لماذا يسير الوقت للأمام؟

لماذا يسير الوقت للأمام؟

24 أغسطس , 2015

وقت

“الوقت هو ما يبقي ويوقف جميع الأحداث من أن تحدث في وقت واحد ” هذا هو تعريف الوقت كما كتبه راي كامينغز في رواية الخيال العلمي”الفتاة في الذرة الذهبية” التي كتبها عام 1922م.  تلخص هذه الرواية وظيفة الوقت بشكل لطيف جدا, ولكن كيف يمكن للوقت أن يوقف جميع الأحداث من أن تحدث في آن واحد؟! وماهي الألية التي تدفع الوقت إلى أن يسير الى الأمام وليس إلى الوراء؟!

في دراسة حديثة نشرت في مجلة  فيزيائية لمجموعة من علماء الفيزياء النظرية الذين أعادوا التحقيق في مفهوم “السهم الزمني ” وهو المفهوم الذي يصف سير الوقت الى الإمام بلا هوادة. قام الباحثين في هذه الدراسة أو المراجعة لمفهوم السهم الزمني بتحليل وتسليط الضوء على الطرق المختلفة التي يظهر ويعبر بها الوقت عن نفسه على نطاق الكوني.

في المألوف, يتم وصف الزمن من خلال “فرضية الماضي” والتي تفترض أن أي نظام معطى يبدأ في حالة منخفضة من الانتروبي ومن ثم تدفعها الديناميكا الحرارية إلى زيادة الانتروبي, باختصار, يعتبر الماضي في حالة منخفضة الأنتروبي والمستقبل في حالة عالية الأنتروبي, وهو مفهوم يعرف ب “عدم تماثل او تناسق الديناميكي الحرارية للوقت”.

في تجاربنا اليومية, يمكن أن نجد الكثير من الأمثلة على زيادة الانتروبي, مثلا امتلاء الغرفة بالغاز أو ذوبان مكعب الجليد. في هذين المثالين نلاحظ زيادة لا رجعة فيها في الانتروبي ونتيجة لذلك نشهد حدوث الاضطراب .

إذا تم تطبيق هذا الوصف على النطاق الكوني, فمن المفترض أن الانفجارالكبيرنتج عنه كون في حالة منخفضة الأنتروبي – أي  في حالة من الحد الأدنى للأنتروبي. على مدى الدهر, كلما تمدد الكون و برد, الأنتروبي على مستوى هذا النظام الكبير (الكون) كان في حالة ازدياد. وبالتالي كما نصت الفرضية على أنه الوقت يرتبط ارتباطا وثيقا بدرجة الانتروبي  أو  درجة الاضطراب  في كوننا.

ولكن هناك العديد من المشاكل في هذه الفكرة!

مباشرة بعد حدوث الانفجار الكبير مجموعة من المشاهدات التي تم رصدها تشير الى أن بيئة الانفجار الكبير درجة حرارتها عالية وفي حالة بالغة من الفوضى والاضطراب ومكونة من جسيمات بدائية. بعد ذلك, كلما نضج الكون وأخذت درجة حرارته بالبرود والانخفاض التدريجي, بدأت الجاذبية بالزيادة تدريجيا وأصبحت تمسك بزمام الأمور مما جعل الكون يصبح أكثر انتظامًا و تعقيدًا. نتيجة للانخفاض في درجات الحرارة, تبرد الغيوم المحملة بالغازات والغبار و تتشكل النجوم وأيضا تتطور الكواكب من انهيار الجاذبية المفاجئ.  في نهاية المطاف, أصبحت الكيمياء العضوية ممكنة, مؤدية إلى الزيادة في فرص الحياة ونشأة الإنسان الذي قام بتعريف الزمان والمكان و وتحليله فلسفيا. نرى هنا أنه على هذا النطاق الكوني الاضطراب قد انخفض بشكل فعال ولم يزيد كما افترضته “فرضية الماضي”.
هذا، وصرّح الباحث المشارك فلافيو ميركاتي من  معهد بيرميتر للفيزياء النظرية في أونتاريو- كندا، مسألة كيفية قياس الانتروبي.

كما أن الانتروبي هي كمية فيزيائية فعلية تمتلك أبعاداً (مثل الطاقة والحرارة), هناك حاجة إلى وجود إطار مرجعي خارجي بحيث يمكننا قياس الأنتروبي بالنسبة لهذا الإطار المرجعي. “يمكن تطبيق هذه الفكرة على الأنظمة الفرعية للنظام الكوني, لأن هذه الأنظمة الفرعية تعتبر النظام الكوني “الأساسي أو الكلي” كمرجع لها ,لكن النظام الكوني الكلي ليس لديه أي مرجع خارجي لتحديد أيّ من هذه الكميات” هذا ما كتبه ميركاتي في رسالة عبر صندوق البريد إلى أخبار الاكتشافات.

