هل تملك الحيوانات مشاعر؟

هل تملك الحيوانات مشاعر؟

24 يونيو , 2015

 

animals

جوناثان بالكومبي مدير فرع إحساس الحيوان في معهد جمعية الرفق بالحيوان . قام بتسليم هذا المقال لـ أصوات الخبراء التابع لمجلة علم الحياة.

في صباح يوم السبت كنت أقود سيارتي لمسافة 15 كيلو متر متجه إلى ملجأ في ريف ولاية ميرلاند حيث أشارك مع مجموعة صغيرة من المتطوعين تعمل على حماية وإنقاذ حيوانات المزارع من الإهمال أو سوء المعاملة. بعض هذه الحيوانات لا تثق في الإنسان والبعض الآخر يريد أن يتفاعل مع الإنسان.

بحكم أنني عالم أحياء مع اهتمام بسيط بسعادة الحيوانات، لاحظت أنها تحب الاحتكاك والملامسة. الماعز مثل “ترودي ومالكوم” تمشي من فوقي وتتمدد بهدوء أمام ساقي عندما أقوم بملامسة روؤسها بين القرون وأربت على وجوهها وأنقل يدي إلى أسفل ظهورها وعلى الخصر فتصبح بشكل ملاحظ مرتاحة وتغلق جفونها بينما لا تزال واقفة. إحدى الخراف القديمة واسمه آدم، يهز ذيله عند مداعبته أو اللعب معه. أما الخروف الاخر كلوفر، يقوم بالحفر بأقدامه أمام حذائي مرارًا وتكرارًا عند توقفي لفترة وجيزة عن تدليك ظهرة (طريقة الخروف للسؤال عن الزيادة). في حظيرة الخنازير، هنالك 700 خنزير بالغ متمدد بسلام على القش مما يساعدهم على الشعور بالراحة عن طريق احتكاك البطن وأيضا عن طريق  جوانبهم ورفع أرجلهم. وعندما يفتح باب حظيرة الدجاج، يأتي  مايقارب 20 طائر باندفاع شديد للخروج إلى الحديقة المشمسة. يستغرقون الساعات القليلة القادمة في البحث عن الاكل. يقضمون الحبوب والنباتات ويبحثون عن اللافقاريات بالنبش في الأرض بأقدامهم القوية ثم يتوقفون ويحدقون للأسفل بحثا عن أي شيء يتحرك تم اكتشافه. يعملون ذلك بكل اتقان، ثم يقومون بأخذ قسط من الراحة من أجل أخذ حمام شمسي بالاستلقاء على جنوبهم ونفش الريش للخارج وتمديد الأجنحة للاستفادة من اقصى قدر ممكن اشعة الشمس.

الحيوان والإحساس

مشاهدة هذه الحيوانات وهي تلاحق رغباتها واحتياجاتها ينبهني بأنها أفراد لهم نوايا واختيارات. حياتهم تعني لهم الشيء الكثير رغبتهم في المكافأة جزء من الإحساس-القدرة على الشعور. الإحساس يشمل خبرات الكون المادية، العاطفية، الايجابية والسلبية.

اليوم معظم العلماء متفقين على أن الفقاريات (الثدييات، الطيور، الزواحف والأسماك) لديها درجات متفاوتة من الإحساس. وقد تم تقديم مجموعة غنية ومتنوعة من الأبحاث والأدلة التي يستحيل تجاهلها أو صرف النظر عنها.

ولكن هذا المنظور لم يكن دائما ذو شعبية.

تاريخيا، على سبيل المثال، نادرًا ما تكون الحياة البحرية في محل اهتمام الإنسان خصوصًا إذا كان الأمر يتعلق بالألم أو المعاناة.  لكن التجارب الدقيقة التي أجريت على سمك السلمون المرقط قبل عقد من الزمان قضت وبشكل رسمي على المقولة الشائعة أن السمك لا يشعر بالألم. وهنالك أيضا تأييد علمي على الإحساس على الأقل في اللافقاريات. في بحث لعالم الأحياء الكندي جينيفر مآثر وزملاؤه، أظهر الأخطبوط اللعب والفضول والشخصية. وفي دراسة بقيادة روبرت الوود في جامعة الملكة في بالفاست، تبين أن الجمبري يستغرق الكثير من الوقت في المغازلة واحتكاك قرون الاستشعار مالم يحصل على تخدير موضعي.

