الألماس النانوي… حجم صغير وإمكانات هائلة

الألماس النانوي… حجم صغير وإمكانات هائلة

12 ديسمبر , 2023

ترجم بواسطة:

منة إدريسي

دقق بواسطة:

زينب محمد

كان الألماس من أولى المعادن التي تشكلت في الكون، فهو عبارة عن كربون نقي تكثف من الغازات المنبعثة عندما انفجر الجيل الأول من النجوم (روبرت هازن).

 الألماس النانوي في المقابل هو المصطلح المستخدم لوصف جسيمات الماس الصغيرة جدًا التي يتراوح حجمها عادةً من 3-5 نانومتر إلى 100 نانومتر، ويمكن إنتاجه صناعيًا عن طريق تفجير مادة منتجة للكربون في غرفة مغلقة لتوفير الحرارة والضغط أو عن طريق تعليق الجرافيت في سائل عضوي باستخدام التجويف بالموجات فوق الصوتية أو ترسيب البخار الكيميائي (Chemical Vapour Deposition).

 يستكشف الباحثون حاليًا إمكانات هذا الألماس صناعي المنشأ في العديد من التطبيقات الحياتية، وسنسلط الضوء في هذا المقال على بعضٍ منها.

التطبيقات الإلكترونية

الكيوبتات

أثبت الألماس النانوي قدرته الفائقة في تصنيع الكيوبتات، المستخدمة في تحسين سرعة معالجة أجهزة الحاسوب الكمومية. إذ يقوم الباحثون باستخدام مجالات ضوئية مركزة بالقرب من الأسطح المعدنية لالتقاط الألماس النانوي، ثم يُستخدم مجهر القوة الذرية لدفعه من مكانه واحدًا تلو الآخر لتشكيل بنية مترابطة من بواعث الألماس النانوي قابلة للاستخدام في تصنيع الكيوبتات. 

تعد تقنية  الملقط الكهربائي  المنخفض التردد (low frequency electrothermal plasmonic tweezer) إنجازًا آخر للألماس النانوي، فقد كان باحثو Vanderbilt هم أول من قدم نهجًا لالتقاط وتحريك  الماس النانوي الغرواني الفردي (single colloidal nanodiamond) والذي يحتوي على مراكز شواغر النيتروجين  (Nitrogen vacancy centers) وهو عيب ذري يتشكل في شبكة الماس عن طريق استبدال ذرة نيتروجين بذرة كربون وإنشاء فراغ مجاور في الشبكة البلورية. 

 هذه التقنية ستفتح المجال مستقبلاً لعدد كبير من تطبيقات الحوسبة الكمية، بدءًا من التصوير العالي الدقة إلى إنشاء أجهزة إلكترونية أصغر حجمًا.

شرائح الكمبيوتر

طور فريق من المهندسين الكهربائيين جميع المكونات الأساسية اللازمة لإنشاء أجهزة إلكترونية دقيقة باستخدام أغشية رقيقة من الألماس النانوي موضوعة على طبقة من ثاني أكسيد السيليكون.

ابتُكرت أيضًا إصدارات ماسية من الترانزستورات والبوابات المنطقية (Logic gate)، وهي عناصر أساسية في أجهزة الكمبيوتر  تتميز بتصميم محصن للغاية من أضرار الإشعاع  الذي يعطل عمل الترانزستورات، بحيث يحدث تذبذبًا بسيطًا عند اصطدام الإلكترونات بالأنود أو الكاثود أثناء رحلة تدفقها عبر الفراغ على عكس الاضطراب الشديد الذي يحدث في حالة استخدام أجهزة السيليكون.

بطاريات الليثيوم الأكثر أمانًا

رغم أن بطاريات أيونات الليثيوم، المستخدمة على نطاق واسع في الأجهزة المحمولة تتمتع بعمر أطول من نظيراتها من البطاريات التجارية المستخدمة حاليًا، إلا أنها سببت أيضًا عددًا من الانهيارات والحرائق مؤخرًا بسبب قصر الدائرة الكهربائية.

