دمج التقنيات القابلة للارتداء بتقنيات الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بتطور اضطرابات الحركة

دمج التقنيات القابلة للارتداء بتقنيات الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بتطور اضطرابات الحركة

15 يونيو , 2023

ترجم بواسطة:

لمى الغامدي

طور فريق متعدد التخصصات من الباحثين طريقةً لرصد تطور اضطرابات الحركة باستخدام تقنية التقاط الحركة والذكاء الاصطناعي. حيث أظهر هذا الفريق الذي يجمع خبراء في مجال الذكاء الاصطناعي ومختصون في مجال الأبحاث السريرية في دراستين رائدتين نُشرتا في مجلة Nature Medicine أنه من الممكن تحديد الأنماط الحركية الواضحة، بالإضافة إلى القدرة على توقع تطور المرض في المستقبل وزيادة كفاءة التجارب السريرية في اثنين من الأمراض النادرة المختلفة، وهما مرض الضمور العضلي الدوشيني (DMD) ومرض رنح فريدريخ (FA)؛ وذلك من خلال الجمع بين بيانات حركة الإنسان التي تُجمع من التقنيات القابلة للارتداء وتقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة. 

إن مرضي الضمور العضلي الدوشيني ورنح فريدريخ يُعدان من الأمراض الوراثية التنكسية النادرة التي تؤثر على الحركة وتؤدي في نهاية الحال إلى الشلل. وحتى الآن لا يوجد دواءً لهما، ولكن يأمل الباحثون أن تسرّع هذه النتائج عملية البحث عن علاجات جديدة.

وبرغم أنه عادةً ما يتم تتبع تطور مرضي الضمور العضلي الدوشيني ورنح فريدريخ من خلال الاختبارات المكثّفة في بيئة سريرية، إلا أن هذه الأبحاث تقدم تقييمًا أكثر دقة؛ والذي بدوره يزيد من دقة وموضوعية البيانات التي يتم جمعها حول هذه الأمراض. 

نوّه الباحثون أيضًا على أهمية هذه الطريقة في تتبع المرض خصوصًا في حالة الأمراض النادرة التي يصعب فيها الوصول إلى مرضى مناسبين للخضوع للتجربة؛ حيث إنها تتطلب عددًا أقل بكثير من المرضى عمّا هو الحال مع الأساليب الأخرى. ويتطلع الباحثون إلى مساهمة استخدام التقنية يومًا في عملية رصد وتشخيص مجموعة من الأمراض الشائعة التي تؤثر على الحركة، مثل الخرف والسكتة الدماغية وأمراض العظام. 

الأستاذ ألدو فيصل هو المؤلف الرئيسي للبحثين، ويعمل في كلية لندن الامبراطورية في قسم الهندسة الحيوية والحوسبة ويعمل أيضًا مديرًا في مركز (UKRI) لتدريب باحثي الدكتوراة في مجال الذكاء الاصطناعي للرعاية الصحية، ورئيسًا لقسم الصحة الرقمية في جامعة بايرويت بألمانيا.

صرّح الأستاذ ألدو فيصل قائلًا: “يجمع نهجنا كميات هائلة من المعلومات عن جميع الحركات الجسدية للمريض بطريقةٍ يستعصي على أي طبيب أعصاب مضاهاتها من ناحية الدقة والوقت؛ حيث تبني تقنية الذكاء الاصطناعي لدينا توأمًا رقميًا للمريض لتسمح لنا بالتنبؤ بدقة وبطريقةٍ غير مسبوقة كيفية تطور المرض في جسد المريض”.

وأضاف: “نرى لنفس تقنية الذكاء الاصطناعي هذه الفعالة في علاج مرضين مختلفين تمامًا نتائجًا واعدة في تطبيقها على العديد من الأمراض ومساعدتنا على تطوير علاجات أسرع وأرخص وأكثر دقة”.

ما قُدّم في هذه البحثين ما هو إلا ثمار تعاونٍ ضخم لباحثين من مختلف التخصصات؛ ابتداءً بتقنية الذكاء الاصطناعي والهندسة وعلم الوراثة، وانتهاءً بعددٍ من التخصصات السريرية. 

وقد تعددت المؤسسات المشارِكة؛ فتواجد باحثون من كلية لندن الامبراطورية، ومركز (UKRI) للذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية، ومجلس الأبحاث الطبية في معهد لندن للعلوم الطبية (MRC LMS)، ومعهد كلية لندن الجامعية لصحة الطفل (UCL GOS ICH)، والمعهد الوطني للأبحاث الصحية بمركز أبحاث الطب الحيوي المتواجد في مستشفى جريت أورموند ستريت (NIHR GOSH BRC)، ومركز (Ataxia) التابع لكلية لندن الجامعية بكوين سكوير، ومستشفى جريت أورموند ستريت، والمستشفى الوطني لطب الأعصاب وجراحة الأعصاب (UCLH و UCL / UCL BRC)، وجامعة بايرويت، ومستشفى (Gemelli) في روما بإيطاليا، وأخيرًا باحثون من قسم الأبحاث في المعهد الوطني للأبحاث الصحية في كلية لندن الامبراطورية. 

