تزيد المدن من خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق والذهان- ولكنها كذلك مفيدة للصحة النفسية

تزيد المدن من خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق والذهان- ولكنها كذلك مفيدة للصحة النفسية

14 مارس , 2020

ترجم بواسطة:

أريج القحطاني

دقق بواسطة:

نجلاء أحمد

على الرغم من إقبال الناس المتزايد للعيش في المدن إلا أن الدراسات أظهرت أن أهل المناطق الحضرية أكثر عرضة للإكتئاب ،والأمراض النفسية من البيئة الريفية .

يعيش أكثر من نصف سكان العالم البالغ عددهم 4.2 مليار نسمة في المدن، ويتوقع أن يزيد هذا العدد؛ إذ من المقدر أن يعيش 68% من سكان العالم في المناطق الحضرية بحلول عام 2050.

تُعد مدينة طوكيو في اليابان أكبر المدن الضخمة – تعرَّف بأنها المناطق الحضرية التي يزيد عدد سكانها عن 10 ملايين نسمة – في العالم إذ يبلغ عدد مواطنيها 37 مليون نسمة، تليها مدينة دلهي في الهند بعدد 29 مليون نسمة، وشانغهاي في الصين بعدد 26 مليون نسمة. أما في المملكة المتحدة، يسكن 83% من الناس في الأوساط الحضرية؛ وذلك بعد مرور عقود عديدة من هجرة السكان من الأرياف إلى المناطق الحضرية. وبذلك أصبحت لندن أول مدينة ضخمة في أوروبا.

لطالما أُدركت الآثار الضارة للحياة الحضرية على الصحة البدنية، بما فيها ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والأمراض القلبية الوعائية. غير أنه في الآونة الأخيرة اكُشف أن الحياة الحضرية قد تحمل أثارا سلبية على الصحة النفسية كذلك.

يرتفع خطر الإصابة بالاكتئاب -أكثر الاضطرابات النفسية تفشيا في العالم، ويتسم بالمزاج السيء والشعور بالعجز- عند سكان المدن بنسبة 20% مقارنة بمن يعيش خارج المدينة. بينما تشهد الإصابة بمرض الذهان -وهو اضطراب نفسي حاد يرتبط بالهلوسات، والأوهام، وجنون الارتياب، والفكر المشوش- ارتفاعا يبلغ 77% عند سكان المدن مقارنة بسكان الأرياف. كما يرتفع خطر الإصابة باضطراب القلق العام -وهو حالة ذهنية تتسم بالشعور بالقلق والإحساس بالخطر المحدق أو الهلع- بنسبة 21% عند سكان الحضر مقارنة بسكان الأرياف.

كلما قضيت وقتا أطول في البيئة الحضرية أثناء الطفولة والمراهقة، ارتفعت نسبتك في خطر الإصابة بالأمراض النفسية في سن الرشد قطعا. وتقدم علاقة “الجرعة والاستجابة” هذه تأييدا غير مباشرا للعلاقة السببية بين الحياة الحضرية والمرض العقلي.

علم الدماغ

يأتي تأييد هذه النتائج الوبائية من علوم الدماغ؛ ففي دراسة رائدة أجريت في عام 2011، قاس الباحثون التفاعل العصبي خلال القيام بمهمة مسببة للإجهاد.

أظهر المشاركون نشاطا عصبيا متزايدا في الجهاز النطاقي – وهو شبكة مناطق تؤدي دورا رئيسا في تحكمنا اليومي بالعواطف- كما كان متوقعا. ويرتبط النشاط العصبي في اللوزة الدماغية ضمن هذه الشبكة بحجم المدينة التي يقيم فيها الفرد أثناء التجربة. ويرتبط التحفيز العصبي في القشرة الحزامية الأمامية -منطقة ضالعة في التعامل مع الضغط الاجتماعي- بطول المدة التي قضاها المشارك في المدينة خلال طفولته.

ومما يثير الاهتمام أن الدراسات الأخرى أظهرت تغييرات مشابهة في الناس الذين يتسمون بنسبة جينية عالية من الإصابة بالاضطرابات النفسية؛ مما يدعم الفكرة القائلة بأن الحياة الحضرية تتسبب بتغييرات داخل شبكة المناطق (في الدماغ) الضالعة بتطور المرض النفسي.

