هل من الممكن أن تعمل أدمغة الأطفال بشكل طبيعي بعد إصابتهم بالسكتة الدماغية؟

هل من الممكن أن تعمل أدمغة الأطفال بشكل طبيعي بعد إصابتهم بالسكتة الدماغية؟

3 ديسمبر , 2019

يناقش هذا المقال دراسة تشير إلى إمكانية استعادة الأطفال لقدراتهم الدماغية عند إصابتهم بالسكتة الدماغية بعد ولادتهم حيث أن الجزء الأيسر من الدماغ والذي يتحكم باللغات وتطورها يتأثر بهذه السكتة.

تُشير دراسة صغيرة إلى أن تعرض الأطفال حديثي الولادة لتلف في الدماغ الأيسرأدى إلى تعويضه بالمنطقة التكميلية من الدماغ الأيمن للحفاظ على تطور اللغة.

     عندما يصاب البالغون بالسكتات الدماغية، والتي تؤثر على البُنية التي تسمى الحزمة المقوسة في النصف الأيسر من الدماغ،  فإنهم يفقدون عادةً قدراتهم اللغوية ويستعيدونها بصعوبة، إن وجدت. لكن الأمر نفسه لا ينطبق على الأطفال الذين أُصيبوا بالسكتات الدماغية في هذه المنطقة خلال الأيام الأولى من حياتهم. وفقًا لدراسة نشرت في 1 أغسطس في مجلة  eNeuro””,  وجدت هذه الدراسة، أنه على الرغم من الأضرار التي سببتها السكتة الدماغية بالحزمة المقوسة أو بالقرب منها في فترة ماقبل الولادة، لا تزال أدمغة الأطفال الرضع قادرة على اكتساب مهارات لغوية طبيعية إلى حد ما في سن الرابعة.

     توجد الحزمة المقوسة في نصفي الدماغ، وهي أحد المحاور الأساسية فيه. لكن التي تتواجد بالنصف الأيسر تعد مهمة لأنها عادةً مرتبطة باللغة.  ووجدت الدراسة، التي شملت ستة أطفال في الرابعة من العمر ممن أصيبوا بسكتات دماغية في الحزمة المقوسة أو بالقرب منها التي بالنصف الأيسر بالدماغ في فترة ما قبل الولادة، كلما كبر حجم الحزمة القوسية التي بالنصف الأيمن مقارنة بالتي في النصف الأيسر فتصبح القدرات اللغوية لدى الأطفال أقوى.

     لكن بشكل عام، لدى الدماغ القدرة على استخدام مناطق أخرى في النصف المحيطي والتي بدورها ستتولى القيادة وستدعم اكتساب اللغة في مستوى قريب من الطبيعي تقريبًا، وهذا أمر جيد”، كما تقول المؤلفة المشاركة في الدراسة لورا بوش، وهي عالمة نفسية تركز على اللغة  في جامعة برشلونة. لكنها تلاحظ أن أحد المرضى الستة يعاني من إعاقات لغوية مهمة ينبغي أخذها بالاعتبار.

    أشارت الأبحاث السابقة إلى أن البالغين عكس الأطفال، فإن السكتات الدماغية التي تصيب حديثي الولادة في النصف الأيسر من الدماغ لا تعيق تطور اللغة، لكن الآليات العصبية جرّاء هذا التشافي بعد السكتة غير معروفة. كما كتب المؤلفين في تقريرهم وذلك قبل تحليلهم المسبق، أنه لم تكن هناك دراسات تصوير عصبي على الأطفال في سن ما قبل المدرسة الذين أصيبوا بجلطة في الرحم أو حديثي الولادة (المعروفة باسم السكتة الدماغية الشريانية المحيطة بالولادة، أو باييس)، وهي حالة نادرة تحدث مرة من أصل 4000 ولادة.