بصمات الحركة، التجارب تحت المجهر

قال المؤلف المشارك لكلا الدراستين البروفيسور ريتشارد فيستنشتاين من مجلس الأبحاث الطبية في معهد لندن للعلوم الطبية، ومن قسم علوم الدماغ تحديدًا في كلية لندن الامبراطورية:

 “غالبًا ما يرغب المرضى والعائلات في معرفة مدى تقدم مرضهم، وقد تساعد تقنية التقاط الحركة هذه مع الذكاء الاصطناعي في تقديم هذا النوع من المعلومات لهم. ونأمل أيضًا أن يكون لهذا البحث القدرة على تغيير طبيعة التجارب السريرية في اضطرابات الحركة النادرة وتحسين طرق تشخيص ومراقبة للمرضى لتتفوق على تلك التي تعتمد على الاداء البشري”. 

قام الباحثون والأطباء في الدراسة التي تركز على مرض الضمور العضلي الدوشيني بتجربة بدلة الاستشعار التي ارتداها 21 طفلًا مصابًا بضمور العضلات الدوشيني أثناء إجراء التقييمات السريرية القياسية مثل: اختبار المشي لمدة 6 دقائق أو أثناء ممارستهم للأنشطة اليومية كالأكل واللعب، وارتداها أيضًا 17 طفلًا يتمتعون بصحة جيدة وقادرين على التحكم بعضلاتهم أثناء خضوعهم لنفس الاختبارات. 

بينما في الدراسة التي تركز على مرض رنح فريدريخ، عمل عدد من الباحثين من مختلف المؤسسات العلمية مع المرضى لتحديد أنماط الحركة الرئيسية والتنبؤ بالعلامات الجينية للمرض. يعد رنح فريدريخ أكثر انواع الرنح الوراثي شيوعًا والذي ينتج عن تكرار ثلاثي غير طبيعي للحمض النووي مما يؤدي إلى إسكات جين رنح فريدريخ (أي أن الطفرة تقلل من نسخ الجين). 

تمكن الفريق باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي الجديدة من استخدام بيانات الحركة للتنبؤ بدقة من إسكات الجين وقياس مدى نشاطه دون الحاجة إلى أخذ أي عينات بيولوجية من المرضى. حيث كان الفريق قادرًا على إدارة مقياس تصنيف لتحديد مستوى إعاقة الرنح والتقييمات الوظيفية مثل المشي وحركات اليد / الذراعين لما يصل إلى 9 مرضى يعانون من رنح فريدريخ في ظروف متطابقة.

قُورِنت نتائج هذه التقييمات السريرية التي تم التحقق من صحتها مع تلك التي حُصل عليها من التقنية الأحدث على نفس المرضى وبنفس الضوابط، وقد كانت هذه التقنية تُظهر نتائج أكثر دقة في توقع تطور المرض. وجُمِعت البيانات في كلتا الدراستين من المستشعرات لإدخالها بعد ذلك في تقنية الذكاء الاصطناعي لإنشاء صور رمزية فردية بالإضافة إلى تحليل الحركات.

سمحت هذه المجموعة الضخمة من البيانات وأداة الحوسبة القوية للباحثين بتتبع أثر أنماط الحركة التي لوحظت على الأطفال المصابين بضمور العضلات الدوشيني وكذلك البالغين الذين يعانون من رنح فريدريخ التي كانت تختلف عن تلك لدى غير المصابين. العديد من أنماط الحركة التي اكتُشفت باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي هذه هي نتائج لم تكُتَشف من قبل في كلا المرضين.

 اكتشف العلماء أيضًا أن تقنية الذكاء الاصطناعي الجديدة يمكنها تحسين التنبؤات بشكل كبير حول مدى تقدم المرض للمريض على مدى ستة أشهر مقارنة بالتقييمات الحالية المعيارية. وينتج عن هذا التنبؤ الدقيق بالمقابل: تجاربًا سريرية أكثر كفاءة بحيث يمكن للمرضى الوصول إلى علاجات جديدة بشكل أسرع، وكذلك المساعدة في تحديد جرعات الأدوية بشكل أكثر دقة.