على أمل منع المزيد من هذه الأعطال الخطرة وتقليص الترسيب الكهروكيميائي، طور الباحثون آلية يمكنها تحويل محلول الإلكتروليت (electrolyte) إلى درع آمن مقاوم للعملية الكيميائية التي تؤدي إلى كوارث متعلقة بالبطاريات، وذلك عن طريق إضافة الألماس النانوي إلى المحلول.

تطبيقات الفضاء

 قام باحثون بتعبئة مسدس غاز خفيف بقذائف كروية من الألومنيوم وأطلقوها على أنابيب نانوية كربونية متعددة الجدران بقذائف كروية بسرعة فائقة بلغت 6.9 كيلومترات في الثانية. وكانت النتيجة انقسام تلك الأنابيب إلى شرائط نانوية للحصول على هياكل نانوية كربونية ملحومة قابلة للاستخدام في تصميم مواد خفيفة لتصنيع مركبات فضائية وأقمار صناعية تتحمل تأثيرات المقذوفات العالية السرعة مثل النيازك والشهب.

التطبيقات الكيميائية

 مادة تشحيم جافة تدوم لفترة طويلة

تأخذ مواد التشحيم الصلبة الأكثر استخدامًا في السوق حاليًا شكل معجون الجرافيت. ففي عام 2015 حقق Anirudha Sumant تقدمًا كبيرًا في تقنية التزييت الصلب من خلال استخدام مادة تشحيمية جديدة على نطاق هندسي لأول مرة باستخدام الجرافين جنبًا إلى جنب مع الألماس النانوي. في الآونة الأخيرة، استبدل الجرافين في هذه العملية بثاني كبريتيد الموليبدينوم (two-dimensional molybdenum disulfide) الذي يتفاعل مع الألماس النانوي لتحويله إلى كربون يشبه البصل، يمكنه تحمل ضغط تلامس عالٍ لإنتاج مادة تشحيم فائقة الجودة.

التطبيقات البيئية

مياه نظيفة من المرشحات الغشائية

لا تستطيع تقنيات التنقية الحالية معالجة مياه الصرف الصحي الساخنة جدًا الناتجة عن بعض الصناعات، ولكن نجح الباحثون مؤخرًا بدمج جزيئات الألماس النانوي المحسنة للأمين (amine) في أغشية معالجة المياه لمواجهة هذا التحدي وذلك عبر ربط الأمينات بالألماس النانوي وغسلها في محلول أسيتات الإيثيل (ethyl acetate) لمنع تكتل الكرات، ثم أضافوا مونومر يتفاعل مع الأمينات لإنشاء روابط كيميائية لقاعدة الغشاء التقليدية. هذه الطريقة الجديدة أنتجت أغشية أكثر سمكًا وثباتًا في درجة الحرارة ويمكن أن تعالج مياه الصرف الصحي بشكل أكثر فعالية.

التطبيقات الطبية

 يتمتع الألماس النانوي بالعديد من المزايا في التطبيقات الطبية الحيوية، إذ تسمح مساحة السطح الكبيرة بتحميل كمية كبيرة من العلاج على الجسيمات لاستخدامها مع أي نوع من العلاجات تقريبًا، بما في ذلك الجزيئات الصغيرة والبروتينات والأجسام المضادة، ويمكن تعليقها بسهولة في الماء كذلك وهي خاصية مهمة في الطب الحيوي. يتميز أيضًا بتوافقه البيولوجي وعدم تسببه في الالتهابات، لذلك أثبت جدارته في بعض مجالات صناعة الأدوية وإيصالها، فضلاً عن الأجهزة الطبية، أبرزها:

مقياس نانومتر لقياس درجة الحرارة

 بسبب عدم وجود مقاييس نانوية دقيقة وموثوقة. توصل فريق دولي من الباحثين إلى تقنية كمومية لسبر درجة الحرارة على مقياس نانومتر، قام فريق البحث بتزيين سطح الألماس النانوي بهياكل بوليمرية وحقنها في الديدان الخيطية الحية الحرة. وابتكروا خوارزمية التصوير بالرنين المغناطيسي العالي التباين (High-contrast MRIs) التي نجحت  بالفعل في تعقبها وقياس درجة الحرارة بثبات. هذا يقوي العلاقة بين الاستشعار الكمي وعلم الأحياء ويساهم في إدخال تقنيات التصوير الحراري الجديدة في البحوث الطبية الحيوية.

علاج السرطان

ابتكر علماء الفيزياء طريقة لاستخدام الماس في تحديد أماكن الأورام السرطانية قبل أن تصبح مهدِدة للحياة. من خلال ربط ألماس مفرط الاستقطاب بجزيئات تضيء في فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي (Magnetic Resonance Imaging) كعلامة على وجود سرطانات في المرحلة المبكرة.

لجأ فريق آخر من العلماء إلى الألماس النانوي لمعالجة مقاومة سرطان الدم للعلاج. فربطوا أسطحها بداونوروبيسين (Daunorubicin) لإدخال مجمعات الأدوية النانوية الهجينة إلى خلايا سرطان الدم  بسهولة دون انسداد الأوعية الدموية، وبالتالي نجحوا في تعزيز توصيل الدواء إلى الخلايا والاحتفاظ به داخلها مدة كافية. بنفس الطريقة قاموا بربط جزيئات (Doxorubicin) بأسطح الألماس لمواجهة الورم الأرومي الدبقي (Glioblastoma).

قناة الجذر

أثناء الإصابة بقناة الجذر (root canal)، يزال لب الأسنان الملتهب ثم تملأ المساحة الفارغة ببوليمر (gutta percha) لمنع العدوى، لكن الأخير غالبًا لا يتفاعل داخل الجسم ولا يزيل العدوى تمامًا مما يؤدي إلى فقدان الأسنان. باستخدام الألماس النانوي المحملة بالمضادات الحيوية وجد باحثو طب الأسنان أن المركب يمنع بشكل فعال العدوى البكتيرية.

المفاصل الاصطناعية

ينتج عن تآكل المفاصل المصنوعة من السبائك المعدنية حطامًا يمكن أن يسبب الألم. لذلك، صمم باحثون طلاء الألماس النانوي لتقوية المفاصل الاصطناعية، فلوحظ بالإضافة إلى ذلك أنها قللت بشكل كبير من التعبير عن العديد من الجينات المعروفة بأنها تلعب أدوارًا في الالتهاب وفقدان العظام مقارنةً بجزيئات المعادن والبلاستيك، بما في ذلك عامل نخر الورم TNF)-α) والإنترلوكين IL)-1β) والكيماويات (Ccl2) وعامل النمو المشتق من الصفيحات (PDGF).

الجلوكوما

عادةً ما يعالج الأطباء الزَّرَقُ (Glaucoma) باستخدام قطرات العين تيمولول ماليات (timolol maleate). لكن ما لا يزيد عن 5% من الدواء يصل فعليًا إلى الموقع المقصود. لذلك، طور المهندسون الحيويون عدسات لاصقة مدمجة بالألماس النانوي (Nanodiamond-embedded contact lenses). فقد قاموا بدمجها مع قطرة ماليات تيمولول، لتحرير القطرات عند تلامسها مع إنزيم الدموع الليزوزيم (lysozyme) وستحسن علاج الجلوكوما.

ختامًا، فإن تطبيقات الألماس النانوي لا حصر لها وتعد بمستقبل واعد في العديد من المجالات الحياتية ومازال العلماء يستكشفون إمكاناته الفائقة لتعميم استخدامه في جميع المجالات بفعالية وأمان.

المصادر:

بقلم: منة إدريسي

مراجعة وتدقيق: زينب محمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!