باعتبارها شيء غامض، عواطف الحيوانات تعتبر مصدر منطقي للبحث والتحقيق على الرغم من أننا لا نعرف بشكل مؤكد شعور الحيوان (بالفعل، نحن لا نستطيع بشكل أكيد معرفة شعور شخص آخر)، يمكننا ملاحظة التغييرات في السلوك والفيسيولوجيا ومن ثم نستنتج العواطف. الأدلة تكون أكثر إقناعاً عندما نجد أن هذه التغيرات تكون مماثلة للتغيرات في أجسامنا عندما نتعرض لنفس المؤثرات.

ماذا تعلمنا الكلاب عن إدراك الحيوان

لأنها قادرة على التعبير والاستجابة لنا بشكل كبير، أصبحت الكلاب الأليفة محل اهتمام الأبحاث المتعلقة بإدراك الحيوان وعواطفه.

أثناء آخر زيارة لي لمختبر الكلب الذكي في جامعة فيينا، رأيت كلب يختار عينة في شاشة الكمبيوتر عن طريق لمس الشاشة بأنفه. في الغرفة الأخرى كان هنالك كلاب مستلقية بكل أريحية من أجل مشاهدة صور تعرض على شاشة الكمبيوتر. كلاب المعمل لم تكن لغرض التربية ولكنها كلاب أليفة استخدمت للدراسة. وضعية الكلاب أثناء مشاهدة الصور تخبرنا أن الكلاب مثلنا، تلمح الجانب الأيسر من وجه الانسان أولاً، حيث تعرض أدمغتنا المزدوجة المزيد من العاطفة.  وهكذا تحصل الكلاب على قراءة سريعة لمزاجنا ونوايانا. هذه كلها تحدث في أجزاء من الثانية، والكلاب مثلنا على الأغلب في هذه النقطة، غير مدركين أنهم يفعلون هذا.

لا الكلاب ولا نحن ننظر لوجه الكلب بهذه الطريقة. وهو شيء منطقي لأن مشاعر الكلاب تظهر بشكل موحد على وجوهها. أيضا هز الذيل بالنسبة للكلاب قد يشير بشكل بسيط إلى الحالة المزاجية لديهم.

بقيادة جيورجيو فالورتيجارا من جامعة تيرينتو، وجد باحثون إيطاليون أن الكلاب تبقى مسترخية إذا رأت الكلاب في فلم ما تهز ذيولها أكثر لليمين ، وتنزعج عندما ترى الذيل يهز أكثر لليسار.

في جامعة ايموري، استخدم العلماء التحفيز الإيجابي لتدريب الكلاب الأليفة على البقاء بدون أن تتحرك داخل جهاز الرنين المغناطيسي، مما يسمح للعلماء بمراقبة نشاط المخ بينما تتفاعل الكلاب مع المؤثرات البصرية. وتشير الدراسات الأولية أن مركز المكافأة في المخ يضيء عندما ترى إشارة باليد التي عادة تشير لشيء جيد (الغذاء) ولكن لا تضيء في حالة الإشارة العادية باليد. وبالمثل عندما تشم خمسة روائح (الذات-الناس المألوفين-الناس الغرباء-الكلاب المألوفة-الكلاب الغريبة) أدمغة الكلاب سجلت أكبر فرحة كاستجابة للشخص المألوف. ويتضح هنا أن مقولة أن الكلب هو أفضل صديق للرجل تعمل في كلا الاتجاهين.

الحيوانات والعاطفة المعقدة

من المعروف والثابت أنه عندما نشعر بالاكتئاب نكون معرضين لأخذ منظور تشاؤمي للحياة. يبدو أننا لسنا الوحيدين في هذا الاتجاه. في دراسة أجريت في جامعة نيوكاسل في إنجلترا بقيادة ميليسا باتيسون، تم إيواء مجموعة من طيور الزرزور لمدة 10 أيام بشكل جماعي إما في بيئة مليئة بالطعام والأغصان والبرك مائية، أو لوحدها في أقفاص فارغة وأماكن صغيرة.

