ماهي البكتيريا ؟

20 فبراير , 2016

Bact

البكتيريا هي كائنات دقيقة (ميكروسكوبية) وحيدة الخلية تعيش في بيئات متنوعة, حيث يمكن أن تعيش في التربة أو في المحيطات أو في داخل أمعاء الإنسان.

إنّ علاقة الإنسان بالبكتيريا معقدة, ففي بعض الأحيان ينتفع البشر من البكتيريا؛ حيث بواسطتها يتخمّر الحليب إلى لبن رائب (زبادي)، وكذلك يتم الهضم في جسم الإنسان بمساعدة البكتيريا, ولكن في أحيان أخرى قد تكون مدمرة لحياة البشر, حيث تسبب بعض الأمراض مثل مرض الإلتهاب الرئوي  وكذلك الإصابة بعدوى المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين (Methicillin-Resistant Staphylococcus Aureus –MRSA-).

التركيب:

بالاعتماد على مدى تعقيد خلاياها, فإنّ جميع الكائنات الحية تنقسم إلى قسمين: أولية الخلية و حقيقية الخلية.

تعتبر البكتيريا من الكائنات أولية الخلية؛ حيث تتكون من خلية واحدة مع تركيب داخلي بسيط. وعلى عكس الحمض النووي (DNA) للكائنات حقيقية الخلية –والذي يتواجد بداخل تركيب خلوي يسمى بالنواة , فإنّ البكتيريا لا تحتوي على نواة حيث يسبح الحمض النووي طليقاً داخل الخلية، وبشكلٍ ملتوٍ مشابه للخيط يُدعى بالجسيم النووي أو النيوكليويد (Nucleoid).

وتحتوي البكتيريا أيضاً على حمض نووي حلقي منفصل يسمى بالبلازميد, و تفتقد البكتيريا وجود العضيات المرتبطة بالغشاء البكتيري؛ و هي تراكيب خلوية متخصصة تقوم بعدة وظائف في الخلية مثل إنتاج الطاقة و نقل البروتينات . ومع ذلك، فإنّ البكتيريا تحتوي أيضاً على الريبوسومات -والتي توجد في الكائنات الحقيقية الخلية- و هي عبارة عن وحدات كروية الشكل لإنتاج البروتين عن طريق تجميعه من الأحماض الأمينية المنفصلة بإستخدام المعلومات الموجودة على سلسلة الحمض النووي الناقل (Messenger RNA –mRNA-).

تحاط البكتيريا بشكل عام من الخارج بطبقتين واقيتين: جدار خلوي خارجي وغشاء خلوي داخلي. وبالرغم من ذلك، فإنّ بعض أنواع البكتيريا لا تحتوي على جدار خلوي مثل نوع المفطورة (Mycoplasma), بينما يحاط البعض الآخر منها بغشاء ثالث خارجي يُدعى بالكبسولة. وقد تحاط الخلايا بزوائد خارجية مثل الأسواط و الأهداب؛ فوظيفة الأسواط هي مساعدة البكتيريا على الحركة، أما الأهداب فتساعدها على الإلتصاق بسطح الكائن الأخر (المضيف).

التصنيف:

هناك بعض المعايير المختلفة التي تُستخدم لتصنيف البكتيريا, حيث يتم تصنيفها إما بحسب طبيعة جدارها الخلوي، أو بحسب شكلها، أو بحسب الإختلافات في تركيبها الجيني.

يتم استخدام اختبار صبغة جرام (Gram Stain Test) لتصنيف البكتيريا حسب تركيب جدارها الخلوي , حيث ينسب الإسم للعالم “هانز كريستيان جرام” الذي طوّر هذه التقنية في عام 1884م. يتم صبغ البكتيريا أولاً بصبغة بنفسجية اللون تدعى بـ “الصبغة الكريستالية البنفسجية- Crystal Violet” حيث ترتبط هذه الصبغة خصيصاً بطبقة البيبتيدوجلايكان التي تتكون من الأحماض الأمينية والسكر وتتواجد في الجدار الخلوي, ويتبع ذلك عدة خطوات حيث يتم إزالة بواقي الصبغة الغير مرتبطة بالجدار الخلوي أو المرتبطة به ولكن بشكلٍ ضعيف.

