بل يخافون أن يكون فيها إنتهاك مباشر مع الله .

لماذا وسواس التدقيق مختلف عن أشكال الوسواس القهري الأخرى ؟
في حين أن الأشكال الأخرى من الوسواس القهري مؤلمة ومربكة إلا أن أفكارها الأساسية التي تتسبب في القلق بعيدة ولا تمس قيم الفرد وشخصيته ومعتقداته . على سبيل المثال : معلم مصاب بالوسواس القهري مما يجعله يخشى أن يصبح قاتل جماعي ، أو طالب مصاب بالوسواس القهري تجاه المثلية الجنسية أو ما يسمى الوسواس القهري للتوجه الجنسي فيشكك باستمرار في ميوله الجنسية، فهنا عند نقطة معينة يمكننا التعرف على أن أفكارهم القهرية تتعارض مع هوياتهم الشخصية ومع قيمهم ومعتقداتهم الحقيقية .
لكن الأمر ليس كذلك مع المدققين، حيث أنه بالنسبة لهم لا شيء أهم من الحياة أكثر من معتقداتهم الروحية وطقوسهم الدينية. وبالنسبة لأولئك الذين يعانون من وسواس التدقيق فإن المحتوى الفكري للمرض يضرب بشكل مؤلم قريبًا من الملجأ والوطن . ومما يجعل الأمر أسوأ فإن أي شيء يشكل تحديًا للعقيدة أو أصل الإيمان يشكل تحديًا للإيمان نفسه أو يعتبر كالردة عن الدين .
واحد من الأسئلة التي تتكرر عند معالجة مريض بوسواس التدقيق : ” كيف أعرف أن ما أمر به هو وسواس تدقيق وليس خطيئة أو نقص في الإيمان أو وسوسة شيطان؟ ” ، الإجابة على هذا السؤال تقع ضمن مدى قوة تركيز الشخص المصاب على الكمال، فهناك فرق كبير بين أن تدان في إيمانك و الالتزام بمعتقداتك وبين أن تركز وقت وطاقة هائلين على الحرص على متابعة أمر مذهبي معين أو عدد قليل من القواعد والتغاضي عن بعض الأمور التي قد تكون أكثر أهمية .

من ناحية أخرى .. لماذا وسواس التدقيق يشبه الأشكال الأخرى من الوسواس القهري ؟
في حين أن وسواس التدقيق قد يظهر بشكل مبدأي مختلفًا عن الشكل التقليدي الذي يظهر به الوسواس القهري، فإن أولئك الذين يعانون الهواجس الدينية والأخلاقية يواجهون نفس دورة عمل الوسواس القهري مثل الأشكال الأخرى منه و التي هي : الهاجس الملح ، القلق ، الفعل الإكراهي وبعد ذلك الراحة المؤقتة ومن ثم تعزيز الأفكار من جديد .
في هذه الحالة فإن المحفز للوسواس قد يكون أي فكرة ، صورة، شعور، مكان، شخص، تثير الهاجس المُلح .
كما هو الحال مع جميع أشكال الوسواس القهري، فإن الأفكار التي تتحول إلى هواجس ملحة تبدأ بسؤال كـ ” ماذا لو ..؟” مثال ماذا لو كنت مخطأ ؟
هواجس ملحة شائعة لدى المصابين بوسواس التدقيق :
الهواجس الملحة أو الهوس قد تشمل أي فكرة أو صورة عقلية من التجارب الفردية تدل على فشل ديني أو أخلاقي ومن أمثلة ذلك :
– أفكار متكررة حول أنهم ارتكبوا خطيئة .
– قلق مبالغ فيه من إمكانية ارتكاب الكفر .
– الخوف الزائد من الإساءة إلى الله .
– التركيز المفرط على الكمال الديني والأخلاقي والروحي .
– مخاوف متكررة من اللعنة الأبدية أو الذهاب للجحيم .
– القلق من أن سلوكيات أحد ممن يحب ستؤدي به إلى الجحيم.
– الخوف المفرط من أن يتصرف المرء عكس شخصيته ، أخلاقه أو قيمه.