كلا المجموعتين  تعلمت كيف تجمع العلف عن طريق اقتلاع أغطية الأطباق، وكل طبق كان يحتوي على دودة. تعلمت الطيور بشكل سريع أن الاطباق ذات الغطاء الأبيض تحتوي على ديدان لذيذة المذاق، في حين أن الأطباق ذات الغطاء الرمادي الداكن تحتوي على ديدان غير مستساغة (نكهة الكينين). كلا المجموعتين من الطيور توقفت عن نقر وتقليب الأغطية الرمادية الداكنة. ولكن عندما قدم المختبرون أطباق جديدة مبهمة ذات لون رمادي فاتح، وجدوا أن الطيور التي كانت في البيئة الغنية أكثر ميلاً لتقليب الأغطية وتجربة الديدان من الطيور التي كانت في البيئة الفقيرة. علاوة على ذلك عند نقل طيور البيئة الغنية إلى البيئة الفقيرة تصبح متشائمة وتتجنب الأطباق المبهمة. ولخص الباحثون إلى أن طيور الزرزور الموجودة في البيئة الغنية تكون أكثر تفاؤلاً من الطيور في البيئة الفقيرة.

وفي مجموعة من الدراسات على  (جرذان، خنازير، أغنام، نحل العسل) كلها أظهرت نفس الاستجابة من التشاؤم والتفاؤل للناتج الغير مؤكد أطلق عليه العلماء (التحيز المعرفي).  يبدو أن حياة الحيوان قد تسير بشكل جيد أو بشكل سيء، وأن الحالة الداخلية الفردية لها بعد من العواطف العابرة في لحظة معينة أكبر.

وبالمناسبة فإن قرود الرباح تمتلك حالات عاطفية تمتد لفترات طويلة. فبعد موت أحد صغارها تظهر الأم ردود فعل سلوكية ونفسية كالتي تظهر على المرأة الحزينة. ووعندما ترتفع الهرمونات القشرية السكرية ( ترتبط في البشر مع الحزن ) تحتاج إلى شهر لكي تعود على ما كانت عليه، وتسعى الأم الثكلى (فقدت ابنها) لمعالجة نفسها عن طريق توسيع محيطها الاجتماعي من خلال زيادة طقوس التنظيف مع قرود الرباح الأخرى.

حرارة الجسم قد تكون نافذة أخرى للمشاعر. فدرجة حرارة جسم الإنسان ترتفع عندما تكون في حالة انفعال أو قلق حيال اقتراب حدث ما، كاختبار أو مسابقة. ففي حالة تعامل شخص غير معروف مع جرذ فإن درجة حرارة جسم الجرذ ترتفع تقريبا درجة مئوية أو أكثر. وإذا عاد نفس الشخص للتعامل مع الجرذ مرة أخرى على مدى أيام متتالية فإن حرارة الجرذ تنخفض  وفي اليوم الخامس تقريباً تتوقف عن الارتفاع كليا. ولكن إذا جاء شخص جديد في اليوم السادس تعاود درجة حرارة جسم الجرذ للارتفاع من جديد، مما يدل أن درجة حرارة جسم الجرذ تعتمد في تغيرها على الجانب النفسي. وهذا ما يسمى (الحرارة العاطفية) قد تم توثيقه في السلاحف والسحالي، مع انها من الزواحف ذات الدم البارد.

الروابط بين الأسماك

لم يجد العلماء حتى الآن الحرارة العاطفية في الأسماك، على الرغم من أنني أعرف دراسة واحدة فقط سبرت أغوار هذا الموضوع. هل هذا يعني أن الاسماك لا تملك أحاسيس؟

احتمال ضعيف. المشاعر في غاية الأهمية، والأسماك متطورة بشكل عالي. وتتصرف بشكل عاطفي، فهي تبين الخوف ، الاثارة ، الغضب ، السرور والقلق. وتنتج أدمغة الأسماك نفس المركبات التي تنتجها الثدييات. يستغرق هرمون الأسماك ما يقارب 48 ساعة لكي يعود لمستواه الطبيعي عند معاملة الأسماك بشكل قاسي أو عنيف، مثل أن تكون في حاويات الصيادين بعد اصطيادها.