لذلك, اذا لم يكن الانتروبي. ما هو الشيء الذي يقود التوقيت الكوني الى الأمام؟!

التعقيد هي كمية لا تمتلك أبعاداً ولا وحدات, و في أبسط أشكالها تصف مدى التعقيد في نظام معين, لذا لو نظرنا إلى الكون الذي نعيش فيه سنرى أن التعقيد مرتبط بشكل مباشر مع الزمن, مع مرور الوقت يصبح الكون منظم على نحو متزايد.

والسؤال الذي نسعى للإجابة عليه في مقالتنا, في المقام الأول, ما الذي  يبقي هذه الأنظمة في حالة منخفضة جدا من الانتروبي؟ الإجابة كما قالها ميركاتي : الجاذبية وميلها إلى خلق النظام وتركيبات أو بنيات بشكل معقد من تلك الفوضى.

لاختبار هذه الفكرة, قام ميركاتي وزملاؤه بإنشاء نماذج حاسوبية أساسية كلعبة لمحاكاة الجسيمات في الكون, ووجدوا أنه مع مرور الوقت بغض النظر عن كيفية عمل المحاكاة (ومهما كانت المدخلات الأولية) التعقيد في الكون دائما يكون في حالة زيادة ولم ينخفض أبدا مع مرور الزمن.

عندما حدث الانفجار الكبير بدأ الكون في أدنى حالة له من التعقيد (مثل حساء ساخن من الجزيئات المضطربة وكمية من الطاقة). بعد ذلك, عندما بدأ الكون بالبرود إلى حد معين بحيث أن الجاذبية بدأت بالتأثير والظهور, تجمعت الغازات معاً, و تشكلت النجوم, وتطورت المجرات أيضا. أصبح الكون حتماً أكثر تعقيداً والجاذبية هي القوة الدافعة والتي تقود هذه الزيادة في التعقيد.

قال ميركاتي ” كل حل تم تحليله و دراسته لنموذج الجاذبية كان لديه خاصية  في المنتصف بين حالة من التجانس ومن الفوضى وعدم التنظيم, والذي يبدو مشابها كثيرا لحساء البلازما الذي شكّل النظام الكوني في وقت تشكل موجات المايكرو الخلفية للكون”. أضاف ” لاحقا, الجاذبية من شأنها أن تعزز التجانس وتكوين هيكل وبنية النظام وترتيبة على نحو لا رجعة فيه”.

مع نضوج الكون ,الأنظمة الفرعية أصبحت معزولة بشكل كافي بحيث أن القوى الأخرى ظهرت وأقامت شروط سهم الوقت “الكلاسيكي” للسيطرة في حالة الانتروبي المنخفضة لهذه الأنظمة. في هذه الأنظمة الفرعية مثل حياتنا اليومية على كوكب الأرض يظهر الانتروبي ويكوّن ” سهم الديناميكي الحراري للزمن”.

على النطاق الكوني, تصورنا وإدراكنا  للزمن مقاد بالنمو المستمر للتعقيد في الكون ولكن في هذه النظم الفرعية الانتروبي  يبقى مسيطرًا.

وأضاف ميركاتي في بيان صحفي في ما معناه أن الكون عبارة عن نظام وبنية مستمرة النمو وتزداد تعقيدًا بشكل طردي. الكون يتكون من مجرات كبيرة جدا معزولة فيما بينها بفراغات واسعة, في الماضي البعيد كانت قريبة وأكثر تجمعا. لدينا حدس أن إدراكنا للزمن هو نتيجة لقانون يحدد نموًا لا رجعة فيه من التعقيد.

وستكون الخطوة التالية في هذا البحث هي إيجاد أو الحصول على الأدلة الرصدية وهذا ما يعمل عليه ميركاتي وشركائه الباحثين ” نحن لا نعلم بعد ما اذا كان هناك دليل “رصدي”, ولكن نعلم أي نوع من التجارب تمتلك الفرصة لاختبار فكرتنا وهي الأرصاد الكونية”

في الوقت الراهن لم يكشف ميركاتي في أي نوع من الأرصاد الكونية سيتم التحقيق فيه, لكن سيتم تفصيل ذلك في مقالة علمية بشكل رائع على الأرجح في المستقبل.

 

المصدر: http://news.discovery.com/space/time-always-marches-forward-why-141202.htm

شارك المقال

اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!