هل ستبطئ حرارة الربيع الدافئة من سرعة تفشي فيروس كورونا؟

هل ستبطئ حرارة الربيع الدافئة من سرعة تفشي فيروس كورونا؟

24 أبريل , 2020

دقق بواسطة:

نصراء محمد

إنَّ الحديث عن سرعة انتشار فيروس كورونا المستجد و عن تلاشيه عند حلول الربيع ما زال أمراً محل شك؛ إذ يرى العديد من العلماء أن الأمر مازال مبكراً لمعرفة ما إذا كان فيروس كورونا المستجد سيحذو حذو الإنفلونزا الموسمية أم لا. وعليه، تهيب منظمة الصحة العالمية بالجميع المداومة على غسل اليدين بالماء والصابون، والتقيد التام بتعليمات التباعد الاجتماعي.

موسم الإنفلونزا يقل عموما في شهري أبريل ومارس، فهل سيحذو فيروس كورونا حذو الإنفلونزا؟
لعل تفشي فيروسات الكورونا السابقة بإمكانها أن تعطينا فكرة عن ذلك.

لم يؤكَّد بعد ما إذا كان فيروس كورونا المنتشر سريعا حول العالم سيحذو حذو الإنفلونزا الموسمية وسيتلاشى مع حلول الربيع، ويرى عديد من العلماء أن الأمر مازال مبكراً لمعرفة كيفية تصرف الفيروس الخطير في الطقس الدافئ.
 

وتندرج عشرات من الفيروسات تحت عائلة الكورونا على أن سبعة منهم فقط له تأثير على البشر. ومن المعروف أنَّ أربعة فيروسات تتسبب بنزلة بردٍ للبشر، بينما تعد الباقي أنواعاً مستحدثة وأكثر فتكاً ويعتقد بأنها تنتقل من بعض الحيوانات كالخفافيش والجمال. وقد صنف مسئولو الصحة هذا الفيروس سارس كوف 2(SARS-CoV-2 )ومرضه كوفيد-19( COVID-19).

وتعد فكرة أن الصيف قد يمنع تحول الفيروس لجائحة محل اهتمام، فقد غرد الرئيس دونالد ترامب الشهر الماضي حول جهود الصين لاحتواء الفيروس قائلاً إنها جهود حثيثة “لاسيما مع اقتراب الطقس للدفء”.

وتميل عادةً الفيروسات التي تسبب الإنفلونزا أو الزكام الخفيف إلى الانحسار في الأشهر الأكثر دفئاً؛ ويرجع ذلك إلى أن هذه الأنواع من الفيروسات تحوي ما يَطلُق عليه العلماء “الموسمية”، ولذلك فإن تعليقات الرئيس فيها نوع من التأييد العلمي، ولكن من المشكوك فيه للغاية إن كان فيروس سارس كوف2 سيتصرف بنفس تلك الطريقة، إذ يرى بعض دارسي المرض حاليا أن دراستهم مازالت مبكرة للتنبؤ بكيفية استجابة الفيروس لتقلبات الطقس.

وقد صرَّح ستيوارت ويستون، باحث ما بعد الدكتوراه في جامعة ميرلاند الطبية، بينما يجرى دراسة الفيروس: “من الصعب معرفة ذلك لكن آملُ أن يكون الفيروس من النوع الموسمي”.


وحتى السادس من مارس، تم تأكيد أكثر من ثمانية وتسعين ألف حالة في ثمانية وثمانين دولة. ويقول الخبراء على الأرجح أن يستمر المرض في التفشي.

ماذا نعرف عن الفيروسات عامةً؟

قد تفكر، على أقل تقدير، في الإنفلونزا وفيروسات كورونا على أنهم مجموعة من الدهون والبروتينات التي تنتقل من شخص لآخر عبر التلامس الجسدي، إلّا أنَّهما قد يتواجدا أيضا على الأسطح الصلبة أو في الرذاذ المتطاير عند سعال الشخص المصاب.