هنالك تفاعل غني بالإدراك والمعرفة يحدث على الشعاب المرجانية بين الأسماك المنظفة وعملائها. يتباهى المنظفون بألوانهم الساطعة من أجل أن تبين للعملاء أنها جاهزة للعمل. وعلى الجانب الآخر يقف العملاء في طابور لانتظار دورهم في البحث عن المنظفين. والمنظفون بشكل فردي أو زوجي يتخلصون من الطفيليات والطحالب والعوالق الأخرى الغير مرغوب بها. كلا الطرفين يستفيد فالمنظفون يحصلون على الطعام والعملاء يحصلون على خدمات منتجع. بالمناسبة هذا لا يحدث بشكل عشوائي فالعملاء لديهم منظفين مفضلين يعودون إليهم بشكل متكرر. بعض العملاء يراقبون التفاعلات ويأخذون بعين الاعتبار من يقوم بالتنظيف بشكل جيد ومن يقوم بالتنظيف بشكل سيء. هنالك أسباب لهذا السلوك الذي يسمى ب(السلوك نتيجة الصورة): بعض المنظفين ربما يقومون بعض المخاط الثمين الذي يقوم مقام الدرع الواقي للسمك، وهذا الشيء يسبب إزعاج للعميل وربما تتم ملاحقة المنظف بشكل غاضب. والبعض الآخر يعملون كمحتالين، يملكون أسنان حادة مطابقة لأسنان المنظفين ومن ثم يعضون ويسرقون قطعه من الزعانف ثم يهبون إلى بر الأمان.

وقد وثقت الدراسات المتأنية من قبل باحثين سويسريين بقيادة الدكتور رضوان بشاري أن المنظفون يقومون بإزعاج أقل إذا كان العملاء محتملين ينظرون إليهم. المنظفون أيضا يقومون بتدليل عملائهم عن طريق مداعبة زعانفهم بلطف. مثل اللمسات العلاجية للبشر كذلك مع السمك أيضا. في دراسة من مارتا سواريز وزملائها في جامعة لشبونة. تبين أن سمك الجراح الأزرق انخفض عنده هرمون التوتر عندما استطاع أن يمشي بجانب صولجان ميكانيكي يعطيه ضربات خفيفة.

الذي قادني إلى لاري. وهو سمكة هامور من جزر الباهاما قامت بمصادقته صحفية ومؤلفة من فلوريدا تدعى كاثي اونروه. عندما تغوص كاثي في محيط لاري، يلاحظها لاري ويأتي ليحييها. مثل عملاء سمك الشعاب المرجانية الذين ينتظرون دورهم ليتم تنظيفهم من قبل الأسماك الجائعة. أو الخراف والأغنام عندما أدللهم في مأواهم. لاري يبدو مستمتعاً بالمداعبة والضربات الخفيفة.

ماذا يعني كل هذا؟ معظم من عاشوا مع الكلاب والقطط منا مقتنع ولو بشيء قليل أن لمحبوبيه مشاعر فريدة من نوعها. ولكننا نملك بشكل عام نظرة أقل وضوحاً عن الحيوانات البرية، أو عن أولئك الذين أعدوا على صحن العشاء.

اليوم العلماء يتساءلون بشكل أكثر مِمَّا سبق عن حياة الحيوان الداخلية. وأدواتهم لتحقيق الوصول للإجابة على هذه الأسئلة تنمو بشكل متطور ومتقدم. كما تظهر نتائجهم، فلقد حصلنا على منظور أكثر وضوحاً عن التغير المتنوع لعواطف الحيوانات. مما يعطيني التفاؤل بأن تصرفات  المليئة بالإهمال والإساءة في علاقة  الإنسان والحيوان سوف تتطور من خلال الفهم نحو الرحمة.

 

المصدر :  Live Science

 

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!