crossorigin="anonymous">
16 أبريل , 2014
كثيرًا ما كانت والدتي الكريمة تحذرني من افتعال المشاكل عندما كنت طفلاً مشاكساً، كانت تغير نبرة صوتها أحيانًا لتكسبها الخطورة و هي تحكي لي تلك القصة العجيبة.كانت تقول أن احد الأشخاص ضرب صديقة في صدره بشكل خفيف مازحًا معه فوقع ميتا في لحظته!!. ولا داع لأن أقول إن القصة كانت خيالية بالنسبة لي، إذ كيف يموت شخص بدون أسباب واضحة! و كنت أتوقع أن والدتي حفظها الله إنما كانت تقولها بداع الخوف و النصح.
بعد سنوات طويلة و بعد أن أصبحت طبيبا عرفت أن هذه القصة ليست مستحيلة الحدوث أبدا بل إن هناك اسما علميا أطلقه العلماء على ظاهرة الوفاة المفاجئة نتيجة ضربة خفيفة على الصدر في موضع القلب و هو (commotio cordis)!
كانت أول حالة ذكرتها المراجع الطبية تعود إلى عام ١٧٦٣ ميلادي لأشخاص توفوا بشكل مفاجئ بعد تلقي ضربات على الصدر بشكل أو بآخر، و كان الإجماع أن هذه الضربات تعتبر ضربات ضعيفة لا تسبب أي ضرر مباشر. توالت بعد ذلك الحالات و كان أغلبها لأشخاص أقل من ١٤ سنة كانوا يتمتعون بصحة جيدة جدا حتى أن الولايات المتحدة تملك سجل طبي لكل الحالات التي حصلت و تجمع المعلومات عن الضحايا للاستفادة البحثية. و كما هو الحال مع المجهول قام العلماء بالكثير من المحاولات لتفسير هذه الظاهرة و معرفة سبب حصولها و وضعوا الكثير من النظريات لعل أقربها كان اختلال كهربية القلب مما يؤدي لتباطؤ القلب أو تسارعه الشديد حتى يتوقف.
في عام ١٩٩٥م قام أحد العلماء بإجراء تجربة على مجموعة من الخنازير الصغيرة و قام بوضع الأقطاب لملاحظة الرسم الكهربائي للقلب لحظة بلحظة. و لمن لا يعرف فان القلب يضخ الدم بالانقباض ثم يرتخي ليمتلئ بالدم و هكذا دواليك، و كلما تسارع القلب كلما زادت كمية الدم التي يضخها إلى أن يصل إلى حد أعلى بعده لا يجد القلب الوقت الكافي لينقبض و يرتخي و يمتلئ بالدم و تكون انقباضاته غير فعّالة و لعل هذا يحصل حينما يتعدى ٢٠٠-٢٥٠ ضربة في الثانية. نعود إلى التجربة الغريبة حيث أن العالم أنبه ضميره فقام بتخدير الخنازير لكي لا تحس بالضربات ثم أطلق عليها في منطقة القلب وابلًا من كرات التنس الأرضي بسرعات متفاوتة و في زمن متفاوت بالنسبة لانقباض القلب و ارتخائه. وجد العالم أن ٧٠٪ من الضربات التي أطلقها بسرعة ٥٠ ميل بالساعة فوق موقع القلب عندما كان الأخير في فترة الارتخاء أدت إلى اختلال ضربات القلب لتتسارع من ٦٠ إلى ٤٠٠ في الدقيقة ثم تتوقف بعد ذلك. كذلك وجد أن هذا كله يحدث فقط خلال ١٥-٣٠ جزء من الألف من الثانية من كل ضربة للقلب يكون القلب مرتخي تماما و معرض للخطر لو تلقى ضربه مفاجئة.
و مما عزز تلك النتائج الغير متوقعة أنه يمكن إعادة إنتاجها بتوجيه ضربات في موقع القلب في تلك اللحظة الحرجة جداً و التي تجعل كهربائية القلب تخرج عن نظامها المعهود لتؤدي إلى الارتجاف البطيني القلبي الذي يعتبر قاتلاً خلال دقائق ما لم يخرج القلب من حالته العشوائية و يعود إلى عمله المنتظم..
أخيرا.. ينبغي الحذر فعلاً عند المزح أو حتى الشجار و تفادي الضربات التي تكون في مكان الصدر لأن هذا قد يوافق النقطة الحرجة -رغم أن الاحتمالات ضعيفة جدًا – لأن النتائج قد تكون وخيمة بالفعل.
المصدر:
اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية
اترك تعليقاً