    واحتلوا المرضى الستة جزءًا كبيرًا في دراسة باييس في أسبانيا. فجميعهم أصيبوا بسكتات دماغية عندما كانوا حديثي الولادة، وقد أجروا التصوير بالرنين المغناطيسي في غضون أيام من الأعراض العصبية الأولية. وثم عندما أصبحت أعمارهم أربع سنوات، اختبر الباحثون قدراتهم اللغوية وأجروا أيضًا مزيدًا من التصوير لهيكلة المخ. وفي ضوء الأضرار التي لحقت بالسكتة الدماغية في النصف الأيسر من الدماغ، تساءل الباحثون، هل سيقوم الدماغ الأيسر للأطفال بتعيين مهام اللغة لمناطق أخرى من الدماغ؟

     وتبيّن أن جميع المرضى قد حصلوا على معدل ذكاء لفظي طبيعي وفقًا لاختبار المفردات. وأيضًا كانت نتائج الأطفال طبيعية فيما يتعلق بمجالات اللغة في اختبارات علم النفس العصبي، حتى وإن كانوا في المرتبة الأخيرة . يقول بوش إنهم سجلوا درجات أقل من المعدل الطبيعي في مهارات لغوية معينة، مثل القدرة على إعادة سرد أو مناقشة قصة أو مهارات صوتية، حيث يُطلب من الأطفال أساسًا اللعب بمقاطع الكلمات.

     ولكن في اختبارات اللغة التعبيرية، حيث تم تسجيل خطاب الأطفال أثناء لعبهم وتحدثهم، كان مرضى السكتة الدماغية يختلفون كثيرًا في أدوات التحكم عن (الأطفال الذين بلغوا سنهم والذين أجروا نفس الاختبار كجزء من دراسة مختلفة) ، كما يقول بوش: “كانوا يستخدمون كلمات أقل من الأطفال الآخرين لكن هذا لا يعني أنها كانت غير صحيحة، لكنها كانت أقل في تلك السن”.

      قام الباحثون بفحص أدمغة الأطفال باستخدام فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي ، والتي تسمح للعلماء ببناء نماذج ثلاثية الأبعاد من مساحات المادة البيضاء، بما في ذلك الحزمة المقوسة. ثم قاموا بالنظر إلى فحوصات الأطفال الأصحاء من نفس العمر من مستودع بيانات التصوير بالرنين المغناطيسي للأطفال في المؤسسات القومية للصحة، وهي جزء من دراسة عن النمو الطبيعي للمخ. وكان المجال الرئيسي الذي اختلف فيه المرضى والضوابط في بنية الحزم المقوسة لديهم.

    ويوضح ماركو كاتاني، الذي يترأس مختبر التشريح العصبي والمسالك البولية المسمى نات برين لاب في جامعة كينجز كوليدج في لندن، أن البالغين من الأصحاء يتمتعون بثلاثة أجزاء تقريبًا من الحزم المقوسة  نفس الحجم في كلا النصفين الأيسر والأيمن، ولكن هناك تباين في وجودها  أو غياب جزء واحد، ويسمى الجزء الطويل. ووفقًا لأبحاث كاتاني، إن 80 بالمئة من البالغين الأصحاء لديهم ثلاث أجزاء من الحزم المقوسة في النصف الأيسر، ولكن أيضًا لديهم جزء طويل يكون غائبًا أو صغيرًا جدًا في النصف الأيمن من الدماغ.

    وتوضح دراسة حديثة على مرضى السكتة الدماغية  أن جميع الأجزاء الثلاثة من الحزم المقوسة تتواجد في النصف الأيمن، وكذلك البعض منها تتواجد في النصف الأيسر، ولكن ليس في جميع المرضى. أما في قاعدة بيانات المؤسسات الوطنية للصحة، كان العكس صحيحًا: كانت جميع الحزم المقوسة الثلاثة متواجدة دائمًا في النصف الأيسر من الدماغ، وليست بالضرورة تواجدها في النصف الأيمن. علاوةً على ذلك، وجد الباحثون أنه كلما كبر حجم الحزمة القوسية انتقلت إلى النصف الأيمن وازداد عدد الكلمات التي يتحدثها الأطفال أثناء اختبار اللغة. وترتبط هذه النتائج بما كتبه الباحثون، تقوم أدمغة الأطفال من بعد السكتة الدماغية بتعيين وظائف لغوية في النصف الأيمن من الدماغ.

