crossorigin="anonymous">
1 أغسطس , 2021
” في مثل هذا اليوم من عام 1905م صاغ أينشتاين البالغ من العمر 26 عامًا افتِراضّيْن للنسبية الخاصة وهو مبدأ النسبية وثبات سرعة الضوء في الفراغ “ عبارة صادفتها أثناء تصفحي السريع بالأمس والتي أخذتني بعيًدا لأفُكر في العوامل التي جعلت مُخ أينشتاين يُزهر ويُثمر في عُمرِ صغير، كيف تَمّكن في هذا العُمر من التفرغ لمُنافسة آراء العُلماء الآخرين أمثال غاليليو غاليلي وأرسطو، ألم يكُن يملك تلك الأجندة المدرسية المُفيدة التي تملأ وقته؟ هل كان هُناك ضغط مجتمعي يحثُه هو وأقرانه على الإسهاب المعرفي في مجالات الحياة الأساسية؟ ألم يُعايش آثار الحرب العالمية الأولى وأحداث الحرب العالمية الثانية؟ أي حرب قاسية كفيلة لدفعك بالغالب إلى أقصى حدّين، أقصى حد الفن، أو أقصى حد الروحانية! هل يُمكن أن تكون الحرب أثرث عليه عكسيًا؟ أي غذته أكثر لخدمة الحرب بالعلم؟ ما الذي ساعده لتحقيق إنجازات مستدامة بمستوى أكبر من عمره الصغير؟
مُنذ صفوف الإعدادية وحتى الجامعة وأنا أبحث عن بذور شخصية المُفكر المُتحدي بين أقراني بالصف وأساتذتي، ولا أعتقد أنني قابلتُ أحدًا، لكن لأصدُق القول، يجب أن آتي بذكر ذلك السؤال الذي سأَلتُه زميلةُ لي بالصف في إحدى مراحل الثانوية، سؤالًا وإن بدت إجابته بسيطة إلا أنني لا أنسى طعمه الجميل إلى الآن، حيث سألت معلمة الفيزياء قائلة: “لماذا الحالة الغازية لا تتأثر بالجاذبية مثل الحالة الصلبة والجامدة، فالغاز يصعد للأعلى، أما السوائل والجوامد تقع على الأرض، فهل هذا يعني أن الغازات خارج مجال الجاذبية؟” ولأكون منصفة فلقد أجابت المعلمة – التي كانت تعطي آنذاك محاضرات لطالبات الجامعة أيضًا- بشكل جميل جدًا وبسيط ولا أعرف حقيقة لماذا أفسدته بتأكيدها أن التركيز على أهداف الدرس هو ما يُهمنا في اختبارات منتصف الفصل، فأنا لا يحضرني الآن من تلك المادة إلا تلك الثواني التي وقع فيها السؤال، ذلك السؤال أشعل بداخلي فتيلة شغف للبحث عن أسئلة على شاكِلتها، لا أنساه لها وأشكرها عليه كل يوم، لكن مربط الفرس هُنا، هو أننا بدونا منشغلين أكثر – خلال أعمارنا الصغيرة – بالأجندة المُفيدة غير المنظمة والتي استطاعت على الأقل أن تضمن لنا معاشًا جيدًا نهاية كُل شهر.
والآن أنت تُريد أن تعرف ما الذي أقصده بالأجندة المفيدة غير المنظمة وأنت مُحق في سؤالك، فلطالما هي غير منظمة فلن تكون مفيدة أو هي مفيدة لأنها منظمة، ليس من البديهي أن تتجاور هاتين الكلمتين بالطبع!
سأسرد عليك خطوات وصفة كيكة الفانيلا التي نقلتها بحذافيرها عن أخي الصغير- جارني قليلًا هُنا – :
ألا تُذكرك هذه الخطوات بالأجندة المُفيدة غير المنظمة؟ والأجندة المُفيدة المُنظمة شبيهة أكثر بــــــ …
إن الأجندة والتعليم بشكل عام أشبه ما يكون بلُعبة – dot to dots أوصلِّ النقاط، حيث يتم تقديم العديد من المعلومات المُفيدة المتفرقة لكن ينقُصها الترتيب. والآن لديك سؤالين مُهمين لا بُد أن أتوقف لأوضحهم لك.
السؤال الأول: قد لا أتأثر بمفهوم الأجندة غير المنظمة، فقد أكون قادرًا على ترتيب المعلومات المُعطاة لأخرج بكيكة شبيهة بالطعم إن لم تكن نفسها.
و أنت بالتأكيد مُحق هُنا، فقد يُحالفك الحظ كفاية لتُقابل موضوعًا لديك عنه فكرة أو خبرة سابقة استطعت استخدامها أثناء ارتجالك لترتيب المعلومات، لكن ماذا لو قابلت مفهوم الأجندة غير المنظمة في موضوع مثل كيف تعرف عُمر اللوحة الفنية من خلال قياس نسبة الكربون المٌشع C14 ؟ أو ما علاقة المُحلي الصناعيAcesulfame Potassium برائحة الكلور التي تُميز أحواض السباحة ! كيف ستربط النقاط إذا كانت المواضيع جديدة تمامًا عليك؟
وهذا يقودنا إلى السؤال الثاني: ألا يجدر بالتعليم أن يُمثل مفهوم الأجندة المفيدة المنظمة ؟ أن يقدم الصورة الكاملة في نقاط منظمة موحدة لنتبعها كُلنا؟ أليس هذا ما نفعله والذي بناءً عليه حدُدت درجات للمراحل الدراسية ولا نستطيع تجاوزها إلا بإكمال المتطلبات ؟
وهنُا لن أجيب بل أنا نفسي سأتسأل معكم، التعليم بالطبع يهدف لتقديم المعلومات بشكل منظم، لكنه لا يستطيع! فطريقة عمل عقول الطلاب في الربط مختلفة جدًا ونسبية ولن يتفق 40 عقلاً مع عقل المُعلم … أو بشكل أدق، لن يتفق مع عقول من ألفوا المنهج، لن يتفقوا على طريقة ربط واحدة .
الهدف صحيح ، أما الوسائل فلا ..
حينما بدأت المعلومات المدرسية تتمنهج أكثر عن ذي قبل وتُرتب في كُتب كوسيلة يُدْرس ويُدَرس
منها، أصبحنا نُعالج محتوى هذه الكُتب كالمسلمات، لا نُشكك فيها، أو نتفكر في أبعادها، أو حتى نستوعب نواقصها! إن الكُتب تتلوا علينا المعلومات بشكل يُنسيك أن من وصل لها هم أشخاص مِثلُنا ، ازداد علينا عبء الإستماع والحفظ وقل عبء الإنصات والتفكير، قلت المسودات والكُراسات وزادت المُلصقات وأقلام التلوين .
إن الكُتب في التعليم الآن، تخبرك أين تقف المعلومة لتحفظها، لكنها تُشعرك أنه لا حاجة أصلًا لأن تُمسك بيدها وتجُرها أكثر للأمام، وذلك عبر عدم إفصاحها عن وجهات النظر المختلفة حول كل مُعلومة مقدمة .
برأيي أن التعليم يحتاج إلى ما يشبه مفهوم العلاج المتخصص ( Individualized medicine )، نحتاج لتفصيل طريقة سرد المعلومات لكل طالب علم على حدة وذلك يتحقق بأربعة أمور :
كتابة: عهود هادي بحاري
تويتر: @Drgpo
مراجعة وتدقيق: زينب محمد
اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية
اترك تعليقاً