تجارب سريرية مستقبلية أقل

تُقدم هذه الطريقة الجديدة في تحليل حركات الجسم نتائجًا لا تقدّر بثمن عند الحديث عن التجارب السريرية لقياس فوائد العلاجات الجديدة؛ حيث إنها تزوّدهم بعلامات المرض الواضحة في هذه اللحظة بالإضافة إلى توقعات عمّا سيصل إليه المرض. 

يمكن أن تساعد هذه التقنية الباحثين أيضًا عند إجراء تجارب سريرية لأمراض الحركة في الوصول إلى نتائج أكثر دقة وبشكلٍ أسرع. حيث أظهر الباحثون في دراسة مرض الضمور العضلي الدوشيني أن هذه التقنية الجديدة يمكن أن تقلل عدد الأطفال الخاضعين للتجربة إلى ربع أولئك الخاضعين للتجارب التي تؤدّى بالطرق الحالية.

مثلما هو الحال في الدراسة التي ركزت على مرض رنح فريدريخ والتي أظهر فيها الباحثون أنهم يستطيعون تحقيق نفس الدقة في النتائج مع ١٠ مرضى بدلًا من ١٦٠ مريض، فإن هذا الفرق في عدد المرضى ما هو إلّا بصيص أمل خصوصًا لتلك الأمراض النادرة. 

قال أحد المؤلفون المشاركون في كلتا الدراستين البروفيسور توماس فويت: “تُظهر الدراسات كيف يمكن للتقنية المبتكرة أن تحسن بشكل كبير الطريقة التي ندرس بها الأمراض يوميًا، فضلاً على أن تأثيرها جنبًا إلى جنب مع المعرفة السريرية المتخصصة لن يؤدي فقط إلى تحسين كفاءة التجارب السريرية، ولكن سيساعدنا في التعرف على العديد من الأمراض التي تؤثر على الحركة”. 

وأضاف: “بفضل تعاون العديد من معاهد البحوث والمستشفيات والتخصصات السريرية والمرضى وأُسرهم، أصبح بإمكاننا البدء في حل المشكلات الصعبة التي نواجهها أثناء البحث في الأمراض النادرة”. 

قال أول المؤلفين المشاركين في الدراستين، الدكتور بالاسوندرام كاديرفيلو، باحث ما بعد الدكتوراه في أقسام كلية لندن الامبراطورية للحوسبة والهندسة الحيوية: “لقد فوجئنا برؤية كيف تمكنت خوارزمية الذكاء الاصطناعي من اكتشاف بعض الطرق الجديدة لتحليل الحركات البشرية والتي أطلقنا عليها “بصمات السلوك” لأنه كما تسمح لنا بصمات أصابع يدك بالتعرف عليك، فإن هذه البصمات الرقمية تميز المرض بدقة بغض النظر عما إذا كان المريض على كرسي متحرك أو يمشي، يخضع للتجربة في العيادة أو أثناء تناوله الغداء في مقهى”.

 أوضحت الدكتورة فاليريا ريكوتي: “البحث عن حالات نادرة يمكن أن يكون أكثر تكلفة وأكثر تحديًا من الناحية اللوجستية، مما يعني أن المرضى قد يفوّتون فرصة العلاجات الجديدة المحتملة، وتمنحنا زيادة كفاءة التجارب السريرية من خلال هذه التقنية الأمل في أن نتمكن من اختبار العديد من العلاجات بنجاح”.

قالت البروفيسورة باولا جيونتي، أحد المؤلفين المشاركين في الدراستين: “نحن سعداء بنتائج هذا المشروع الذي أظهر كيف أن مناهج الذكاء الاصطناعي تتفوق بالتأكيد في التقاط تطور المرض في مرض نادر مثل رنح فريدريخ وأعتقد أنه من خلال هذا النهج الجديد يمكننا إحداث ثورة في تصميم التجارب السريرية للأدوية الجديدة ومراقبة تأثيرات الأدوية الموجودة بالفعل بدقة لم نختبرها في الأساليب السابقة”.

وأضافت: “ما جعل المشروع ممكنًا هو العدد الكبير من مرضى رنح فريدريخ الذين شُخّصوا من الناحية السريرية والوراثية في مركز (Ataxia) التابع لمعهد كلية لندن الجامعية بكوين سكوير لطب الأعصاب، بالإضافة إلى مدخلاتنا المهمة في البروتوكول السريري وممتنون أيضًا لجميع مرضانا الذين شاركوا في هذا المشروع”.

المصدر: https://neurosciencenews.com

ترجمة: لمى الغامدي

تويتر: @_iblue7

مراجعة وتدقيق: د. فاتن ضاوي المحنّا

تويتر: @F_D_Almutiri


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!