سلوكيات قهرية شائعة لدى المصابين بوسواس التدقيق :
بالنسبة للأشخاص المصابين بوسواس التدقيق فإن السلوكيات القهرية قد تعرف بأنها :
أي أفكار مقصودة أو سلوكيات يفعلها الشخص ليقلل أو يعادل شعوره بالذنب، الألم، أو القلق، وكما هو الحال مع أشكال الوسواس القهري الأخرى فإن الإكراه يمكن تصنيفه إلى أربعة أصناف :
1- سلوكيات قهرية صريحة
2- سلوكيات تجنب
3- سلوكيات طلب الطمأنة
4- إكراه ذهني

و بالنسبة للأشخاص المصابين بوسواس التدقيق قد يكون السلوك القهري هو الاعتراف المتكرر بشيء فعلوه أو فكروا به ، وقد يقوم البعض بالاعتراف حتى لو لم يقم بشيء أو يفكر بشيْ يراه مقبول ، بل أنه يعترف ” فقط في حالة أنه حدث كذا ” ، وبالنسبة لآخرين قد يكون غسل الشخص ليديه أو الاستحمام عدة مرات قد تكون وسيلة مجازية لتطهير الروح.
وبالمثل قد يكون اجتناب محفزات محددة كاجتناب الذهاب إلى أماكن العبادة أو اجتناب الطقوس الدينية ، كل هذه تكون تكتيكات إكراهية .لدرء احتمالية الشعور بالذنب أو القلق ، ويا للمفارقة فهذه الجهود دائما ما تزيد من المشاعر غير المرغوبة .
وفقط كما هو الحال مع أي سلوك قهري فإن الارتياح المؤقت كافي لتعزيز الهواجس الملحة مجددا وتستمر دائرة الوسواس القهري .

السلوكيات القهرية الشائعة لدى المصابين بوسواس التدقيق :
– تكرير الاعتراف ( الاعتراف للشخصيات الدينية أو الأهل والأصدقاء )
– السعي للطمأنة حول سلوكيات وأفكار لها علاقة بالدين والأخلاق والقيم .
– المراجعة العقلية للأعمال والأفكار الماضية في محاولة إثبات الشخص لنفسه أنه لم يرتكب خطيئة أو تصرف قد يفسر بطريقته الخاصه أنه غير أخلاقي أو يتنافى مع الإيمان .
– التراجع خشية الوقوع في الخطيئة أو الذنوب .
– القيام بأعمال مبالغ فيها من التضحية بالنفس ( كالتبرع بجزء كبير من المال ، أو الممتلكات الدنيوية )
– تجنب المواقف التي يخشى الشخص فيها ظهور الهواجس المتعلقة بالإيمان كتجنب الذهاب إلى دور العبادة .
– تجنب بعض الأشياء التي ترتبط عند الشخص بعدم الأخلاقية ( كبعض الملابس، أو أرقام معينة)

علاج وسواس التدقيق :
علاج وسواس التدقيق قد يكون صعبًا حيث أنه يتطلب من المصابين المخاطرة بتحدي مخاوفهم ، وكما هو الحال مع جميع أشكال الوسواس القهري فإن أكثر طرق العلاج فعالية هي العلاج المعرفي السلوكي القائم على التيقظ ، مع التركيز القوي على العلاج بالتعرض ومنع الاستجابة، ويركز هذا النهج من العلاج على ثلاث تقنيات رئيسية :

– المساعدة على تعلم قبول وجود الأفكار غير المرغوب بها عن طيب خاطر، مع عدم الإفراط في الاستجابة لها بفعل السلوكيات القهرية و التجنبية .

– إعادة الهيكلة المعرفية ، التي فيها يتعلم العميل كيف ينتقد ويصحح أفكاره الغير مرغوبة من حيث دقتها وأهميتها بشكل فعال ومستمر.

– العلاج السلوكي ، مع التركيز على تقنية التعرض ومنع الاستجابة (ERP) وهي تقنية تعلم العميل على التعرض عمدًا للأفكار المقلقة والمواقف التي تثير نوبات الوسواس القهري مع عدم فعل أي سلوك قهري أو تجنبي كاستجابة لهذه الهواجس الملحة . البديل لتقنية التعرض ومنع الاستجابة هو التعرض التخيلي والذي قد يكون فعال للغاية في تحدي هواجس وسواس التدقيق .

– تقنية التعرض ومنع الاستجابة قد تكون مؤلمة ، كما أنه تحتاج لأن يشعر العميل بأنه فعل شيء محرمًا أو خطرًا على إيمانه، لكن على المدى البعيد فإن تقنية التعرض ومنع الاستجابة تساعد العميل على تقليل السلوكيات القهرية وسلوكيات التجنب مما يسمح لهم بالعيش مع شعائرهم الدينية بشكل أكثر حرية وأصالة .

المترجمة : أسماء محمد القحطاني
حساب تويتر: @01sma01
مراجعة احمد الطلحي

المصدر : http://ocdla.com/scrupulosity-ocd-religion-faith-belief-2107

شارك المقال

اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!