بعد ذلك يتم صبغ البكتيريا بصبغة حمراء تسمى بالصفرانين, وعندها يمكن لنا التفريق بين أنواع البكتيريا: فالبكتيريا الموجبة الجرام تُصبغ باللون البنفسجي لأن جدارها يحتوي على كمية كبيرة من الببتيدوجلايكان, أما السالبة الجرام فجدارها يحتوي على طبقتين فتُصبغ باللون الأحمر, فالطبقة الخارجية المكونة من الدهون لا ترتبط بصبغة الكريستال البنفسجية وبالتالي سيسهل غسل الصبغة خلال عملية الصبغ، على سبيل المثال؛ فإنّ البكتيريا المكورة العقدية الرئوية (Streptococcus pneumonia) المسببة للإلتهاب الرئوي هي بكتيريا موجبة الجرام، بينما البكتيريا الإشريكية القولونية ( Escherichia coli -E.coli-) والضمّة الكوليرية (Vibrio Cholera) المسببتان لمرض الكوليرا فهما سالبتا الجرام.

أما من حيث الشكل فتُقسم البكتيريا إلى ثلاثة أشكال أساسية وهي: الكروي (Coccus)، الكبسولي المستطيل (Bacillus)، والحلزوني (Spirillum). وقد تجتمع خليتان أو أكثر من نوع معين من الأنواع السابقة لتكون على سبيل المثال سلسلة مطولة من البكتيريا الكروية أو بشكل عنقودي. وتدخل أشكال البكتيريا في التسمية العلمية لبعض أنواع البكتيريا كالبكتيريا المكورة العقدية المذكورة آنفاً.

تم تقسيم البكتيريا أعلاه إعتماداً على الخصائص الوظيفية والشكلية. وبالرغم من ذلك، فإنّ تصنيف البكتيريا بحسب تطورها وعلاقاتها مع بعضها البعض، أي بمعنىً آخر، كرسم شجرة عائلة تضم كل أنواع البكتيريا، لا يزال يعتبر تطوراً جديداً. إلا أنه يمكننا الآن الكشف عن نوع تطور البكتيريا إعتماداً على تقنية تحليل تسلسل النيوكليوتيدات (وهي عبارة عن تقنية لها القدرة على قراءة ترتيب النيوكليوتيدات في الأحماض النووية: DNA و RNA). وبما أنّ الريبوسومات موجودة في كل أنواع الخلايا الحية، فيتم النظر لأوجه التشابه والإختلاف في سلاسلRNA  التي يتم ترجمتها لبروتينات معينة وتحديد درجة الإرتباط بين الكائنات المختلفة .

وأشار الدكتور كارل ويس في مقاله (مالذي يجب و ما يجب أن نعرفه عن البكتيريا؟ )، إلى أن تحليل الحمض الريبوزي الريبوسومي (ribosomal RNA) يؤدي لتوضيح العلاقة بين أنواع البكتيريا. و بإستخدام تقنية التسلسل القديمة والمطورة بواسطة فريدريك سانجر في منتصف الستينات الميلادية، قام د.ويس بتحديد الحمض الريبوزي الريبوسومي للبكتيريا واكتشف نوعاً آخر من الكائنات وحيدة الخلية تسمى بالأصليات (Archaea). وحتى ذلك الوقت، فقد تم تصنيف النوع الوحيد المنتمي للأصليات وهو الميثانوجينات (Methanogens) بالخطأ كنوع من البكتيريا. ولكن قام العالمان ويس وجورج فوكس بنشر ورقة علمية في عام 1977م، تم الإثبات بها أنّ هذا النوع لا يشابه البكتيريا ولا ينتمي لها. 

التكاثر:

تتكاثر معظم أنواع البكتيريا بواسطة عملية “الإنشطار الثنائي”؛ حيث أنّ خلية البكتيريا الوحيدة (الأم) تقوم بعمل نسخة من الحمض النووي الخاص بها و تُضاعف حجمها عن طريق مضاعفة محتوياتها من العُضيّات. ويتم دفع هذه المحتويات المضاعفة إلى أحد طرفيْ الخلية, ثم يظهر شق صغير في وسط الخلية الأم يؤدي بذلك إلى فصل الخلية إلى خليتين؛ حيث تكون الخلية الجديدة نسخة طبق الأصل عن الخلية الأم، وعلى ذلك يكون الناتج خليتان متطابقتان تماماً. وتتكاثر بعض أنواع البكتيريا؛ مثل البكتيريا الزرقاء –السيانوبكتيريا- (Cyanobacteria) والبكتيريا متينة الجدار (Firmicutes)، عن طريق التبرعم. فخلال عملية التبرعم، تنمو الخلية الناتجة عن طريق ظهور فرع صغير من الخلية الأم الذي ينمو تدريجياً حتى يصبح بحجمها ثم ينفصل منها مكوناً خلية مطابقةً للأم.