ما إن يخرج الفيروس خارج الجسم، حتى تتسبب قوىً خارجية بتدهور الفيروس، فالكحول الموجودة في معقم اليدين، على سبيل المثال، تدمر البروتينات الدهون، مما يجعل الفيروس أقل ثباتاً ومن غير المحتمل أن يتسبب بنقل العدوى بنجاح.

ثمَّة دراسة تتمحور حول سبب كون بعض الفيروسات موسمية، وقد تركزت حول الفيروسات التي تسبب الإنفلونزا، وهو المرض المرتبط طويلاً بأشهر الشتاء. ويستمر ” موسم الإنفلونزا” من شهر أكتوبر وحتى شهر أبريل أو مارس. وللعلماء نظرياتٌ عديدة عن السبب وراء ذلك.

إلَّا أنّ البعض يؤمن أن للتجمعات دوراً في نشر الفيروسات؛ إذ تزداد احتمالية انتقال العدوى من شخص لآخر عندما يتجمع الناس في الداخل هرباً من الطقس البارد. ولمعرفة لِمَ تشهد المناطق التي تقع على خطوط العرض الشمالية ارتفاعاً في حالات الإنفلونزا خلال فصل الشتاء، قام الباحثون بدراسة كيفية تفشي الفيروس في مختلف مستويات درجات الحرارة والرطوبة.

وتشير الأبحاث الحديثة نسبياً إلى أن الهواء الجاف والبارد قد يساعد الفيروسات على المقاومة أو التنقُّل بعيداً عبر الهواء.

ونُشرت إحدى الدراسات الأولى المتعلقة بالظروف البيئية التي تؤثر على انتقال الفيروس في عام 2007، ولاحظت كيف تنتشر الإنفلونزا عبر الحيوانات المصابة في أحد المختبرات. وتُبْطئ الحرارة العالية والرطوبة العالية على وجه الخصوص من انتقال الإنفلونزا، أمَّا في مستويات الرطوبة العالية جداً يتوقف الفيروس عن الانتشار تماماً. ويحتوي الهواء الساخن على المزيد من النداوة مما يؤدي إلى منع انتقال الفيروسات الموجودة في الهواء أكثر من القدر الذي قد ينتقلون به في الهواء الجاف. وفي الأجواء الرطبة يجمع الرذاذ الخارج من الفم عند العطاس او السعال المزيد من البلل بمجرد خروجه من الفم، مما يجعل هذا الرذاذ ثقيلاً على البقاء في الهواء فيسقط على الأرض.

وتُظهر دراسات أخرى نتائج مماثلة رغم أن بعض المناطق المدارية بها حالات إنفلونزا أكثر خلال موسم الأمطار عندما يتجمع الناس أيضاً في الداخل.


ويفترض العلماء أن الرطوبة المنخفضة، والتي غالبا ما تكون في فصل الشتاء، قد تضعف وظيفة المخاط الذي في أنفك، والذي يستخدمه جسمك لصد وطرد الأجسام الغريبة كالفيروسات والبكتيريا. ويمكن للهواء الجاف والبارد أن يجعل من هذا المخاط اللزج أكثر جفافا وأقل فعاليةً في صد الفيروسات.

ولا يزال -إيان لبكن مدير مركز جامعة كولومبيا المختص بالعدوى والمناعة- يدرس الفيروس المستجد، وقد قال إن ضوء الشمس، الذي يقل في الشتاء، قد يساعد في تحلل الفيروسات التي انتقلت إلى الأسطح.

وأضاف: “تعمل الأشعة فوق البنفسجية على تحليل الحمض النووي وهي غالبا تطهر الأسطح. لذا، فإنَّ وجودك في الخارج أنقى لك من الداخل ويرجع ذلك إلى الأشعة فوق البنفسجية”.

وتعد الأشعة فوق البنفسجية فعالة للغاية في قتل البكتيريا والفيروسات وغالبا ما تستخدم لتطهير الأجهزة في المستشفيات.

ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لفيروس كورنا المستجد؟

بالرغم من أن كلاً من الكورونا والإنفلونزا عدوى تنفسية، فإنه لا توجد معلومات كافية عن سارس كوف-2 وذلك لمعرفة ما إذا كان سيحظى بنفس الأنماط الموسمية أم لا.