     يقول كاتاني مع أنه لم يشارك بالدراسة، “كان لدى المرضى في هذه الدراسة ضعف لغوي قليلًا مقارنةً بالأطفال الطبيعيين، وهذا يعني أن النصف الأيمن من الدماغ يتولى حقًا معظم الوظائف .  

إعادة تشكيل الدماغ عند البالغين والأطفال الأكبر سنًا بعد السكتة الدماغية :

  تضاف النتائج إلى البيانات السابقة حول التعافي من السكتة الدماغية لدى البالغين والأطفال.ويلاحظ كاتاني أن النتائج تتماشى مع نتائج دراسة سابقة قادها، والتي وجدت أن حجم الجزء الطويل المتواجد في النصف الأيمن مرتبط بشكل إيجابي بمدى استعادة المرضى البالغين قدراتهم اللغوية بعد ستة أشهر من السكتة الدماغية.

      يقول تورستن بالديويج، عالم الأعصاب الإدراكي في جامعة كوليدج في لندن ومعهد غريت أورموند ستريت لصحة الطفل، إن الأدلة المتزايدة على أن الأطفال يمكن أن يتعافوا من هذه السكتات الدماغية في الفترة المحيطة بالولادة قد تبعث الطمأنينة إلى أسر الأطفال الذين عانوا منها,  وتتشابه نتائج بوش أيضًا إلى حد ما مع نتائج دراسة بالديويج من دراسة حديثة أجريت على الأطفال الأكبر سناً الذين أصيبوا بسكتات دماغية في النصف الأيسر من الدماغ. واكتشف هو وزملاؤه أن الوظائف تنتقل إلى النصف الأيمن – وهذا يعني أن الجانب الأيمن من الدماغ كان أكثر نشاطًا من الجانب الأيسر أثناء مهام اللغة – وذلك وفقًا لبيانات التصوير بالرنين المغناطيسي – وكان مرتبطًا بتعافي أفضل بالقدرات اللغوية.

    ويشير بالديويج، أن دراسته لم تجد ذلك التحويل الهيكيلي إلى الدماغ الأيمن ــ أو وجود وظائف متعلقة باللغة ــ ويقول أنه من الصعب استخلاص استنتاجات من أحجام عينة صغيرة.

    وتم ملاحظة هذا القيد من مؤلفي الدراسة، ويقول بابلو ريبوليس، مؤلف مشارك في الدراسة وحاليًا طالب دراسات عليا في قسم علم النفس بجامعة نيويورك، في رسالته بالبريد للعلماء، “أريد أن أوضح أن لدينا عينة صغيرة للغاية. وهذه عينة يصعب الحصول عليها ويمكن أن نحصل على عدد قليل من المرضى فقط. ومعنى ذلك، أن نتائجنا ليست سوى خطوة أولى.

    ومع ذلك ، فإن النتائج هي سبب لمواصلة دراسة هؤلاء الأطفال مع تطور لغتهم لفهم المزيد وهذا دور الحزمة القوسية في استعادة اللغة بعد السكتة الدماغية. وأضاف ريبوليس، “هذه القوة الكامنة لعقولنا تعمل على تجديد نفسها بطرق مختلفة، خاصة خلال الطفولة المبكرة”.

ترجمة: مدى الجميعه

تويتر:@_itzmada

مراجعة: فاطمة فودة

المصدر: https://www.the-scientist.com


اترك تعليقاً

القائمة البريدية

اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد مقالاتنا العلمية وكل ماهو حصري على مجموعة نون العلمية

error: Content is protected !!