إنّ الحمض النووي الموجود في الخلايا الأبوية والجديدة الناشئة بعد عملية الإنشطار الثنائي أو التبرعم يتطابق تماماً في جميع هذه الخلايا. ولهذا السبب تحاول بعض أنواع البكتيريا إحداث تغييرات في مادتها الوراثية، بإدخال حمض نووي إضافي في الجينوم الخاص بها (الجينوم هو مجموع المادة الوراثية الذي تحتويه الخلية). ويُعرف ذلك بـ”إنتقال الجينات الأفقي”، والذي يؤدي إلى ظهور تغيّر معين في المادة الوراثية للبكتيريا؛ الأمر الذي يتيح للخلية القدرة على التكيّف والعيش في بيئات مختلفة. وتوجد ثلاث وسائل يمكن حدوث ذلك بواسطتها وهي: التحول, النقل, والإقتران.

خلال عملية التحول، تقوم الخلية البكتيرية بإلتقاط سلسلة صغيرة من الحمض النووي من البيئة المحيطة بها. ووفقاً لمؤلفي كتاب “علم الأحياء الدقيقة الطبية”، فإنّ هذه السلاسل الصغيرة يتم إطلاقها عن طريق خلية بكتيرية أخرى مجاورة قد تكون على الأغلب قد تمزقت. وفي المقابل، تحدث عملية النقل من خلال إصابة البكتيريا بعدوى فيروسية من أحد أنواع الفيروسات تُعرف بـ”العاثية” أو (Bacteriophage) والتي لديها القدرة على حمل الحمض النووي البكتيري.

أما الإقتران فيتطلب احتكاكاً فيزيائياً بين خليتين بكتيريتين. فالمادة الوراثية، والتي تكون غالباً على شكل بلازميدٍ مضاعف، تنتقل من الخلية المانحة للخلية المستقبلة. بعد ذلك، تنتقل هذه النسخة من البلازميد عبر تمدد جزء حيوي من الخلية البكتيرية المانحة يسمى الشعيرة أو القنطرة نحو الخلية البكتيرية الأخرى المستقبلة. وتحتوي الخلية المانحة على سلسلة من الحمض النووي (DNA) تسمى بالعامل F (F-factor) والتي تسمح بتكوين الشعيرة. ويساعد الإقتران في انتشار المقاومة البكتيرية للمضادات الحيوية (Antibiotic Resistance).

تأثير البكتيريا في صحة الإنسان و في الأمراض:

قد تكون البكتيريا مفيدة وقد تكون أيضاً ضارةً لصحة الإنسان؛ فهناك نوع من البكتيريا المتعايشة والتي تحتل مساحة في أجسادنا و تتغذى في داخلنا وبالمقابل تكون مساعدة لنا. ففي عام 2012م، تم نشر مقال في مجلة نيتشر (Nature) تحت عنوان: ” التعلم عن ماهيتنا” للكاتب ديفيد ريلمان، المختص في علم الأحياء الدقيقة بجامعة ستانفورد, حيث قال بأن الخلايا الميكروبية تتواجد بنسبة ما يقارب 10 أضعاف الخلايا البشرية في جسم الإنسان, ويوجد أكبر عدد من أنواع الميكروبات في أمعاء الإنسان.

إنّ أمعاء الإنسان تُشكّل وسطاً مريحاً للبكتيريا؛ حيث تتوفر بها الكثير من العناصر الغذائية اللازمة لنموها ومعيشتها. وفي تقرير تم نشره عام 2014م، تحت عنوان “تحليل البكتيريا النافعة بجسم الإنسان: دليل الأطباء”، في المجلة الأمريكية لأمراض الجهاز الهضمي, حيث ذكر المؤلفين أنّ بكتيريا الأمعاء وميكروبات أخرى تساعد في الهضم, وتساعد في منع خطر تكوّن مستعمرات الميكروبات الضارة، وتساعد أيضاً في تطوير جهاز المناعة. بالإضافة إلى ذلك، فلقد تمّ اكتشاف ارتباط الإضطرابات التي تصيب البكتيريا النافعة في الأمعاء بحالات مرضيّة معينة؛ فعلى سبيل المثال، تزيد لدى المرضى الذين يعانون من داء كرون (Crohn’s Disease) نسبة الأجسام المضادة ضد البكتيريا النافعة في الأمعاء، وازدادت كذلك عدوانية الخلايا التائية (T-cells) المناعية ضد المُستضدّات (الأنتيجينات-Antigens), وذلك بحسب ما ورد في تقرير “بكتيريا الأمعاء النافعة في الصحة و المرض” والتي تم نشرها عام 2003م في مجلة لانسيت.