ولنتعرف على هذا المرض بشكل أفضل، يدرس العلماء أمراضاً مشابهة كسارس وميرس. ويتشارك فيروس سارس الذي انتشر في أواخر 2002، بنسبة 90% من حمضه النووي مع الفيروس الحالي. وبدأ تفشيه من شهر نوفمبر وحتى يوليو. ومثلما ذكر ويستون، يشير هذا الأمر إلى كونه فيروس موسمي، وقد يكون الاحتواء نتيجةً للتدخل المبكر. وبعبارة أخرى: هل اختفى جرَّاء ارتفاع درجات الحرارة؟ أم أنَّ جهود العلاج والوقاية قد أثمرت؟

أما فيروس ميرس، فقد ظهر في سبتمبر 2012 في السعودية حيث درجات الحرارة مرتفعة عموماً. وعلى خلاف سارس لم يتم احتواء فيروس ميرس؛ إذ تُسجَّل حالات جديدة بين الفينة والأخرى. وكذلك فقد بدأ فيروس كورونا بالتفشي في الشرق الأوسط وعلى التحديد في إيران والإمارات العربية المتحدة.

 ويقول ويستون: “لا نملك الكثير من الأدلة إزاء موسمية فيروس ميرس”. ولكن يبقى الأمر غير واضحاً ما إذا كان فيروس سارس أو ميرس موسميان، أم أنَّ فيروس كورنا سيحذو حذو فيروس سارس. ويقول ويسترون إن مختبراتهم تركز على تطوير علاج ولقاح للفيروس الذي لن يتوفر قبل عام على الأقل، هذا إن لم تكن أعواما.

ما القــادم؟

لا يرى مارك لبستش، عالم الأوبئة في جامعة هارفارد، أن تغيرات الطقس ستبدي تأثيراً كبيراً على انتشار الفيروس، فكوفيد 19 قد سُجل في أنحاء العالم. وإن كان الفيروس مشابهاً لفيروس الإنفلونزا فقد يزيد الطين بلة في المناطق الجنوبية من الكرة الأرضية عند تغير الفصول.

 ويقول ديفيد هايمان، من جامعة لندن لعلم الصحة والطب الاستوائي، أنه لا يوجد حتى الآن ما يكفي من المعلومات للتنبؤ بكيفية تغير الفيروس في ظروف الطقس المختلفة.

 ويضيف هايمان عبر البريد الإلكتروني: “يكمن خطر التنبؤات القائمة من غير أدلة، خاصة إذا ما ثُبِتَ خطأهم لاحقاً، في أنَّها قد تؤخذ على محمل الجد، فتعطي أماناً زائفاً. وإن ما يجب أن نؤكد عليه اليوم هو الاستمرار في الاحتواء للقضاء عليه بقدر الإمكان”.

ووفقاً لمركز التحكم في الأمراض، فإن الناس أكثر عرضة لنقل العدوى حينما يظهرون الأعراض. إلا أن بعض الخبراء يشككون في أن المصادر الرسمية قد تقلل من أعداد المصابين، قائلين ليس كل من يصاب بالفيروس سيصاب بمرض خطير.

 ويقول ويسترون: ” إننا نشهد الحالات الخطيرة فقط، فقد يكون هناك عدوى جارية لم تُكشف.”

ويرى العديد من الخبراء أنَّه من المحتمل أن يكون فيروس سارس كوف-2 مرضاً مستوطناً، وسينضم إلى الفيروسات التاجية الأربعة الموجودة والتي تسبب نزلات البرد الخفيفة، أو سيصبح مرض موسمي كالإنفلونزا.

وعليه، تهيب منظمة الصحة العالمية بغسل اليدين باستمرار، وتجنب التلامس القريب مع من يُظهر أعراض الكحة أو العطاس، والسعي للعلاج عند المرض وذلك لتجنب الإصابة بمرض من أي فيروس.

ترجمة/ عبدالرحمن نصرالدين

تويتر/ @kokowkwk

تدقيق/ نصراء الشبيبي

تويتر/   @alshabibihnoon

رابط المقال/https://www.nationalgeographic.com/


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!