العوامل الأساسية

تقدم الدراسات الوبائية ودراسات علم الأعصاب مجتمعة أدلة متقاربة على أن الناس في المناطق الحضرية فعلا أكثر عرضة لخطر مشاكل الصحة النفسية. إذا أي عامل من العوامل المعينة داخل البيئة الحضرية تزيد من خطر الإصابة بهذه المشاكل؟

وحددت الدراسات الوبائية عددا كبيرا من العوامل، بعضها يبرز مشاكل محتملة في البيئة الحضرية؛ مثل صعوبة الوصول إلى المساحات الخضراء، والمستويات العالية من الضوضاء، وتلوث الهواء.  والبعض الآخر من تلك العوامل يتعلق بالمحيط الاجتماعي، مثل الوحدة، والجرائم المفترضة والفعلية، والفوارق الاجتماعية.

استندت هذه الدراسات على تجميع لقطة فردية لكل مشارك، ومن ثَّمَّ فشلت في استيعاب البيئات المتعددة والمتنوعة التي يعيش بها معظم الناس خلال اليوم. لكن بعض الدراسات الجديدة تستعين بتقنيات الهواتف الذكية، حيث يمارس الناس حياتهم اليومية؛ وذلك لتجميع مقاييس متعددة. فموقع “أوربن مايند” مثلا هو مشروع علمي مدني يستعين بتطبيق ذكي لقياس تجربة الحياة الحضرية أو الريفية في الوقت الحالي.

ومن المهم إدراك أن هذه العوامل داخل المحيط الحضري التي تزيد خطر الإصابة بالأمراض النفسية ليست جوانب جوهرية ولا حتمية من الحياة الحضرية، بل هي نتيجة التخطيط السيء، والتصميم الرديء، والإدارة الضعيفة، وهذا يمكن تغييره. مما يأخذنا إلى السؤال التالي: هل يمكن أن تصبح الحياة الحضرية نافعة لصحتنا النفسية؟

الجانب المشرق

رغم أن البحوث الحالية تركز على التأثيرات السلبية للحياة الحضرية على الصحة النفسية، مصورةً التحضر المتسارع الجاري في أنحاء العالم على أنه تحديا للبشرية، إلا أن هذا تبسيطا لما يعنيه العيش في المدن؛ وذلك لثلاثة أسباب على الأقل.

أولا: الحياة الحضرية معقدة، ومتناقضة، وظاهرة يصعب تعريفها، مع وجود قواسم مشتركة قليلة بين المقيم في حي محروم، وذلك الذي يقيم في مدينة تملؤها الحدائق؛ أو بين اجراءات الاستطباق والحالة المتدنية لوسط المدينة. وتماشيا مع هذا المفهوم، ينخفض انتشار الاكتئاب داخل المناطق الحضرية عندما يحظى الناس بمساكن عالية الجودة ومساحات خضراء.

ثانيا: كلنا نعلم أن الصحة عامة، والصحة النفسية خاصة، تعتمد على الطبيعة والرعاية. فالأدلة الناشئة من علم التخلق -الذي يدرس كيفية تأثير البيئة على تجسد جيناتنا- على سبيل المثال تشير إلى أن تأثير الحياة الحضرية يعتمد على تركيبنا الجيني الموجود من قبل.

ثالثا: الحياة الحضرية لكثير من الناس قد تعود بفوائد جمة على الصحة النفسية عن طريق الفرص المتزايدة في التعليم، والتوظيف، والتنشئة الاجتماعية، والحصول على الرعاية المتخصصة. فالانتقال إلى المدينة قد يكون الخطوة الأولى نحو إدراك المرء لكامل إمكانياته، وشرطا لازما للوصول إلى المجتمعات ذات المصالح والقيم المتشابهة.

في نهاية المطاف، توفر المدن مجموعة من العقبات والفرص، والحرية والأسر، مما قد يشكل تحديا لنا، وتنشئة كذلك، وأحيانا يكون هذا في الوقت نفسه.

المصدر: https://theconversation.com

ترجمة:أريج القحطاني

مراجعة :نجلاء أحمد


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!