وقد تُسبب بعض أنواع البكتيريا الأخرى حدوث العدوى المرضية. فعلى سبيل المثال، قد تكون البكتيريا المكورة العقدية الرئوية (Streptococcus pneumonia) سبباً لحدوث الإصابة بالإلتهاب الرئوي. وهناك أيضاً بعض أنواع البكتيريا مثل: البكتيريا المكورة العقدية (Streptococcus)، المكورة العنقودية الذهبية (Staphylococcus Aureus)، المغزلية (Clostridium)، وأخيراً الإشريكية القولونية (Escherichia Coli) والتي قد تُسبب نوعاً نادراً من العدوى الشديدة بالأنسجة الرخوية ُدعى بـ”العدوى الآكلة للحم” وتسمى أحياناً أيضاً بالبكتيريا الأكلة للبشر. ووفقاً لمراكز التحكم بالأمراض (Centers for Disease Control)، فإنّ هذه العدوى يمكن أن تؤثر على الأنسجة المجاورة للعضلات والأعصاب والأنسجة الدهنية والأوعية الدموية، ومع هذا فإنّه بالإمكان معالجة العدوى وخاصةً إذا تمّ الكشف عنها في مرحلة مبكرة.

المقاومة البكتيرية للمضادات الحيوية:

تُستخدم المضادات الحيوية في علاج العدوى البكتيرية. وفي السنوات الأخيرة، عزّز الإستخدام الغير مبرر للمضادات الحيوية ظهور سلالات جديدة من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.

والمقاومة البكتيرية للمضادات الحيوية (Antibiotic Resistance) هي عبارة عن ظاهرة تحدث عندما لا تتأثر البكتيريا المعدية بالمضادات الحيوية المؤثرة بها في السابق. ووفقاً لمراكز التحكم بالأمراض (Centers for Disease Control)، يوجد على الأقل مليونين حالة إصابة بالبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية بالولايات المتحدة سنوياً, الأمر المؤدي إلى وفاة 23.000 شخص على الأقل سنوياً. وقال الدكتور كريستوفر كرنيتش، طبيب الأمراض المعدية والمختص بعلم الأوبئة بمستشفى جامعة ويسكونسن ومستشفى ماديسون للمحاربين القدامى، قال: ” إنّ أيّ عدوى يمكن أن تُفكّر فيها الآن يمكن إعتبارها على الأغلب ذات علاقة نوعاً ما مع المقاومة البكتيرية للمضادات الحيوية، فهناك قلّة من العدوى التي نعالجها الآن والتي حصلت بسبب المقاومة البكتيرية بحيث لا تُسبب أي قلقٍ صحي يُذكر.”

واحدة من أكثر الفصائل المقاومة للمضادات والسيئة السمعة هي فصيلة البكتيريا المكورة العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين (Methicillin-Resistance Staphylococcus Aureus (MRSA))،حيث تقاوم هذه البكتيريا مضاد الميثيسيلين وأنواع أخرى مختلفة من المضادات المستخدمة في علاج عدوى البكتيريا المكورة العنقودية. وتنتقل هذه العدوى (MRSA) في البداية عن طريق ملامسة الجلد، وتنتشر عادة بين أخصائين الرعاية الصحية وممارسي التمريض المنزلي، حيث تؤدي لحدوث الإلتهاب الرئوي أو عدوى بمجرى الدم. وتنتشر أيضاً في المجتمعات التي يكثر بها ملامسة الجلد أو استخدام الأغراض والأجهزة المُتشاركة مع أشخاص آخرين على سبيل المثال بين الرياضيين وفي القاعات الرياضية، والمدارس، والصالونات التجميلية، ومرافق الرعاية النهارية (كالحضانة). وتُسبب البكتيريا الملتقطة من هذه المجتمعات (بكتيريا MRSA) غالباً عدوى البشرة.

ومن الضروري جداً الحذر عند استخدام المضادات الحيوية, كما ذكر كرنيتش “إنه لمن المهم جداً لنا استخدام المضادات الحيوية بشكل صحيح وذكي فنحن يجب أن نستعملها فقط في حالة الإصابة بعدوى بكتيرية واضحة ”

ترجمة : رنيم الحربي

@GeneticW

المصدر:

    http://www.livescience.com/51641-bacteria.html

شارك المقال

اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!